منذ يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، دخل الصراع بين إيران وإسرائيل حلقة المواجهة النارية المباشرة، على خلفية العدوان الذي شنّته تل أبيب على طهران، والرد الإيراني عليه.
فمنذ اندلاع التوتر، تعرضت إسرائيل لهجمات صاروخية إيرانية عنيفة أسفرت عن أضرار كبيرة في تل أبيب، وشملت مباني سكنية ومراكز حكومية.
هذه الضربات فرضت مشهد حرب في إسرائيل وكذلك في إيران التي تلقت قصفًا مركّزًا استهدف قادة عسكريين وعلماء نوويين.
تعيد هذه الأحداث إلى الواجهة، محطّة مفصليّة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي قبل 34 عامًا، وهي ما بات يُعرَف بهجوم صدام حسين على إسرائيل، وذلك حين أمطر العراق إسرائيل بصواريخ ثقيلة عام 1991 في ظلّ حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وحتى اليوم، ما زالت تجربة العراق مع قصف إسرائيل حاضرة في عمق الحديث عن الصراع العربي الإسرائيليّ، علمًا أن الضربة العراقية التي حصلت حينها جاءت ردًا على هجوم دولي تعرّضت لها القوات العراقية في إطار ما عُرف بحرب "عاصفة الصحراء"، وذلك في خضم غزو الكويت من العراق عام 1990.
تفاصيلُ كثيرة تكشفها التقارير والوثائق عن هجوم صدام حسين على إسرائيل.. فما هي قصة هذا الهجوم، وكيف حصل، وماذا تكشف الحقائق التاريخية عنه، وما الذي فعله بالداخل الإسرائيليّ؟
غزو الكويت.. مقدمة لضربة إسرائيل
يوم الخميس 2 أغسطس/ آب 1990، بدأ العراق غزوًا عسكريًا على الكويت، وذلك بعدما اتهم صدام حسين الدولة الخليجية بسرقة نفط العراق بالدرجة الأولى، ناهيك عن خلافات أخرى حول بعض آبار النفط المشتركة، بالإضافة إلى إشكاليات مرتبطة بالديون المالية التي تكبدها العراق جراء حربه مع إيران وغيرها من الأسباب الأخرى.
وبحسب كتاب "الكويت الغزو والتحرير"، فإنّ حرب الخليج الأولى، المعروفة أيضًا بالحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و 1988، كانت مقدمة لما عُرف بـ"حرب الخليج الثانية"، والتي نفذ خلالها صدام حسين هجومه على الكويت.
يوضح الكتاب أن الخلاف اشتد على الحدود بين العراق وإيران، ما أدى إلى اشتعال فتيل الحرب بين الدولتين والتي بدأت يوم 22 سبتمبر/ أيلول 1980 واستمرّت لغاية 8 أغسطس/ آب 1988. وكانت أسباب هذه الحرب مرتبطة بنزاعات على مناطق كان كل طرف يدّعي أحقيته فيها مثل منطقة الأحواز العربية، شط العرب.
وفق الكتاب، فإنه بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها من توسيع قوة ونفوذ صدام حسين في منطقة الخليج، كما تخوفت أيضًا من اكتساب الجيش العراقي خبرة عسكرية وعلمية تقوده في المستقبل إلى حيازة برامج تسليح متطورة تهدد المصالح الأميركية بالمنطقة والمتمثلة بنفط الخليج وأمن إسرائيل.
يلفت الكتاب إلى أن من نتائج هذه الحرب تدمير موانئ العراق على الخليج العربي، مما أدى إلى توقف حركة تصدير النفط العراقي من هذه الموانئ، ويضيف: "كانت القيادة العراقية تأخذ في حساباتها احتمال نشوب صراع مع إيران مرة أخرى، وهي تحتاج إلى مساحة أكبر من السواحل المطلة على الخليج العربي، فكانت الكويت الفرصة المثلى لتحقيق هذا التفوق الإستراتيجي".

