الأحد 21 أبريل / أبريل 2024

محطات من تاريخ الكويت في مذكرات أحمد الخطيب.. كيف قيّم حركة القوميين العرب؟

محطات من تاريخ الكويت في مذكرات أحمد الخطيب.. كيف قيّم حركة القوميين العرب؟

Changed

إضاءة عبر "العربي" على مذكرات أحمد الخطيب التي حملت عنوان "الكويت من الإمارة إلى الدولة"(الصورة: تويتر)
عُد أحمد الخطيب واحدًا من رموز مجلس الأمة والسياسة الكويتية، وشارك في المجلس التأسيسي لكتابة الدستور، ويُعتبر أحد مؤسسي حركة القوميين العرب.

لأكثر من ثلاثين عامًا، كان الدكتور أحمد الخطيب أحد أبرز اللاعبين في المشهد السياسي الكويتي، لكنه قرر في نهاية المطاف أن يترك الساحة السياسية والعمل البرلماني عام 1996.

ومع ذلك، ظل الرجل حاضرًا في المشهد الكويتي كرقم مهم ورمز مؤثر ارتبط بتاريخ دولة الكويت؛ منذ الاستقلال وحتى وفاته في 6 مارس/ آذار 2022.

فبينما أعلنت المملكة المتحدة عام 1961 استقلال دولة الكويت وانتهاء الحماية المفروضة عليها منذ عام 1899، راحت البلاد تخطو في غضون ستة أشهر من الاستقلال أولى خطواتها في بناء الدولة الجديدة. والخطيب كان شاهدًا على كل مراحل الدولة الوليدة. 

وفي ذلك الحين، قرّر أمير الكويت الشيخ عبدالله سالم الصباح تأسيس نظام ديمقراطي يشترك فيه الشعب بالحكم؛ في سابقة من نوعها في الخليج خاصة. وفي 29 يناير/ كانون الثاني عام 1963، افتتح مجلس الأمة أولى جلساته بموجب دستور عام 1962، برئاسة عبد اللطيف محمد ثينان الغانم ونائبه أحمد الخطيب.

وعلى مدى ستة عقود، ظل مجلس الأمة الكويتي الميدان الذي لجأت إليه القوى الوطنية في الكويت لبناء حياة ديمقراطية، وأحد دلالات الديمقراطية الراسخة والصورة العالية العصية على الاختراق.

وعُد الدكتور أحمد الخطيب واحدًا من رموز هذا المجلس والسياسة الكويتية، وشارك في المجلس التأسيسي لكتابة الدستور، ويُعتبر أحد مؤسسي حركة القوميين العرب.

"مذكرات تذخر بالمعلومات"

ودوّن الخطيب سيرته في مذكرات من جزءين، حملت عنوان "الكويت من الإمارة إلى الدولة"، و"الكويت من الدولة إلى الإمارة"، وكشف فيها كواليس انفتاح أسرة الصباح بعد الاستقلال لبناء دولة ديمقراطية حديثة كآلية لاحتواء القوى السياسية الصاعدة.

وقدّم الخطيب نقدًا للحركة القومية العربية التي انتمى إليها، وتفاصيل شهادته على العمل النيابي في البرلمان الكويتي، حيث تميّزت مذكّراته بالجرأة وأثارت عاصفة من ردود الفعل فور صدورها.

وفي هذا السياق، يرى عضو التيار التقدمي الكويتي أحمد الديين أنّ أيّ مذكرات لشخصية سياسية أو فكرية أو عامة عادة ما تتضمن خبرات وتجارب وشهادة تاريخية ذات قيمة.

ويؤكد في حديثه إلى "العربي"، على أهمية مذكرات شخصية في مكانة الدكتور أحمد الخطيب كـ"زعيم تاريخي للحركة الوطنية الكويتية، ودوره في تلك الحركة داخل بلده وفي الخليج، وكذلك على المستوى العربي".

ويشدد على أن الخطيب شارك في صنع كثير من الأحداث، واطلع على الكثير من الأسرار، وواجه العديد من المواقف، وكانت مذكراته بالتالي ذاخرة بالمعلومات.

أمّا الكاتب والباحث مظفر عبدالله راشد، فيقول: إن كتاب الخطيب "لو لم يصدر اليوم، لكنا فقدنا الكثير من ذاكرة هذا الشخص"، لا سيما ذكرى الكثير من الأحداث السياسية التي عاصرها منذ بداية انخراطه بالعمل السياسي في أوائل الأربعينيات، وحتى آخر مجلس برلماني شارك فيه في منتصف التسعينيات.

