السبت 26 نيسان / أبريل 2025
Close

ماذا نعرف عن أهم 3 نظريات اقتصادية في مجال التمويل والأسواق المالية؟

ماذا نعرف عن أهم 3 نظريات اقتصادية في مجال التمويل والأسواق المالية؟ محدث 24 آذار 2025

شارك القصة

تعتبر جائزة نوبل للاقتصاد التي تمّ استحداثها على 1968، الأرفع والأهمّ في هذا المجال - غيتي
تعتبر جائزة نوبل للاقتصاد التي تمّ استحداثها على 1968 الأرفع والأهمّ في هذا المجال - غيتي
الخط
تبرز بشكل خاص 3 نظريات اقتصادية حصلت على نوبل للاقتصاد، وهي:
جائزة نوبل في الاقتصاد للعام 2022: أفكار حول الوساطة المالية وفخ السيولة؛
جائزة نوبل للعام 2013: التحليل التجريبي لأسعار الأصول؛
جائزة نوبل للعام 2001: الأسواق ذات المعلومات غير المتماثلة.

تثير الأفكار والنظريات الاقتصادية الحاصلة على جائزة نوبل، اهتمام الباحثين والمتابعين، باختلاف المجالات التي تعنى بها، ولا سيما أنّ هذه الجائزة التي تمّ استحداثها على 1968، تعتبر الأرفع والأهمّ على الصعيد الاقتصادي.

ومن المجالات التي اهتمّت بها الجائزة، مجال التمويل والأسواق المالية، حيث تبرز بشكل خاص 3 نظريات اقتصادية حصلت على نوبل للاقتصاد، وهي:

  • جائزة نوبل في الاقتصاد للعام 2022: أفكار حول الوساطة المالية وفخ السيولة؛
  • جائزة نوبل للعام 2013: التحليل التجريبي لأسعار الأصول؛
  • جائزة نوبل للعام 2001: الأسواق ذات المعلومات غير المتماثلة.

فما الذي نعرفه عن هذه الأفكار والنظريات؟

أولاً: جائزة نوبل في الاقتصاد للعام 2022: أفكار حول الوساطة المالية وفخ السيولة

دوغلاس، وبرنانكي، وديبفيغ (Douglas W.Diamond, Ben S.Bernanke, Philip H. Dybvig)

ناقش دوغلاس دايموند وفيليب ديبفيغ في أبحاثهما الصادرة في الثمانينيات من القرن الماضي؛ قضايا تتعلق بتشغيل البنوك وتأمين الودائع والسيولة بما يراعي مصلحة الأطراف، ورأى هؤلاء أن البنوك تقدم خدمة قيّمة للاقتصاد من خلال الودائع قصيرة الأجل التي تأتي من المدخرين، ويتم تحويلها إلى قروض للشركات والأسر، بحيث لا تكون قروضًا قصيرة الأجل فحسب ولكن قروض ممنوحة لآجال طويلة، على اعتبار أن البنوك يمكنها أن تحصل على أموال المودعين بشكل دائم، وهي مخزن أموال المقترضين كذلك الأمر.

ومع ذلك فإن هذا يخلق مخاطر سيولة للبنك، حيث قد يطالب المودعون بإعادة أموالهم دفعة واحدة مما يؤدي إلى انهيار البنوك والأسهم[1]، وهذا يحصل عندما يشعر الجميع بالخطر، فيسارعون إلى البنك الذي يجد نفسه أمام عجز عن تأمين السيولة.

وفي وقت لاحق أوضح نموذج Diamond and Dubbing[2] أن تأمين الودائع الذي توفره الحكومة -أو أي مؤسسة مالية- يمكن أن يساعد في التخفيف من هذه المخاطر من خلال ضمان تلقي المودعين لأموالهم حتى في حالة فشل البنوك. هذا يُقلل من احتمالية تهافت أو تهاوي البنوك ويُسهل على البنوك جمع الأموال من المودعين، فالناس تثق بالدولة والمؤسسات المالية الكبرى.

يوضح النموذج أيضًا أن الوسطاء الماليين مثل البنوك يمكنهم توفير السيولة عن طريق تجميع أموال العديد من المدّخرين وتوفير أصول سائلة يمكن تداولها بسهولة في السوق[3]. يتيح ذلك للمدخرين استثمار أموالهم مع تقليل مخاطر الخسارة بسبب صدمات السيولة غير المتوقعة.

