الأربعاء 17 أبريل / أبريل 2024

قد يكون الشرق الأوسط أبرز مسارحها.. علاقة "متوترة" بين واشنطن وموسكو

قد يكون الشرق الأوسط أبرز مسارحها.. علاقة "متوترة" بين واشنطن وموسكو

Changed

قد يجد الطرفان ورقة للمناورة والضغط المتبادل، في ملفات شائكة عديدة مثل ضم جزيرة القرم، والنووي الإيراني، والحروب بالوكالة، والتحالفات الصينية الروسية.

عادت العلاقات الأميركية الروسية إلى دائرة الضوء في الآونة الأخيرة، بعد فرض البيت الأبيض عقوبات على شخصيات وكيانات روسية، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، على خلفية محاولة تسميم المعارض أليكسي نافالني الصيف الماضي.

وفيما ندّدت موسكو سريعًا بالعقوبات الأميركية والأوروبية، يخشى كثيرون ما يعتبرونها بداية علاقة متوترة قد يكون الشرق الأوسط أحد أبرز مسارحها، لا سيَّما أنّ المؤشرات الأولية أظهرت أن موسكو تتحدّى واشنطن في مواقع نفوذها.

وتُطرَح تساؤلات عن أبرز عناصر استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة تجاه روسيا، وطريقة تعامل موسكو المستقبلي مع سياسة العقوبات المفروضة عليها، وطريقة موازنة واشنطن بين احتواء موسكو والشراكة معها في آن واحد.

بايدن بصدد تنفيذ استراتيجية توازن مع روسيا

جاءت العقوبات الأميركية بعد أن صادق مجلس الدوما الروسي نهاية شهر يناير الماضي على تجديد معاهدة الحد من التسلح النووي مع واشنطن لمدّة خمس سنوات، في مفارقة تبدي استعداد الإدارة الأميركية الجديدة لانتهاج سلوك مغاير مع موسكو.

ويبدو أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن بصدد تنفيذ استراتيجية توازن بين المواجهة من جهة، وعدم الانزلاق مع روسيا في صراع من جهة أخرى.

ومن الواضح أنّ واشنطن لن تصمت إن ثبتت الشكوك بشأن تجاوزات موسكو للأمن القومي الأميركي، من ذلك الهجمات السيبرانية على مؤسسات حكومية رسمية، والتدخل في انتخاباتها الأخيرة.

سياسة موسكو مع واشنطن تقوم على "الند بالند"

لكنّ الرد الروسي جاء مقتضبًا، حيث اكتفت موسكو بالتأكيد أنّها "ستردّ بالمثل"، من دون أن تحدد طبيعة هذا الرد.

ويبدو أن انتقاد الكرملين لسياسة العقوبات واعتبار واشنطن غير مؤهلة لتلقين الدروس يوضح ملامح سياسة موسكو مع واشنطن، القائمة على معادلة "الندّ بالند".

وتدرك روسيا إرث الرئيس السابق دونالد ترمب الثقيل على إدارة بايدن، ولعلها تؤمن أن تموضعًا أميركيًا جديدًا يحتاج وقتًا لترمم واشنطن صورتها أمام الحلفاء والأعداء.

وفي الملفات الشائكة والعالقة قد يجد الطرفان ورقة للمناورة والضغط المتبادل والتأرجح بين سياستي المواجهة والاحتواء، من ذلك ملف ضم جزيرة القرم، والنووي الإيراني، والتحالف الروسي الصيني، وساحات الحروب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط.

من "الحرب الباردة" إلى "حرب الجواسيس".. محطات في العلاقات الروسية الأميركية

تاريخيًا، شهدت العلاقات الأميركية الروسية الكثير من محطات الصراع والتوتر، والأخذ والرد بينهما. فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، التقى رئيس روسيا الاتحادية بوريس يلتسن نظيره الأميركي جورج بوش الأب في فبراير 1992 في كامب ديفيد، وأعلنا رسميًا انتهاء الحرب الباردة.

وبعد وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض وفلاديمير بوتين إلى الكرملين عام 2000، شهدت العلاقات تأرجحًا بين التنافس والصراع، ووصلت إلى أسوأ مراحلها.

وبعد توقيع معاهدة تقليص الأسلحة النووية عام 2010، اندلعت ما سُمّيت بحرب الجواسيس بين البلدين عندما رحّلت أجهزة الأمن الروسية شبكة من عملاء واشنطن، وردّت الولايات المتحدة بالقبض على جواسيس روس.

تأزّمت العلاقات بين البلدين في الملف الليبي، وبعد تحفّظ موسكو على قرار مجلس الأمن بفرض حظر جوي على ليبيا.

