في مشهد غير مسبوق بالولايات المتحدة، حقق زُهران مَمداني في الرابعة والثلاثين من عمره فوزًا تاريخيًا بانتخابات نيويورك، ليصبح أول مسلم يتولى عمادة المدينة.
وترافق هذا الفوز بانتصار ديمقراطي في فرجينيا ونيوجيرسي في ما اعتبر تراجعًا للحزب الجمهوري بأول انتخابات تجرى في البلاد منذ بدء الولاية الثانية للرئيس دونالد ترمب.
وبينما وصفت صحيفة "لوموند" هذا الفوز الديمقراطي بأنه انتصار لخطاب العدالة المعيشية وإعادة تعريف الديمقراطية في المدن الأميركية، قلل الرئيس الأميركي دونالد ترمب من قيمته، وهاجم نظام الاقتراع في الولايات المتحدة ودعا إلى تغييره، واصفًا إياه بالكارثي.
وقد لخصت صحيفة التايمز المشهد بعد النتائج، بأنه صدام مفتوح بين إدارة ترمب وممداني، خصوصًا حين لوَّحَ ترمب بتقليص التمويل الفدرالي لنيويورك، في معركة حول الضرائب والأمن والهجرة.
لكن العمدة الجديد المنتخب تعهد بمواجهة إدارة البيت الأبيض وتهديدات ترمب بالقانون، فالمقاربة العامة التي اعتمدها الرئيس الأميركي وفق ممداني تقوم على تخويف وترهيب الناخبين والتأثير على أصواتهم.
ويمثّل هذا حسب الصحيفة اختبارًا مبكرًا لصلابة النظام الفدرالي الأميركي الذي يكمل اليوم يومه السادس والثلاثين من الإغلاق الحكومي في أطول فترة تشهدها البلاد.
"فوز ديموقراطي متوقع"
وفي هذا الإطار، اعتبر المستشار السابق في البيت الأبيض ستيف جيل، أن هناك حماسة لدى الحزب الديمقراطي اليوم بعد فوز ممداني، ولكنها حماسة يجب ألا تتخطى الحدود، معتبرًا أن فوز الديموقراطيين بمدينة نيويورك كان متوقعًا لأن المدينة من الولايات المعتادة للديمقراطيين، ما يعني أنه فوز لن يترجم بالضرورة إلى فوز لهم في الولايات المتأرجحة.
وقلل جيل في حديث إلى التلفزيون العربي من العاصمة الأميركية من قيمة هذا الفوز الذي قال إنه لا يمثل تحديًا حقيقيًا أو أزمة للحزب الجمهوري، لكنه يشكل في نظره أزمة فقط لسكان نيويورك على حد قوله.
وتابع بالقول "الخاسرون في الحقيقة هم سكان نيويورك، الأذكياء منهم سوف يغادرون إلى ولايات أكثر ازدهارًا وسنرى أماكن مثل فلوريدا وتكساس تستفيد من هذه الموارد التي ستنتقل اليها، بينما العالقون في نيوروك سيدفعون الثمن أكبر".
ستيف جيل الذي اتفق مع موقف ترمب من نظام التصويت غداة فوز المرشح الديموقراطي، دافع أيضًا عن تهديد ترمب بقطع التمويل الفدرالي عن نيويورك، متوقعًا أن عمدة المدينة الجديد "سيواجه صعوبات في الحفاظ على وعوده من دون أموال ترمب الفدرالية".
أصوات الشباب والمهاجرين
من حهته، لم يعزُ المخطط الإستراتيجي في الحزب الديمقراطي ريتشارد غودستين فوز العمدة الشاب إلى تصويت المهاجرين والشباب فحسب وإنما إلى نفور المقترعين من سياسات الحزب الجمهوري.
وقال من واشنطن: "ترمب كانت نتائجه أفضل خلال انتخابات 2024 حيث صوت له الكثير من الشباب ومن المهاجرين أيضا، لكن هذا الدعم الذي تلقاه منهم تدهور الآن، ومن دعم ترمب من قبل انقلب اليوم نحو الديموقراطيين".
ورأى غودستين أن ممداني لا يمثل بالضرورة أي نزوع نحو المهاجرين أو أية حساسيات أخرى، ولا يمثل شيئًا أكثر من التوجه الديموقراطي لمدينة نيويورك، كما أن ممداني في حد ذاته لا يمثل تحولًا في الحزب الديموقراطي ولا يمثل مستقبله، محذرًا من الإفراط في قراءة هذه الوقائع باعتبارها دليلًا على تغيير مستقبلي.
وتعليقًا على موقف ترمب، رأى غودستين أنه "من المثير للشفقة أن كل مرة يخسر ترمب أو من يدعمه يقوم باتهام الناخبين بالغش وبالتشكيك في النظام الانتخابي".
وأضاف "ترمب يلعب بالنار حاليا حين يهدد بإيقاف تمويل نيويورك لأن من فاز لا يعجبه، تماما كما فعل مع كندا بسبب إعلان لم يعجبه. هذا مثير للشفقة".
استفتاء على سياسة ترمب
من جهته علق خليل جهشان مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن على هذه النتائج معتبرا أنها انتخابات شكلت نوعا من الاستفتاء الشعبي على الاتجاه العام لسياسة ترمب وإدارته كونها الأولى من نوعها بعد وصول ترمب إلى الحكم.
وعن تأثير القضية الفلسطينية ومواقف المرشح الفائز منها على هذه النتائج، قال جهشان للتلفزيون العربي إن "انتخاب ممداني بلا شك يضيف نوعًا من الشرعية والقوة السياسية لموجة التضامن العالمي والداخلي مع فلسطين وهو غير معهود في أميركا، لكن هذا ليس العامل الرئيسي لكنه أحد العوامل التي ساهمت في تقوية التأييد لحملته رغم الهجمة الشرسة التي واجهها بهذا الخصوص".
لكنه في الوقت ذاته لم يجد أن فوزا من هذا القبيل قد يدل على تحول في السياسة الأميركية ومواقفها تجاه القضايا الخارجية.
وأضاف "من السابق لأوانه القول إن نتائج هذه الانتخابات تشكل إعادة تعريف للسياسة الأمركيية خصوصًا الخارجية، لأن هناك فصلًا كبيرًا جدًا في العقل الأميركي بين السياسات الداخلية أو الخارجية وخصوصًا بالنسبة للشرق الأوسط، لكن مع ذلك هذه الانتخابات بالذات وسّعت من مجال المناورة الضيق الذي كان لسنين طويلة". ورأى أن هذا يمثل تحولًا كبيرًا على صعيد نيويورك دون ادعاء لأن هذا التفكير أصبح بعدا وطنيا.
وشدد جهشان على أن "ما شهدناه من تغيير كبير في الرأي العالم الأميركي تجاه فلسطين هو إيجابي وغير مسبوق، ولكن هذا لم ينعكس بعد من الرأي العام إلى السياسة العامة".