ولكن الأفكار المتقدمة حول ما بات يعرف بـ"فخ السيولة"، جاءت على يد برنانكي في أواخر التسعينيات، والذي شغل منصب الحاكم في الفدرالي الأميركي فيما بعد، حيث يحدث فخ السيولة عندما تقترب أسعار الفائدة الاسمية من الصفر ويكون البنك المركزي غير قادر على تحفيز الاقتصاد من خلال أدوات السياسة النقدية التقليدية؛ مثل خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد.

وتتمثل الفائدة الرئيسية لنظرية برنانكي في أنها قدمت فهمًا جديدًا لحدود السياسة النقدية ودور السياسة المالية في الاستقرار الاقتصادي، على وجه التحديد. تشير النظرية إلى أنه عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة بالفعل، فقد لا تتمكن البنوك المركزية من خفضها أكثر لتحفيز الإنفاق والاستثمار مما يؤدي إلى “فخّ" يعوق النمو الاقتصادي[4].

أبرز النقاط التي تم شرحها من قبل المنظرين الاقتصاديين الحائزين على الجائزة

ساعدت أفكار دايموند وزملائه في فهم أكبر للنظام المالي، وتعزيز الكفاءة المالية في الجهاز المصرفي، ولعل أبرز هذه الإسهامات كانت في:

  • السيولة المعززة: تساعد الوسطاء الماليين على تعزيز السيولة عن طريق تحويل الأصول غير السائلة مثل الرهون العقارية أو القروض إلى أصول سائلة، مثل الودائع المصرفية أو الأوراق المالية. توفر هذه العملية للأفراد والمؤسسات إمكانية الوصول إلى الأموال مما يزيد من السيولة الإجمالية للاقتصاد.
  • تحسين النمو الاقتصادي: تعزز نظرية الوساطة المالية والسيولة النمو الاقتصادي من خلال توفير الوصول إلى الائتمان وزيادة الكفاءة وتعزيز السيولة وتقليل المخاطر. تسمح هذه المزايا للشركات بالتوسع والأفراد للاستثمار في مستقبلهم، ما يؤدي إلى النمو الاقتصادي الشامل وبالتالي التنمية.
  • زيادة الكفاءة: حيث تساعد الوسطاء الماليين على زيادة كفاءة النظام المالي عبر تقليل تكاليف المعاملات، وتحسين تخصيص رأس المال من خلال تجميع الموارد من مصادر مختلفة.
  •  تقليل المخاطر: من خلال توزيع المخاطر على مجموعة أكبر من المستثمرين عبر تجميع الأموال من عدة مصادر[5]؛ يمكن للوسطاء تنويع محافظهم الاستثمارية مما يقلل من مخاطر تخلف مقترض واحد عن سداد قروضه؛ وبالتالي سيقلل من المخاطر الكلية للنظام المالي ويعزز الاستقرار.
  • أسعار الفائدة: عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة للغاية فإن أدوات السياسة النقدية التقليدية مثل خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر قد تصبح غير فعالة في تحفيز النمو، لذلك تحتاج البنوك المركزية إلى استخدام أدوات بديلة مثل التيسير الكمي حيث يساعد  الأفراد والمؤسسات والبلدان في عملية النمو.
  • الاستقرار الاقتصادي: يمكن أن تساعد نظرية فخ السيولة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال تزويد صانعي السياسة بإطار عمل لفهم كيف يمكن للسياسة النقدية أن تؤثر على الاقتصاد خلال فترات انخفاض أسعار الفائدة[6] وارتفاع معدلات البطالة. أيضًا يمكن أن يساعد هذا الفهم في منع حدوث حالات الركود والكساد الاقتصادي من خلال تمكين صانعي السياسات من تنفيذ السياسة النقدية المناسبة.
  • السياسة المالية: يمكن أن توّجه النظرية قرارات السياسة المالية، إذ قد تكون السياسة المالية كالإنفاق الحكومي والتخفيضات الضريبية أكثر فعالية في تحفيز النمو من السياسة النقدية[7].
  • التعاون الدولي: يمكن لنظرية فخ السيولة أن تعزز التعاون الدولي من خلال تشجيع البلدان على العمل معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
ساعدت أفكار دايموند وزملائه في فهم أكبر للنظام المالي، وتعزيز الكفاءة المالية في الجهاز المصرفي - غيتي
ساعدت أفكار دايموند وزملائه في فهم أكبر للنظام المالي، وتعزيز الكفاءة المالية في الجهاز المصرفي - غيتي