زادت حدة العداء بين الطرفين في سوريا عندما دعمت موسكو النظام السوري، فيما أصرّت واشنطن على تنحّي الأسد، وتقاطعت المصالح لتبرز حروب بالوكالة في المنطقة.

توسّعت الهوة أكثر فأكثر بين أكبر قوتين في عام 2014، حيث اعتبرت موسكو التدخل الأميركي في الأزمة الأوكرانية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وقامت واشنطن مع عواصم أوروبية بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا.

عام 2016، اتهمت الاستخبارات الأميركية روسيا بمحاولة التدخل والتأثير في الانتخابات الأميركية التي فاز بها دونالد ترمب. لكن الرئيس الأميركي عقد قمة مع نظيره الروسي في 2018 في العاصمة الفنلندية بهدف تحسين العلاقات وبقيت كل الملفات الشائكة مع موسكو مجمَّدة في عهد ترمب.

استمرار لسياسة ترمب مع روسيا

يعتبر الباحث المتقدم في معهد كاتو دوغ باندو أنّ ما تمارسه إدارة بايدن هو عمليًا استمرار لسياسة ترمب؛ إذ إنّ إدارة ترمب فرضت عقوبات على روسيا.

لكنّ باندو يشير، في حديث إلى "العربي"، إلى أن الرئيس ترمب على الأقل كلاميًا كان يُعَدّ أقرب إلى إدارة بوتين، حيث يلاحظ أنّ مستوى العداء أعلى في إدارة بايدن إزاء موسكو، وهو ما يتجلى من خلال الإشارة إلى ملفات حقوق الإنسان والانتهاكات الروسية.

ويعرب عن اعتقاده بأن هذه الخطوات والإجراءات لن تتسبب بقطع العلاقات إنما تمنح حكومتي البلدين فرصة من أجل إعادة التفكير مليًا بمسارها، مضيفًا: "بايدن يدرك أن روسيا بلد مهم إلى جانب الحلفاء الأوروبيين، وفي نهاية المطاف يمكن التوصل إلى آلية لضبط العلاقة بين البلدين".

هل تُقطَع العلاقات بين موسكو وواشنطن؟

وتتّفق مستشارة مدير المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية إلينا سوبونينا مع باندو أنه "لا توجد استراتيجية بعد لدى إدارة جو بايدن تجاه روسيا، كما لا توجد استراتيجية تجاه قضايا أخرى".

لكنّها تشير، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ التكتيك قد تبلور وهو تكتيك غير مريح بالنسبة إلى روسيا، معتبرة أنّ التسمية التي قد تنطبق عليه هي "سياسة العصا والجزرة".

وتشرح أنّ إدارة بايدن، من جهة، مدّدت اتفاقية ستارت، لكنها من جهة ثانية، تشدد العقوبات ضد روسيا، وتتدخل في شؤونها عندما تدعم المعارضة، فضلًا عن دخولها في "منافسة غريبة ومزعجة" مع موسكو، اعتمادًا على "معايير مزدوجة" بدليل التدخل الأميركي في خطة بناء أنبوب الغاز ما بين روسيا وأوروبا بما فيها ألمانيا.

وترجح أن يكون لكل ما سبق، "انعكاسات سلبية" على التعاون الثنائي ما بين البلدين، لكنها تجزم "أننا لن نرى قطعًا للعلاقات لأن شعرة معاوية على الأقل يجب أن تبقى بين واشنطن وموسكو".

إدارة بايدن "أكثر تشدّدًا" من ترمب

من جهته، يؤكد مدير وحدة تحرير السياسات في المركز العربي للأبحاث مروان قبلان أن إدارة بايدن الديمقراطية أكثر تشدّدًا من ترمب فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، لافتًا إلى أنّ الأخيرة تعتبر إدارة بايدن امتدادًا لإدارة أوباما.

ويذكّر قبلان، في حديث إلى "العربي"، بأن العلاقة كانت في أسوأ حالاتها في عهد أوباما رغم أنها بدأت بداية واعدة في العام 2009، حيث تدهورت بشدّة، حتى إنّ موسكو اتهمت إدارة أوباما بأنها دعمت المعارضة لمحاولة منع بوتين من العودة للرئاسة، فيما ردّ بوتين بالتدخل بالانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 لمصلحة ترمب.

ويلفت قبلان إلى أنّ ما يقلق الروس عمليًا هو وجود عدد من "الصقور" داخل إدارة بايدن، فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا.

ويشير إلى أنّ تركيز إدارة بايدن اليوم على الصين أكثر وهي حريصة على إبقاء نوع من التوازنات، وهي تخشى من أن يؤدي المزيد من الضغط على موسكو، بالأخيرة للاقتراب أكثر من الصين، ولذلك تتعامل معها بحذر.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close