السبت 21 حزيران / يونيو 2025
Close

كلّ ما نعرفه عن مارتن لوثر كينغ.. من قتله وما حقيقة نظريات المؤامرة؟

كلّ ما نعرفه عن مارتن لوثر كينغ.. من قتله وما حقيقة نظريات المؤامرة؟ محدث 04 نيسان 2025

شارك القصة

لم يكن مارتن لوثر كينغ مجرد قائد لحركة الحقوق المدنية، بل كان رمزًا عالميًا للنضال السلمي ضد الظلم والتمييز - غيتي
لم يكن مارتن لوثر كينغ مجرد قائد لحركة الحقوق المدنية، بل كان رمزًا عالميًا للنضال السلمي ضد الظلم والتمييز - غيتي
الخط
رغم إدانة جيمس إيرل راي رسميًا بقتل مارتن لوثر كينغ، لا تزال هناك أسئلة غامضة حول الجريمة، وتظل نظريات المؤامرة تحيط بالحادثة على أكثر من صعيد.

I have a dream (لديّ حلم).. هي جملة ردّدها مارتن لوثر كينغ، ووصل صداها عبر التاريخ لأجيال وأجيال، قلبت المقاييس والمفاهيم السياسية والاجتماعية ليس فقط في بلد واحد، إنما على مستوى القارات.

لعلّ السرّ الكامن خلف ذلك أنّ صاحب هذه الجملة أو المقولة، رجلٌ تجرّأ على الحلم وحوّله إلى حقيقة، بمسيرة نضالية من أجل العدالة، في وقت سادت فيه العنصرية واللامساواة والظلم.

ومنذ أيامه الأولى، كان مارتن لوثر كينغ يعلم أن كونه أسود في الولايات المتحدة يعني العيش تحت ظل الظلم العنصري فتمسك في نشأته وطيلة مسيرته بمبادئ المساواة وعمل لأجلها.

من هو مارتن لوثر كينغ؟

ولد مارتن لوثر كينغ في 15 يناير/ كانون الثاني 1929 في مدينة أتلانتا، جورجيا، في بيئة دينية وتعليمية قوية، فوالده، مارتن لوثر كينغ الأب، كان قسيسًا بارزًا في الكنيسة المعمدانية، ما جعله ينشأ في عائلة ذات نفوذ ديني وسياسي داخل المجتمع الأسود.

ومنذ صغره وفي سنين نشأته، شهد لوثر كينغ الابن على نشاط والده في قضايا الحقوق المدنية، ودائمًا ما كان يطلق مواقف ضد التمييز العنصري داخل الكنيسة والمجتمع.

لم يكن الوالد فقط من ساهم في تكوين قدرته على إلقاء الخطابات فجده لأمه، القس آدم دانيال ويليامز، كان رئيسًا للكنيسة المعمدانية في أتلانتا، ما وفّر لمارتن الشاب بيئة مليئة بالخطابة والتأثير الديني.

وعلى عكس ما كانت عائلته تروّج له من تعاليم، كانت الصدمة الأولى التي عاشها كينغ حول التمييز العنصري في السادسة من عمره عندما أخبره صديقه الأبيض أنه لم يعد بإمكانهما اللعب معًا بسبب قوانين الفصل العنصري، فأدرك باكرًا أن المجتمع الأميركي كان منقسمًا، وكان السود يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية.

تنقّل بين عدّة مدارس، إذ التحق بمدرسة بوكر تي واشنطن الثانوية، حيث كان طالبًا متفوقًا. وفي سن الخامسة عشرة، التحق بكلية مورهاوس، وهي كلية مرموقة للسود في أتلانتا، حيث بدأ في تطوير وعيه الفكري والسياسي، وهناك قرأ كتبًا لعدد من الفلاسفة والمفكرين، لكنه تأثر بشدة بفكرة اللاعنف، خاصة من خلال المهاتما غاندي حيث تعلم كيف يمكن تحقيق التغيير الاجتماعي عبر المقاومة السلمية بدلاً من العنف، وكان كتاب هنري ديفيد ثورو "العصيان المدني " ما زرع فيه فكرة أن القوانين غير العادلة يجب أن يتم عصيانها بسلام.

بعد تخرجه من مورهاوس عام 1948، التحق بالمدرسة اللاهوتية في كروزر (Pennsylvania’s Crozer Theological Seminary) وهناك درس فلسفة اللاهوت الاجتماعي، التي ربطت الدين بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية، وكان من بين أفضل طلاب دفعته، وفاز بجوائز أكاديمية في الخطابة والفكر اللاهوتي.

قاد مارتن لوثر كينغ مسيرة نضالية من أجل العدالة، في وقت سادت فيه العنصرية واللامساواة والظلم - غيتي
قاد مارتن لوثر كينغ مسيرة نضالية من أجل العدالة، في وقت سادت فيه العنصرية واللامساواة والظلم - غيتي

حصل على الدكتوراه في الفلسفة اللاهوتية عام 1955 من جامعة بوسطن، برسالة بعنوان "مقارنة بين أفكار بول تيليش وهنري نيلسون في اللاهوت الأخلاقي"، وركز بحثه على كيف يمكن للدين أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي، وهو ما أصبح أساسًا لفلسفته في النضال السلمي.

وخلال دراسته، التقى بزوجته المستقبلية كوريتا سكوت، التي كانت ناشطة وموسيقية موهوبة، وساعدته في تشكيل رؤيته حول دور المرأة في النضال المدني(1).

دور مارتن لوثر كينغ في حركة الحقوق المدنية

بعد إنهائه لدراسته بدأت مسيرة مارتن لوثر كينغ مع الحقوق المدنية بشكل جدي.

انتقل إلى مونتغومري، ألاباما عام 1954، بعد أن تم تعيينه قسيسًا رئيسيًا في كنيسة إبنيزر المعمدانية في المدينة.

هناك أصبح قائدًا لحملة مقاطعة حافلات مونتغمري عام 1955، وذلك بعد اعتقال روزا باركس لرفضها التخلي عن مقعدها لرجل أبيض. قاد الحملة لمدة عام، وانتهت بإلغاء الفصل العنصري في الحافلات العامة.

روزا باركس ودورها في مسيرة كينغ

باركس خياطة كانت تبلغ من العمر 42 عامًا وكانت تستقل حافلة عامة في مونتغمري بعد يوم طويل من العمل وكانت الحافلات في ذلك الوقت مقسمة عرقيًا، حيث كان الركاب السود يجلسون في المقاعد الخلفية، ويُطلب منهم التخلي عن مقاعدهم للركاب البيض إذا امتلأت المقاعد الأمامية.

في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 1955، رفضت روزا باركس التخلي عن مقعدها عندما طلب السائق منها أن تفعل ذلك من أجل راكب أبيض فطلب منها المغادرة وأبلغ الشرطة.

تم اعتقال باركس بتهمة انتهاك قوانين الفصل العنصري، رغم أنها كانت مُحترمة في مجتمعها المحلي، ما جعل قضيتها تحظى باهتمام واسع، فكانت اللحظة الحاسمة التي أشعلت مقاطعة حافلات مونتغمري وأصبحت نقطة تحول في حركة الحقوق المدنية.

في اليوم التالي، اجتمع قادة المجتمع الأسود ومن ضمنهم مارتن لوثر كينغ في مونتغمري، ونظّموا حملة المقاطعة التي كانت أول حركة احتجاجية منظمة ضد الفصل العنصري في الولايات المتحدة، وقد نوّه كينغ وقتها بوحدة المجتمع الأسود في الاستجابة الكبيرة لنداء المقاطعة التي بدأت في 5 ديسمبر/ كانون الأول 1955 واستمرت لمدة 381 يومًا، وكان لها أثر كبير على تراجع الفصل العنصري في المدينة.

في هذه المرحلة اعتبر كينغ اعتقال روزا باركس مثالاً على تعرض الأميركيين الأفارقة لقوانين جيم كرو القاسية والمهينة وهذا الحدث جعله يدرك بأن التغيير ضروري، وأن الاحتجاج السلمي يمكن أن يكون استجابة فعّالة ضد العنصرية النظامية التي يواجهها الأميركيون الأفارقة.