افتتح مجلس الأمة الكويتي أولى جلساته بموجب دستور عام 1962 - غيتي
افتتح مجلس الأمة الكويتي أولى جلساته بموجب دستور عام 1962 - غيتي

من هو أحمد الخطيب؟

وُلد أحمد الخطيب في الكويت عام 1927، وتربى في الكويت ما قبل النفط، ونما وعيه القومي في المدرسة المباركية التي ساعدته على التعرّف على القضية الفلسطينية عن قرب؛ من خلال المدرسين الفلسطينيين الذين كانوا في الكويت في تلك الفترة. 

وزاد حسّ الخطيب السياسي المعارض عند رؤيته مشهد إعدام محمد المنيّس، أحد قادة الحركة الديمقراطية في الكويت.

عام 1942، كان الخطيب لم يتجاوز الـ 14 عامًا، وبالرغم من صغر سنه، إلا أنه اضطر إلى السفر وحيدًا للدراسة في لبنان. وبدأ رحلته في عالم السياسة، داخل أسوار الجامعة الأميركية في بيروت التي كانت ملتقى للأفكار المختلفة للطلبة العرب. 

وهناك تعرّف على بعثيين وقوميين وشيوعيين، وكان لهذه البيئة التي عاش فيها تأثير كبير على تكوين شخصيته الثورية.

وتوصف سنوات الدراسة بأجمل مراحل عمر الخطيب، وفيها حضر حلقات ثقافية أطلق عليها العروة الوثقى، وقدمها قسطنطين زريق.

صدمة نكبة عام 1948 

ساعد هذا التعدد الخطيب على تنامي الحس القومي والعروبي، لا سيما بعد نكبة عام 1948، التي كانت بمثابة الصدمة الكبيرة التي واجهها في شبابه. ودفعته المشاهد التي رآها في مخيمات اللاجئين إلى التفكير في كيفية تحرير فلسطين من يد العصابات الصهيونية. 

كانت فترة عصيبة، وكان الشارع العربي في حالة من الغليان، وكان الطلبة في الوطن العربي يقودون حراكًا كبيرًا للضغط من أجل تحرير فلسطين.

وصيف عام 1951، التقى الخطيب في مقهى "محيو" بثلاثة طلاب هم جورج حبش ووديع حداد من فلسطين، وهاني الهندي من سوريا، لتتشكل على إثر ذلك حركة القوميين العرب، التي سيكون الخطيب أحد أهم الفاعلين فيها.

ويذكر جورج حبش في كتابه "الثوريون لا يموتون أبدً"، أن أحمد الخطيب كان يقدّم القضية الفلسطينية على نفسه، فيقول إن الخطيب كان يتقاضى في الكويت 100 دينار شهريًا يدفع منها 90 دينارًا لحركة القوميين العرب.

وعندما عاد الخطيب إلى الكويت كان محملًا بأفكار كبيرة. وكان كل ما يشغل باله في ذلك الوقت، هو أن تحرير فلسطين يقتضي أن تمتلك الدول العربية ومن بينها الكويت قرارها ومصيرها، في وقت كانت فيه الكويت تحت الحماية البريطانية، وكان النفط هو كلمة السر.

وتشير مذكرات أحمد الخطيب إلى أهمية الكويت بالنسبة إلى بريطانيا، التي كانت تضع استقرار الكويت أولوية لها، وإلى أن البريطانيين كانوا دائمًا يشعرون بخطرين يهددان الكويت؛ الأول وجود دولتين قويتين كالسعودية والعراق على حدود الكويت، والثاني كان الخوف من تردي الوضع الداخلي والخوف من عدم الاستقرار.

وللحيلولة دون ذلك كانت بريطانيا على استعداد لفعل أي شيء، حتى إنها فكرت في التدخل ونفي أفراد من الأسرة الحاكمة.

ظل مجلس الأمة الميدان الذي لجأت إليه القوى الوطنية في الكويت لبناء حياة ديمقراطية لستة عقود - غيتي
ظل مجلس الأمة الميدان الذي لجأت إليه القوى الوطنية في الكويت لبناء حياة ديمقراطية لستة عقود - غيتي

"تدخل صارخ في شؤون الكويت"

وفي هذا الصدد، يورد الخطيب في مذكراته أن الدكتور بيتر ويلسون، وكان حينها يعمل في المستشفى الأميركي، ربطته به صداقة زمالة، وأنه اتصل به ونقل إليه رسالة من المعتمد البريطاني.

وكتب الخطيب في الرسالة أن المعتمد قال: إنه "يشاركني قلقي من تصرفات بعض الشيوخ من آل الصباح، وإنه مكلف من الحكومة البريطانية بأن يطلب إلي وضع قائمة بأسماء الشيوخ الذين أرى أن وجودهم في الكويت يعرقل عملية الإصلاح لنفيهم إلى الخارج".

