الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

"لا يوجد شيء للأكل".. ثلاثي قاتل يُفاقم أزمة الصومال

"لا يوجد شيء للأكل".. ثلاثي قاتل يُفاقم أزمة الصومال

Changed

يعيش أكثر من 800 ألف نازح في مخيمات غير رسمية في مقديشو.
يعيش أكثر من 800 ألف نازح في مخيمات غير رسمية في مقديشو (غيتي)
يعيش أكثر من 800 ألف نازح في مخيمات غير رسمية مزدحمة في العاصمة الصومالية مقديشو في ظل شحّ كبير في المساعدات الغذائية والرعاية الصحية.

حذّرت العديد من منظمات الإغاثة الدولية من أن الصومال على شفا كارثة كبيرة مع تفاقم جائحة فيروس كورونا وأزمات المناخ والصراعات المسلّحة على ذلك البلد الفقير، ما يُهدّد الملايين من سكانه بالمجاعة وتفاقم انعدام الأمن الغذائي.

وقد خصّت صحيفة "الغارديان" البريطانية حيّزًا واسعًا لأزمة الصومال، انطلاقًا من "شهادة" فادومو علي محمد التي اضطرت للهروب من قريتها مع أطفالها التسعة سيرًا على الأقدام لمسافة 30 كيلومترًا، بعد اندلاع قتال واضطرابات مسلحة عنيفة في قريتها بإقليم شبيلي السفلى جنوب الصومال.

وإثر اندلاع قتال بين قبيلتين، أُجبرت فادومو وعائلتها على التزام المنزل ليومين. قُتل خلال الاشتباكات ابن عمها وعمتها، بينما طمر طرفا النزاع آبار المياه دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منها.

تروي فادومو لصحيفة "الغارديان" كيف شقّت طريقها مع أطفالها وسط مشاهد مؤلمة حوّلت قريتها إلى "قرية أشباح" مع احتراق المنازل وموت العشرات على جانبي الطرق.

تعيش فادومو الآن في العاصمة مقديشو، حيث يعيش أكثر من 800 ألف نازح، في مخيمات غير رسمية مزدحمة، في ظل شحّ كبير في المساعدات الغذائية والرعاية الصحية.

"وجبة واحدة"

يؤدي الجفاف الذي طال أمده، وتقلّص الموارد المائية، ونقص الأراضي الخصبة إلى تأجيج التوترات بين القبائل، مخلّفة موجة نزوح واسع النطاق في جميع أنحاء الصومال.

وتُهدّد مجموعة من الأزمات المتداخلة الدولة الهشة الواقعة في شرق إفريقيا، مع تأثير أزمة المناخ على تفاقم النزاعات القائمة، والمساهمة في نشوب نزاعات جديدة، وأزمة كوفيد 19، وعدم الاستقرار السياسي.

والنتيجة هي الجوع، حيث حذّر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC) في وقت سابق من هذا الشهر من أن الصومال "على أعتاب كارثة إنسانية"، حيث يواجه واحد من كل أربعة أشخاص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، وتعرّض أكثر من 800 ألف طفل دون سن الخامسة لخطر سوء التغذية الحاد.

"كتالوغ مصائب"

وأشار محمد مخير، المدير الإقليمي لإفريقيا في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى أن "الصومال بات يعد من أكثر الأماكن خطورة على وجه الأرض للعيش فيها الآن"، مضيفًا أن هذا البلد عبارة عن "كتالوغ من المصائب والمآسي"، إذ تضافرت الكوارث المرتبطة بالمناخ والنزاعات القبلية وجائحة فيروس كورونا لتشكل أزمة إنسانية كبرى لملايين الأشخاص.

وقال: "لا يمكننا الاكتفاء بالحديث عن هذه الأمور؛ يجب أن نحد من المعاناة على وجه السرعة".

بالنسبة لفادومو، فهي تعيش الآن في ملجأ مؤقت مع أطفالها، يتناولون وجبة طعام واحدة في اليوم.

وقالت: "اعتدنا على كسب بعض المال القليل من خلال غسل الملابس للناس في المدينة، ولكن جائحة كورونا منعتنا من الاستمرار بذلك. أغلق الجميع أبوابهم. أصبحت الحياة صعبة للغاية. ليس لدينا أي شيء نأكله".

ومع الاقتصاد الهشّ الذي يعتمد إلى حد كبير على الزراعة، فإن الصومال معرّضة بشكل متزايد لأنماط مناخية متقلّبة ومتطرّفة، مثل الجفاف المتكرّر والفيضانات الموسمية بالإضافة إلى غزوات أسراب الجراد التي تفاقم الأوضاع.

