الأحد 22 حزيران / يونيو 2025
Close

قدورة فارس إلى التقاعد.. لماذا أقال عباس رئيس هيئة الأسرى والمحررين؟

قدورة فارس إلى التقاعد.. لماذا أقال عباس رئيس هيئة الأسرى والمحررين؟ محدث 19 شباط 2025

شارك القصة

الرئيس الفلسطيني يحيل قدورة فارس إلى التقاعد بعد معارضته إلغاء مخصصات الأسرى-فيسبوك
الرئيس الفلسطيني يحيل قدورة فارس إلى التقاعد بعد معارضته إلغاء مخصصات الأسرى-فيسبوك
الخط
بعد معارضته المرسوم الرئاسي الذي أصدره عبّاس بشأن مخصصات ذوي الشهداء والأسرى، وجد قدّورة فارس رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نفسه على مقاعد المتقاعدين.

بعد أسبوع من معارضته المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بشأن مخصصات ذوي الشهداء والأسرى، وجد قدّورة فارس رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نفسه على مقاعد المتقاعدين، فقد أصدر عبّاس (الثلاثاء) قرارًا بإحالته إلى التقاعد وتعيين رائد أبو الحمص خلفًا له برتبة وزير.

أثار القرار، وقبله المرسوم، جدلاً واسعًا، أعاد إلى الذاكرة كلامًا سابقًا لعباس، خلال لقائه في يوليو/تموز 2018 عددًا من عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين في مقره بمدينة رام الله.

جاء اللقاء على وقع ضغوط وتهديدات إسرائيلية تتصاعد للسلطة الفلسطينية بوقف مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، فما كان من عباس إلا أن ذكّر الحضور بالارتباط العاطفي الوثيق للثورة الفلسطينية بشهدائها وأسراها.

يومها، قال عباس إنه "في عام 1965، بعد انطلاق الثورة الفلسطينية بأيام، كانت أول مهمة للشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات هي إنشاء مؤسسة رعاية أسر شهداء ومجاهدي فلسطين لأنهم الروّاد، ويجب الاهتمام بهم، ونحن سنهتم بهم". 

يروي عباس أن عرفات أنشأ مؤسسة رعاية أسر الشهداء بعد انطلاق الثورة-غيتي
يروي عباس أن عرفات أنشأ مؤسسة رعاية أسر الشهداء بعد انطلاق الثورة-غيتي

وفي ذلك اللقاء تعهّد الرئيس الفلسطيني بعدم الرضوخ للضغوط، وقال للجضور إنه "لو بقي لدينا قرش واحد سنصرفه على عائلات الشهداء والأسرى".

فما الذي حدث ليغيّر عبّاس رأيه وينقلب، إن جاز التعبير، على رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين؟

إرث من الشهادة والخذلان

يبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 نحو 113 ألف شهيد وشهيدة، وكانت تُعنى بشؤون ذويهم "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، وهي هيئة مستقلة تأسست عام 2014 وتتبع منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن كان ملف عائلات الشهداء والأسرى من اختصاص "وزارة شؤون الأسرى" التي أنشأتها السلطة الفلسطينية أول مرة عام 1998.

وأصدر الرئيس الفلسطيني في 10 فبراير/ شباط الجاري، مرسومًا مثيرًا للجدل يقضي بإلغاء المواد الواردة في القوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الشهداء والأسرى، ونقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.

وبعد يوم واحد من صدور المرسوم الرئاسي، أعلن رئيس هيئة شؤون الأسرى قدورة فارس رفضه للمرسوم وطالب بسحبه، وقال فارس في مؤتمر صحفي عقده بمقر الهيئة في مدينة رام الله، إن الهيئة فوجئت بالمرسوم الذي رأى أنه "يقضي بإلغاء مستحقات الأسرى والشهداء"، وإن "موضوعًا في هذا الحجم كان يستدعي انعقاد المجلس الوطني لاتخاذ قرار بشأنه".

قدورة فارس رفض مرسوم الرئيس عباس بإلغاء مخصصات ذوي الشهداء والأسرى-فيسبوك
قدورة فارس رفض مرسوم الرئيس عباس بإلغاء مخصصات ذوي الشهداء والأسرى-فيسبوك

واتهم فارس مستشارين لعبّاس وصفهم بـ"المضللين والضالين والمُضلّين"، باختراع ما سمّاها مبررات واستدارات لإلغاء مخصصات ذوي الشهداء والأسرى، مناشدًا عباس بصفته رئيس دولة فلسطين ورئيس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، الاستماع لصوت الأغلبية الساحقة للشعب الفلسطيني، قائلاً: "لا يجتمع الناس على ضلالة".

وناشد فارس عبّاس بلغة عاطفية قائلًا: "أناشده وهو من الرعيل الأول الذي أطلق الرصاصة الأولى، وأقول له: هؤلاء أبناؤك، وأبناؤهم وزوجاتهم وعائلاتهم هم أبناؤك، وهذه مسؤولية نُسأل عنها يوم العرض العظيم. أناشدك أن نتدارك وأن يتم سحب المرسوم".

