عزّزت معدلات التلقيح المرتفعة والمناعة المكتسبة جراء الإصابات السابقة، مسيرة مدينة نيويورك الأميركية في التعايش مع فيروس كوفيد 19، بحيث يكاد يُصبح الفيروس من الماضي.
وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى معاناة مركز لونغ آيلند اليهودي الطبي في منطقة كوينز مع كل موجة من موجات الجائحة، حيث احتاج المستشفى، في ربيع 2020 والشتاء الذي تلاه، مساحات إضافية لرعاية مرضى كوفيد-19 الذين يحتاجون إلى أوكسجين ويكافحون من أجل التنفس.
لكنّ الوضع اختلف في ذروة موجة متحوّر الدلتا هذا الصيف والخريف، حيث لم تمتلئ وحدة العناية المركّزة بالمرضى.
وقالت مانغالا ناراسيمهان، أخصائية أمراض الرئة للرعاية الحرجة ومديرة خدمات الرعاية الحرجة في نورثويل هيلث، وهو نظام صحي كبير في نيويورك: "إننا نعتبرها مشكلة مزمنة أكثر من كونها مشكلة وبائية ضخمة فورية كما كنا من قبل".
ويتوقّع العديد من خبراء الصحة العامة أن يتعايش العالم مع كوفيد-19 على المدى الطويل.
مخاطر لم تنتهِ
ورغم انخفاض الحالات في معظم أنحاء الولايات المتحدة، إلا أن المخاطر لم تنتهِ، حيث تتوقّع السلطات الصحية أن تُمثّل الأشهر المقبلة، حيث الطقس البارد وانتشار الفيروس بسهولة أكبر، اختبارًا لاستجابة الولايات المتحدة للوباء.
يقول بعض علماء الأوبئة والأطباء إن الحياة في مدينة نيويورك قد تنتقل إلى مرحلة لا يُشكّل فيها الفيروس خطرًا على معظم الناس. فمعدلات التطعيم مرتفعة عن باقي الولايات، ومن المحتمل أن يكتسب بعض الأشخاص مناعة من العدوى جراء الزيادات السابقة في الحالات.
في غضون ذلك، لا تزال الكمامات إلزامية في وسائل النقل العام والمدارس، كما فرض المسؤولون إلزامية التلقيح للعاملين في مجال الرعاية الصحية وكذلك الموظفين وروّاد الحانات والمطاعم.
ورغم أن الولاية ومعظم المقاطعات المحيطة بالمدينة، لا تزال تشهد ما تعتبره مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها انتشارًا كبيرًا لكوفيد-19، إلا أن عدد الحالات المؤكدة في ذروة موجة دلتا بلغت حوالي ثلث الذروة المبلغ عنها خلال الشتاء الماضي.
في مدينة نيويورك، كان معدل المقيمين غير الملقّحين أعلى بسبع مرات من المعدّل بين السكان الذين تم تلقيحهم حتى 9 أكتوبر/ تشرين الأول، وكان معدل الشفاء أعلى بعشر مرات.
انخفاض حالات الاستشفاء
عندما ضرب كوفيد-19 مستشفيات المنطقة غير المجهّزة لفي مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2020، توفي مئات الأشخاص يوميًا في مدينة نيويورك وحدها. وبلغ مرض كوفيد-19 ذروته حينما دخل أكثر من 3500 شخص في وقت واحد 23 مستشفى تابعة لنظام نورثويل هيلث.
لكنّ في الشتاء الماضي عندما اجتاح الفيروس المنطقة مرة أخرى، كانت الآثار خفيفة نسبيًا، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى فهم أفضل للفيروس ورعاية المرضى.
وبلغ متوسط الوفيات لسبعة أيام في مدينة نيويورك ذروته بأكثر من 80 حالة وفاة في اليوم. بينما بلغ العدد الأقصى لمرضى كوفيد-19 في نورثويل هيلث 1380 حالة في منتصف يناير/ كانون الأول.
وتبلغ معدلات التطعيم في نيويورك ونيوجرسي أكثر من 76% من السكان الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا أو أكثر. كما لم ترتفع الوفيات في مدينة نيويورك إلى أكثر من 20 حالة يوميًا في أوائل سبتمبر/ أيلول الماضي.
وذكرت الدكتورة ناراسيمهان أن المرضى الجدد يبلغون حوالي 45 عامًا في المتوسط، وغادر معظمهم المستفى من دون الحاجة للدخول إلى العناية المركّزة.
كما قدّر مسح وطني للمتبرّعين بالدم نشره مركز السيطرة على الأمراض أنه اعتبارًا من أغسطس/ آب، اكتسب حوالي 28% من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 16 عامًا أو أكبر في جنوب شرق نيويورك وشمال نيوجيرسي مناعة نتيجة لإصابات السابقة، بينما يبلغ المعدل الوطني حوالي 22%.
عودة الحياة الطبيعية
مع انخفاض الإصابات وحالات الاستشفاء، عاد سكان نيويورك إلى أعمالهم، وارتفع الطلب على المساكن في المدينة. وفُتحت المدارس العامة مع اتخاذ الاحتياطات مثل الأقنعة والاختبارات، وكذلك الأمر في المطاعم والحانات.
كما يُشجّع مسؤولو الصحة السكان على الحصول على لقاحات الإنفلونزا وكورونا استعدادًا للأشهر الباردة المقبلة. ويقول خبراء الصحة العامة: إن تلقيح المزيد من الناس هو المفتاح للمضي قدمًا في الخروج من أزمة الوباء، إلى جانب الاحتياطات مثل ارتداء الكمامات حتى في الداخل.
وقالت وفاء الصدر، رئيسة معهد الاستجابة الوبائية الذي تم الإعلان عنه مؤخرًا في مدينة نيويورك: "لا نتوقّع زيادة شديدة في الإصابات على غرار الشتاء الماضي. نحن في طريقنا إلى مرحلة التعايش مع الفيروس".
ووقّع الرئيس الأميركي جو بايدن أمرًا، الإثنين، يفرض بموجبه ضرورة الحصول على اللقاح ضد كوفيد-19 لمعظم الأجانب المتوجّهين إلى البلاد جوًا، ورفع قيود سفر مشددة كانت مفروضة على الصين والهند وكثير من البلدان الأوروبية، على أن يسري ذلك بدءًا من الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.