استطاع مارتن لوثر كينغ بخطاباته الحماسية ورؤيته التي أراد فيها المساواة للجميع، أن يكون مصدر إلهام للكثيرين - غيتي
استطاع مارتن لوثر كينغ بخطاباته الحماسية ورؤيته التي أراد فيها المساواة للجميع، أن يكون مصدر إلهام للكثيرين - غيتي

وفي تحليل كينغ الشخصي، لم تكن روزا باركس مجرد امرأة مُتعَبة رفضت التخلي عن مقعدها، بل كانت رمزًا للمقاومة ضد سنوات من القمع وهو ما تحول لاحقًا إلى حركة وطنية تدفع نحو مجتمع حيث لا يتم قبول الفصل العنصري والتمييز من خلال فلسفة اللاعنف التي بقيت مرشدًا لجهود كينغ وجهود العديد من النشطاء طوال نضال الحقوق المدنية.

وبرأي كينغ فإن مقاطعة حافلات مونتغمري كانت أحد الانتصارات الكبرى للأميركيين الأفارقة، حيث أظهرت أن العمل المنظم وغير العنيف يمكن أن يحقق التغيير الملموس، ويعترف كينغ أن المقاطعة لم تكن فقط من أجل تغيير القوانين، بل من أجل تغيير قلوب وعقول الناس في الولايات المتحدة.

ففي نوفمبر / تشرين الثاني 1956، قضت محكمة أميركية بعدم دستورية الفصل العنصري في الحافلات، ما مثّل نصرًا قانونيًا للحقوق المدنية.

مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية

في عام 1957، أسّس مارتن لوثر كينغ مع قادة آخرين منظمة "مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية" (SCLC) التي ركزت على استخدام اللاعنف في مواجهة التمييز العنصري(2).

بقيادة مارتن لوثر كينغ، اعتمدت المنظمة على قوة واستقلالية الكنائس السوداء لدعم أنشطتها.

ومن أبرز ما قاله كينغ حول تأسيس هذه المنظمة: "عُقد هذا المؤتمر لأننا لا نملك خيارًا أخلاقيًا، أمام الله، سوى التعمق في هذا النضال - والقيام بذلك بالاعتماد بشكل أكبر على اللاعنف، ومع مزيد من الوحدة والتنسيق والتعاون والفهم المسيحي". (أوراق كينغ، المجلد 4، ص 95)(3).

على عكس منظمات أخرى وقتها، لم تسعَ SCLC إلى تجنيد أعضاء فرديين، بل عملت كمنظمة مظلة تتعاون مع مجموعات محلية مثل رابطة تحسين مونتغمري ومجلس القيادة المسيحية في ناشفيل.

كما ركزت على التدريب المجتمعي، حيث نظّم موظفوها مثل أندرو يونغ ودوروثي كوتون برامج تدريبية على القيادة ومدارس تعليم المواطنة، لتعليم المجتمعات فلسفة اللاعنف المسيحية.

ومن خلال ارتباطها بالكنائس ودعوتها للاعنف، سعت SCLC إلى إضفاء طابع أخلاقي على النضال من أجل الحقوق المدنية ونجحت في تحقيق تغييرات تاريخية في معرض نضالها المستمر.

ومن أبرز الحملات والأنشطة الكبرى:

  • حملة "الصليبية من أجل المواطنة" (1957)

بدأت هذه الحملة استجابةً لمشروع قانون الحقوق المدنية المعروض حينها على الكونغرس، وخلال مؤتمرها في أغسطس/ آب 1957، وضع 115 قائدًا إفريقيًا أميركيًا الأساس للحملة، التي كان هدفها تسجيل آلاف الناخبين المحرومين من حق التصويت، والتركيز على توعيتهم سياسيًا.

منذ أيامه الأولى، كان مارتن لوثر كينغ يعلم أن كونه أسود في الولايات المتحدة يعني العيش تحت ظل الظلم العنصري فتمسك في نشأته وطيلة مسيرته بمبادئ المساواة وعمل لأجلها.

تضمّنت الحملة عيادات لتعليم الناخبين، ورفع وعي الأميركيين السود بأن تحسين ظروفهم يعتمد على قدرتهم على التصويت، وتحفيز الضمير الوطني لتغيير الوضع القائم.

استمرت الحملة حتى أوائل الستينيات، بتمويل من تبرعات صغيرة من الكنائس ومساهمات كبيرة من متبرعين.