وشدد فارس على أن "عنوان الأسرى ليس المؤسسات الاجتماعية سواء كانت الأهلية أو الرسمية، فهؤلاء (الأسرى) جزء من الكينونة الوطنية الفلسطينية، وهم الجزء الأجمل والأرقى، فلذلك يجب أن يكون لهم عنوانهم". 

عائلات شهداء وليست أُسرًا متعففة

بتحويله مخصصات عائلات الشهداء والأسرى إلى "المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي (تمكين)"، فإن المرسوم الرئاسي ينقل ملفهم إلى خانة "الأسر المتعففة" التي تقوم هذه المؤسسة أو سواها برعاية شؤونهم، وفقًا لمعايير "متحركة"، تنظر في أوضاعهم المعيشية والاقتصادية قبل أن تقرّر ما إذا كانوا يستحقون الدعم المادي، وذلك على خلاف وضعهم السابق الذي كانت تصرف لهم بموجبه رواتب شهرية، من دون ربطها بالأوضاع الاقتصادية لهذه الأسر.

فقد كان هؤلاء يخضعون لمجموعة أنظمة وقوانين خاصة بهم، منها "النظام الخاص بالفئة العليا للأسرى المحررين"، و"قانون الأسرى والمحررين"، التي تنظّم صرف مخصصات للأسرى حسب السنوات التي أمضوها في السجون الإسرائيلية، وإضافة إلى تمتعهم بتأمين صحي. 

يرتبط المرسوم الرئاسي لعباس بخصوص الأسرى بترتيبات ما يسمى اليوم التالي -غيتي
يرتبط المرسوم الرئاسي لعباس بخصوص الأسرى بترتيبات ما يسمى اليوم التالي -غيتي

لكن الوضع تغيّر بالمرسوم الأخير بحسب فارس، فالمؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي هي مؤسسة أهلية، وسترسل طواقم للتأكد من صعوبة الحالة المادية لهذه العائلات قبل صرف 700 شيكل (نحو 200 دولار)، وهذا غير مقبول"، مشددًا على أن نحو 35 إلى 40 ألف أسرة فلسطينية، داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، ستتأثر بهذا المرسوم.

وتأسست المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي عام 2019 لتعزيز "التنمية الاقتصادية والاجتماعية للفئات المستحقة في فلسطين، من خلال تمويل المشاريع الصغيرة ودعم الفئات الهشة اقتصاديًا"، وهي تسعى لتمكين الفئات المستهدفة اقتصاديًا و"تشمل الفقراء والنساء وطلبة الجامعات وذوي الاحتياجات الخاصة".

وعام 2024 ترأس مجلس أمناء المؤسسة أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

عبّاس يرفض ويذكّر بعرفات  

ويرتبط مرسوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضغوط مورست على السلطة الفلسطينية في ملف عائلات الشهداء والأسرى تعود إلى عام 2018، حين أقر الكنيست الإسرائيلي قانونًا يسمح لحكومة الاحتلال بموجب قانون خاص خصم مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء الفلسطينيين من عائدات الضرائب الفلسطينية.

وآنذاك كان رد عباس مختلفًا عن فحوى مرسومه الأخير، فقد أكد أن السلطة ستواصل دفع هذه المخصصات، قائلًا: "لن نخصم أو نمنع مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، والأسرى المحررين، كما يسعى البعض إلى ذلك، ولو بقي لدينا قرش واحد سنصرفه على عائلات الشهداء والأسرى".

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عنه، في حينه، قوله: "نعتبر الشهداء والأسرى كواكب ونجومًا في سماء نضال الشعب الفلسطيني، ولهم الأولوية في كل شيء"، بل إنه ذكّر الحضور في حفل تكريم لعائلات الشهداء، أنه "في عام 1965، بعد انطلاق الثورة الفلسطينية بأيام، كانت أول مهمة للشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات هي إنشاء مؤسسة رعاية أسر شهداء ومجاهدي فلسطين لأنهم الرواد، ويجب الاهتمام بهم، ونحن سنهتم بهم".

بتحويله مخصصات عائلات الشهداء والأسرى إلى "المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي (تمكين)"، فإن المرسوم الرئاسي ينقل ملفهم إلى خانة "الأسر المتعففة" التي تقوم هذه المؤسسة أو سواها برعاية شؤونهم، وفقًا لمعايير "متحركة"، تنظر في أوضاعهم المعيشية والاقتصادية قبل أن تقرّر ما إذا كانوا يستحقون الدعم المادي

لكن رفض عباس لم يمنع إسرائيل من البدء بتنفيذ القانون الذي أقره الكنيست، حيث بدأت منذ فبراير/ شباط 2019، بخصم نحو 165 مليون دولار من أموال المقاصّة الفلسطينية شهريًا، بما يعادل مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى. 

