ليلى سويف.. أم عنيدة ومحبة تفرض معادلتها: "الموت أو علاء طليقًا"
تواصل ليلى سويف والدة الناشط المصري البريطاني علاء عبد الفتاح، المعتقل في مصر، واحدًا من أطول الإضرابات عن الطعام في التاريخ المعاصر لبلادها، ما يعكس صراع إرادات بدأته المعارضة والأكاديمية المرموقة ضد السلطات المصرية التي ترفض الإفراج عن نجلها قبل انتهاء ما تقول إنها محكوميته في يناير/ كانون الثاني 2027.
وتخوض سويف المعروفة بصلابتها وعنادها أيضًا ما يعتبره كثيرون آخر معاركها العاطفية هذه المرة، وليس السياسية وحسب، ضد نظام ناصبته وعائلتها الممتدة العداء منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتدهورت الحالة الصحية لأستاذة الرياضيات في جامعة القاهرة أخيرًا على نحو يهدّد حياتها بالخطر، فقبل أكثر من عشرة أيام، وتحديدًا في 30 مايو/ أيار الماضي، أطلقت ابنتها سناء سيف صرخة تحذير للعالم من احتمال وفاة والدتها المضربة عن الطعام احتجاجًا على سجن نجلها علاء عبد الفتاح.
وقالت سيف من أمام مستشفى سانت توماس وهي تتنفس بصعوبة ويداها ترتجفان: "نحن نفقدها، ولم يعد لدينا وقت"، وناشدت رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر "التحرك الآن وليس غدًا".
وأعربت الحكومة البريطانية عن قلقها البالغ إزاء صحة سويف التي تحمل الجنسية البريطانية، بالإضافة إلى جنسية بلادها الأم- مصر.
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في الثالث من الشهر الجاري، إن الحكومة البريطانية قلقة على صحة سويف وتواصل حثّ الحكومة المصرية على الإفراج عن ابنها، مضيفًا: "نحن قلقون للغاية بشأن نقل ليلى إلى المستشفى، ونبقى على اتصال دائم مع عائلتها بشأن سلامتها".
وأوضح المتحدث باسم ستارمر أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تحدث إلى نظيره المصري وحثه على إطلاق سراح عبد الفتاح، وأضاف: "الحكومة ملتزمة تمامًا بالإفراج عن علاء عبد الفتاح، والتواصل مستمر مع الحكومة المصرية على أعلى المستويات".
وقضت محكمة مصرية بسجن عبد الفتاح خمس سنوات في 2021 بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو حكم جاء بعد سجنه عدة مرات قبل ثورة 2011 وبعدها، وبرز عبد الفتاح، وهو مطور برمجيات ومدون، كناشط خلال تلك الثورة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قام عام 2022 بإعادة تفعيل "لجنة العفو الرئاسي" التي أوصت بإطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين في مصر وبينهم محمد الباقر محامي عبد الفتاح، إلا أن قوائم العفو لم تشمل الأخير.
لندن تتعهّد بإطلاق علاء عبد الفتّاح
وطالب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مارس/ آذار الماضي، الرئيس السيسي بالافراج عن علاء، وقالت رئاسة الحكومة البريطانية في بيان، إن ستارمر ناقش "قضية المواطن البريطاني علاء عبد الفتاح مع الرئيس السيسي، وحضّ على الإفراج عن علاء بعدما التقى والدته ليلى سويف في الأسابيع الأخيرة".
والتقى ستارمر في 14 فبراير/ شباط الماضي ليلى سويف والدة عبد الفتاح، وأكد لها التزامه الشخصي بضمان الإفراج عن نجلها، وتعهد في بيان أصدره ببذل "كل ما في وسعه" لضمان إطلاق سراح علاء.
وقال: "بعد لقائي ليلى سويف هذا الأسبوع، أصبحت رسالتي واضحة، سأفعل كل ما بوسعي لضمان إطلاق سراح ابنها علاء عبد الفتاح وجمعه مع عائلته"، وأضاف: "سنواصل إثارة قضيته في أعلى مستويات الحكومة المصرية والضغط من أجل إطلاق سراحه".
كما أثار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي قضية عبد الفتاح خلال زيارته إلى القاهرة في يناير/ كانون الثاني الماضي، وقبل الزيارة بأسبوع شدّد لامي أمام البرلمان على أن إطلاق سراح عبد الفتاح هو "القضية الرقم واحد" بالنسبة لوزارة الخارجية.