هكذا، حصل الغزو في مطلع أغسطس/ آب 1990، واستفاق الكويتيون على دخول الدبابات العراقية إلى البلاد، حيث بدأت الحرب الفعلية. وفق الكتاب، اعتقد العراق أن غزو الكويت هو البديل الواقعي لأزمته الاقتصادية، ذلك أن الكويت تملك موارد نفطية كبيرة يمكن أن تعزز مداخيل النفط العراقية.
وكان من الأسباب التي دفعت العراق للهجوم على الكويت أيضًا، اتهام صدام حسين دولتي الكويت والإمارات برفع نسبة إنتاج النفط والتلاعب بأسعاره، مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى 10 و 12 دولارًا بدلاً من 18 دولارًا للبرميل، ما ساهم بانخفاض الأسعار، وأدّى بالتالي إلى خسائر في إيرادات الحكومة العراقية التي تعتمد على النفط لتسديد ديونها بسبب الحرب مع إيران.
ومع بدء الحرب، سيطرت القوات العراقية على الكويت العاصمة، فأصدر مجلس الأمن مجموعة قرارات بدأت بالقرار رقم 660 في 2 أغسطس، طالب فيها بوقف العدوان على الكويت وسحب القوات المعتدية والحفاظ على الممتلكات الكويتية ووقف جميع أعمال القتل والتدمير.
لكنّ ما حصل هو أن العراق لم يستجب لهذا القرار الأممي الذي صدر تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يعطيه قوة الإلزام، فصدر القرار رقم 678 لتحرير الكويت بكل الوسائل مما أتاح حق استخدام التحالف الدولي القوة لتحرير الكويت.
وبعد يومين فقط على بداية الحرب، أعلِن عن تشكيل حكومة كويتية مؤقتة موالية للعراق بقيادة الضابط في الجيش الكويتي علاء حسين الخفاجي الذي تم منحه مناصب رئيس الوزراء والقائد العام، وزير الدفاع، ووزير الداخلية، بالإضافة إلى 9 ضباط عسكريين كويتيين، 4 برتبة عقيد، و 5 برتبة قائد. لكنّ هذه الحكومة لم تصمد فعليًا سوى لـ4 أيام. (1)
إبان ذلك، جرى تشكيل تحالف عسكري ضد العراق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وشاركت فيه بريطانيا والسعودية، وكان الهدف تحرير الكويت من الجيش العراقي.
وبعد الكثير من المحاولات والمفاوضات التي باءت بالفشل، بدأ هجوم التحالف يوم 16 يناير/ كانون الثاني 1991 باتجاه القوات العراقية المتمركزة داخل الكويت لتستمر الحرب لغاية 25 فبراير/ شباط 1991.
وفي ذلك النهار، أعلن العراق موافقته على كل شروط الانسحاب من الكويت، وبعد ذلك بيوم، بدأ بمغادرة الأخيرة بشكل غير منظم. وعليه، كان شكل هذا الانسحاب مساهمًا في تكدس دبابات ومدرعات الجيش العراقي على طول الطريق بين البلدين، ما جعلها هدفًا لقصف طيران التحالف. (2)
هذه الحرب سُميت بـ"حرب الخليج الثانية"، فيما أطلق العراق عليها تسمية "أم المعارك"، كما عُرفت أيضًا بالنسبة للولايات المتحدة بـ"عملية عاصفة الصحراء" و"درع الصحراء"، بينما أطلقت عليها بريطانيا اسم عملية "جرانبي"، فيما أسمتها كندا بعبارة "عملية الاحتكاك"، في حين أن فرنسا أطلقت عليها تسمية "عملية دوجت".

هجوم صدام حسين على إسرائيل
رغم أن إسرائيل لم تكن عضوًا في التحالف العسكري ضد العراق لتحرير الكويت، إلا أن صدام حسين اختار قصفها بصواريخ من نوع "سكود".
ففجر يوم 18 يناير 1991، أي بعد أيام على انطلاق العمليات العسكرية للتحالف ضد العراق، أطلق الجيش العراقي على دفعات وفي فترات متتالية، 39 صاروخًا باليستيًا أرض-أرض على إسرائيل والضفة الغربية. آنذاك، أسفر هذا الهجوم عن سقوط نحو 14 قتيلًا وعشرات الجرحى والمصابين، وقد استهدفت غالبية الصواريخ محيط تل أبيب، أكبر مدن إسرائيل.