وقدّر رئيس الوزراء الفلسطيني السابق محمد اشتية مجموع الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصّة الفلسطينية المتعلقة بمخصصات الأسرى والشهداء بحوالي  ملياري شيكل (نحو 571 مليون دولار) منذ بداية العام 2019 حتى نهاية العام 2022.

علاقة اليوم التالي بالمخصّصات   

وفي سياق الجدل الذي أثاره المرسوم الرئاسي، طرِحت أسئلة بالجملة عن علاقته بما سُمّي بـ"اليوم التالي"، علمًا أنّ وسائل إعلام أميركية كشفت بعد نحو ستة أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أن محادثات متعددة الأطراف تجري على قدم وساق "لإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وتنشيطها" استعدادًا لقيامها بدور محتمل في قطاع غزة بعد انتهاء العدوان.

عيّن عباس رئيس الوزراء محمد مصطفي في إطار "تنشيط السلطة الفلسطينية"-غيتي
عيّن عباس رئيس الوزراء محمد مصطفي في إطار "تنشيط السلطة الفلسطينية"-غيتي

وقالت صحيفة بوليتيكو الأميركية في نهاية مارس/ آذار 2024 إن الخطة الأميركية لإصلاح السلطة الفلسطينية التي تتكوّن من 20 بندًا، تتضمن إيقاف المخصصات المالية لعائلات الشهداء والأسرى، وقالت الصحيفة إن التوافق على هذه الخطوة "يشكل انتصارًا رئيسيًا للدفعة الأميركية المتعددة الأوجه لإصلاح السلطة الفلسطينية، بدءًا من وضع تدابير لمكافحة الفساد إلى تحسين الخدمات الأساسية، حتى تتمكن من تولي حكم قطاع غزة بعد نهاية الحرب".

ووفق مصدر أميركي استندت إلى أقواله بوليتيكو، فإن السلطة الفلسطينية ستعمل على استبدال برنامج الرواتب  التي تُدفع لأسر الشهداء والأسرى بـ"برنامج رفاه عام".

وأوضحت الصحيفة أن بعض بنود الخطة عبارة عن طلبات طويلة الأمد، مثل إنشاء آلية جديدة لمكافحة الفساد،  والتغييرات في كيفية دفع أجور المتقاعدين، وطرق توفير المال في نظام إحالة الرعاية الصحية الخاص بهم، كما تشمل الخطة المساعدة في تدريب قوات الأمن الفلسطينية على العمل في غزة كجزء من جهود تحقيق الاستقرار على المدى الطويل"، وأن ثمن ذلك سيكون اعترافًا أميركيًا بدولة فلسطينية، ودورًا أكبر للسلطة الفلسطينية في ترتيبات اليوم التلالي للعدوان على الإسرائيلي على قطاع غزة.

وبدأ الرئيس الفلسطيني عبّاس في تلك الفترة باتّخاذ إجراءات تستجيب للمطالب الغربية والعربية لإصلاح سلطته، ففي مارس/ آذار 2024 عيّن رئيس الوزراء الجديد محمد مصطفى الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، وسبق له العمل في البنك الدولي. 

لكن مصادر عربية وغربية قالت إن رئيس الوزراء الجديد مقرب من عباس، وإن قرارات الأخير لا تستجيب تمامًا للمطالب الأميركية بل تتحايل عليها.

لقاء عباس وترمب عام 2017 على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة-غيتي
لقاء عباس وترمب عام 2017 على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة-غيتي

وبحسب مسؤولين فلسطينيين فإن الخطة الأميركية التي تردد أنها طرحت على عبّاس ومسؤولين عرب في مارس/آذار من العام الماضي، تقوم على أن تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطين، وتعمل من أجل اعتمادها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والإفراج عن الأموال التي قرصنتها دولة الاحتلال من السلطة الفلسطينية والتي تتجاوز 570 مليون دولار، إضافة إلى عودة واشنطن لتقديم مساعدات مالية للسلطة، مقابل أن تقوم السلطة في المرحلة الأولى بتسوية مخصصات الأسرى والجرحى والشهداء عبر نظام الرعاية الاجتماعية الذي يقدم الدعم للمحتاجين". 

ثمّة من يرى أنّ هذا ما فعله عبّاس أخيرًا، رغم أن السياق نفسه تغيّر تمامًا، فلم يعد جو بايدن في البيت الأبيض بل دونالد ترمب، الذي نقل التعامل الأميركي مع الشأن الفلسطيني وتطوراته المتلاحقة إلى منطقة جديدة لا تحفل بالمسلّمات السياسية المتعارف عليها، ولا بأي التزامات سابقة قطعتها الإدارة الأميركية على نفسها، سواء في ما يتعلق بقطاع غزة أو خطط اليوم التالي لإدارة القطاع أو الاعتراف بدولة فلسطينية. 

تابع القراءة

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي