الجمعة 23 مايو / مايو 2025
Close

"كانت علاجًا تقليديًا".. هل تساهم الشوكولاتة في مداواة الاكتئاب؟

"كانت علاجًا تقليديًا".. هل تساهم الشوكولاتة في مداواة الاكتئاب؟

شارك القصة

تقدم الدراسات السريرية الحديثة أدلة دامغة على خصائص الشوكولاتة المحسّنة للمزاج
تقدم الدراسات السريرية الحديثة أدلة دامغة على خصائص الشوكولاتة المحسّنة للمزاج - غيتي
الخط
أفاد تقرير نشره موقع "بي سايكولوجي توداي"، بأن الشوكولاتة، وخاصة الداكنة الغنية بالكاكاو برزت مؤخرًا كأداة واعدة لعلاج الاكتئاب.

في عالم تُهيمن فيه التدخلات الدوائية على علاجات الصحة النفسية، يستكشف الباحثون علاجات تقليدية ذات فوائد مُدعّمة علميًا، ومن بين هذه العلاجات القديمة، تُبرز الشوكولاتة - وخاصةً الداكنة الغنية بالكاكاو - كأداة واعدة لعلاج الاكتئاب.

لكن هذا "الاكتشاف الحديث" هو في الواقع إعادة اكتشاف للمعرفة التي احتفظ بها السكان الأصليون للأميركيتين لآلاف السنين، وفقًا لموقع "سايكولوجي توداي".

جذور الشوكولاتة الأصلية

وقبل أن تصبح الشوكولاتة طعامًا مُريحًا، كانت تُبجَّل كدواء مُقدَّس في حضارات أميركا الوسطى. فكلمة "شوكولاتة" مُشتقة من مصطلحي المايا "كاكاو" (بمعنى "دم القلب") و"تشوكولاج" (بمعنى "الشرب معًا").

وتُشير الأدلة الأثرية إلى أن استخدام الكاكاو يعود إلى ما لا يقل عن 3500 عام، حيث اعتبرته هذه الحضارات القديمة هبةً إلهيةً ذات خصائص علاجية عميقة.

وفي هذه الثقافات، كان الكاكاو يُحضَّر كمشروب، وغالبًا ما يُخلط مع الأعشاب والتوابل، ويُستخدم في الطقوس ولأغراض طبية.

واستُخدم الكاكاو طبيًا لمساعدة المرضى الذين يعانون من الهزال على زيادة الوزن، ولتحفيز الجهاز العصبي للمرضى الذين يعانون من اللامبالاة أو الإرهاق، ولتحسين الهضم، إذ تُظهر هذه الاستخدامات التقليدية فهمًا مبكرًا لخصائص الكاكاو المُحسّنة للمزاج.

ولا تزال هذه الحكمة القديمة حول الإمكانات العلاجية للشوكولاتة مستمرة في المجتمعات الأصلية حتى اليوم، ولكن لا يوجد مكان يتجلى فيه هذا التقليد الحي أكثر وضوحًا من شعب الزابوتيك في أواكساكا، بالمكسيك.

أفاد تقرير نشره أن الشوكولاتة برزت مؤخراً كأداة واعدة لعلاج الاكتئاب
أفاد تقرير نشره أن الشوكولاتة برزت مؤخراً كأداة واعدة لعلاج الاكتئاب - غيتي

يُعرف الزابوتيك باسم "شعب السحاب"، وقد حافظوا على تراثهم الثقافي الغني على الرغم من قرون من الاستعمار، ويواصلون دمج الكاكاو في ممارساتهم وطقوسهم العلاجية.

وفي أواكساكا، كان يُعتقد أن للكاكاو خصائص طبية لعلاج أمراض مثل الغثيان والتعب والإجهاد.

ولا يزال ممارسو الزابوتيك المعاصرون يستخدمون الكاكاو في سياقات العلاج التقليدية، وفي المناطق الريفية في أواكساكا، لا يزال السكان المحليون يُقدّرون الكاكاو كمصدر غذائي مقدس ويستخدمونه في طقوس متنوعة. وتتضمن العديد من هذه الطقوس استخدام بذور الكاكاو كمصدر للطاقة.

العلم وراء تأثيرات الشوكولاتة المُحسّنة للمزاج

وبدأ العلم الحديث يُثبت صحة ما عرفه المعالجون الأصليون منذ قرون، إذ يبدو أن العديد من المركبات الموجودة في الشوكولاتة تُساهم في تأثيراتها المضادة للاكتئاب، ويلعب الثيوبرومين - وهو مركب أساسي في الكاكاو - دورًا بالغ الأهمية.

