السبت 21 حزيران / يونيو 2025
Close

لديهم الحقّ في الغذاء والدواء.. عمال الإغاثة في غزة يشعرون بالعجز

لديهم الحقّ في الغذاء والدواء.. عمال الإغاثة في غزة يشعرون بالعجز

شارك القصة

بات واحد من كل 5 فلسطينيين على شفا المجاعة
بات واحد من كل 5 فلسطينيين على شفا المجاعة- اسوشييتد برس
الخط
يصف عمال الإغاثة ما يحدث في قطاع غزة بـ"كارثة من أسوأ ما شهدوه على الإطلاق"، معتبرين أنّها "أكثر إيلامًا لأنّها من صنع الإنسان".

بعد أشهر من دقّ ناقوس الخطر، تسود العاملين في المجال الإنساني في قطاع غزة مشاعر الغضب والإحباط والرعب نتيجة للحصار الإسرائيلي المستمرّ منذ قرابة ثلاثة أشهر.

ويصف هؤلاء ما يحدث في قطاع غزة بـ"كارثة من أسوأ ما شهدوه على الإطلاق"، معتبرين أنّها "أكثر إيلامًا لأنّها من صنع الإنسان"، حيث يتعمّد الاحتلال الإسرائيلي قطع جميع إمدادات الغذاء والوقود والأدوية وغيرها عن القطاع منذ نحو 11 أسبوعًا.

ويؤكد عاملو الإغاثة أنّه ينبغي السماح لهم بأداء عملهم، إذ هناك حوالي 170 ألف طن متري من المساعدات بما في ذلك المواد الغذائية، متوقّفة في شاحنات على بُعد أميال قليلة من القطاع.

وقالت راشيل كامينغز، منسّقة الطوارئ في منظمة "إنقاذ الطفولة في غزة": "يتمتع المجتمع الإنساني بخبرة واسعة ودراية واسعة في مجال معالجة سوء التغذية. لكنّنا بحاجة إلى إدخال الغذاء إلى غزة، ولوقف هذا الهجوم المتعمّد على الأطفال في جميع أنحاء غزة".

ويُعاني معظم سكان القطاع تقريبًا البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، من سوء تغذية حاد، وبات واحد من كل 5 فلسطينيين على شفا المجاعة.

وتروي أخصائية التغذية في منظمة "ميدغلوبال" رنا صبح، تجربتين دفعتاها إلى حافة الانهيار أثناء عملها في قطاع غزة.

وقالت صبح في حديث لوكالة اسوشييتد برس: "نُقلت امرأة على وجه السرعة إلى قسم الطوارئ في مستشفى بغزة بعد إغمائها أثناء إرضاع مولودها الجديد، وأخبرتي أنها لم تأكل منذ أيام".

وأضافت أنّها "في اليوم التالي وجدت في منشأة طبية أخرى، طفلًا عمره عام واحد يعاني من سوء تغذية حاد، ويصل وزنه 5 كيلوغرامات، أي أقل من نصف الوزن الطبيعي. لم تنبت له أي أسنان، وكان هزيلًا جدًا لدرجة أنه لم يستطع البكاء. وكانت أمه تعاني أيضًا من سوء تغذية، أشبه بهيكل عظمي مغطّى بالجلد".

وقالت: "عندما طلبت الأم الطعام، بدأت بالبكاء من دون توقف. غمرني الشعور بالعجز لأنّي اعتدت أن أُقدّم أحيانًا القليل من المال أو بعضًا من طعامي، لكنّني بتت الآن أعاني أيضًا".

وأضافت: "هذا أسوأ شعور، أن تُريد المساعدة لكنّك تعلم أنّك لا تستطيع. تمنّيت حينها لو أن الأرض تنشق وتبتلعني".

آخر خطوط الحياة تُغلق

المطابخ المجتمعية هي شريان الحياة الأخير لمعظم الناس، لكنّ أكثر من 60% منها أغلقت أبوابها بسبب نفاد الإمدادات. أما تلك التي لا تزال تعمل، فلا يُمكنها سوى إنتاج 260 ألف وجبة يوميًا.

في مطبخه بخانيونس، يُحضّر نهاد أبو كوش و10 طهاة آخرون وجبات تكفي لحوالي ألف شخص يوميًا، بينما يقصدهم ألفان يوميًا.

أمام مطبخ أبو كوش، يصطف بحر من الناس بينما يخشون أن يكونوا من بين نصف من سيفوتهم الحظ. يتدافعون ويلوّحون بأوانيهم للحصول على حصص من أحواض العدس والفاصوليا والبازلاء المطبوخة في صلصة الطماطم.

قال أبو كوش لأسوشييتد برس: "أشعر بالعجز الشديد لأنّ الأعداد تتزايد يومًا بعد يوم. أنظر إلى وجوههم ولا أستطيع فعل شيء".

وروى أنّه في أحد الأيام الأخيرة، تنازل عن حصته بعد أن التقى بطفلٍ يحمل إناء فارغًا، بين ألف شخص لم يحصلوا على أي حصة غذائية.

نقطة الانهيار

أوضحت صبح أنّ فريقها يُكثّف إمدادات علاجات سوء التغذية، حيث تُقسّم كل علبة من حليب الأطفال على عدة أمهات. وتُخفّض حصص الطعام العلاجي إلى النصف. وتُقدّم المكملات الغذائية فقط للأطفال حتى عمر سنة، وليس حتى عمر السنتين. لكنّ إجراءاتهم تُصبح أكثر تعقيدًا في ظل الاحتياجات المتزايدة.

وقالت إنّ الموظفين يُحاولون ثني الأمهات الضعيفات للغاية اللواتي لا يستطعن ​​إرضاع أطفالهن، عن إعطاء الماء المحلّى بالسكر لأطفالهن حديثي الولادة، الذي قد يُسبب الإسهال المميت والالتهابات.

لكن هذا الأمر هو الخيار الوحيد للأمهات، فالدقيق المباع في الأسواق متعفّن، ومليء بالحشرات، وخالٍ من العناصر الغذائية، وغالي الثمن.

ومع ذلك، إذا وجدوا المال، يخوض الآباء رحلات محفوفة بالمخاطر للحصول عليه لمجرد تخفيف جوع أطفالهم.

كما خفّضت منظمات الإغاثة التي توزّع المياه، حصصها اليومية إلى خمسة لترات للشخص الواحد، أي ثلث الحد الأدنى في حالات الطوارئ. وتُضطر العائلات للاختيار بين استخدام الماء للشرب أو غسل اليدين أو الطهي، ما يُعرّضها لخطر العدوى.

وأوضح محمود السقا، منسّق قطاع الأمن الغذائي في منظمة "أوكسفام"، أنّ أولياء الأمور يُخبرونه أنّ أطفالهم يُصابون بالدوار من نقص الطعام، ويبحثون في القمامة عن بقايا الطعام.

وقال السقا لوكالة اسوشييتد برس: "نرى الجوع في عيونهم".

ووزّعت مجموعته كغيرها من المجموعات الإغاثية، آخر مخزوناتها الغذائية قبل أسابيع.

بينما أشار فادي عبد، أحد زملاء صبح، إلى أنّ البالغين اليائسين في الحي الذي يعيش فيه يطلبون منه ألواح زبدة الفستق التي تستخدم في علاج الأطفال الذين يُعانون من سوء التغذية الحاد لإسكات جوعهم.

وقال عبد: "تشعر أنك خذلتهم برفضك اعطائها لهم"، إذ يُكافح هو بنفسه لإطعام أسرته. وأضاف: "الخوف من المجاعة مُنتشر في كل بيت".

أجهزة تنفّس يدوية

وفي مواجهة نفاد الإمدادات وتعطّل الآلات، يبتكر العاملون في المجال الطبي بدائل.

وأوضح مدير مستشفى العودة في شمال غزة محمد صالحة، أنّ المستشفى يعاني من نقص الوقود وأسطوانات الأكسجين، لذا يستخدم الطاقم أجهزة التنفّس الصناعي اليدوية للحفاظ على تنفس المرضى.

ويتناوب طاقم المستشفى على ضخّ الهواء يدويًا لمريض واحد لمدة 72 ساعة متواصلة. إلا أنّ المريض توفي.

وقال صالحة لوكالة اسوشييتد برس: "الناس يموتون، لأنّنا ببساطة لا نملك الأساسيات".

في مجمع ناصر الطبي في جنوب غزة، لا يملك الأطباء المثاقب أو المواد المانعة للتسرّب أو صفائح التيتانيوم لعلاج العديد من كسور الجمجمة الناجمة عن القصف. لذلك يستخدمون الجيلاتين منتهي الصلاحية لوقف النزيف، لكنّ هذا لا يمنع تسرّب السائل الشوكي، وهو ما قد يكون مميتًا، وفقًا لطبيب أجنبي متطوّع مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين.

أحيانًا، لا يستطيع فعل شيء، فلديه أطفال يُعانون من خلل في زراعة القوقعة، ولكن لا توجد طريقة لاستبدالها. وقال: "بدونها، لن يتمكّنوا أبدًا من تطوير نطق طبيعي".

نظام المساعدات الجديد

تضغط إسرائيل والولايات المتحدة على الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة للانضمام إلى نظام التوزيع الجديد المُخطط له. وتقول الأمم المتحدة ومعظم منظمات الإغاثة إنّها لا تستطيع الانضمام إليه، لأنّه يُمكّن إسرائيل من استخدام المساعدات كسلاح لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية.

ومن خطة خطة المساعدات الجديدة، أن يؤدي إلى إخلاء جزء كبير من غزة من السكان من خلال إجبار الفلسطينيين على الانتقال إلى مراكز التوزيع المخطط لها.

وفي هذا الإطار، قال السقا من "أوكسفام": في النهاية، هذا استخدام للغذاء لإذلال الناس والسيطرة عليهم وتوجيههم"، مضيفًا: "لكل إنسان الحقّ في الغذاء".

تابع القراءة

المصادر

ترجمات
تغطية خاصة