وبدأ الهجوم العراقي أولاً بإطلاق 8 صواريخ من نوع "سكود"، ثم عاد العراق لإطلاق 31 صاروخًا آخر باتجاه اسرائيل على دفعات، بينما كان الإسرائيليون مُحاصَرين داخل غرف آمنة يرتدون أقنعة الغاز التي تم توزيعها في حال احتواء الصواريخ على نوع من المواد الكيميائية أو البيولوجية.
تقول صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في تقرير لها إن هذه كانت أول مرة منذ عام 1948 تتعرض فيها مدن إسرائيلية لهجوم مباشر من "العدو" كما قالت، وتضيف: "لم تقتصر هذه الهجمات على صدم الأمة وجعل جميع مواطنيها، مهما بعُدوا عن الجبهة، يشعرون بالضعف فحسب، بل غيّرت إلى الأبد مسار الحروب التي شاركت فيها إسرائيل في الشرق الأوسط". (3)
وخلال الهجمات العراقية على إسرائيل، أصدر العراق بيانات مختلفة قال في أحدها، وتحديدًا يوم 18 يناير 1991، إنه قصف أهدافًا سياسية واقتصادية وعلمية في تل أبيب وحيفا وأماكن أخرى في إسرائيل.
كذلك، ذكر أحد البيانات أن "الضربات جاءت ضد أهداف مختارة في فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى أهداف مُختارة في ميناء حيفا"، فيما قال بيان يوم 23 يناير إن "الصواريخ العراقية أصابت مدينة تل أبيب".
وفي أحد البيانات أيضًا، قالت القوات العراقية إن "الصواريخ انهالت من السماء، محولة تل أبيب وأهدافًا أخرى إلى محرقة جثث"، كما قالت أيضًا إن "إطلاق الصواريخ كان بهدف إزعاج الصهاينة، وزرع الموت والرعب في قلوب من عزلوا نساءنا وأطفالنا في الأرض المحتلة".
ويوم 28 يناير 1991، أجرت شبكة "CNN" الأميركية مقابلة مع صدام حسين، فسُئل عن الهجمات الصاروخية على إسرائيل، وقال: "لقد قلنا إنه إذا ضُربت بغداد، فسنضرب تل أبيب".
واشار أيضًا إلى أنَّ العراق يستخدم أسلحة تعادل الأسلحة التي استخدمها الطرف الآخر ضده، وذلك في معرض إجابته عن حرب العراق ضد قوى التحالف وأيضًا عن هجماته ضدّ إسرائيل. (4)
خلال مقابلته، قال حسين إنه يستطيع، وربما يفعل، تثبيت رؤوس حربية كيماوية أو بيولوجية أو نووية على صواريخ "سكود"، وفق ما أورد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" يوم 30 يناير 1991. (5)

إسرائيل خشيت "كيماوي العراق"
من ناحيته، يقول السياسيّ الإسرائيليّ موشيه آرينز في كتابه "In Defense of Israel A Memoir of a Political Life"، إن تل أبيب كانت تعلم أن غاز الخردل وغازات الأعصاب مثل السارين يتم إنتاجها في منشآت عراقية لاسيما في سامراء والفلوجة، تم بناؤها باستخدام تكنولوجيا ألمانية وأخرى من أوروبا الغربية.
ويكشف الكتاب أنَّ العراقيين كانوا يحصلون على صواريخ باليستية ذات مدى كافٍ للوصول إلى إسرائيل، وقد أطلقت عليها وكالات الاستخبارات الأميركية اسم "سكود".
ويتابع: "كنا نعلم أن العراقيين لديهم منشآت كبيرة لإعداد المواد الكيميائية للاستخدام العسكري، ولقد استخدموها بالفعل في هجوم على قرية كردية في العراق. كان علينا أن نفترض أنهم أعدّوا رؤوسًا حربية كيميائية لصواريخ سكود الخاصة بهم. لا يمكن استبعاد هجوم بصواريخ سكود تحمل رؤوسًا حربية كيميائية".
ويكشف أيضًا أنه قبل سنوات من الهجوم العراقي على إسرائيل، بدأت الحكومة الإسرائيلية تنفيذ برنامج لشراء أقنعة غاز تُخزن لتوزيعها على السكان في حالة الحاجة، ويتابع: "بعد أن نشرت الصحف تقارير عن قدرات العراق في مجال الحرب الكيميائية، برزت دعوات لتوزيع أقنعة الغاز على الإسرائيليين. حينها. تم الامتناع عن القيام بهذه الخطوة، إذ لم يكن لدى السلطات ما يكفي من أقنعة الغاز لجميع السكان، وكان من المحتم أن يثير التوزيع على جزء من السكان الذعر والغضب بين أولئك الذين تم استبعادهم. وفي الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد، 19 أغسطس 1990، طالب وزير الخارجية ديفيد ليفي، من دون سابق إنذار، بتوزيع أقنعة الغاز على الفور على الجمهور. حينها، أدت خطوة ليفي إلى شعور بعدم الارتياح بين الجمهور، وتزايدت الدعوات لتوزيع أقنعة الغاز".
يقول آرينز في كتابه أيضًا إنه في زيارة إلى واشنطن، التقى بديك تشيني، نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وذلك يوم 17 سبتمبر/ أيلول 1990، وأضاف: "أخبرت تشيني حينها أنني أعمل على افتراض أنه بمجرد أن تبدأ الولايات المتحدة عملًا عسكريًا ضد العراق، سيكون هناك احتمال كبير أن يهاجم العراقيون إسرائيل من أجل إثبات للعالم العربي أن هذه حرب حقيقية ضد إسرائيل. من المحتمل أن نتعرض لقصف بالصواريخ العراقية، ربما برؤوس حربية كيميائية. قد يضرب العراقيون إسرائيل حتى قبل أي تحرك أميركي. على أي حال، كان علينا أن نكون مستعدين لمواجهة مع العراق عاجلاً أم آجلاً".
ويتابع: "من بين جميع الدول المتورطة في هذه الأزمة، كانت إسرائيل الأكثر عرضة للخطر. في ظل هذه الظروف، شعرت أنه يجب على الولايات المتحدة أن تتيح لإسرائيل معلومات استخباراتية بشأن العراق، ويجب وضع إطار عمل للتنسيق العملياتي بين قواتنا المسلحة لاستخدامه إذا دعت الحاجة. كان تشيني متحفظًا بشأن كلتا المسألتين، ولم يكن مستعدًا لتزويدنا بصور الأقمار الصناعية في الوقت الفعلي للعراق، وبدا أن ذكر التنسيق العملياتي بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد تسبب له بقلق كبير".
آرينز كشف أنه بعد 48 ساعة من بدء العملية الأميركية ضد العراق، أي يوم 18 يناير 1991، سقطت دفعة صواريخ سكود من العراق على إسرائيل، وقال: "سقطت 3 صواريخ في منطقة تل أبيب، وواحد في الضواحي الشمالية لحيفا، واثنان في البحر. الصاروخ الوحيد الذي كان يستهدف تل أبيب أصاب منطقة مكتظة بالسكان، في الجزء الجنوبي من المدينة، مما تسبب في أضرار جسيمة في الممتلكات ولكن دون وفيات".
ويُكمل: "من الواضح أن الأميركيين لم يتمكنوا من منع عمليات الإطلاق هذه. لذلك من المفترض أن الوقت قد حان ليصبح موقف التراجع المتفق عليه عمليًا، وأساسه أن تتراجع الولايات المتحدة وتُخلي الساحة حتى تتمكن إسرائيل من التصرف".
ويضيف: "طلبت من رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق شامير الدعوة إلى اجتماع لمجلس الوزراء في صباح اليوم التالي لمناقشة الوضع. كنتُ قد تحدثتُ إلى تشيني خلال الليل وطلبتُ مرة أخرى اتخاذ ترتيبات لتنسيق أعمال القوات الإسرائيلية والأميركية، واستمر في المماطلة".