  •  دعم الحركات المحلية

انضمّت SCLC إلى الحركات المحلية لدعم حملات الاحتجاج والتسجيل الانتخابي في جميع أنحاء الجنوب، كما لعبت دورًا رئيسيًا في مسيرة واشنطن من أجل الوظائف والحرية (1963)، حيث ألقى كينغ خطابه الشهير "لدي حلم" أمام نصب لينكولن التذكاري.

  • القوانين التي أقرت بفضل نضال الجمعية

ساهمت الجهود التي قادتها SCLC في تمهيد الطريق لإقرار:

- قانون الحقوق المدنية لعام 1964، الذي أنهى الفصل العنصري في الأماكن العامة؛ - قانون حقوق التصويت لعام 1965، الذي حظر القوانين التي تعيق تصويت الأميركيين الأفارقة.

وبحلول عام 1962، وسّعت SCLC نطاق عملها ليشمل عدم المساواة الاقتصادية، معتبرة الفقر الجذر الأساسي للظلم الاجتماعي وأطلقت في أتلانتا برنامج "سلة الخبز"، الذي ركّز على خلق فرص عمل جديدة للسود، فامتد البرنامج إلى شيكاغو عام 1966 كجزء من حملة شيكاغو.

وفي عام 1967، بدأت المنظمة التخطيط لحملة الفقراء، التي كانت تهدف إلى الضغط من أجل تشريعات تضمن فرص عمل، دخلًا، وسكنًا للفقراء من جميع الأعراق(4).

وبعد اغتيال كينغ استمرت المنظمة بخططها ويقع مقرها الحالي في أتلانتا، وهي الآن منظمة وطنية لها فروع في جميع أنحاء الولايات المتحدة ولا تزال ملتزمة بالعمل اللاعنفي لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

سجن مارتن لوثر كينغ وتأثيره على الحركة النضالية

كما في كل حركة نضالية، تسعى السلطات لتقويض قوة القائد المتمرد فقد تم سجن مارتن لوثر كينغ عدة مرات بسبب قيادته لحركة الحقوق المدنية واعتماده على المقاومة السلمية في مواجهة التمييز العنصري في الولايات المتحدة.

أبرز هذه الاعتقالات كانت سجنه في برمنغهام، ألاباما، عام 1963، والذي أدى إلى كتابة "رسالة من سجن برمنغهام"، وهي واحدة من أهم الوثائق في تاريخ النضال من أجل الحقوق المدنية، كتبها كينغ ردًا على بيان صادر عن مجموعة من القساوسة البيض الذين انتقدوا احتجاجات كينغ وطلبوا منه الانتظار بدلاً من التظاهر. في الرسالة، دافع كينغ عن العصيان المدني، مؤكدًا أن الظلم في أي مكان هو تهديد للعدل في كل مكان. فأصبحت الرسالة وثيقة رئيسية في فلسفة النضال السلمي، واستُخدمت لاحقًا كمصدر إلهام حركات الحقوق المدنية حول العالم(5)

تم سجن مارتن لوثر كينغ عدة مرات بسبب قيادته لحركة الحقوق المدنية واعتماده على المقاومة السلمية في مواجهة التمييز العنصري - غيتي
تم سجن مارتن لوثر كينغ عدة مرات بسبب قيادته لحركة الحقوق المدنية واعتماده على المقاومة السلمية في مواجهة التمييز العنصري - غيتي

وفي حياة كينغ اعتقالات أخرى، أولها كان عام 1956 خلال مقاطعة حافلات مونتغمري، حيث ألقي القبض عليه بسبب قيادته المقاطعة، لكن أُطلق سراحه لاحقًا بكفالة، وكانت هذه أول تجربة له في السجن، لكنها زادت من شهرته كقائد للنضال السلمي.

في أكتوبر 1960، شارك كينغ في اعتصام سلمي ضد الفصل العنصري في المطاعم في أتلانتا، جورجيا، فتم اعتقاله وحُكم عليه بأربعة أشهر من الأشغال الشاقة، لكن تم الإفراج عنه بفضل تدخل السيناتور جون كينيدي، المرشح الرئاسي آنذاك.

في يونيو 1964، تم اعتقال كينغ في سانت أوغسطين، فلوريدا، أثناء مشاركته في احتجاجات ضد الفصل العنصري. وفي فبراير 1965، ألقي القبض على كينغ أثناء قيادته احتجاجًا للمطالبة بحق التصويت للسود في مدينة سلمى، ألاباما.

