تقف ألفة مرياح الموظفة أمام واجهة محلّ يبيع الهواتف الذكية في محافظة أريانة في شمال تونس، وتقول والحيرة بادية على وجهها "كيف سأتمكن من شراء هاتف جديد على أقساط؟"، بعد أن عدّلت السلطات قانون الصكوك الذي يرى خبراء أن وقعه سيكون ثقيلًا على الاستهلاك، وعلى نمو الاقتصاد.
وتضيف ألفة (43 عامًا)، "منذ أن صدر القانون الجديد، وأنا أبحث عن حلّ لتقسيط ثمن الهاتف على أشهر من دون أن يتأثر راتبي، لكن الصكوك الجديدة لا تسمح بذلك".
قانون "الصكوك البنكية" في تونس
ويستعين التونسيون بالصكوك كضمان أو لتقسيط ما عليهم من أموال، لكن مع دخول قانون التعامل بالصكوك البنكية الجديد حيّز النفاذ في 2 فبراير/ شباط الفائت، عاد الصك وسيلة للدفع الفوري.
وأقرت الحكومة هذا القانون "لتحسين مناخ الأعمال" عبر تعزيز الثقة بهذه الوسيلة المالية وتحسين الاقتصاد المتردي.
وقررت بهذا الشأن "مراجعة العقوبات السجنية والمالية في اتجاه تخفيفها"، في حين كانت تصل في حال عدم كفاية الرصيد إلى السجن أيًا كان المبلغ.
غير أن التعديلات تنبئ بتداعيات على الوضع الاقتصادي من خلال التأثير مباشرة على استهلاك الطبقة الوسطى، وفق تقدير أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي.
فغالبية التونسيين غير قادرين على الدفع فورًا في حين لا يزيد متوسط الرواتب عن ألف دينار (نحو 300 يورو)ـ وعليهم إعطاء الأولوية للسكن والمواد الغذائية والصحة والتعليم.

وفرض القانون القديم عقوبات بالسجن في حال تقديم صك من دون رصيد، وصنف ذلك جريمة تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات وغرامات مالية.
ونتيجة لذلك وصل عدد القضايا في ملفات الصكوك من دون رصيد في أبريل/ نيسان 2024 إلى 11265 قضية. ولكن القانون الجديد خفّف العقوبات التي تفرض عندما يفوق المبلغ 5 آلاف دينار (نحو 1500 يورو).
"مشكلات أكثر تعقيدًا"
في غضون ذلك، تقول صاحبة محل بيع الهواتف ليلى: "منذ أن أعلنوا عن تنقيح القانون، تراجعت الحركة وعدد العملاء. لم يعد هناك من يشتري، تراجعت مبيعاتنا لأكثر من النصف".
وتتابع: "نحن التجار لم نفهم القانون الجديد لأنه معقد وليس لنا ثقة فيه، فقررنا عدم قبول الصكوك، ونتعامل بالسيولة النقدية... عندك كاش تفضل، ما عندكش كاش أنا آسف".
ووضع القانون سقفًا للصكوك الجديدة يحدده المصرف استنادًا لمداخيل العميل، ويمكن للتاجر أن يتحقق من خلال منصة إلكترونية من وضعية العميل المالية عبر مسح رمز الاستجابة السريعة الذي يحصل عليه العميل من المصرف، ليقرر في ما بعد قبول الصك أو رفضه.

ويدير بدر الدين الدبوسي واحدة من أعرق المكتبات في العاصمة تونس، ويشكو قلّة الإقبال على الكتب خلال السنوات الأخيرة لارتفاع أسعارها. وهذا دفعه للتفكير جِديًا في إغلاقها. ويقول: إن بدء التعامل بالصكوك الجديدة "خلق مشكلات أخرى أكثر تعقيدًا".
ويضيف أن غالبية عملاء المكتبة من الباحثين والأساتذة والطلاب "في السابق كنت أتعامل معهم بالصكوك مؤجلة الدفع، لكن اليوم لم يعد ذلك متاحًا لأنهم لا يتمكنون من الحصول عليها من بنوكهم ولأن المنصة الإلكترونية معقدة وغير متاحة" في أكثر الأحيان.
ويتابع: "لم يعد بمقدور العملاء شراء الكتب لعدم امتلاكهم السيولة اللازمة، ومن ثم تراجع الاستهلاك. فما العمل؟".
وخلال شهر رمضان تبلغ نسبة الاستهلاك الخاص ذروتها عند التونسيين، خصوصًا في عيد الفطر حين يزداد الإقبال على شراء الملابس والحلويات، وتجد العديد من العائلات نفسها أمام مصاريف كبيرة كانت عادة تتحملها من خلال الصكوك المؤجلة.
ويقدر الشكندالي أن "قانون الصكوك الجديد عطل المعاملات التجارية وسيتراجع بذلك الاستهلاك الخاص... وإذا تراجع الاستهلاك فبالضرورة سيتراجع النمو الاقتصادي الضعيف في الأصل... وسيدفع ذلك لمزيد من الانكماش والركود".
إلى ذلك، يواجه الاقتصاد التونسي منذ ثورة 2011 أزمات متعاقبة مع عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية وصولًا إلى أزمة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، ما عمّق من مديونية الدولة لتصل إلى 80% من إجمالي الناتج المحلي.
والمؤشر الأهم على تداعيات الأزمات هي نسبة النمو التي لم تتجاوز 1,4% في 2024. ورفعت الموازنة الجديدة سقف التوقعات إلى أكثر من 3% غير أنه يبدو صعب المنال مع معدّل بطالة من 16% وتضخم يناهز 6%.
وأهم المتضررين من القانون الجديد في تقدير الشكندالي هي "الطبقة الوسطى التي ستتقلص وتتقهقر".
وكانت الطبقة المتوسطة عاملًا مهمًا للاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في تونس، وكانت تشكل حتى 60% من السكان قبل ثورة 2011، لكنها تدهورت بسرعة كبيرة وتنزلق نحو الطبقة الفقيرة، وفق أستاذ الاقتصاد.