"خسرت كل شيء"

أحمد يارو أحمد (50 عامًا)، كان قد فرّ من بلدة رابدرور في جنوب غرب منطقة باكول، عندما نفقت ماشيته في جفاف عام 2017. وبات أحمد واحدًا من النازحين الصوماليين البالغ عددهم 2.9 مليون، ليعيش منذ ذلك الحين في مخيم للنازحين في مدينة بيدوا.

وشرح أحمد، وهو أب لتسعة أطفال: "كان لدي 70 من الماعز ومزرعة، وبذلت قصارى جهدي لتحقيق أقصى استفادة من كليهما.. لكنني أُجبرت على المغادرة بعد أن توقّفت الأمطار عن الهطول لثلاث سنوات متتالية لينفق كل قطيعي من الماشية".

ورغم أن الكثير فقدوا حياتهم جراء الجوع والمرض، بيد أن الحياة في المخيمات ليست أفضل حالًا يقول أحمد، موضحًا: "لا يوجد طعام كاف، ويوجد أشخاص ضعفاء من كبار السن والنساء والأطفال الأيتام الذين ليس لديهم ما يأكلونه، وبالتالي نحن نتشارك القليل الذي لدينا مع بعضنا".

وعبّر عن يأسه من العودة إلى مسقط رأسه قريبًا، قائلًا: "ليس هناك أمل في العودة إلى منازلنا في أي وقت قريب لأن نمط حياتنا قد تغير تمامًا ولا نعرف متى ينتهي الجفاف. اعتدنا الآن على حياة المدينة، وكل ما أريده أن يحصل أطفالي على التعليم وأن يعيشوا حياة أفضل".

نقص في التمويل

وكانت الأمم المتحدة قد أفادت في يونيو/ حزيران الماضي، أن الصومال يُواجه أسوأ نقص في التمويل منذ ستة أعوام؛ فيما قال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إنه يسعى لجمع نحو 10 ملايين دولار لدعم جمعية الهلال الأحمر الصومالي بغية تقديم المساعدة الإنسانية للأشخاص في جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دوليًا، وإقليم، أرض البنط (يسعى للانفصال) خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة.

وحذّر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر من أن وباء كورونا من قد يزيد من تدهور الأمن الغذائي بين الفئات الضعيفة، بما في ذلك الأسر الفقيرة في المناطق الحضرية والنازحين الذين يعيشون في ظروف مزدحمة وغير صحية.

وقد تركت الجائحة تداعيات سلبية على الاقتصاد الصومالي، الذي كان يتعافى ببطء من سنوات الصراع، ولكنه انكمش بنسبة 1.5% في عام 2020، لاسيما بعد أن تأثّر بشكل خاص قطاع الثروة الحيوانية، الذي يُشكّل ما لا يقلّ عن 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

لا أمل

ويقول محمد عوض من مدينة بوساسو الساحلية، التي تعد المرفأ الرئيسي لتصدير الثروة الحيوانية: "لقد فقدت حوالي نصف عملي منذ أن بدأ الوباء، مضيفًا أنه مع تفشّي وباء كورونا، "ألغت السعودية، المستورد الأكبر لقطعان الماشية من بلادنا، معظم عقود الواردات، وسارت على حذوها العديد من دول الشرق الأوسط".

وقال عوض: "خسر الكثير من الناس مصادر رزقهم بما في ذلك العاملين بتربية المشاة والرعاة والوسطاء، وحتى دخل الحكومة من الرسوم والضرائب قد تأثر".

بدورها، لا ترى فادومو بصيص أمل في تحسّن الأحوال. وقالت: "والد أطفالي مريض ولا يمكن الحصول على الدواء، وبالتالي فإن الحياة صعبة للغاية".

وهذه ليست المرة الأولى التي تُجبر فيها فادومو على الفرار من منزلها في قريتها في شبيلي السفلى، فقد كانت أيضًا في مقديشو عندما كانت البلاد على شفا المجاعة قبل أربع سنوات.

وتضيف: "في العام 2017، اضطررنا إلى المغادرة لأنه لم يكن هناك مطر ولا طعام ولا شيء آخر. كان الجميع يركضون إلى مقديشو وكنت من بينهم لأنقذ أطفالي. ولكن في العام الماضي جرى طردنا بالقوة من مخيم للنازحين في منطقة الكهدة بالعاصمة".

وقالت فادومو: "جاء أصحاب الأرض وطردونا، لم يكن لدينا مكان آخر نذهب إليه، لذلك قررنا العودة إلى قريتنا، لكن القتال أجبرنا على العودة مرة أخرى.. سأكافح هذه المرة من أجل البقاء بدلًا من الاستمرار بالفرار والهروب".

المصادر:
الغارديان

شارك القصة

تابع القراءة
Close