تطبيق عملي من الاقتصاد التركي المعاصر

لفهم الأفكار التي تم تقديمها، يمكن أن نعطي مثالًا عمليًا يتجلى بتخفيض سعر الفائدة الذي حصل في تركيا منتصف 2019 حيث قررت الحكومة خفض معدلات الفائدة لتنشيط الأسواق وتشجيع الاستثمار، حيث كانت الفائدة الاسمية حوالي 24%، وبالفعل بدأ تخفيض سعر الفائدة تدريجيًا ليصبح أقل من 7% في أواخر 2020، وهو سعر يقل عن سعر التضخم بكثير.

هكذا، باتت السيولة متوفرة للأسر والأفراد والتجار بأسعار رخيصة، ولكن الأتراك كانوا يحتفظون بالأموال بدلاً من ضخها في استثمارات جديدة، حيث كان الاقتصاد التركي يمر بحالة من عدم اليقين والتأكد حول مستقبله، خاصة مع الصراع السياسي المحتدم على السلطة بين الحكومة والمعارضة، ومع تقدم تحالف المعارضة في الانتخابات البلدية عام 2019 وحصوله على البلديات في المدن الرئيسية، وتراجع الظروف الاقتصادية نسبيًا في تركيا، والخلافات التركية – الغربية آنذاك، وكذلك انخراط تركيا في عدة ملفات أمنية إقليمية كسوريا وأذربيجان والعراق.

حينها، أقالت الحكومة عدة حكام وأعضاء لجان من المصرف المركزي[8]؛ وهو ما دفع الجمهور لتفضيل الاحتفاظ بالليرة بدلاً من الاستثمار الفعال في التنمية، وبالفعل باتت سياسات الحكومة التركية تتركز أكثر على السياسة المالية بدلاً من السياسة النقدية التي فشلت في تحقيق النمو وإعادة الأمور إلى نصابها، حيث باتت تركيا تطرح سندات سيولة من أجل جمع الأموال المتراكمة في الأسواق، كما شجعت الحكومة القطاع الخاص والوسطاء الماليين على طرح أسهم شركات الأسهم في الأسواق لجمع هذه السيولة والتوجه نحو الاستثمار.

ثانياً: جائزة نوبل للعام 2013: التحليل التجريبي لأسعار الأصول

فاما، هانسن، وشيلر (Eugene Fama, Lars Peter Hansen, Robert J.Shiller)

يقول جون مينارد كينز إنّ الأصول يمكن أن تنقسم إلى نوعين رئيسيين، هما السندات الحكومية طويلة الأجل، والنقود، وقد كوّن كينز هذه النظرة للأصول عبر دراسته للفائدة والتوظيف، فالسندات الحكومية تتعرض لتقلبات في القيمة إذا تغيرت أسعار الفائدة[9].

ويمكن النظر بشكل عام إلى الأصول كمادية ومالية، أو ما يعرف محاسبيًا بالأصول الثابتة كالسيارات والماكينات والعقارات، والأصول المتداولة التي تتمثل بالنقود وأشباه النقود[10]، وهكذا يمكن النظر للأصول المالية على أنها سهلة التداول والتسييل ويمكن أن يتم تجزئتها، وقابلة للتحويل من شخص إلى آخر؛ وهو ما يتقاطع كثيرًا مع خصائص النقود، غير أنه لا يمكن اعتمادها كمخزن للقيمة أو وسيط تبادل على سبيل المثال[11].

وعند دمج أفكار الثلاثي الاقتصادي الفائز بجائزة نوبل لعام 2013 فإننا نجد أنفسنا أمام نظرية اقتصادية محكمة؛ تفسر حركة الأسواق المالية، وذلك بناءً على المعلومات التاريخية والفعلية، وتقلبات المزاج والسلوك للفاعلين في السوق، كما أن مسألة عدم اليقين التي تجري في السوق ما هي إلا مرحلة جزئية في إطار فترة زمنية أكبر يسهل التعامل معها، وإن تنويع المحفظة الاستثمارية المقترح من قبل هانسن يمكن أن يقلل من مخاطر التقلبات ويجعل حركتها أكثر سلاسة.

