الأربعاء 17 أبريل / أبريل 2024

لا برلمان ولا حكومة في تونس.. قيس سعيّد يستأثر لنفسه بكل السلطات

لا برلمان ولا حكومة في تونس.. قيس سعيّد يستأثر لنفسه بكل السلطات

Changed

لا يمكن اختصار المشهد على أنه اختلاف على تأويل مادة دستورية، فتركيز السلطات بيد شخص واحد هو الرئيس يضع تونس أمام خيارات صعبة.

لا برلمان ولا حكومة ولا وزير دفاع ولا عدل، فقد جُمد من جُمد وأُقيل من أُقيل، ونصّب قيس سعيد بذلك نفسه مع كونه رئيسًا، منقذًا لتونس وللمجتمع التونسي في البلاد على صعد عدة.

باختصار، نقل الرئيس قيس سعيّد الأزمة في تونس إلى مربّع جديد، من خلال إقالات متتالية، وتجميد لعمل جهات حكومية وبرلمان بات معطّلًا بعد استناد الرئيس إلى المادة 80 من الدستور الجديد.

وسرعان ما حمّل البرلمان التونسي الرئيس سعيّد جميع التبعات الأخلاقية والقانونية والجزائية لقراراته، داعيًا الجيش التونسي والقوات الأمنية إلى الانحياز إلى الشعب وحماية الدستور والقانون، وسط ردود فعل دولية متعدّدة.

"ما هكذا تُفسَّر المادة 80"

انطلاقًا ممّا سبق، لا يمكن اختصار المشهد على أنه اختلاف على تأويل مادة دستورية، فتركيز السلطات بيد شخص واحد هو الرئيس وتجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة في ظلّ غياب محكمة دستورية، كلّها عوامل تضع تونس أمام خيارات صعبة.

أكثر من ذلك، يقول العارفون بالدساتير وتأويلها إنه ما هكذا تفسر المادة 80 التي عليها استند الرئيس التونسي الذي استأثر ببساطة لنفسه بكل السلطات، ونال منها ما لم ينله المخضرمون فيها بهز أرضية السياسة فيها.

وفي ليلة تونس الظلماء افتُقدت المحكمة الدستورية، فقد أُجلت أو تأجلت، وعطلت أو تعطلت لكنها حين الفقد لا تغني عنها الحيل، لا بحشد شارع وجد نفسه شارعَين، ولا بانتظار موقف جيش أقال سعيّد وزيره، ولا التعويل على خارج تكرر أمامه سقوط أنظمة قد لا يبالي إن جرى الرقص على آخر يسامينها.

"ما جرى انقلاب مكتمل الأركان"

يرى القيادي في حركة النهضة ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبدالسلام أن كل المشاريع الانقلابية اتكأت بشكل أو بآخر على مبررات ومسوغات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

ويقول في حديث إلى "العربي" من تونس: "الديمقراطية لم تكتمل في تونس وهو كذلك. ولا أتصور أن السيد قيس سعيد بهذه الخطوة سيتوج الديمقراطية التونسية".

ويشدد على أن "ما جرى هو انقلاب مكتمل الأركان، واستُغلت فيه الصعوبات التي تمر بها البلاد؛ الصعوبات الصحية والمالية والسياسية". 

ويؤكد أن قيس سعيد طرف ضالع في الأزمة السياسية، حتى أن رئيس حكومته هو من اختاره. ويردف: "من العبث في السياسة أن السيد قيس سعيد اختار السيد هشام المشيشي، ثم بعد أيام قليلة انقلب عليه وأراد أن يطيح به وأصبح خصمًا لدودًا له".

ويضيف: "كل ما هنالك أن الكتل البرلمانية التي تتمتع بالأغلبية وفرت نوعًا من السند السياسي لحكومة هشام المشيشي حتى لا يقع البلد في فراغ سياسي"، لافتًا إلى أن سعيد "عمل بتكتيك التأزيم السياسي والاجتماعي ما أمكنه".

ويشرح أن سعيد "أراد أن يستغل الأزمة المالية والصحية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، وامتنع عن تنصيب المحكمة الدستورية بتأويل باطل لم يقرّه أي من رجال القانون الدستوري، وبحث عن ضروب من التحيّل في الفصل 80 اليوم ليُعمل ـ بحسب زعمه الدستور ـ وهو في حقيقة الأمر خارج إطار الدستور والشرعية".

ويذكر بأن "مكونًا رئيسيًا من مكونات الفصل 80 هو بقاء البرلمان في حالة انعقاد، وأن يتشاور مع رئيس البرلمان".

وإذ يلفت إلى نفي رئيس البرلمان أن يكون سعيد قد تشاور معه، يشير إلى أن سعيد لم يتشاور مع رئيس حكومته، الذي من المفارقات العجيبة أنه حبسه في قصر قرطاج، وهناك حديث عن تعرضه لتهديدات وتعنيف بعدني. 

