الثلاثاء 26 مارس / مارس 2024

قيس سعيّد يبيح "المحظور" لنفسه.. مكتسبات الثورة التونسية في خطر

قيس سعيّد يبيح "المحظور" لنفسه.. مكتسبات الثورة التونسية في خطر

Changed

يسوق سعيّد ذرائع شتّى لتبرير قراراته المثيرة للجدل حتى وإن هدّدت الحقوق الأساسية، لكنّ تلك الذرائع لا تقنع الكثيرين داخل تونس وخارجها.

ما بين الضرورات والمحظورات، حسم الرئيس التونسي قيس سعيّد خياراته، فهو أباح جمع السلطات الثلاث بين يديه، وهو المحظور في الأنظمة الديمقراطية.

وقد أثار إعلانه جمع السلطات، كلّ السلطات، بين يديه، موجة من القلق الداخلي والدولي مخافة الانعكاسات السلبية لهذه الإجراءات على أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

ودفع هذا الأمر منظمات حقوقية إلى دق ناقوس الخطر، محذّرة من أنّ الاستحواذ على السلطات قد يُستخدَم في ضرب الحقوق الأساسية للمواطنين.

وبعد أيام على قرار سعيّد الاستحواذ على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية برئاسته للنيابة العمومية، لا تزال علامات استفهام بالجملة تُطرَح عن مدى تأثير قرارات على مكتسبات الثورة التونسية، ولا سيما على مستوى حقوق الإنسان والحريات الإعلامية.

"ذرائع" سعيّد لتبرير قراراته المثيرة للجدل

يسوق سعيّد ذرائع شتّى لتبرير قراراته المثيرة للجدل حتى وإن هدّدت الحقوق الأساسية، لكنّ تلك الذرائع لا تقنع الكثيرين داخل تونس وخارجها.

من هذه الذرائع على سبيل المثال لا الحصر، تظلّمات الناس المشروعة، وهي التي يجب أن لا تُستخدَم ذريعة لتقويض الحقوق، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تنبّه إلى أنّ استحواذ الرئيس على السلطات يهدد الحقوق.

غياب المحكمة الدستورية يزيد الطين بلّة

وإذا كانت هيومن رايتس ووتش ترى أنّ تدابير سعيّد تهدّد نزاهة النظام القضائي التونسي، فإنّ ما يزيد الطين بلّة هو غياب المحكمة الدستورية، هي التي لها كلمة الفصل في مدى دستورية إجراءات الرئيس.

وتُعتبَر هذه المحكمة ضامنًا أساسيًا لحقوق الإنسان، غير أنّ غيابها يثير قلقًا مشروعًا بشأن السقف الزمني لهذه الإجراءات، مخافة أن يتخطى مهلة الأيام الثلاثين الدستورية.

وقد دفع ذلك هيومن رايتس ووتش لدعوة سعيّد إلى إطلاق سراح السلطات الثلاث من بين يديه، فإحكام قبضته عليها يهدّد أبرز مكتسبات الثورة التونسية، ألا وهي تعزيز حقوق الإنسان والفصل بين السلطات وحماية الحريات الإعلامية.

هل تعود تونس إلى عهد بن علي وبورقيبة؟

يرى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عبد السلام الككلي أنّ ما فعله الرئيس قيس سعيّد لا صلة له بالفصل 80 أبدًا، موضحًا أنّ الفصل 80 يطالب مؤسسات الدولة بأن تتكتل وتعمل لمواجهة خطر داهم، وهذا لا صلة له بما فعله الرئيس.

ويعتبر الككلي، في حديث إلى "العربي"، من تونس، أنّ المشكلة هي أنّ الرئيس بما فعله أصبح الحاكم الوحيد في تونس.

ويعرب عن خشيته من "استقرار مناخ الخوف ممّا قد يحدث ليعيدنا إلى مربع الخوف الذي عشنا فيه مع بن علي وبورقيبة".

ويلفت إلى خطر آخر برز في الأيام الماضية، من توجيه الإعلام، وقد حصل هذا من خلال عملية غريبة أدّت إلى عزل مدير عام في الليل.