أبرز الإضافات التي قدمها الفائزون بالجائزة

يؤمن أبو التمويل الحديث (يوجن فاما) بما يعرف بكفاءة السوق [12]ويدرسه منذ مطلع الستينيات، وكفاءة السوق هذه هي مفهوم بات مشهورًا في الأسواق المتقدمة على أنه استجابة سعر الأصل للمعلومات الواردة حوله، وهكذا لن يستطيع المتعاملون تحقيق عوائد أكبر من متوسط العوائد السائدة في السوق.

وكان فاما قد عرف السوق الكفء على أنه: "السوق المثالي الذي تقدم فيه الأسعار مؤشرًا إجماليًا على تخصيص الموارد، والذي يمكن للمنشأة أن تقوم باتخاذ قرار الاستثمار الإنتاجي، وللأفراد أن يعملوا على الاختيار بين الأوراق المالية التي تعكس الملكية في نشاطات المنشأة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أسعار هذه الأوراق ستكون كاملة التأثر بالمعلومات الواردة"[13].

وكلما كانت استجابة الأسعار أعلى للمعلومات الواردة بشأنها ارتفعت الكفاءة. يمكن تقسيم السوق على هذا الأساس إلى:

  • أسواق عالية الكفاءة: أي تلك التي لا يمكن أن يحقق فيها المستثمر عوائد غير طبيعية، بسبب توفر المعلومات للجميع وانعكاسها الفوري على سعر الأصل.
  • سوق شبه كفوء أو متوسط الكفاءة: وهو السوق الذي تنعكس فيه المعلومات على سعر الأصل، مع توفر معلومات خاصة يستفيد منها البعض لتحصيل أرباح إضافية غير متوقعة.
  • سوق ضعيفة الكفاءة: وهي السوق التي لا يمكن للمعلومات المتوفرة فيها أن تنعكس مباشرة على أسعار الأصل لأسباب مختلفة، أو قد تتأخر الاستجابة للمعلومة بشكل كبير.

وقد بنى الرجل لهذه النظرية نموذجًا أسماه نموذج اللعبة العادلة (fair game model) أو نموذج العوائد المتوقعة، وبتطبيق هذا النموذج يمكن النظر إلى أن الفرق بين العوائد المتوقعة والعوائد الفعلية هو صفر.

وتلخصت فكرة زميله الدكتور هانسن بالتنبؤ حول نتائج السوق في إطار البيئة التي يعمل بها، حيث طبق عددًا من أبحاثه على أسواق المال، فالبورصات هي المكان الحقيقي للمعلومات والأرقام، التي تستطيع أن تجذب أي عامل في مجال الإحصاء أو الاقتصاد القياسي، إن لها سحرًا كبيرًا على هؤلاء. الجديد والمميز الذي قدمه هانسن هو التنبؤ في حالات عدم اليقين وفي حالات وجود بيانات ناقصة وبمراجعة أوراقه المنشورة على موقعه؛ نجد أن الرجل غاص في هذا المجال إلى عمق غير مطروق[14].

أبرز فوائد النظرية

هذه النظرية مفيدة للمستثمرين الأفراد الذين يتطلعون إلى اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة. يمكنهم استخدام سعر السوق الحالي للأصل لتحديد ما إذا كانت مقومة بأعلى من قيمتها أو بأقل من قيمتها بالنسبة لتوقعاتهم.