وقد أثّر سجن كينغ كثيرًا على حركة الحقوق المدنية، فقد جلب اهتمامًا إعلاميًا عالميًا للقضية، ما زاد الضغط على الحكومة لإنهاء الفصل العنصري وأدى إلى تضامن أكبر بين الأميركيين السود والليبراليين البيض، وهو ما عزّز الدعم لحركة الحقوق المدنية، ما ساعد في تمرير قوانين رئيسية، مثل قانون الحقوق المدنية (1964) وقانون حقوق التصويت (1965).

الخطاب التاريخي.. "لديّ حلم"

 "لدي حلم أن أطفالي الأربعة سيعيشون يومًا ما في أمة لا يُحكم عليهم فيها بلون بشرتهم، بل بمضمون شخصياتهم."

"لدي حلم" (I Have a Dream) هو أشهر خطاب ألقاه مارتن لوثر كينغ يوم 28 أغسطس/ آب 1963 خلال "المسيرة إلى واشنطن من أجل الوظائف والحرية"، حيث وقف على درجات نصب لنكولن التذكاري في واشنطن، وألقى كلمته أمام أكثر من 250,000 شخص من مختلف الأعراق، وساهم في دفع الحكومة نحو إصدار قانون الحقوق المدنية لعام 1964، الذي أنهى التمييز العنصري في الأماكن العامة.

هذا الخطاب التاريخي شكّل لحظة فارقة في حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، حيث دعا فيه كينغ إلى إنهاء العنصرية وتحقيق المساواة والعدالة لكل الأميركيين، بغض النظر عن لونهم.

في خطابه، استخدم كينغ أسلوبًا بلاغيًا قويًا واستشهد بوثائق مثل إعلان الاستقلال والدستور الأميركي، مشددًا على أن الولايات المتحدة لم تفِ بوعدها بالمساواة لمواطنيها السود.

وما زال هذا الخطاب مصدر إلهام لحركات النضال من أجل الحقوق والحريات حول العالم، وهو يُذكِّر بأهمية النضال السلمي والتشبث بالأمل في تحقيق العدالة. وقد كانت الكلمات التي لم يخطط لها كينغ هي التي دخلت التاريخ، وهي التي جعلت خطابه من بين الخطب الأكثر شهرة في أميركا.

يقول جوناثان إيغ، صاحب كتاب سيرة كينغ الذاتية بعنوان "كينغ: مسيرة حياة" إن كينغ قرر تجاوز الوقت المخصص له، حتى لو كان الجمهور متعبًا، ويضيف إيغ: " إن عبارة لديّ حلم ترتبط بالحلم الأميركي، وهو أمر أساسي لهذا البلد. إنه يستدعي أفضل غرائزنا".

ويعتبر ايغ أن كلام كينغ لقي صدى لدى الكثير من الناس لأنها كانت المرة الأولى التي يرى فيها أي شخص هذا النوع من المشهد على شاشة التلفزيون - أشخاص من السود والبيض يمسكون أيديهم معًا.

وكانت هذه المرة الأولى التي يسمع فيها العديد من الأميركيين البيض قوة كلمات واعظ أسود. وعندما زار كينغ الرئيس جون إف كينيدي في البيت الأبيض بعد ذلك، كان من الواضح أن الرئيس قد تأثر وكرر عبارة لديّ حلم مرة أخرى إلى كينغ.

وكانت العلاقة بين كينغ وكينيدي مزيجًا من الدعم والتوتر، حيث رأى كينغ في كينيدي حليفًا غير حاسم، بينما كان كينيدي مترددًا في المخاطرة سياسيًا بدعم الحركة علنًا حتى اضطر لذلك بسبب الضغط المتزايد.

اغتيال صاحب الحلم

تم اغتيال مارتن لوثر كينغ في 4 أبريل/ نيسان 1968 في ممفيس، تينيسي، بينما كان يقف على شرفة غرفته في فندق لورين.

في ذلك اليوم، كان كينغ في ممفيس لدعم إضراب عمال الصرف الصحي السود الذين كانوا يطالبون بتحسين الأجور وظروف العمل.

وقبل الساعة السادسة مساءً بقليل، خرج كينغ إلى الشرفة للتحدث مع أصدقائه الذين كانوا ينتظرونه في موقف السيارات أسفل الفندق.