وعلى غرار الكافيين، ولكن بتأثيرات أكثر دقة، يعمل الثيوبرومين من خلال آليات متعددة، إذ تشير الأبحاث إلى أنه يرتبط بمواقع محددة في الخلايا العصبية تُسمى مستقبلات الأدينوزين، مما يعزز اليقظة ويعدل في الوقت نفسه مستقبلات الناقل العصبي GABA التي تؤثر على المزاج.

وعلى عكس الكافيين، فإن تأثيرات الثيوبرومين تدريجية ولا تسبب عادةً التوتر أو انخفاض الطاقة المرتبط بالقهوة.

إلى ذلك، تقدم الدراسات السريرية الحديثة أدلة دامغة على خصائص الشوكولاتة المحسّنة للمزاج، فقد أفادت تجربة عشوائية محكومة أن تناول 30 غرامًا يوميًا من الشوكولاتة الداكنة بنسبة 85% يُحسّن المزاج ويزيد من تنوع ميكروبات الأمعاء، مما يشير إلى أن للشوكولاتة الداكنة تأثيرات بريبايوتيكية قد تُخفف من الحالات العاطفية السلبية من خلال محور الأمعاء والدماغ.

ويتماشى هذا الارتباط بين صحة الأمعاء والصحة العقلية مع الأبحاث الناشئة حول أهمية الميكروبيوم للصحة النفسية.

ووجدت دراسة شملت 13,626 بالغًا أميركيًا، أن من تناولوا الشوكولاتة الداكنة انخفضت لديهم احتمالات الإصابة بأعراض الاكتئاب بشكل ملحوظ مقارنةً بمن لم يتناولونها. وتحديدًا، انخفضت احتمالات الإصابة بأعراض الاكتئاب لدى من أفادوا بتناولهم الشوكولاتة الداكنة بنسبة 70% مقارنةً بمن أفادوا بعدم تناولها.

كانت الشوكولاتة تُبجَّل كدواء مُقدَّس في حضارات أميركا الوسطى
كانت الشوكولاتة تُبجَّل كدواء مُقدَّس في حضارات أميركا الوسطى - غيتي

وحسب موقع سايكولوجي توداي"، يبدو أن هذه التأثيرات تقتصر على الشوكولاتة الداكنة الغنية بالكاكاو. وقد وجدت تجربة عشوائية محكومة، قارنت بين شوكولاتة تحتوي على 85% من الكاكاو وشوكولاتة تحتوي على 70% من الكاكاو، أن الشوكولاتة التي تحتوي على نسبة أعلى من الكاكاو فقط هي التي قللت بشكل ملحوظ من الآثار السلبية، ويشير هذا إلى أن الفوائد العلاجية تأتي من مركبات الكاكاو نفسها، وليس فقط من تجربة تناول شيء ممتع.

وأظهرت دراسة حديثة أخرى أجريت على نساء في سن اليأس أن تناول 78% من الشوكولاتة الداكنة (12 غرامًا يوميًا) لمدة ثمانية أسابيع قلل بشكل ملحوظ من درجات الاكتئاب مقارنةً بمجموعة ضابطة تناولت شوكولاتة الحليب، وتُبرز هذه النتائج إمكانية استخدام الشوكولاتة الداكنة كعلاج لفئات معينة من السكان الذين يعانون من الاكتئاب.

كيف تعمل الشوكولاتة كمضاد للاكتئاب؟

هناك عدة آليات يُحتمل أن تُسهم في تأثيرات الشوكولاتة المُحسّنة للمزاج. أولًا، الشوكولاتة الداكنة غنية بمركبات الفلافونويد ذات الخصائص المُضادة للالتهابات، وبما أن الالتهاب مُرتبط بالاكتئاب، فقد تُساعد هذه المركبات في تقليل أعراض الاكتئاب.

ثانيًا، يُنظّم الثيوبرومين أنظمة النواقل العصبية المُشاركة في تنظيم المزاج، كما هو مُلاحظ في الدراسات التي تبحث في آثاره النفسية الدوائية.

بالإضافة إلى ذلك، تحتوي الشوكولاتة على فينيل إيثيل أمين (PEA)، الذي يُحفّز إطلاق الإندورفين، مُولّدًا شعورًا بالنشوة والسعادة.

كما قد تُخفّف التأثيرات الحيوية للشوكولاتة الداكنة على ميكروبات الأمعاء من الحالات العاطفية السلبية من خلال محور الأمعاء والدماغ، مما يدعم الأبحاث الناشئة حول دور الميكروبيوم في الصحة النفسية.

وأخيرًا، تحتوي الشوكولاتة على التربتوفان، وهو مُقدّمة السيروتونين، الذي يُشارك في تنظيم المزاج.

تابع القراءة

المصادر

ترجمات