وأكمل: "كان الاجتماع متوترًا في الساعة 8:30 صباح اليوم التالي. كان هناك شعور عام بأن على إسرائيل الرد على الهجمات العراقية. ولكن كيف؟ كانت مئات الطائرات الأميركية وطائرات الحلفاء تحلق فوق العراق. يتطلب دخول طائراتنا إلى هذا المجال الجوي التنسيق مع الأميركيين، لكنني لم أسمع شيئًا من تشيني بعد. طلبتُ من قائد القوات الجوية، أفيهو بن نون، تقديم الخطة العملياتية للهجمات على غرب إيران التي أعدتها القوات الجوية. كان الطيارون في طائراتهم المقاتلة على المدرجات مستعدين للإقلاع لحظة موافقة مجلس الوزراء. أخبرتُ الحكومة أنني آمل أن أسمع من تشيني أمرًا إيجابيًا خلال اليوم نفسه، لكن في هذه الأثناء لم يكن لدينا خيار سوى الانتظار. خلال الاجتماع، قال آرييل شارون إنه يجب إبلاغ الأميركيين بما تريده إسرائيل ويجب إرسال الطائرات إلى العراق. عندها، أجبتُ قائلاً إنَّ الإخطار ليس كالتنسيق. أوصيتُ بألا نخاطر بإرسال طائراتنا فوق العراق من دون تنسيق مسبق مع الأميركيين. لخص شامير، وهو يحافظ على هدوئه، الاجتماع قائلًا (تمت الموافقة على الخطط العملياتية الفعلية المقدمة بشرط تنسيقها مع الأميركيين)". (6)

الكاتب يقول إنّ وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر أبلغ شامير أهمية بقاء إسرائيل خارج الصراع، في حين يقول شمعون غولان، الباحث الإسرائيلي البارز ضمن كتابه "صواريخ على إسرائيل: اتخاذ القرار على المستوى الاستراتيجي"، إنَّ الجيش الإسرائيلي قدم خططًا عملياتية للرد على العراق، وقد تألف ذلك من هجوم لسلاح الجو في غرب العراق ونشر قوات خاصة لتحديد مواقع منصات الصواريخ المتحركة وتدميرها"، لكنه ذكر أن شامير كان يعتقد أن إسرائيل يجب ألا تردَّ بأيّ شكلٍ من الأشكال على إطلاق الصواريخ.
وعليه، وبعد كل الأخذ والرد، لم تنفذ إسرائيل أي هجوم على العراق، وتقول صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير لها عن الملف إن "الاعتراض الأميركي كان أساسًا في ذلك، في حين أن إسرائيل كانت تفتقر إلى معلومات استخباراتية دقيقة، هذا فضلاً عن القدرة المحدودة لسلاح الجو مقارنة بسلاح الجو الأميركي".
وتُكمل: "في نقاش آخر قرب نهاية الحرب، قدّرت مديرية المخابرات العسكرية الإسرائيلية أن تهديد العراق باستخدام المفاجآت يعزز الافتراض بأنه عندما يشعر صدام حسين بأن ظهره للجدار، فقد يفكر في استخدام أسلحة غير تقليدية. عمليًا، لم يحدث ذلك، لكن العراق حاول إطلاق صواريخ على المفاعل في ديمونة، سقط أحدها على بعد ثمانية كيلومترات منه، وبالتالي فإنَّ الصواريخ سقطت في مناطق مفتوحة ولم تسبب أي أضرار". (7)
ماذا تعلمت إسرائيل من "صواريخ العراق"؟
شكّل هجوم صدام حسين على إسرائيل ضربة كبيرة لها، رغم أنها "لم تكن آنذاك غريبة على الحروب"، وفق ما تقول "جيروزاليم بوست"، وتضيف: "حتى ذلك الحين، أي حتى عام 1991، خاضت إسرائيل 5 حروب شاملة بالإضافة إلى حرب استنزاف. دارت معظم معارك تلك الحروب على الجبهة قرب الحدود بعيدًا عن التجمعات السكانية المدنية، وقد تميزت تلك الحروب بمعارك دبابات في سيناء أو مرتفعات الجولان أو معارك جوية في الأجواء المصرية أو السورية".
