الخميس 28 مارس / مارس 2024

لغز الحرب الأوكرانية.. من فجّر خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم؟

لغز الحرب الأوكرانية.. من فجّر خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم؟

Changed

نافذة من "أنا العربي" تلقي الضوء على التحقيقات في تفجير خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم (الصورة: غيتي)
لم يتمكّن المحققون حتى الآن من الوصول إلى استنتاج واضح حول أسباب الانفجار الذي ضرب خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم في بحر البلطيق.

يُعتبر تفجير خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم واحدًا من أكثر الألغاز غموضًا في الحرب الروسية على أوكرانيا.

وفي حين وصف الكرملين التفجير بـ"الجريمة الشنيعة" واتهم الغرب بالوقوف خلفه، لم تبرئ الولايات المتحدة الأوكرانيين منه، وسط حيرة المحققين في العالم وتخبّطهم منذ أشهر.

فكيف انتقل النزاع من الأراضي الأوكرانية إلى أعماق بحر البلطيق؟ ومن يمتلك مفتاح اللغز؟

إنشاء خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم

يُمثّل الغازُ الروسي كنز الرئيس فلاديمير بوتين لتدفئة القارة العجوز، التي كانت تستهلك وحدها نحو 40% منه على مدى سنوات.

هذه النسبة تصل غالبيتها عبر شرايين موسكو المتمثلة في خط نورد ستريم 1، الذي يمتد على طول أكثر من 1200 كيلومتر تحت بحر البلطيق، ليربط الساحل الروسي بشمال شرقي ألمانيا، وتمتلك شركة غازبروم الروسية العملاقة نصيب الأسد منه.

الخط كان ينقل نحو 170 مليون متر مكعب من الغاز من روسيا إلى ألمانيا يوميا، لكن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة لموسكو التي كانت تسعى إلى مضاعفة إمداداتها إلى أوروبا، وبالتالي مضاعفة الإيرادات.

تربط خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم الساحل الروسي بشمال شرقي ألمانيا - غيتي
تربط خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم الساحل الروسي بشمال شرقي ألمانيا - غيتي

لذلك، اتفقت موسكو مع برلين على بناءِ خط نورد ستريم 2 الذي تبلغ كلفته نحو 11 مليار دولار، وفيه ما يكفي من الطاقة لتزويد نحو 26 مليون أسرة أوروبية، وبقدرة على نقل 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا.

وفي عام 2018، بدأ العمل على نورد ستريم 2، وكان من المتوقع أن تصل عائداته السنوية إلى نحو 15 مليار دولار، كما أنه سيمكن روسيا من الاستغناء عن الأراضي الأوكرانية في نقل الغاز، ويحرم الأخيرة من مليار ونصف مليار دولار على الأقل سنويًا من العائدات التي تجنيها مقابل مرور الغاز الروسي عبر أراضيها.

بدء الخلاف مع أوروبا

انتهى العمل على خط نورد ستريم 2 عام 2021، لكنه كان كفيلًا بزرع خلاف في أوروبا، وسـط مخاوف من ترسيخ القبضة الروسية الخانقة على أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

كما تسبب في إحداث فجوة بين ألمانيا والولايات المتحدة، فتصدير الغاز عبر نورد ستريم 2 بتكلفة منخفضة، قد يؤثر سلبا على صادرات الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا، التي تعد الوجهة الأهم له؛ فقد مثّلت صادراتها 26% من إجمالي واردات دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

الخلاف دبّ داخل الحكومة الألمانية نفسها التي قالت: إن المشروع لا يمكن أن يمضي قدمًا إذا نفّذت روسيا تهديداتها بالتدخّل العسكري في أوكرانيا.

وبالفعل، نفّذت روسيا تهديدها في 24 فبراير/ شباط 2022، وكانت ألمانيا عند وعيدِها، فأوقفت إجراءات اعتماد خط الغاز الروسي ضمن مجموعة من العقوبات الدولية التي فرضها الغربُ على موسكو.

ومن هنا تحوّل الغاز الروسي إلى سلاح جديد في المواجهة بعدما خفضت موسكو في البداية شحنات الغاز عبر نورد ستريم 1 في يونيو/ حزيران 2022 من 170 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا إلى نحو 40 مليون متر مكعب.

تفجير الأنبوب

وفي يوليو/ تموز من ذلك العام، أغلق الخط لمدة 10 أيام بزعم صيانته.

 لكن يبدو أن السحر انقلب على الساحر، ليتحوّل الغاز إلى سلاح بيد مجهول هذه المرة، إذ استفاق العالم في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول 2022 على خبر تعرض خطي غاز نورد ستريم 1 و2 إلى عمل تخريبي.

سلسة تفجيرات قطعت على إثرها روسيا تمامًا إمدادات الغاز عن أوروبا عبر نورد ستريم 1 بزعم إجراء إصلاحات ضرورية.

وبحسب باحثة في قسم الهندسة الكيميائية بإمبريال كوليدج تحدثت إلى صحيفة "الغارديان"، فإن الانفجارات تسببت في أسوأ انبعاث لغاز الميثان في التاريخ، رغم أنّ المدى الكامل للأضرار البيئية لا يزال غير واضح.