لكن عند الساعة السادسة ودقيقة واحدة ذلك المساء، تردد صوت عيار ناري، تبين فورا أنه استهدف كينغ، حيث اخترقت الرصاصة خده الأيمن لتحطم فكه قبل أن تمزق نخاعه الشوكي، ليسقط ميتا ويهرع إليه مؤيدوه على أمل مساعدته فوجدوه غارقا في بركة من الدم.

ارتفعت أنظار الحاضرين إلى المبنى المقابل بحثا عن القاتل، من دون النجاح في ايجاده. ونتيجة لهذا الوضع دب الذعر وتعالى الصراخ وانهمرت الدموع، ولم تجدِ محاولات خدمات الطوارئ التي قدمت على الفور في إنعاش كينغ ليُنقل بعد ذلك إلى مستشفى سان جوزيف، وتعلن في الساعة 7:05 مساءً بشكل رسمي وفاة مارتن لوثر كينغ.

من قتل مارتن لوثر كينغ وماذا عن نظريات المؤامرة؟

أُلقي القبض على جيمس إيرل راي، الذي أدين بقتل مارتن لوثر كينغ، بعد شهرين تقريبًا من الاغتيال، في مطار هيثرو بلندن، وحُكم عليه بالسجن 99 سنة بعد اعترافه بالجريمة. لكنه تراجع لاحقًا عن اعترافه، مدعيًا أنه تم التلاعب به. رغم ذلك، لم يثبت تورط أي جهة أخرى رسميًا، لكن هناك نظريات مؤامرة تشير إلى احتمال تورط جهات حكومية أو مجموعات عنصرية في الجريمة.

راي توفي في 23 أبريل/ نيسان من عام 1998 عن عمر 70 عامًا في سجن ناشفيل، تينيسي بسبب مضاعفات مرض الكبد وقضى آخر سنواته محاولًا التراجع عن اعترافه والادعاء بأنه كان مجرد "كبش فداء" في مؤامرة أكبر، لكن لم يتم إثبات أي من مزاعمه رسميًا.

ورغم إدانة جيمس إيرل راي رسميًا بقتل كينغ، لا تزال هناك أسئلة غامضة حول الجريمة، إذ تظل نظريات المؤامرة تحيط بالحادثة، خاصة بسبب العداء العلني بين كينغ والحكومة الأميركية في ذلك الوقت.

لم يكن مارتن لوثر كينغ مجرد قائد لحركة الحقوق المدنية، بل كان رمزًا عالميًا للنضال السلمي ضد الظلم والتمييز، وأنّ اغتياله لم يكن نهاية لقضيته، بل بداية لموجة تغيير لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم

وبالرغم من أن الكونغرس ووزارة العدل وعدد من المدعين العامين قد خلصوا إلى أن جيمس إيرل راي هو المسؤول الوحيد عن مقتل زعيم الحقوق المدنية، فإن عائلة كينغ رفضت هذا الاستنتاج بشدة.

ففي شهر مارس/ آذار عام 1997، التقى ديكستر سكوت كينغ، وهو أحد أبناء مارتن لوثر كينغ ، جيمس إيرل راي في السجن، وقال إنه يعتقد أن راي لم يكن مسؤولاً عن اغتيال والده. وقد توفي راي خلف القضبان في العام التالي.

وكانت كوريتا سكوت كينغ أرملة مارتن لوثر حتى وفاتها في عام 2006، تتحدث عن "أدلة كثيرة على وجود مؤامرة كبرى وواسعة النطاق" خلف مقتل زوجها. وقالت في مؤتمر صحافي عقد عام 1999: "المافيا، جنبًا إلى جنب مع وكالات حكومية محلية وأخرى ولائية وفيدرالية، متورطة بعمق في اغتيال زوجي. وقد تم الإيقاع بالسيد راي وتحميله المسؤولية عن الجريمة".

وبالنسبة إلى عائلة مارتن لوثر كينغ، وعدد من الذين عايشوا مرحلة النضال من أجل الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي، فإن فكرة تورط الحكومة على مستوى عال في اغتياله لم تكن خيالية. فكينغ كان يدرك جيداً أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" كان يعمل ضده.

