الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

"الموت جوعًا".. حرب اليمن تحوّل حياة الصيادين إلى "جحيم لا يُطاق"

صيد السمك في اليمن
صياد يمني يرمي الشباك في البحر (غيتي)
"الموت جوعًا".. حرب اليمن تحوّل حياة الصيادين إلى "جحيم لا يُطاق"
"الموت جوعًا".. حرب اليمن تحوّل حياة الصيادين إلى "جحيم لا يُطاق"
الإثنين 15 فبراير 2021

شارك

لا تبدو الحُدَيدة اليمنية كما كانت من قبل. فالمدينة التي كانت ثالث أكبر مركز حضري من حيث عدد السكان ومدينة صيد مزدهرة، تحوّلت إلى "مدينة أشباح حزينة" في نظر سكانها. ورغم الفخر الذي يعتريها ببقاء صياديها وأسرهم فيها رغم الحرب، إلا أن أولئك لم يعودوا قادرين على الاعتماد على البحر لتحصيل قوت يومهم، حيث دفعت الحرب المستمرّة منذ ست سنوات، سكان الحديدة إلى حافة الجوع واليأس.

ويقول الصياد أبو سليمان (35 عامًا): "لا يُمكننا الإبحار أو الصيد لكسب لقمة العيش كما كنا نفعل قبل الحرب. إذا فعلت ذلك، فإنك تخاطر بالتعرّض للقصف من البرّ أو الجو، أو تُخاطر بتفجير لغم في البحر"، وفقًا لتقرير نشرته "نيو لاينز ماغازين".

وتخوض القوات الحكومية وجماعة الحوثي حربًا للسيطرة على الحديدة منذ بداية الحرب. وتضمّ هذه المدينة الساحلية الاستراتيجية ثلاثة موانئ رئيسية، وكانت تتمتّع بقدرة على استقبال ما يصل إلى 75% من واردات اليمن قبل الحرب.

وقد حافظت الأطراف المُتحاربة على هدنة هشّة، منذ أن توسّطت الأمم المتحدة في التوصل إلى قرار في ستوكهولم في ديسمبر/ كانون الأول 2018، لكن المدينة لا تزال تحت سيطرة الحوثيين إلى جانب موانئ الحديدة وسليف ورأس عيسى، حيث ترسو ناقلة النفط المهجورة "صافر"، ما يُهدّد بكارثة بيئية محتملة.

كارثة إنسانية تنتظر نحو مليوني يمني بسبب ناقلة النفظ صافر

334 صيادًا بين قتيل وجريح

كان صيد الأسماك ثاني أكبر قطاع اقتصادي في اليمن بعد النفط بنسبة إنتاج بلغت حوالي 400 ألف طن من المأكولات البحرية سنويًا، وفقًا لتقارير حكومية. ووفّرت هذه الصناعة مصدر رزق لأكثر من 2.5 مليون يمني كانوا يعيشون على طول ساحل البحر الأحمر، وكثير منهم صيادون "من الطراز القديم" يُوفّرون صناعة كانت مزدهرة ذات يوم تشمل التعليب والمصانع وشركات تصدير الأسماك.

ووفقًا لناشطين محليين، فإن واحدًا من بين كل خمسة صيادين يواصل العمل في صيد الأسماك "على مسؤوليته لأن البديل هو الجوع". وأوضح ناشط يمني: "لقد فقد الكثيرون حياتهم، واعتُقل البعض الآخر (من قبل الحوثيين) لمواصلتهم الصيد". 

وفقًا للمجلس النرويجي للاجئين، فقد قُتل أو جرح 334 صيادًا على الأقل منذ عام 2015 ، عندما بدأت الحرب.

وحول الكارثة البيئية الوشيكة على طول الساحل، والمتمثّلة بسفينة "صافر"، قال أحد الصيادين: "نحن بالفعل في كارثة. لم نتمكّن من العمل منذ ست سنوات. نحن محرومون من القدرة على الصيد سواء غرقت صافر أم لا".

خيارات صعبة

تحدّث أحمد عن الخيارات الصعبة التي تُواجهها عائلته بعد أن فقد مصدر الرزق الوحيد الذي اعتمد عليه هو والكثيرون من زملائه لأجيال. وشرح أنه ربّى أربعة أبناء وعلمهم جميعًا الصيد، لكن مع بدء الحرب وحظر الصيد، "انضم اثنان منهم إلى الحوثيين، وهذا هو العمل الوحيد المتاح في اليمن اليوم. عاد إلينا أحد أبنائي جثة هامدة، والآخر لا يزال مفقودًا".

هذه ليست قصة فريدة في الحُدَيدة، حيث تُعاني الدولة من خسائر اقتصادية تزيد عن 6.7 مليار دولار. وتخلّى العديد من الصيادين عن شباك الصيد وزوارقهم للانضمام إلى الحرب على جبهات مختلفة.

وتحدّث صياد آخر عن اليأس الذي يدفعهم إلى اختيار الانضمام إلى الحرب، قائلاً: "لقد تعبت من البحث عن عمل. كل المصانع دُمّرت، والتجار يشتكون من خسائرهم، وكل الخيارات مقفلة أمامك. من الأفضل أن أموت في المعركة من أن أموت من الجوع في المنزل".

جحيم وفساد

أصبحت الحياة اليومية للصيادين "جحيماً لا يطاق"، كما وصفها أحد عمال الإغاثة في الحُدَيدة، مُضيفاً: "يعتمد معظم الصيادين على مساعدة المنظمات التي بالكاد تغطي احتياجاتهم، وبالكاد تُوفّر وجبة يومية لا تأتي على أساس مُنتظم. أما بالنسبة للأطفال، فارتفعت نسب التسرّب المدرسي، ويلجأ الكثيرون إلى التسوّل على أمل الحصول على بعض الطعام لأسرهم".

وردًا على سؤال حول صعوبة توزيع المساعدات على العائلات، أعرب عامل الإغاثة عن أسفه للفساد والبيروقراطية المحلية التي تُعيق توزيع المساعدة التي تشتد الحاجة إليها.

وقال : "لا يُسمح لك بالتنقّل لتوزيع أي مساعدات إلا بعد الحصول على عشرات التصاريح. وعندما تذهب للتوزيع، قد تظل محتجزًا، ويمكن أن تُسرق المساعدة منك، ولن ينتهي الأمر بها إلى من يستحقونها. عملنا هو مخاطرة يومية. قد نكون أفضل حالًا (من بقية السكان) لأننا نستطيع أن نأكل، لكن حياتنا في خطر دائم".

"يمنيون ضد الجوع".. حملة لإطعام الجائعين في اليمن

في تقرير مستقلّ صدر في يناير/ كانون الثاني، اتّهم مراقبو الأمم المتحدة، الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بغسيل الأموال والفساد؛ "مما أثر سلبًا على الوصول إلى الإمدادات الغذائية الكافية".

كما ذكر التقرير أن جماعة الحوثي جمعت 1.8 مليار دولار من إيرادات الدولة في المناطق التي تُسيطر عليها في عام 2019 للمساعدة في تمويل الحرب.

وساهم تصنيف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للحوثيين جماعة إرهابية أجنبية؛ في تعقيد عملية توزيع المساعدات، على الرغم من أن إدارة بايدن ألغت هذا التنصيف، وسمحت باستمرار توزيع المساعدات الإنسانية.

دلالات خروج جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب الأميركية

طرق مختلفة للموت

ومن الصعب التأكد من نسب انتشار الجوع والوفيات المُرتبطة بالجوع وسوء تغذية الأطفال، لأن المنطقة تعرّضت لتعتيم إعلامي طوال فترة الحرب.

وأعرب الصياد سليمان عن أسفه لعدم قدرته على إعالة أسرته الكبيرة المُكوّنة من 15 فردًا، والتي بالكاد تجد ما يكفي من الطعام لوجبة واحدة في اليوم. وقال: "كل ذلك مجرد طرق مختلفة للموت، ونتيجة لعدم القدرة على العمل وكسب الرزق، ينتهي بك الأمر بالموت من الجوع". 

المصادر:
نيو لاينز ماغازين

شارك

Close