وآنذاك، حثت سويف التي كانت تتظاهر يوميًا أمام مكتب ستارمر في داونينغ ستريت، وزير الخارجية البريطاني على "إعادة علاء معه في الطائرة"، وقالت: "سئمت الإضراب عن الطعام وسئمت الجلوس أمام داونينغ ستريت منتظرة الموت".
هل رفض السيسي اتصالًا من ستارمر؟
على أن قضية عبد الفتاح تحوّلت على ما يبدو إلى صراع إرادات أكثر منها قضية قانونية أو سياسية يمكن البحث عن مخارج لحلها، ففي مقابل عناد سويف والدة عبد الفتاح تتصرف السلطات المصرية بعناد أيضًا، فقد رفضت في الماضي مناشدات عديدة رفيعة المستوى أطلقها زعماء دول كبرى للإفراج عن المعارض الشاب.
وأخيرًا كشف النائب في البرلمان المصري المقرّب من السلطات مصطفى بكري، أن الرئيس السيسي رفض تلقي اتصال هاتفي من رئيس الوزراء البريطاني كان يفترض أن يحثه خلاله على إطلاق سراح عبد الفتاح.
ولم يصدر أي نفي أو تأكيد من السلطات المصرية أو البريطانية حول ما أورده بكري، الذي كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "إكس" الأحد الماضي، أن رفض السيسي يعني رفضه التدخّل في الشؤون الداخلية لبلاده، وقال:
عندما تنتفض بريطانيا رسميًا من أعلى سلطة، مطالبة بالإفراج عن الإرهابي علاء عبد الفتاح الذي حرّض على قتل ضبّاطنا وجنودنا، وسبّهم بأقذع الألفاظ وأهان المؤسسة العسكرية، فهذا يعني أن هذا الإرهابي يمثل شيئًا غير عادي للإنجليز وأجهزتهم الإستخباراتية.
مصر لا تقبل بليّ الذراع والتدخل في شؤونها. مصر لن تقبل بالتهديد أو الوعيد. مصر صاحبة قرار وطني مستقل.
وأنا أسأل رئيس الوزراء الحالي والسابق وكل المدافعين: ماذا لو حدثت ظاهرة هذا الإرهابي في بريطانيا؟ هل كنتم ستصمتون؟ راجعوا تحريضه ودعوته للعنف ضد رجالات الدولة ثم تعالوا نتحدث بعد ذلك، أما ما يحدث فهو ابتزاز رخيص ترفضه مصر، وتدعم الرئيس السيسي في موقفه الذي يرتكز إلى القانون واحترام سيادة الدولة.
أُوقف علاء في 29 سبتمبر/ أيلول 2019، بعد مشاركته نصًا كتبه شخص آخر يتهم فيه شرطيًا بتعذيب أحد السجناء حتى الموت، وبعد ذلك بعامين، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة "نشر معلومات كاذبة".
وتؤكد عائلته ومنظمات حقوقية منها "مراسلون بلا حدود"، أنّه كان ينبغي إطلاق سراحه في نهاية سبتمبر/ أيلول 2024، باحتساب العامين اللذين أمضاهما في الحبس الاحتياطي.
لكنّ السلطات المصرية رفضت أن تأخذهما في الاعتبار، واحتسبت فترة سجنه اعتبارًا من تاريخ التصديق على الحكم الصادر بحقه، ما يعني أن تاريخ الافراج عنه سيكون في يناير/ كانون الثاني 2027
إضراب ليلى سويف.. ولا استجابة
ومنذ ذلك الوقت (نهاية سبتمبر 2024) بدأت والد ليلى سويف إضرابًا عن الطعام، وتصرّ على أنها مستعدة "لاستئناف الإضراب التام عن الطعام في أي وقت، إذا شعرت بأن الأمور لا تتقدم نحو إطلاق سراح علاء".
وكانت ليلى سويف البالغة 69 عامًا قد خففت إضرابها في مارس/ آذار، بعدما صرّح رئيس الوزراء البريطاني بأنه "ضغط" من أجل إطلاق سراح نجلها في اتصال هاتفي مع الرئيس المصري.
وبدأت سويف بتناول 300 سعرة حرارية يوميًا من خلال مكمّل غذائي سائل، لكنها استمرت في الامتناع عن الطعام، وفي 20 مايو/ أيار أعلنت عودتها مجددًا إلى الإضراب الكامل، وقالت إن الوقت قد حان للعودة إلى تناول أملاح الإماهة فقط والشاي بدون سكر والفيتامينات.
وقالت من أمام داونينغ ستريت، مقر إقامة ستارمر الرسمي: "سأضرب عن الطعام بشكل كامل، أي لن أتناول أي سعرات حرارية"، وأضافت سويف أنها ستعاود الاحتجاج أمام داونينغ ستريت لمدة ساعة يوميًا خلال الأسبوع، بعد توقف قصير إثر تدخل ستارمر.