حتى الذين تولوا التحقيق في القضية، أقروا بأن رواية راي عن الأحداث كانت "عرضة للتغيير المستمر"، وافترضوا أنه ربما لم يتصرف بمفرده. ومع ذلك فقد استبعدوا فكرة وجود مؤامرة حكومية منسقة.

وقال جون كامبل الذي حقق في القضية: "أنا لا أقول إنه لم يحصل على مساعدة، لكن لم يكن ذلك من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية أو شرطة ممفيس أو المافيا.

ووسط كل هذا الجدل، لم يدافع أحد عن براءة راي أكثر من ويليام بيبر، وهو ناشط في مجال الحقوق المدنية ومحامٍ استمر في التحقيق في القضية حتى بعد وفاة راي. وقد تعقّب بيبر الشهود في ممفيس لتعزيز نظريته حول ما يعتقد أنه حدث بالفعل في ذلك اليوم.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن نظرية بيبر تشير إلى أن جون إدغار هوفر استخدم مساعده القديم كلايد تولسون لتحويل أموال إلى شخصيات في عالم الجريمة في ممفيس. ويقال إن هؤلاء الأفراد قاموا بدورهم بتجنيد قناص ماهر من قوة شرطة ممفيس، أطلق الرصاصة القاتلة بدلاً من راي.

وعام 1979 طرحت لجنة الاغتيالات التابعة لمجلس النواب نظرية أخرى مفادها أن جيمس إيرل راي قتل مارتن لوثر كينغ لقاء مكافأة مالية قدرها 50 ألف دولار، عرضها عليه أنصار المرشح الرئاسي جورج والاس المعروف بسياساته العنصرية. إلا أن اللجنة لم تتمكن من إثبات هذه الفرضية.

رغم إدانة جيمس إيرل راي رسميًا بقتل مارتن لوثر كينغ، لا تزال هناك أسئلة غامضة حول الجريمة - غيتي
رغم إدانة جيمس إيرل راي رسميًا بقتل مارتن لوثر كينغ، لا تزال هناك أسئلة غامضة حول الجريمة - غيتي

في المقابل أشار المؤلفان ستيوارت ويكسلر ولاري هانكوك في كتابهما "نعمة الله الفظيعة" The Awful Grace of God إلى أن فرع جماعة "كو كلوكس كلان" Ku Klux Klan (وهي مجموعة عنصرية تعتقد بتفوق العرق الأبيض) في ولاية ميسيسيبي، هو الذي أعلن عن المكافأة. وقد قامت اللجنة بمراجعة ملفات "مكتب التحقيقات الفيدرالي" الخاصة بهذه الجماعة، لكنها لم تعثر على أي دليل يربطها بجريمة الاغتيال(6).

عمومًا، فإنّ الغموض حول اغتيال كينغ ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا، علمًا أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب أصدر في يناير/ كانون الثاني 2025، أمرًا برفع السرية عن الوثائق المتعلقة باغتيال كل من الرئيس جون كينيدي، شقيقه روبرت كينيدي، إضافة إلى مارتن لوثر كينغ.

وفي مارس/ آذار 2025، تم نشر الدفعة الأخيرة من الوثائق المتعلقة باغتيال جون كينيدي. أما بالنسبة لوثائق اغتيال مارتن لوثر كينغ، فحتى الآن، لم يتم الإعلان عن نشرها، بالرغم من تعهد ترمب بذلك.

وفي النهاية، يبقى الثابت أنّ مارتن لوثر كينغ لم يكن مجرد قائد لحركة الحقوق المدنية، بل كان رمزًا عالميًا للنضال السلمي ضد الظلم والتمييز، وأنّ اغتياله لم يكن نهاية لقضيته، بل بداية لموجة تغيير لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم..


المراجع:

(1) كتاب "Bearing The Cross: Martin Luther King, Jr., and the Southern Christian Leadership Conference"، David J. Garrow، G William Morrow New York، الرابط.

(2) Stride toward freedom: The Montgomery Story، الرابط.

(3) Montgomery Improvement Association Press Release, Bus Protesters Call Southern Negro Leaders Conference on Transportation and Nonviolent Integration، الرابط.

(4) Southern Christian Leadership Conference (SCLC)، الرابط.

(5) Letter from Birmingham Jail، الرابط.

(6) أبرز نظريات المؤامرة في اغتيال الشقيقين كينيدي ولوثر كينغ، الرابط.

تابع القراءة

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي