فجر يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وصلت رسالة من قيادة حماس إلى عدد من عناصر نخبة كتائب القسام، تؤذن بتغير كل شيء، وجاء فيها: "أي شخص كان حاضرًا في الدورات التدريبية، ولم ينو الذهاب إلى صلاة الفجر في مسجده، يجب أن يذهب".
بهذا، بدأت ساعة الصفر لعملية طوفان الأقصى، فيما لم يعلم أحد ممن تلقوا الرسالة شيئًا عن المخطط الكامل سوى أنهم تلقوا بعد ساعة رسالة أخرى شفهية تقول: "أحضروا أسلحتكم وأي ذخائر لديكم وتجمعوا في الأماكن المحددة".
وعند الساعة 6:00 صباحًا، صدرت الأوامر النهائية بشكل مكتوب والتي تقضي بعبور السياج المحيط بغزة نحو غلافها المكون من نحو 50 مستوطنة عبر سبع ثغرات.
واتبعت تلك الأوامر الهرم المتدرج في السلم القيادي داخل الكتائب بدءًا بمئة هم القادة وانتقالًا إلى الفصائل فالفرق ليتحرك بالتزامن 1100 مقاتل من كتائب القسام، وبدعم 1500 آخرين مردفين.
ومهدت لهؤلاء جميعًا أركان كتائب القسام إعدادًا وتنفيذًا، بدءًا بأجهزة الاستخبارات التي وفرت البنية المعلوماتية، في حين تولت وحدات المدفعية التمهيد الناري عبر 5000 صاروخ.
وبالتوازي مع القصف، أزال جهاز الهندسة العوائق في تضليل شمل استهداف أنظمة أبراج المراقبة والإرسال والكاميرات، ومنظومات الاتصال.
وجرى ذلك عبر مسيّرات وبنادق قنص، وجهود سيبرانية. واستمر التضليل والإعماء حتى عبرت قوات النخبة بريًا بالعربات والدراجات النارية وجويًا بالطيران الشراعي، وبحريًا عبر الضفادع البشرية. ونفذ هؤلاء مناورة لاحتلال مواقع فرقة غزة الممتد نفوذها من أقصى شمال غرب القطاع حتى أقصى جنوب شرقه في مقر القيادة المعروف بفرقة رعيم الساعة 10:00 صباحًا لتفرض عليها السيطرة وتوقع من فيها بين قتيل ومصاب، وأسير.
رسالة الضيف وبدء عملية طوفان الأقصى
وحصل هذا بالتزامن مع اشتباكات في اللواء الشمالي واللواء الجنوبي، وحتى عشر نقاط تدخل عسكري وحاميات كيبوتس الغلاف.
وهنا ظهرت كلمة القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف وجاء فيها: "في ظل هذه الجرائم المتواصلة بحق أهلنا وشعبنا، وفي ظل عربدة الاحتلال، وتنكره للقوانين والقرارات الدولية، وفي ظل الدعم الأميركي والغربي والصمت الدولي، فقد قررنا أن نضع حدًا لكل ذلك بعون الله، ليفهم العدو أنه قد انتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب".
وأضاف: "إننا نعلن بدء عملية طوفان الأقصى، كما أننا نعلن بعون الله وقوته، أن الضربة الأولى من عملية طوفان الأقصى، والتي استهدفت مواقع العدو ومطاراته وتحصيناته العسكرية خلال الـ20 دقيقة الأولى، قد تجاوزت 5000 صاروخ وقذيفة".
صدمة إثر هجوم غير مسبوق على إسرائيل
ثم ما لبثت الصور أن جاءت من المستوطنات المختلفة، ومنها صور سديروت التي أظهرت جنودًا من الجيش الإسرائيلي ألقى بهم مقاتلو القسام أرضًا، إضافة إلى السيطرة على مركز الشرطة المحلي، ما دل على وجود عمليات أسر في صفوف الجنود من عمق مستوطنات الغلاف، من شمال القطاع وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبه، وذلك رغم مرور ساعات عدة على بدء العملية.
واستمر تعمق مقاتلي المقاومة داخل بلدات أخرى، حيث تحصنوا في بعض المنازل لساعات، وخاضوا اشتباكات ضارية مع الجنود الإسرائيليين وقوات النخبة كما حدث في موقع إيرز العسكري الذي سيطرت عليه المقاومة في الساعات الأولى من العملية. وظهرت اشتباكات أخرى داخل أوفاكيم مع أنباء عن وقوع جرحى وقتلى من الطرفين.
في هذه الأثناء، بدأت الأنباء تتوالى عن عدد كبير من المقاتلين والمحتجزين والأسرى. مثلًا، أكدت القناة الثالثة عشرة أسر 50 في هجوم المقاومة على بيئري بينما خاض عناصر القسام قتالًا ضاريًا في كفار عزة.
الخسائر البشرية الأكبر
لاحقًا، طورت قوات النخبة هجومها باتجاه الوحدة 8200 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية أمان في قاعدة أوريم، وموقع لحراسة الحدود وقيادة فرقة سيناء وقواعد للدعم اللوجستي، إضافة إلى موقع عين للتدخل البري، هاجمتهما قوات الكوماندوز البحري.
وحدث كل ذلك، والمؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية في حالة صدمة، أعلن على إثرها الجيش أعلى درجات الطوارئ من تخوم قطاع غزة حتى تل أبيب وديمونة، كما تم إغلاق طرق ومواقع، قبل أن يؤكد وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت مساحة حالة الطوارئ التي وصلت إلى نطاق 80 كيلو مترًا من القطاع.
ثم خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معلنًا الحرب على قطاع غزة.
والخسائر البشرية كانت الأكبر بين كل معارك إسرائيل، وفقًا للأرقام الإسرائيلية، تمثلت بأكثر من 1500 قتيل. أما عن نتائج هذا اليوم فهي إلى الآن وبعد عام لم تنته.
لكن المؤكد أنها هزت صورة القدرات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية، ما دفع نتنياهو بالتوعد بحرب على غزة "ستغير وجه المنطقة برمتها".