قواعد الاشتباك تتغير على جبهة لبنان.. هل تتدحرج الأمور لحرب واسعة؟
يستمر التصعيد في الجبهة الشمالية مع لبنان، في ظل دخول أسلحة جديدة مسرح الأحداث، ووسط عمليات تعمق الكيلومترات في قواعد الاشتباك بين حزب الله وإسرائيل ما يشكل منعطفًا جديدًا في المواجهة.
وفي وقت تحلّق فيه آلة العدوان الإسرائيلية أبعد في العمق اللبناني ابتداء من بعلبك ومرورًا بصيدا، يعمل حزب الله على زيادة هجماته النوعية، آخرها عملية الطائرة المسيرة الهجومية المركبة التي سبقها إسقاط منطاد تجسس ودك مقار التجسس.
ويكرّر قادة الاحتلال بدورهم التهديدات ذاتها وألفاظ الوعيد؛ إنما المعركة لا تتوقف بل تسير بحسب تقارير لبنانية وإسرائيلية صوب اتجاهين لا ثالث لهما، الغرق في مواجهة متشعبة، أو الرضا بما يحصل والتكيف مع الوقائع.
في ظل ذلك، فإن طاولة مجلس حرب الاحتلال مثقلة بالاقتراحات للتعامل مع ما يحصل من تطور نوعي على الجبهة من قبل عناصر حزب الله وكثافة النيران، بينما تعلو شهية الاستمرار في سياسة الاغتيالات، وهي بطبيعة الحال تدفع الطرف المقابل للضغط أكثر من خلال زيادة العمليات النوعية وزيادة العمق في الاستهداف.
هذه التطورات المتسارعة على جبهة جنوب لبنان مرتبطة بشكل أساسي بالعدوان في غزة، وهي معادلة يصرح بها قادة حزب الله دومًا: "الهدوء في الشمال مقابل الهدوء في غزة".
وهو مسار معقد منح المقاومة الفلسطينية مساحة إضافية في سياق المفاوضات الهادفة لإيجاد صفقة في غزة تحت النار.
"تعزيز موقف المفاوض الفلسطيني"
وفي هذا السياق، قال رامي منصور، رئيس تحرير موقع عرب 48، "إن إسرائيل تدرك أن حزب الله غير معني مطلقًا بفتح جبهة مدمرة للطرفين، وتعي أن حزب الله منضبط في رده بينما ردوده في العمليات من الناحية الجغرافية هو رد على الاغتيالات وتجاوز إسرائيل لقواعد الاشتباك".
وأضاف في حديث إلى "العربي" من حيفا، أن "إسرائيل تخشى من أن انضباط حزب الله لهذا الحد له مدى وقد يقود إلى التصعيد بما يتجاوز الإطار الجغرافي للمعركة الحالية في حال استمر جيش الاحتلال بالاغتيالات".
منصور رأى أن عملية استهداف المنطاد جاءت ردًا على عملية الاغتيال الأخيرة التي طالت أحد قياديي حزب الله الميدانيين.
واعتبر أن "إسرائيل غير مستعدة حاليًا لدفع أي ثمن في لبنان مثل الانسحاب من مزارع شبعا، كما أن حزب الله لن يسحب قوات الرضوان من الجنوب اللبناني".
ولفت منصور، إلى أن "ما يحصل في شمال فلسطين يشغل القوات الإسرائيلية لمواجهة حزب الله، وبالتالي ربط ساحات المقاومة يعزز موقف المفاوض الفلسطيني، بمعنى أن الأمر لا يتعلق فقط بغزة بل بجميع الجبهات الأخرى".
"إعطاء أوراق للمقاومة"
بدوره أكد علي أحمد، أستاذ الاتصال السياسي في الجامعة اللبنانية، أن الهدف الأوحد لحزب الله عندما فتح الجبهة اللبنانية هو مساندة غزة، لافتًا إلى أن الحزب نفذ عمليات نوعية وكانت عملياته تتصاعد، وقام بالتصعيد نظرًا للهجوم الإسرائيلي على رفح.
وأضاف أحمد في حديث لـ "العربي"، من بيروت أن "التهديدات الإسرائيلية تتكرر في جولات المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، لكن إسرائيل تدرك أنها لا يمكنها أن تتحمل الثمن مع وجود قدرات لحزب الله القادر على تنفيذ الكثير من العمليات".
واستدرك أحمد قائلًا: "جبهة لبنان هدفها إعطاء أوراق للمقاومة الفلسطينية لتقوية أوراقها في المفاوضات والتي تستطيع حماس استغلالها مع جهدها الميداني".
وأشار إلى أن "تطور العمليات في جنوب لبنان جاء نتيجة محاولة اجتياح رفح، لذلك زادت المقاومة كمية ونوعية الاستهدافات عبر إدخال أسلحة جديدة وإنهاء نقطة التفوّق الإسرائيلي في الجو".
وراح يقول: "هذه النتائج دفعت إسرائيل إلى الانسحاب من مواقع أمامية إلى أخرى محصنة نتيجة الضغط من قبل حزب الله الذي يتواجد في نقطة الصفر على الحدود".
"مساندة الساحات"
من جانبه رأى إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، أن "هذه التطورات في الجبهة الشمالية تبقى محدودة ومحكومة بمعادلة ما يجري في غزة".
وأضاف في حديث لـ "العربي"، أن "إسرائيل ليست معنية بتطوير معارك الجبهة الشمالية بالتوازي مع تحديد حزب الله لطبيعة الجبهة بأنها جبهة مساندة رغم صمود الاشتباكات لأكثر من سبعة أشهر".
ولفت إلى أن "الاشتباكات مرّت بتحديات مباشرة مثل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، إذ لم تتأثر تلك الجبهة وبقيت مضبوطة".
فريحات أشار إلى أن هناك "تدخلًا فرنسيًا وأميركيًا لفصل الجبهة اللبنانية عن غزة، خاصة أن مفهوم وحدة الساحات لمحور المقاومة لم ينجح وتم التحول لمستوى أقل وهو مساندة الساحات".
وزاد بالقول: "إن الجبهات بقيت تلعب دور مساندة الساحات سواء في اليمن أو العراق، لأن الفكرة لدى محور المقاومة هي أن لا تتم هزيمة أي من الأطراف الأربعة (حزب الله - الحوثيون - حماس - العراق) من قبل إسرائيل، لأن الدور سيأتي على باقي تلك الأطراف في حال إنهاء أي منها إستراتيجيًا".
وبيّن فريحات، أن "ما يجري في البحر الأحمر قبالة اليمن يعد ورقة ضاغطة على الأميركيين، خاصة مع ربط حزب الله والحوثيين لهذه الجبهات بيد حركة حماس معتبرين أن بإمكانها أن تقرر ما يخصها وأن تقوي موقفها في التفاوض".