تدهور خطير في صحة سويف
وفي نهاية مايو/ أيار الماضي تدهورت صحة سويف بشكل كبير، وأدخلت قسم الطوارئ في المستشفى "حيث بدأت تهبط كل المؤشرات من مستوى السكر في الدم إلى ضغط الدم مرورًا بالحرارة"، وفق ابنتها. وكانت هذه المرة الثانية التي يتم فيها إدخال سويف المستشفى منذ فبراير/ شباط الماضي.
وحذّرت ابنتها سناء سيف من أن والدتها "تحتضر"، وأوضحت أن الأطباء "حقّقوا معجزة" بإعطاء والدتها بروتينات تساعد الجسم على إنتاج الغلوكوز، لكنهم ليسوا واثقين من إمكان تكرار العملية و"إنقاذها في هذه الظروف".
وأشارت سيف إلى أن والدتها الناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان، "ما زالت بوعيها بقدر كاف لتقول: لا أريد الغلوكوز، أريد مواصلة إضرابي عن الطعام، أريد ابني".
لكن سناء سيف التي سافرت إلى مصر لرؤية شقيقها المعتقل بمناسبة عيد الأضحى في مطلع الشهر الجاري قالت قبل سفرها، إن والدتها وافقت على تلقي محلول غلوكوز وريدي للبقاء على قيد الحياة خلال رحلتها.
وقالت في السادس من الشهر الجاري إن شقيقها فقد نحو ثلث وزنه بعد إضراب عن الطعام لـ98 يومًا، وأوضحت سيف التي قابلت شقيقها لمدة 20 دقيقة من خلف الزجاج، في منشور على صفحتها على فيسبوك: "فقد 29% من وزنه". وأضافت: "بدا نحيفًا جدًا ولكن هادئًا".
وبدأ عبد الفتاح إضرابًا عن الطعام في مارس/ آذار الماضي تضامنًا مع والدته المضربة عن الطعام منذ أكثر من 250 يومًا للمطالبة بالإفراج عن ابنها.
وأفادت عائلته بأنه يتناول شاي الأعشاب والقهوة السوداء وأملاح الجفاف فقط، وقالت سيف إن شقيقها يشعر كل يوم بقلق كبير على صحة والدته.
من هي ليلى سويف؟
ولدت ليلى سويف عام 1955 لأبوين أكاديميين في لندن خلال دراسة والدتها للدكتوراه هناك، وعادت إلى القاهرة وعمرها عامان، وهي الابنة الوسطى للدكتور مصطفى سويف (أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة) والدكتورة فاطمة موسى (أستاذة اللغة الإنكليزية وآدابها بجامعة القاهرة).
درست ليلى الرياضيات في مرحلتها الجامعية الأولى، والتحقت بجامعة بواتييه الفرنسية لاحقًا حيث حصلت على دكتوراه الفلسفة في مجال الرياضيات عام 1989، وعملت أستاذًا مساعدًا للرياضيات بكلية علوم جامعة القاهرة.
بدأت نشاطها السياسي مبكرًا بمعارضة سياسات الرئيس الراحل أنور السادات، وشاركت عام 2003 مع مجموعة من الأساتذة الجامعيين في تأسيس مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات (المعروفة إعلاميًا بحركة 9 مارس)، كما شاركت في تأسيس الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب.
وكانت أيضًا من الأعضاء المؤسسين لحركة "كفاية" التي سبقت ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك.
وسويف متزوجة من المحامي الراحل أحمد سيف الإسلام (1951-2014)، وهو ناشط يساري شهير شارك في تأسيس مركز هشام مبارك للقانون عام 1999، ومن مؤسسي تجمع المحامين الديمقراطيين، واعتقل أربع مرات، اثنتين في عهد السادات واثنتين في عهد مبارك بسبب نشاطه السياسي.
وتوفي أحمد سيف الإسلام، زوح سويف، عام 2014 بينما كان علاء وشقيقته سناء خلف القضبان.
ولسويف ثلاثة أبناء هم علاء ومنى وسناء الناشطتان في المجال الحقوقي. ومنى سيف من مؤسسي حركة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" في مصر التي تسلّط الضوء على معاناة المدنيين أمام القضاء العسكري.
أما شقيقتها سناء، فهي ناشطة ومعدّة أفلام وثائقية سُجنت مرارًا، بينها مرتان منذ وصول السيسي الى السلطة عام 2013.