عمقُ خطوط الأنابيب وطريقة استخدام المتفجرات تحت الماء أشارا بحسب تقارير إلى أن الفاعل لا يمكن أن يكون فردًا أو مجموعة، بل هي دولة لديها خبرة في هذه العمليات المعقدة، لكنّ أحدًا لم يعلن مسؤوليته، فتحوّلت المعركة إلى حرب تصريحاتٍ متبادلة.

من أميركا إلى بريطانيا، وبين أوكرانيا وروسيا، ضاع المحققون ومن خلفهم المواطنون في صخب الاتهامات، والكل يسأل عن الفاعل والمسؤول من خلفه والمتضرر ولا أحد يُجيب، أو بالأحرى، فإن الإجابات التي قدمتها جهات مختلفة لم تكن موضوعية بل كانت تخدم أجندات قائلها إلى حد كبير.

احتمالات المسؤولية

روسيا

وقعت الانفجارات تحديدًا في المناطق الاقتصادية الخالصة للسويد والدنمارك. كلا البلدين خلص إلى أن التفجيرات متعمدة، لكنهما لم يحددا الجهة المسؤولة.

في المقابل، اتهمت بولندا وأوكرانيا على الفور روسيا بزرع المتفجرات لكنهما لم تقدما أيَّ دليل.

روسيا التي رأى كثيرون أنها المتضرر الأكبر منَ الهجمات نفت التهمة قطعًا، واتهمت بدورها بريطانيا والولاياتِ المتحدةَ بتنفيذ العملية دون تقديم أدلة أيضًا، كما طالبت بتحقيق دولي في الحادثة.

وأمام الاتهامات الموجهة إلى موسكو، يُمكن طرح الأسئلة التالية: لماذا قد تُخاطر موسكو بإلحاق أضرار بمصدر مهم لإيراداتها وتتكبّد تكلفة إصلاح خطي الأنابيب التي قُدّرت بنحو 500 مليون دولار؟ وهل يُعقل أن تكون قد فعلت ذلك لمجرد إلقاء اللوم على خصومها الدوليين؟

الولايات المتحدة

ظلت التكهنات والاتهامات تظهر من هنا وهناك دون إثباتات، في حين وُجهت أصابع الاتهام إلى الحليف الأكبر لأوكرانيا: أميركا التي عارضت المشروعَ لسنوات وفرضت عقوبات عدة عليه.

فخرجَ الصحافي الأميركي الاستقصائي سيمور هيرش بنتيجة مفادها أن الولايات المتحدة مسؤولة عن العملية بتوجيه من الرئيس جو بايدن، مستشهدًا بتهديد علني أطلقه ساكن البيت الأبيض قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، توعد فيه بإنهاء مشروع نورد ستريم 2.

ووفق الصحافي، نفّذت وكالةُ الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) العملية بمساعدة نرويجية. لكن واشنطن أنكرت تمامًا أي صلة بالتفجيرات.

أوكرانيا

وفي الأثناء، ظهرت معلومات استخبارية أميركية جديدة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في تقرير رجح أن جماعة موالية لأوكرانيا هي من نفذت الهجوم على خطوط أنابيب نورد ستريم، وأن المخربين على الأرجح مواطنون أوكرانيون أو روس أو مزيج من الاثنين، وأنهم كانوا من المعارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما أن المتفجرات زُرعت على الأرجح بمساعدة غواصين على قدر عال من الاحتراف لا يبدو أنهم يعملون لصالح أجهزة عسكرية أو استخبارية، لكن يعتقد أنهم تلقوا تدريبًا حكوميًا متخصصًا.

لكنّ المعلوماتِ الاستخبارية لم تُشر إلى أي دليل يُورط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو كبار مساعديه في العملية، كما رفض المسؤولون الكشف عن طبيعة المعلومات الاستخبارية أو كيفية الحصول عليها.

وبحسب وسائل إعلام ألمانية، فإن المحققين يُرجحون أن خمسة رجال وامرأةً منهم غواصون وطبيبٌ نفذوا الهجوم، مستخدمين يختًا استأجرته شركة مملوكة لأوكرانيين في بولندا، وقد استخدم المشتبه بهم جوازات سفر مزورة عند استئجار القارب الذي انطلق من ميناء روستوك الألماني إلى بحر البلطيق بمعدات غطس ومتفجرات.

الاستنتاجات التي تُحمّل أوكرانيا المسؤولية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة قد تكون لها آثار عميقة على التحالف الداعم لها.

من غيرِ المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خسارة فورية للدعم الغربي لأوكرانيا، لكنه قد يُضعف حماسة الدول لتقديم مساعدات مستقبلية حسب تقارير، كما أنه سيُثير توترًا على المستوى الشعبي، خصوصًا أن الأوروبيين تحمّلوا ارتفاع أسعار الطاقة في المدة الأخيرة باسم التضامن مع أوكرانيا.

أما في حال مسؤولية روسيا، فإن ذلك من شأنه أن يعطي ثقلًا للمزاعم الغربية بأن موسكو تستخدم الطاقة سلاحًا ضد أوروبا.

لكنْ إذا اكتملتِ التحقيقاتُ، فلا شيء يضمن أن نتائجها ستكون مقبولة عالميًا، في مناخ دولي مليء بالصراعات والتجاذبات ويُسيطر عليه عدم الثقة.

هذا يعني أن القضية قد تستمر إلى ما لا نهاية، لتظل لغزًا عالميًا محيرًا إلى الأبد.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close