ويشدد على أن "سعيد يفرض الانقلاب بسياسة أمر الواقع"، مؤكدًا أنه ليس قديسًا ولا يؤمن لا بالديمقراطية ولا بالبرلمان ولا بالأحزاب السياسية.

ويردف: "هو مشروع شعبوي، وقد أفصح من البداية عن مشروعه"، لافتًا إلى أن الحركة السياسية التونسية كانت تظن أن توليه لموقع الرئاسة سيغير أو يعدل من توجهاته السياسية على ضوء النظام السياسي الجديد، لكن بدلًا من التأقلم مع النظام الدستوري في تونس أراد أن يغير كل شيء على مقاسه، ويرفض الأحزاب والمنظومة الديموقراطية ويفرض الحكم الفردي".

"الوضع العام أنتج هذه القرارات"

في المقابل، يرى عضو المكتب السياسي للتيار الشعبي غسان بو عزي أن قرارات سعيّد "جاءت في سياق أزمة حادة متفجرة في تونس، المسؤولة عنها بشكل رئيسي هي حركة النهضة وحكومتها برئاسة هشام المشيشي"، على حدّ قوله.

ويؤكد في حديث إلى "العربي" من تونس، أن "هناك أزمة كبيرة في تونس، والدولة كانت تذهب بخطى ثابتة نحو الانهيار، والتونسيون يموتون يوميًا من جراء المرض في ظل عجز الحكومة وفشلها بالكامل، وأوضاع اقتصادية أمنية واجتماعية منهارة تمامًا".

ويوجز بالقول إن هذا الوضع العام هو الذي أنتج هذه القرارات.

وإذ يؤكد أن ما يهم التيار الشعبي هو أن تنفذ إرادة الشعب، يقول: "نحن لا نعتبر أن المسار الثوري انتهى في تونس"، متسائلًا: "من قال إن هناك نظامًا ديمقراطيًا مكتمل الأركان في تونس؟".

ويشير إلى أن حركة النهضة تريد تصوير الديمقراطية على أساس أنها صندوق انتخابات وحرية تعبير فقط، مشددًا على أن "الديمقراطية مسألة متشعبة وأعمق بكثير، وهناك مؤسسات دستورية لم يقع تركيزها بعد لأن الأطراف الحاكمة تريد تركيزها عن طريق المحاصصة وليس بناء مؤسسات وطنية وبنية تحتية للديمقراطية التونسية".

ويلفت إلى أن التيار الشعبي لم يعط صكًا على بياض لرئيس الجمهورية؛ إذ قال إنه يؤيد الاجراءات في اتجاه الاستجابة لمطالب الشعب بحل هذا البرلمان، بؤرة الفساد في تونس"، وفق تعبيره.

"تأويل انفرادي يهدد الانتقال الديمقراطي"

من ناحيته، يؤكد أستاذ القانون في الجامعة التونسية عبد الرزاق المختار أن الدستور هو المرجع عند الاختلافات، مشيرًا إلى أن ما حصل أمس من حيث فرض ما يسمى بسياسة الأمر الواقع دستوريًا للفصل 80 يعبر عن مخالفة واضحة لفصول الدستور، وعن رؤية للرئيس قيس سعيد كانت بدأت بوادرها منذ البدء.

ويقول في حديثه إلى "العربي" من تونس: "الغريب أننا إزاء قسم على الدستور يجب أن نحترمه، وإزاء قسم من رئيس انتُخب وهو يعلم تمامًا قواعد اللعبة الديمقراطية التي نحتكم إليها".

ويضيف: "نحن اليوم إذًا إزاء رسم لقواعد جديدة، تستند إلى غياب للمحكمة الدستورية، تشاركت في إثم تغييبها كل الأطراف بما فيها رئيس الدولة".

وإذ يعتبر أن الأزمة كلمة حق أريد بها باطل، يرى أنه "كان بالإمكان الاعتماد على الحوار الوطني، وعلى أكبر توافق وطني واسع حتى لتطبيق الفصل 80 بحد ذاته، إن وُجِدت الإرادة العامة لكل الأطياف السياسية والمدنية في تونس".

ويشير إلى أن ما قام به رئيس الجمهورية عمل انفرادي وتأويل انفرادي يهدد اليوم مسار الانتقال الديمقراطي. 

ويشدد على أن "سردية رئيس الجمهورية عند استقباله لرؤساء المنظمات الوطنية هي قراءته التي لم ينكر فيها الإخلالات، إنما حاول تسويقها سياسيًا".

ويلفت إلى أن "ما جرى يدعو إلى التساؤل متى ستزول هذه التدابير الاستثنائية، وهل أن الاجراءات التي اتخذها رئيس الدولة وفيها تحوير واقعي لقواعد النظام السياسي التونسي وتحويله إلى نوع من الرئاسوية الجديدة، ستعود بعد مدة الشهر؟".


بث مباشر لآخر التطورات في تونس
المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close