اكتشف علماء الآثار في شمال غرب المملكة العربية السعودية "طرقا جنائزية" عمرها 4500 عام تمتد على طول 170 كلم بمحاذاة الآلاف من المقابر الحجرية التي بُنيت على شكل قلادة.
وأطلق على المسارات المكتشفة اسم "الطرق الجنائزية" لأن القبور تقع بجانبها. ومن غير المؤكد ما إذا كانت هذه الطرق تستخدم لإتمام مراسم الجنائز. وقال الباحثون: إن السكان القدماء كانوا قد ربطوا الواحات معًا وشكلوا نوعًا من شبكة الطرق السريعة القديمة.
وبحسب ماثيو دالتون، الباحث المشارك من جامعة أستراليا الغربية والمؤلف الرئيسي لورقة بحثية حديثة حول الطرق المكتشفة نُشرت في مجلة "ذا هوليسين"، فقد "تم تحديد بعض الطرق بالصخور الحمراء، ولكن معظمها تم تشكيله ببساطة لأن الأرض كانت سلسة بسبب أقدام القدماء وحوافر حيواناتهم الأليفة".
طرق السفر الطويلة
ويشير دالتون في تصريح لموقع "لايف سينس"، إلى أن شبكة الطرق هذه كانت تسهل السفر لمسافات طويلة. فباتباع هذه الشبكات، يمكن للناس قطع مسافة لا تقل عن 530 كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب. وهناك أيضًا آثار لمثل هذه الطرق في جنوب السعودية واليمن. لكن ذلك يتطلب مزيدًا من البحث.
وقال دالتون: "إن علماء الآثار لا يعرفون الكثير عن الطقوس التي كانت تتم في الطرق الجنائزية أو حتى في المقابر التي تصطف على جانبي الممرات. فبقايا الإنسان داخل المقابر في حالة سيئة وتعرّضت بعض المقابر للسرقة مما جعلها مجردة من المشغولات اليدوية".
واعتبر أّنه على الرغم من نقص المعلومات "ليس من الصعب تخيل استخدام المقابر لتذكر الموتى أو إحياء ذكراهم، خاصة وأن أحفاد أو أقارب أولئك المدفونين بداخلها ربما مروا بهم كثيرًا خلال حياتهم اليومية"، بحسب دالتون.
وأضاف دالتون: "قد نتصور حتى مواكب جنائزية على طول الطرق من الواحات المستقرة نحو المقابر، لكن هذا مجرد افتراض حتى نجد المزيد من الأدلة".
نتاج تطور محلي
وفي الوقت الذي شُيدت فيه هذه المقابر والطرق، بنى المصريون الأهرامات. وازدهرت في تلك الأثناء عدد من الحضارات في بلاد ما بين النهرين شمال شبه الجزيرة العربية، وشيدت مدنًا ومعابد كبيرة.
وعلى الرغم من الثقافات المزدهرة في مصر وبلاد ما بين النهرين المجاورة، لا يعتقد دالتون أن تلك الحضارات ألهمت الناس في السعودية لبناء الطرق الجنائزية والمقابر.
وقال دالتون: "نعتقد أن هذه الظاهرة كانت بالتأكيد تطورًا محليًا". وأشار إلى أن الناس في السعودية كانوا يبنون هياكل حجرية كبيرة منذ آلاف السنين قبل بناء الأهرامات في مصر. فعلى سبيل المثال، تمت بناء هياكل على شكل بوابة تسمى "مستطيلات" منذ 7000 عام في شبه الجزيرة العربية وربما تم استخدامها لعبادة الماشية في عصور ما قبل التاريخ.
واستخدم فريق البحث صور الأقمار الصناعية والتصوير الجوي والمسوحات الأرضية والحفريات. ويعمل علماء الآثار المشاركون في أعمال التنقيب تحت إشراف الهيئة الملكية لمحافظة العلا، المسؤولة عن مشروع الآثار والحفظ في منطقة العلا شمال غرب السعودية. وتحتوي العلا على العديد من الآثار التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.