الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

دروس من فنلندا إلى سوريا عبر تطبيق واتساب.. تعرفوا إلى "معلمة الهول"

دروس من فنلندا إلى سوريا عبر تطبيق واتساب.. تعرفوا إلى "معلمة الهول"

Changed

لدى تيميلا شعور بالحزن أكثر منه الغضب تجاه الأمهات اللواتي أخذن أطفالهن إلى النزاع
لدى تيميلا شعور بالحزن أكثر منه بالغضب تجاه الأمهات اللواتي أخذن أطفالهن إلى النزاع (غيتي)
قدّمت إيلونا دروسًا لأطفال فنلنديين محتجزين على بعد نحو ثلاثة آلاف كيلومتر في مخيم الهول للنازحين في سوريا، مستعينة فقط بالتطبيق الهاتفي الخاص بالمراسلات.

من منزلها في العاصمة الفنلندية، تراجع المدرّسة إيلونا تيميلا مئات المحادثات على تطبيق واتساب مع تلاميذ فنلنديين هم أبناء عناصر في تنظيم "الدولة" كانوا محتجزين في مخيم في سوريا، وبينها صور حيوانات وتمارين حساب وجمل بسيطة بالإنكليزية والفنلندية.

فقد قدّمت هذه المعلمة العام الماضي دروسًا لأطفال فنلنديين محتجزين على بعد نحو ثلاثة آلاف كيلومتر في مخيم الهول للنازحين في سوريا، مستعينة فقط بالتطبيق الهاتفي الخاص بالمراسلات.

"لم يعرفوا ما هو المنزل"

والهول مخيم مترام يُحتجز فيه قرابة 60 ألف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، الذين نزحوا جرّاء المعارك بقيادة الولايات المتحدة، لطرد تنظيم الدولة من سوريا التي تدمّرها الحرب.

من بين هؤلاء آلاف الأطفال لأمهات أجنبيات، سافرن إلى سوريا للزواج بمتشددين.

وقالت تيميلا لوكالة "فرانس برس": "بعض الأطفال لم يعرفوا ما هو المبنى أو المنزل، لأنهم لم يقيموا إلا في خيام".

وأضافت: "هم بحاجة لتعلم الكثير من الأمور".

ويحذّر مراقبو حقوق الإنسان من أن أطفال المخيم معرّضون دائمًا لمخاطر العنف وقلة النظافة والحرائق.

والمخيم "مكان بائس خارج عن السيطرة"، كما يقول يوسي تانر الموفد الفنلندي الخاص المكلّف بضمان الحقوق الأساسية للأطفال الفنلنديين في الهول، وتشمل مهامه ضمان الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والإعادة إلى الديار في نهاية الأمر.

ويضيف أن الدعاية للمتطرفين "تنتشر في غياب أي رسالة في المقابل".

وراودت تانر فكرة الدروس الهاتفية للأطفال الفنلنديين في الهول، عندما بدأ التلاميذ في أنحاء العالم التعلّم عن بعد مع تفشي فيروس كورونا المستجد.

وبمساعدة مؤسسة "لايفلونغ" الفنلندية للتعليم، طلب مسؤولون من تيميلا، المتخصّصة في تعليم الأطفال الفنلنديين في الخارج، ومعلمة أخرى، وضع برنامج تعليمي وتطبيقه.

كيف حال الطقس عندكم؟ 

مع حظر الهواتف في المخيم، كان لا بد من تقديم الدروس سرًا، كما لم يُكشف للمواطنين الفنلنديين عن المشروع الحساس سياسيًا. وأبلغ تانر الأمهات بتفاصيل الحصص الطوعية.

"في اليوم نفسه (...) حصلنا على ثمانية أطفال ربما"، وفق تيميلا.

وسرعان ما انضم 23 من بين 35 طفلًا فنلنديًا في المخيم إلى المشروع.

"صباح الخير! اليوم الخميس السابع من مايو/ أيار 2020. اليوم الأول من المدرسة عن بعد"، تلك كانت رسالة تيميلا الأولى إلى الأطفال مرفقة بصورة سيلفي مبتسمة.

"الشمس مشرقة هنا في فنلندا، كيف حال الطقس عندكم؟".

وخلال فترة قصيرة بدأت تيميلا وزميلتها بتبادل مئات الرسائل النصية والصوتية مع الأطفال، الذين كانوا يتلقون درسًا أو اثنين يوميًا.

وأوضحت أن "الصغار كانوا يُلَقنون اللغة الفنلندية دائمًا، فيما الأكبر سنًا كانوا يتلقون دروسًا في الجغرافيا أو التاريخ، والبعض منهم طلبوا تعلم الإنكليزية".

"كانت لحظة فرح"

وإرسال الصور كان يستهلك الكثير من طاقة الإنترنت، لذا اعتمدت المعلمتان على رموز الإيموجي، قبل أن تتنبها إلى عدم وجود رموز للكسور الحسابية أو لتوت العلّيق المنتشر في كل مكان في فنلندا.

وتقول تيميلا ضاحكة إنه "خلال العام أُضيف توت العليق إلى الإيموجيز، وفرحنا بذلك".

رغم معرفة تفاصيل قليلة جدًا عن الأطفال، أوضحت تيميلا أنها وزميلتها كانتا "تشعران بالقلق دائمًا على مصلحتهم، لا سيما عندما كنا نسمع أنهم مرضى أو عن هبوب عاصفة وانهيار خيمتهم".

والاتصالات مع بعض العائلات كانت تتوقف في بعض الأحيان.

ويقول الموفد تانر: "بعضهم هرب من المخيم. لذا كانوا يشاركون في الدروس خلال فرارهم في شمال غرب سوريا في منطقة تشهد نزاعًا مسلحًا".

وأُعيد البعض إلى سلطات بلدهم، وتركوا مجموعة التلاميذ نهائيًا.

بعد أشهر من التعليم، كشفت والدة طفلة عمرها ست سنوات أنه بات بإمكان ابنتها الآن القراءة.

وتقول تيميلا: "ليس بإمكان جميع الأطفال بعمر ست سنوات في فنلندا القراءة"، وتضيف مبتسمة "كانت لحظة فرح".

"فخورة بعملنا" 

ولفتت تيميلا إلى أن لديها شعورا "بالحزن أكثر منه بالغضب" تجاه الأمهات اللواتي أخذن أطفالهن إلى النزاع.

كان العديد منهن ضعيفات، وصدقن وعود المتشددين لهن بالعيش في "جنة ما".

وأعادت بعض الدول الغربية المترددة عددًا قليلًا من مواطنيها المرتبطين بالمتشددين، وغالبيتهم من الأطفال.

وأدركت تيميلا أنها قد لا تعرف أبدًا مصير تلاميذها الذين سُلموا لسلطات بلدهم، لكنها دُعيت ذات يوم إلى مركز استقبال في فنلندا.

وكان لقاؤها عددًا من تلاميذها وجهًا لوجه للمرة الأولى "ساعات مفعمة بالمشاعر"، كما قالت.

و"اقتربوا إلى مسافة قريبة جدًا"، وقرأت تيميلا لهم.

وأوضحت: "أردت أن أعرف كيف هي أمورهم وكيف أستطيع المساعدة؟".

ونظّمت وزارة الخارجية الفنلندية عودة 23 طفلًا وسبعة بالغين.

وقال تانر لوكالة "فرانس برس": إن 15 شخصًا "ممّن يصعب الوصول إليهم" ومن بينهم 10 أطفال، لا يزالون في مخيمات في سوريا.

وكانت مسألتهم قد أثارت انقسامات في فنلندا، لكن المعارضة "باتت أكثر صمتًا".

وصل برنامج تيميلا التعليمي إلى نهاية الطريق في منتصف 2021، وفي وقت لاحق عمّمت الوزارة المشروع.

وتنظر تيميلا الآن في كيفية استخدام النموذج التعليمي المبتكر في مناطق أزمات أخرى أو مخيمات، وتلقت طلبات تتعلق باليونان وبورما وكولومبيا.

وتقول مبتسمة: "بات لقَبي معلمة الهول"، مضيفة "لكنني فخورة بما فعلنا".

المصادر:
أ ف ب

شارك القصة

تابع القراءة
Close