  • تنويع المحفظة: أظهر بحث هانسن حول تنويع المحفظة أنه يمكن للمستثمرين تقليل المخاطر من خلال تنويع استثماراتهم عبر فئات الأصول المختلفة. هذه النظرية مفيدة للأفراد والمؤسسات الذين يرغبون في تقليل المخاطر في محافظهم الاستثمارية[15].
  • التمويل السلوكي: أظهر بحث شيلر حول التمويل السلوكي أن معنويات المستثمرين والسلوك غير العقلاني يمكن أن يؤدي إلى عدم كفاءة السوق وفقاعات أسعار الأصول. هذه النظرية مفيدة للأفراد والمؤسسات وصانعي السياسات الذين يرغبون في فهم الأسباب الجذرية للأزمات المالية ووضع استراتيجيات لمنعها.
  • التنظيم المالي: الأبحاث التي أجريت من قبل الباحثين المذكورين لها آثار مهمة على التنظيم المالي. على سبيل المثال، يرى فاما إنه من الصعب على المنظمين تحديد ومنع التداول من الداخل لأن جميع المعلومات المتاحة تنعكس بالفعل في أسعار الأصول. ويشير عمل شيلر بشأن اللاعقلانية في السوق إلى أن اللوائح التنظيمية قد تكون ضرورية لمنع تشكيل فقاعات أسعار الأصول التي يمكن أن تؤدي إلى أزمات مالية[16].
أظهر بحث هانسن أنه يمكن للمستثمرين تقليل المخاطر من خلال تنويع استثماراتهم - غيتي
أظهر بحث هانسن أنه يمكن للمستثمرين تقليل المخاطر من خلال تنويع استثماراتهم - غيتي

مثال عملي من أسواق "الدوت كوم"

في التسعينيات ساد مفهوم الدوت كوم بشكل كبير نتيجة لانتشار الإنترنت وارتفاع الاهتمام العالمي بها، وبدأت شركات التكنولوجيا تنتشر بشكل كبير وترتفع أسهمها؛ حيث باتت عنوان الاستثمارات الرئيسية في العالم، وبدأت الأسهم ترتفع بشكل جنوني نتيجة للمضاربة، ومع مطلع الألفية الجديدة بدأت الأسعار تتراجع بشكل سريع نتيجة التقييم المفرط والتفاؤول الزائد لدى المستثمرين، مما أدى لخسارات كبيرة في الأسواق، وأفلست بالنتيجة شركات كثيرة، كما عدد من المستثمرين.

تعد فقاعة الدوت كوم مثالاً واضحاً على التحيز السلوكي المفرط الذي يفترض فيه المتعاملون معرفة تامة بالسوق، ويركزون من خلاله على سهم أو قطاع من الأسهم دون غيره، ويظهرون ثقة مطلقة به، كما تظهر الأزمة تأثير سلوك القطيع على العمل في الأسواق وكفاءتها.

ثالثاً: جائزة نوبل للعام 2001: الأسواق ذات المعلومات غير المتماثلة

ستيجلز، أكرلوف وسبنس (Joseph Stiglitz, Michael Spence, George A. Akerl)

النظرية الاقتصادية للمعلومات غير المتماثلة هي إطار يشرح كيف يمكن أن يؤثر عدم تناسق المعلومات على نتائج السوق. تشير المعلومات غير المتماثلة إلى المواقف التي يكون فيها لدى أحد الأطراف في المعاملة معلومات أكثر أو أفضل من الطرف الآخر، يمكن أن يؤدي هذا إلى إخفاقات السوق، مثل الاختيار المعاكس والمخاطر الأخلاقية، والتي يمكن أن يكون لها عواقب سلبية على كفاءة السوق التي ذكرناها سابقاً، ورفاهيته.

