شكّل مجمع فيتيربو في القرن الثالث عشر مقرًا محوريًا في الانتخابات البابوية، حيث شهد أطول انتخابات بابوية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، استمرّت لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، بسبب الانقسامات العميقة بين الكرادلة حول اسم بابا الفاتيكان الجديد.
ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1268، انقسم الكرادلة الذين تمّ استدعاؤهم في بلدة فيتيربو الصغيرة في شمال روما، لانتخاب خليفة البابا كليمنت الرابع الراحل، بشكل رئيسي بين فصيلين ولم يتمكّنوا من التوصّل إلى إجماع قبل سبتمبر/ أيلول 1271.
وبينما واصل الكرادلة مداولاتهم في فيتيربو، ارتفع الإحباط بين السكان المحليين، حيث ألقت الصراعات السياسية والداخلية بظلالها على الانتخابات.
تدابير صارمة
ونشأت هذه الانقسامات نتيجة ولاء الكرادلة لأحزاب متنافسة، لا سيما مؤيدي البابوية والإمبراطورية الرومانية المقدسة. وزاد من تعقيد الوضع الروابط الشخصية والعائلية، ما جعل أي اتفاق بشأن انتخاب البابا بالغ الصعوبة.
وقد أدى الماراثون الانتخابي إلى دفع المواطنين، الذين كان عليهم في ذلك الوقت دفع تكاليف الإقامة والطعام للكرادلة، إلى اللجوء إلى تدابير صارمة، أدت إلى صياغة كلمة "المجمع المغلق" (كونكلاف) لأول مرة.
1- حبس الكرادلة
وجرى حبس الكرادلة في قصر فيتيربو البابوي وإغلاق الباب بالمفتاح، ما أدى إلى ولادة مصطلح الكونكلاف، والذي يأتي من الكلمتين اللاتينيتين "cum" (مع) و"clavem" (مفتاح).
وقالت إيلينا كانجينو عالمة الآثار في قصر "دي بابي" (قصر الباباوات) الذي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى في فيتيربو: "حُبس الكرادلة داخل قصر ديسكوبيرتو بفتيبرو، وهو قصر من دون سقف، وانتهى الأمر بالكرادلة إلى التخييم داخل القصر غير المسقوف".
2- تقييد وجبات الطعام
وفي خطوة أخرى، اقتصرت وجبات الكرادلة على الخبز والماء لدفعهم للإسراع في عملية الانتخاب. ولأنّ هذا لم يُجدِ نفعًا أيضًا، بدأ سكان فيتيربو بتدمير جزء من سقف القاعة الكبيرة التي كانت تضمّ مجمع الكرادلة.
لم تدم هذه الظروف القاسية سوى ثلاثة أسابيع، وبعدها سُمح للكرادلة بدخول غرف القصر الأخرى، لكن من دون مغادرة المبنى.
واستغرق الأمر 15 شهرًا أخرى قبل اختيار غريغوري العاشر بابا جديدًا.
ولتجنّب حدوث نفس الموقف مرة أخرى، أصدر غريغوري العاشر دستورًا رسوليًا جديدًا يسمى "Ubi Periculum"، فرض بموجبه قواعد صارمة على الانتخابات وسمح بعزل الكرادلة.
واعتُبر انتخاب غريغوري بمثابة "تسوية"، حيث تم اختيار اسمه لتوحيد مجمع الكرادلة المنقسم وإنهاء هذه العملية المرهقة.
المجمع المغلق الحديث
يرى المؤرخون أنّ مجمع فيتيربو مهّد الطريق للانتخابات البابوية المستقبلية، حيث أرست القواعد والممارسات التي وُضعت آنذاك، أسس العديد من الإجراءات المتبعة حاليًا في المجمعات البابوية.
من بين القواعد الجديدة، أصدر غريغوريو العاشر مرسومًا يقضي بتقييد تناول الكرادلة لوجبة واحدة يوميًا، ثم لاحقًا للخبز والماء والنبيذ، وذلك لتشجيعهم على اتخاذ قرارات سريعة.
إلا أنّ البابا أدريان الخامس علّق العمل بهذه القواعد عقب انتخابه عام 1276.
ويؤكد خبراء تاريخ الفاتيكان أنّ المجمعات المغلقة الحديثة لا تزال مَدينة لفيتيربو ببعض خصائصها الرئيسية، بما في ذلك قصر مدتها.
وقد يلعب إرث فيتيربو دورًا مجددًا في المجمع المغلق للكرادلة، الذي يبدأ يوم الأربعاء في كنيسة سيستينا بروما لاختيار خليفة البابا فرنسيس.