لكنّ الصحيفة تلفت إلى أنّ الحرب التي شهدتها إسرائيل ضد العراق كانت مُختلفة تمامًا، وتضيف: "لم تكن دباباتنا في مواجهة دباباتهم في سهل صحراوي، بل كانت صواريخهم تنهال على المراكز السكنية".
التقرير ذاته يقول إنَّ حرب الخليج عام 1991، وضعت المدنيين على خط النار مباشرة، كما أنها فاجأت السكان المدنيين ولم يكونوا مستعدين على الإطلاق للتعامل مع هذا النوع من المواقف، ويُكمل: "صواريخ السكود التي أطلقها صدام وفكرة الكابوس التي برزت بأن تلك الصواريخ قد تكون مُحملة بأسلحة كيماوية أو بيولوجية، أجبرت الجيش الإسرائيلي والحكومة على التكيف مع واقع جديد".
وتشير الصحيفة إلى أنّه في فبراير/شباط 1992، تم إنشاء قيادة الجبهة الداخلية في إسرائيل، مما جعلها مسؤولة عن الدفاع المدني، فيما صدر تشريعٌ عام 1993 نتيجة للحرب مع العراق، يُلزم ببناء غرف أمنية مُعززة في أي منازل وشقق وأماكن عامّة جديدة.
كذلك، اعترفت الصحيفة أن "الأهم من تطوير قيادة الجبهة الداخلية هو أنَّ هجمات صواريخ سكود خلال حرب الخليج، رسّخت لدى صانعي القرار في إسرائيل فكرة ضرورة إيجاد حل للصواريخ والقذائف الموجهة ضد إسرائيل، ومنذ تلك اللحظة، أصبحت جهود تطوير مظلة مضادة للصواريخ لحماية إسرائيل من هجمات الصواريخ والقذائف أولوية قصوى، واكتسبت زخمًا مُتزايدًا".
من ناحيته، يشير كتاب آرينز إلى أنَّ تكنولوجيا اعتراض الصواريخ الباليستية كانت لا تزال في مراحلها الأولى من التطوير في إسرائيل خلال ذلك الوقت، أي حين نفذ العراق هجومه خلال حرب الخليج، وذلك كجزء من مبادرة الدفاع الإستراتيجي التي أطلقها الرئيس الأميركي رونالد ريغان.
الكتاب يكشف أنه كان لدى صدام حسين صواريخ قادرة على الوصول إلى إسرائيل، ويُضيف: "بالإضافة إلى رأس حربي وزنه 500 كلغ، كان من المعروف أنَّ العراق قد طوّر أيضًا رأسًا حربيًا كيميائيًا لهذا الصاروخ، بينما كان يسعى لتطوير التكنولوجيا النووية، وقد كان هذا خطرًا واضحًا وحاضرًا على إسرائيل".
الكاتب آرينز يكشف أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك أبلغه أن صدام حسين لن يجرؤ على مهاجمة إسرائيل خوفاً من رد فعل نووي إسرائيلي، لكن لم تكن هناك طريقة للتأكد من ذلك.
أما "جيروزاليم بوست"، فقالت إنَّ مشروع اعتماد منظومة "آرو" الدفاعية في إسرائيل، اكتسب تأييدًا كبيرًا بعد حرب الخليج، قائلة إن "أحد الأسباب هو أن بطاريات الباتريوت المضادة للصواريخ التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل أثبتت عدم فعاليتها، فيما لم يكن بإمكان إسرائيل البقاء مكتوفة الأيدي في مواجهة أي وابل صاروخي مُستقبلي".
لذلك، يلفت التقرير إلى أن إسرائيل، وبعد حرب الخليج الثانية، وضعت نصب عينيها تطوير نظام دفاعي مُضاد للصواريخ يتكون من 3 مستويات: نظام "حيتس" لمواجهة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادمة من إيران، نظام "مقلاع داوود" للتعامل مع الصواريخ متوسطة المدى القادمة من لبنان، ونظام "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى القادمة من قطاع غزة.