أبرز النقاط التي تتمحور النظرية حولها

  • المعلومات غير المتماثلة: ركز عمل الاقتصاديين على دور المعلومات غير المتماثلة في الأسواق، حيث يمتلك أحد الطرفين معلومات أكثر من الآخر، وأظهروا أن هذا يمكن أن يؤدي إلى فشل السوق وعدم الكفاءة. لقد أثبت ستيجلز والمؤلفين المشاركين مراراً وتكراراً أن النماذج الاقتصادية قد تكون مضللة تماماً إذا تجاهلت عدم التناسق المعلوماتي؛ كانت رسالتهم المشتركة هي أنه من منظور المعلومات غير المتكافئة؛ تتخذ العديد من الأسواق مظهراً مختلفاً تماماً، كما هو الحال مع الاستنتاجات المتعلقة بالأشكال المناسبة من تنظيم القطاع العام. قام ستيجلز بتحليل الآثار المترتبة على المعلومات غير المتكافئة في العديد من السياقات المختلفة، والتي تتراوح من البطالة إلى تصميم نظام ضريبي مثالي.
  • تفسير الاختلالات في سوق العمل: توفر النظرية تفسيراً للبطالة وعدم المساواة في الأجور، حيث يمكن أن تكون الفروق في المعلومات بين أصحاب العمل والعمال سبباً رئيسياً لهذه الاختلالات. على سبيل المثال، قد يعاني أصحاب العمل من عدم وجود معلومات كافية عن مهارات العمال المحتملين، مما يؤدي إلى تكوين أجور غير منصفة أو عدم استغلال أمثل للموارد البشرية المتاحة.
  • توفير مبرر للتدخل الحكومي: تقدم النظرية مبرراً للتدخل الحكومي في الأسواق لتصحيح التشوهات الناجمة عن عدم توازن المعلومات بين الأطراف. من خلال تحسين الشفافية وتعزيز تدفق المعلومات؛ يمكن للحكومات تحقيق كفاءة أكبر في الأسواق وتقليل التباينات والتشوهات الناجمة عن عدم التوازن في المعلومات.
  • تعزيز النماذج السلوكية في الاقتصاد: تشجع النظرية على اعتبار العوامل النفسية والسلوكية في اتخاذ القرارات الاقتصادية. فعندما يكون لدى الأطراف معلومات ناقصة، فإنها قد تتبع سلوكاً مختلفاً وتتخذ قرارات بناءً على التوقعات والاحتمالات المتاحة لها، ما يمكن أن يؤثر على النتائج الاقتصادية.
  • دعم البحث والتطوير: تحفز النظرية الابتكار والبحث العلمي في مجال الاقتصاد. فعندما يكون هناك وعي بأن المعلومات غير متكافئة وقد تؤثر على النتائج الاقتصادية، يتم تشجيع الباحثين والاقتصاديين على دراسة وتحليل هذه العوامل والبحث عن حلول أفضل للتعامل معها.

استخدامات النظرية

يحتوي البحث على العديد من التطبيقات التي توسع هذه النظرية وتؤكد أهمية الإشارة في الأسواق المختلفة. يعطي ظواهر مثل الإعلان المكلف أو الضمانات بعيدة المدى كإشارات للإنتاجية، والتخفيضات الشديدة في الأسعار كإشارات على قوة السوق، وتكتيكات التأخير في عروض الأجور كإشارة إلى القدرة على المساومة، والتمويل عن طريق الديون بدلاً من إصدار أسهم جديدة كإشارة للربحية، والسياسة النقدية المولدة للركود كإشارة على الالتزام الذي لا هوادة فيه لخفض التضخم المرتفع.

أشهر مساهمات أكرلوف مابات يعرف بالاقتصاد باسم "سوق الليمون" والذي قام أكرلوف بتطبيقه على سوق السيارات المستعملة، حيث أن المشترين يمتلكون معلومات أقل أو أسوء من البائعين، ويحصلون على سيارات جيدة أحياناً، ولكن في كثير من الأحيان يحصلون على "الليمون" وهو كناية أمريكية عن سيارة يكتشف عيبها بعد الشراء.

وفي أسواق التكنولوجيا هناك كثير من "الليمون" اليوم، فالمشترين لا يمتلكون كامل المعرفة اللازمة لشراء الأسهم، وأحياناً وبعد شراء الأسهم بوقت يتفاجئون بالانخفاض الكبير أو الانهيار، ويجدون أنفسهم أمام حالة من حالات الليمون التي نتحدث عنها[17].

توفر النظرية تفسيرًا للبطالة وعدم المساواة في الأجور - غيتي
توفر النظرية تفسيرًا للبطالة وعدم المساواة في الأجور - غيتي

تطبيق عملي من السوق الأميركي

في عام 1870 نشأت شركة النفط العالمية (Standard Oil) والتي امتلكت السوق حرفيًا، وليس فقط المعلومات، لقد استطاعت ستاندرد أويل أن تدير 90% من النفط في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان أحد مؤسسي الشركة وهو جون روكفلر يمتلك معلومات خاصة عن الشركات والأسواق، واكتشافات النفط الجديدة التي بدأ يستحوذ عليها ويتحول إلى رجل أعمال واسع السيطرة، واستطاعت الشركة أن تشتري عدد كبير من حصص منافسيها لتسيطر على أغلب الصناعة، وليس كذلك وحسب، ولكنها سعت لتهديد شركات النقل بالتوقف عن التعامل معها مالم يتم منعهم من النقل أو دفع مبلغ لستاندرد أويل مقابل كل شحنة يتم نقلها، وهو ما دفع السلطات في النهاية للتعامل مع هذه الحالة كحالة احتكار شديد، وتم حل الشركة قضائياً وتصفية أصولها.

