مع استمرار دوران ساعة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، يرفع الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة انتهاكاته ويستأنف قتل الفلسطينيين، كما دأب على فعل ذلك على مدار ستة عشر شهرًا.
ولكن هذه المرة، استشهد ثلاثة من الكوادر المكلفة بتأمين المساعدات تحت مظلة اتفاق يفترض أنه أوقف الأعمال القتالية، وتحت نظر الضامن الأميركي.
إنسانيًا، تواصل إسرائيل حرمان شمال القطاع من إدخال كميات كافية من الوقود، ومياه الصرف الصحي تحل مكان مياه الشرب، كما تعطل سفر الدفعة الخامسة عشرة من المرضى والجرحى للعلاج خارج القطاع. ويرفض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إدخال المنازل المتنقلة والمعدات الثقيلة لغزة.
يحدث كل ذلك وسط توافق أميركي إسرائيلي بشأن الأوضاع في غزة، فنتنياهو شدّد خلال لقائه في القدس المحتلة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، على تصميمه على تحقيق أهداف الحرب في غزة بالقضاء على حكم حماس وعودة الأسرى.
ورد روبيو بالقول إن الرئيس الأميركي كان واضحًا بعدم استمرار حماس بوصفها قوة عسكرية وسياسية في القطاع. وذكّر نتنياهو بأن إسرائيل لن تحظى بحليف أفضل من رئيسه الجمهوري.
مسار المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار
وبشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، يبدو أن الأمور تتعقد أكثر، مع مطالبة الوزير الأميركي بإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين.
من جانبها، أعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية أنها قرّرت بالتنسيق مع المبعوث الأميركي ويتكوف إرسال وفد التفاوض الإثنين إلى القاهرة، لبحث استمرار المرحلة الأولى من اتفاق غزة، وبذلك يتجنب الإسرائيليون الحديث عن أي مفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق.
وبالحديث عن ويتكوف يقول إنّه تحدث مع نتنياهو ورئيس الوزراء القطري ومدير المخابرات المصرية وأجرى محادثات بناءة بشأن تسلسل المرحلة الثانية من الصفقة.
إسرائيل تعرقل اتفاق وقف إطلاق النار
وفي هذا السياق، يشير الكاتب والباحث السياسي إياد القرا إلى أن الأمور لا تسير كما يجب في قطاع غزة خلال الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، وخاصة بعد إتمام عملية تسليم الأسرى السادسة السبت.
وفي حديث للتلفزيون العربي من خانيونس، يعتبر القرا أنه من الواضح أن إسرئيل تريد الضغط باتجاه وضع عقبات في المرحلة الأولى، تمهيدًا لأي مفاوضات ترتبط بالمرحلة الثانية.
ويلفت إلى أن الاحتلال ارتكب انتهاكات جسيمة من خلال استهداف فرق التأمين الشرطية العاملة في غزة، وأقفل معبر كرم أبو سالم وأجبر شاحنات البضائع على أن تعود أدراجها، مشيرًا إلى أن الاحتلال لا يسمح سوى بدخول نحو 30% من عدد الشاحنات المتفق عليه بموجب الاتفاق.
وبحسب القرا، قد تضطر كتائب القسّام للإعلان عن إعاقة إتمام الدفعة السابعة من تبادل الأسرى، في ظل تملص إسرائيل من الالتزام بالاتفاق.
نتنياهو يسعى لتغيير منطق الاتفاق
من جهته، يعتبر الباحث في مركز مدى كرمل مهند مصطفى، أن نتنياهو لا يريد الاتفاق بالشكل الحالي.
ويشرح مصطفى في حديث إلى التلفزيون العربي من أم الفحم، أن منطق الاتفاق الحالي يجب أن يفضي في النهاية إلى وقف الحرب واستعادة جميع الأسرى الإسرائيليين، ومن ثم التداول بشأن مستقبل قطاع غزة.
ويلفت إلى أن نتنياهو يريد أن يستمر في المرحلة الأولى وأن يتم إطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى الإسرائيليين الأحياء، أو تغيير منطق الاتفاق بمعنى أن يتم التفاوض في المرحلة الثانية على قضايا ذات طابع إستراتيجي وسياسي.
ويعتبر مصطفى أن نتنياهو يؤجل المباحثات لأنه لم يجد تفاهمات مع الإدارة الأميركية في ما يتعلق بشروطه لكي يطرحها وهو مرتاح بأنها تحظى بدعم أميركي.
ويقول مصطفى: "يريد نتنياهو أن تكون المباحثات بشأن نزع سلاح حزب الله ونزع سلاح حماس وإنهاء حكمها السياسي في القطاع والتحكم في ملف إعادة الإعمار، وفي حال موافقة حماس على ذلك عندها سيوافق نتنياهو على الاتفاق وإلّا سيستأنف الحرب.
أهداف "غير متماهية"
وفي ما يخص الموقف الأميركي، يرى كبير الباحثين في معهد الأمن القومي الأميركي والأستاذ المساعد في جامعة جونز هوبكنز ليستر مونسون أن أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل مرتبطة ببعضها البعض، لكنها ليست متماهية، حيث يهتم ترمب بوضع حد للعمليات العدائية أكثر مما يفعل نتنياهو.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من واشنطن، يقول مونسون: "إن أميركا تريد ترتيبات مع قوى مختلفة في الشرق الأوسط، لا سيما لجهة احتواء إيران".
ويشير إلى أن الجانب الأميركي يريد أن يستغل المفاوضات الحالية بين إسرائيل وحماس والأطراف الأخرى كمنصة انطلاق للوصول إلى اتفاق أكبر بشأن وضع إيران في الشرق الأوسط.