ويلفت كذلك إلى وجود مخاوف شديدة متعلقة بالقضاء التونسي الذي لم يتعافَ وهو متهم بالفساد، متسائلًا: "هل سيكون هذا الجهاز المريض أصلًا أكثر مرضًا لأنه سيكون تابعًا لسلطة تنفيذية ممركزة، مع العلم أنّ الرئيس لم يذكر مسألة النيابة العمومية في تفصيل الإجراءات التي أخذها؟".

ويتحدّث عن مخاوف اقتصادية أخرى، لا سيما مع إثارة مسألة المصالحة، ملمّحًا إلى ما يسمّيها قضية ابتزاز رجال الأعمال "من أجل تجميع أموال لا ندري كيف ستُجمَّع".

ويخلص إلى أنّ أخطر ما في المسألة هو أننا نعيش خارج ما هو مكتوب، مشدّدًا على "أننا في حاجة إلى ضمانات مكتوبة وإلا سنسير إلى المجهول".

خطر على الديمقراطية والحريات في تونس

من جهتها، تؤكد المديرة بالنيابة لمنظمة العفو الدولية في تونس نسرين مباركة حسن أنّ المسألة في الواقع مثيرة للقلق وللخوف على مكتسبات التونسيين على مستوى الحقوق والحريات التي أتت بها انتفاضة 2011.

وتشير حسن، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ "هذه الحريات وهذه الحقوق أتت بشق الأنفس ولم تكن سهلة ولا يسيرة على الشعب التونسي وقد ضمنها الدستور".

وتلفت إلى أنّ "رئيس الجمهورية يلتفّ اليوم على السلطات الثلاث وهذا في حدّ ذاته يشكّل خطرًا على الديمقراطية وعلى الحريات في تونس"، ملاحظة في الوقت نفسه أنّه "ليس هنالك أي ضامن لا سيما وأنّ تونس لم تتمكن من إرساء المحكمة الدستورية إثر فشل البرلمان في السنوات الماضية في تحديد أعضاء هذه المحكمة رغم أنّ قانونها كان ساريًا منذ سنة 2015".

وفيما تلفت إلى أنّ "كان يمكن للمحكمة الدستورية لو كانت موجودة أن تبتّ بما قام به الرئيس"، تنبّه إلى أنّ "جمع ثلاث سلطات يعتبر خطوة خطيرة وسابقة في تونس منذ 2011".

وتشير إلى أنّ منظمة العفو الدولية طالبت الرئيس قيس سعيّد بأن يلتزم علنًا بأنه سيحمي ويحترم الحريات والقوانين ولا سيما حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والانتماء إليها.

تراكمات طويلة سبقت 25 يوليو

أما مسؤول المناصرة لشمال إفريقيا في منظمة مراسلون بلا حدود سمير بو عزيز فيلفت إلى أنّ ما حدث في 25 يوليو/تموز لم يكن وليد لحظته، إنما نتيجة تراكمات طيلة سنوات.

ويذكّر بوعزيز، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ منظمة مراسلون بلا حدود نبّهت، منذ انتخابات 2019، إلى أنّ هناك تهديدًا حقيقيًا للحريات بشكل عام وحرية الصحافة بشكل خاص في تونس.

ويشير إلى أنّ التهديد ليس فقط مع 25 يوليو، ولا يُحصر برئاسة الجمهورية، التي ينبّه إلى أنّها لا تحترم بشكل كاف حرية الصحافة والحريات بشكل عام.

وفيما يرى أنّ المحكمة الدستورية كان بالإمكان أن يقع تأسيسها منذ 2014، يقول: "لم يكن قيس سعيّد فقط المعطّل ولكن الطبقة السياسية الموجودة في الحكم إلى غاية الآن هي التي ساهمت في التأسيس لـ25 يوليو".

ويحذر بوعزيز من أن ما ذهب إليه قيس سعيّد غير واضح ويمكن أن يكون تهديدًا حقيقيًا للحقوق والحريات، مضيفًا: "الوضع بحد ذاته سيء وازداد سوءًا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد، ونخشى أن يقع تجاوز هذا الشهر إلى أشهر".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close