بالملخص

رغم أننا نتحدث عن نظريات وأفكار تأتي من منظرين ينتمون لدول مختلفة، كما تم طرحها في فترات زمنية متباعدة، حتى إنها حصلت على الجوائز في أعوام متباعدة حيث 2022، و2013 وكذلك 2001، إلا أننا نستطيع إيجاد نوع من التكامل المعرفي بين هذه النظريات والأفكار، حيث إن مصطلحات كفاءة الأسواق، والتمويل السلوكي، والتحيزات التي وردت في أفكار كل من فاما و هانس، وشيلر، تكمل تلك المصطلحات والأفكار التي أتت من ستيجلز وسبلز وأكرلوف حول الأسواق ذات المعلومات غير المتكافئة.

ونجد مصطلحات مثل المعلومات غير المتماثلة، ودور النماذج السلوكية لفهم الأسواق وغيرها، وهي مصطلحات وأفكار تتكامل مع بعضها البعض بشكل أو بآخر، أي أننا نجد تقاربًا في الأفكار التي حصلت على الجائزة في 2001 وتلك التي حصلت عليها في 2013، بينما نجد أن الأفكار التي حصلت على الجائزة في 2022 حول فخ السيولة اعتبرت قضايا كفاءة المعلومات والتحليل السلوكي للأسواق هي مسائل بدهية، فهي رأت أن سلوك وتوقعات الأفراد لها دور مهم في نظرية فخ السيولة.


المراجع


[1] "Monitoring and Reputation: The Choice between Bank Loans and Directly Placed Debt," Journal of Political Economy (1991) – Larry G. Epstein and Stanley E. Zin
[2] "The Diamond-Dybvig Model and the Contribution of Financial Intermediation," Journal of Economic Perspectives (2008).
[3] Liquidity Shortages and Banking Crises," Journal of Finance (2007) JEAN HELWEGE
[4] The Sveriges Riksbank Prize in Economic Sciences in Memory of Alfred Nobel 2022, the nobel prize, 2022,
[5] "A Theory of Bank Capital," Journal of Finance (2010), https://onlinelibrary.wiley.com/doi/epdf/10.1111/j.1540-6261.2010.01610…
[7] "The Macroeconomics of the Great Depression: A Comparative Approach" (1983) –
[8]  بعد إقالة 4 رؤساء للمركزي..حفيظة غاية تقوده وسط تفاؤل، سكاي نيوز عربية، يونيو 2023، الرابط.
[9] راجع: مقدمة قصيرة جداً على كتاب الفائدة لجون مينارد كينز، دار هنداوي،2015، الرابط: https://www.hindawi.org/books/24264742/
[10] كتاب أصول المحاسبة، وليد الحيالي، الأكاديمية الدنماركية العربية المفتوحة، 2007، ص144.
[11] للمزيد حول خصائص النقود راجع: النقود والمصارف، محمود سمحان وأخرون، دار المسيرة، 2009.
[12] راجع الورقة التي صدرت عام 1964 بعنوان: Efficient Capital Markets: A Review of Theory and Empirical Work, Fama.,
[13] المرجع السابق.
[15] "أسواق رأس المال الكفؤة: مراجعة للعمل النظري والتجريبي"، التي نُشرت في مجلة المالية في عام 1970. قدمت هذه الورقة مفهوم فرضية السوق الفعالة، التي تجادل بأن الأسواق المالية "فعالة إعلاميًا" وأنه من المستحيل تحقيق عوائد أعلى من المتوسط ​​باستمرار من خلال اختيار الأسهم أو توقيت السوق.
[16] "عوامل المخاطرة المشتركة في عوائد الأسهم والسندات" ، التي نُشرت في مجلة الاقتصاد المالي في عام 1993. قدمت هذه الورقة مفهوم نموذج العوامل الثلاثة Fama-French ، الذي يجادل بأن عوائد الأسهم الفردية يمكن تفسيرها من خلال ثلاثة عوامل: مخاطر السوق والحجم والقيمة https://doi.org/10.1016/0304-405X(93)90023-5
[17] للمزيد حول النظرية: The Sveriges Riksbank Prize in Economic Sciences in Memory of Alfred Nobel 2001  - Popular information – nobelprize الرابط.
تابع القراءة

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي
تغطية خاصة