الأربعاء 24 أبريل / أبريل 2024

"قناصة معابر الموت" في تعز.. قَتَلة يبثّون الرعب ويجيدون التخفّي

"قناصة معابر الموت" في تعز.. قَتَلة يبثّون الرعب ويجيدون التخفّي

Changed

إنهم قتلة لا يعرفهم الناس، ونادرًا ما يراهم أحد في ميدان المعركة أو خارجها، هم قناصة معابر الموت، يتربصون بالشوارع والأماكن المفتوحة، ويمارسون القتل كل يوم.

قد تكون تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، عيّنة عن بلدٍ أرهقته الحرب المتواصلة منذ أكثر من ستّ سنوات، وأنهكت المعاناة سكانه، الذين انشغلوا بالتعايش مع المخاطر والقلاقل اليومية.

لكن، في المقابل، ثمّة من أدمنوا المراقبة الدائمة من بعيد، يتحرّكون في خفة، ويجيدون التخفي، يتحدون مع البيئة المحيطة بهم، يحسبون سرعة الرياح واتجاهها، يستلقون متابعين فريستهم وهم يضبطون إعدادات بندقيتهم.

إنهم ببساطة قتلة لا يعرفهم الناس، ونادرًا ما يراهم أحد في ميدان المعركة أو خارجها؛ هم قناصة معابر الموت.

تعز اليمنية.. "مدينة القناصة"

في مناطق التماس في اليمن، هيّأ السكان أنفسهم مع احتمالات التصفية قنصًا على يد من احترفوا الرماية صوب كل هدف متحرك.

وعلى مدار أعوام الحرب، طور قناصو جانبي الصراع أساليبهم، حيث يتربصون بالشوارع والأماكن المفتوحة، ويمارسون القتل كل يوم.

تتربّع على هذه المناطق مدينة تعز العريقة جنوب غربي اليمن، التي يقطن فيها قرابة مليونين ونصف مليون من السكان، وقد كانت في السابق المركز الصناعي للبلاد، ومركزًا لإنتاج القهوة وعاصمة اليمن الثقافية، إلا أنها باتت تعرف بمدينة القناصة.

يتقاسم سكانها مرارة الحصار ما بين مناطق سيطرة أطراف الصراع، ولكن أيضًا "نزيف القنص"، إذ لا تكاد تخلو عائلة فيها من فقيد قضى بالقنص، فيما تحدثت تقارير تحالف حقوقي عن توثيقها لمقتل وإصابة 366 طفلًا تتراوح أعمارهم بين عام و17 عامًا.

أهالي تعز يروون فصولًا من "الرعب"

كثيرة هي القصص التي يرويها أهالي تعز عن "الرعب" الذي يعيشونه مع كلّ يوم، بين أرجاء مدينتهم. من هؤلاء سلطان عبد القادر، الرجل الذي فقد ولدين نتيجة القنص، كما يروي لـ"العربي"، حين كانا عائدين إلى المنزل سيرًا على الأقدام.

في المقابل، نجت رويدا بعدما حالفها الحظ فقاومت الموت، عندما اخترقت جسدها رصاصة دون أن تنال منها، فكان مع أسرتها لقاء. يكشف والدها لـ"العربي" أنّ أهالي المنطقة نزحوا من بيوتهم، بسبب أعمال القنص التي تمنعهم من الدخول والخروج.

ولا تبدو المدارس بمنأى عن هذه الأزمة، حيث يصف نائب مدير مدرسة عمر بن عبد العزيز، عبد الله الغزى، في حديث إلى "العربي"، الوضع بـ"الخطير"، مشيرًا إلى "مخاطر كثيرة" تواجهها الإدارة، في ضوء عمليات قنص استهدفت عددًا من الطلاب.

الأوراق اختلطت والتفاصيل ضاعت

حاول فريق "العربي" البحث عن هؤلاء "القناصة" الذين يتجنّب الناس توجيه الأصابع صوبهم، أو لربما لأن الأوراق اختلطت عليهم، سيما أن الحرب دائرة منذ أكثر من ستة أعوام في تعز، فضاعت التفاصيل، بتناوب المتنازعين السيطرة على المعابر الواقعة على خطوط التماس وعلى الجبهات المختلفة، فيما خشي آخرون من تبدل المنتصرين وبالتالي المسيطرين على الأرض في معارك أخذت طابع الكر والفر.

وفي هذا السياق، يتحدث محافظ تعز في حكومة عبد ربه منصور هادي، لـ"العربي"، عن "مبادرات" لم تفضِ إلى نتيجة، وعن تشكيل لجنة سُمّيت بلجنة فتح المعابر، إلا أنّها لم تحقّق الغرض المنشود منها، "لأنّ الجانب الحوثي متعنت ورافض"، مشدّدًا على أنّ الحل لن يكون في النهاية "إلا عسكريًا".

وحاول فريق "العربي" التواصل مع أحد ممثلي جماعة الحوثي للرد على هذه الاتهامات، إلا أن المحاولات انتهت بالاعتذار عن المقابلة دون إبداء الأسباب. في المقابل، يكشف الناشط الحقوقي عمار السوائي أنّ القاطنين في مناطق التماس "ينالهم ضعفين من العذاب"، لكون المنطقة "دائمة التعرض للقذائف وغيرها من الانتهاكات"، مشيرًا إلى أنّ حياة هؤلاء "أشبه بالجحيم"، ما يتطلب من المجتمع "وقفة جادة باتجاه تخفيف حدة الصراع، عبر فتح المنافذ والطريق الرئيسية".

100 حالة قنص في تعز في عام واحد

ويبقى الأساس، وسط كلّ ما سبق، في "ندرة" الإحصاءات الرسمية، ففي غياب الدولة تضيع الأسماء والأرقام في خضم الأحداث المتتالية التي أمست يومية روتينية، فيما تنشغل أطراف الصراع بتقاذف المسؤولية، عن النزيف اليومي، ليدفع المدنيون اليمنيون الثمن الأكبر.

وفي هذا السياق، تكشف الناشطة الحقوقية إشراق المقطرى لـ"العربي" أن لا إحصاءات دقيقة على هذا الصعيد، لصعوبة الوصول إلى الكثير من المناطق. لكنّها تلفت إلى وجود أكثر من 100 حالة قنص في تعز في العام الواحد.

وتختصر مأساة "قناصة معابر الموت" جانبًا مُظلمًا آخر في حياة مدينة، بات الظلام يحيط بها من كل جانب، وفيه يختبئ صنفان من البشر، أناس حملوا أمنياتهم معهم إلى فراشهم، ويحلمون أن يروا النور صباح اليوم المقبل، علّهم ينتصرون في معركتهم مع الموت، وآخرون يتربّصون بهم شرًا، بعدما باتت "لعبة الموت" مهنتهم.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close