وكشف الخطيب أنه صعق من هذا الكلام ومن التدخل الصارخ في شؤون الكويتيين الداخلية، مشيرًا إلى أن رده لويلسون كان بأن على المعتمد أن يعرف أن آل الصباح كويتيون وأنا كويتي، وأن الكويتيين قد يختلفون بعضهم مع بعض إلا أنهم يحلون مشاكلهم بينهم، ولا يمكن أن يسمحوا للأجنبي بأن يتدخل في شؤون الكويت الداخلية لأن هذا يرقى إلى مستوى الخيانة.

وأفاد بأن هذا الرد كان سبب مقاطعة السفارة البريطانية له بعد ذلك.

وكانت بريطانيا تنظر إلى الكويت كجزء من أمنها القومي، فهي أحد أهم روافد الطاقة التي تعتمد عليها. وفي ظل وضع إقليمي مضطرب، كانت تخشى من أطماع الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم في ضم الكويت إلى العراق.

لذلك، أرادت تسريع استقلال الكويت في ظل نظام ديمقراطي، لا سيما مع وجود إرادة لدى بعض أفراد الأسرة الحاكمة في قبول المشاركة الشعبية.

في 16 أغسطس/ آب 1961، أصدر الشيخ عبدالله سالم الصباح مرسومًا أميريًا يقضي بإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي لإقامة نظام ديمقراطي.

وكتب الخطيب في هذا الشأن، أنه علم أن يوسف أحمد الغانم، الذي كانت له علاقة جيدة مع الأوساط الحاكمة في بريطانيا، قد وصل من لندن ومعه رسالة من الحكومة البريطانية إلى الأمير عبد الله السالم، تحثه على العمل على قيام نظام دستوري في الكويت بدل النظام العشائري لتسهيل مهمة بريطانيا في دعم الكويت.

وأضاف أن الاستقلال والدستور جاءا بسبب الوضع الشعبي المطالب بالاستقلال والمشاركة في الحكم، ولدور الأمير عبدالله السالم في إقناع العائلة الحاكمة بذلك.

علاقة مميزة بعبد الناصر

وكانت فترة الستينيات هي الفترة التي انتشر فيها المد القومي، وكان جمال عبد الناصر الزعيم الذي لا ينافسه أحد في الشارع العربي. وربما هذا ما جعل أمير الكويت عبدالله السالم يتساءل عندما رأى الناس والسيارات في الكويت تحمل صور عبد الناصر في كل مكان، قائلًا: ألا يعرف هؤلاء أن عبد الله السالم هو حاكم الكويت؟.

وجمعت أحمد الخطيب علاقة مميزة بعبد الناصر، حيث كان يرى فيه نموذج القومي العربي الذي لطالما بحث عنه.

وكانت علاقته وطيدة مع عبد الناصر لدرجة أنه عندما كان يذهب لزيارته، كانت سيارة رئاسة الجمهورية هي التي تقله من المطار. 

وربما يدل على ذلك الدور الذي لعبه الخطيب في إضراب عمال ميناء الأحمدي في الكويت من أجل الضغط على الدول المشاركة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. 

وكان التصدي للعدوان الثلاثي خطوة سياسية مهمة للحركة السياسية في الكويت، حيث نُظمت المظاهرات واستقال جاسم القطامي مدير الشرطة، ومعه مجموعة من الضباط رفضًا لقمع المظاهرة الشعبية.

ولعب الخطيب دورًا بارزًا عام 1961، عندما طالب الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم بضم الكويت إلى العراق، فسافر الخطيب إلى مصر ليستثمر علاقته الجيدة مع الرئيس جمال عبد الناصر. فتعهّد هذا الأخير خلال اللقاء بحماية الكويت والذود عنها. 

"عنصرية وتعال"

من ناحية أخرى، تعرض مذكرات الدكتور أحمد الخطيب جزءًا من مراجعاته، وتقدم قراءة نقدية لتجربته داخل الحركة القومية العربية، موجهًا سهام نقده للدور الذي لعبته الحركة. واتهمها بالعنصرية والتعالي وأنها انحرفت عن مبادئها التي أطلقتها ونادت بها.

وفي هذا الصدد، كتب في مذكراته: لعلنا كحركة قوميين عرب في غمرة المواجهة مع العدو نسينا الأهداف الأخرى، فلم يكن برنامجنا يتضمن أي مشروع نهضوي وتنموي يراعي مصلحة أغلبية المجتمع المسحوقة. ولم يكن لدينا برنامج اجتماعي أو اقتصادي، وكانت قضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان مجمدة.

وأضاف: كان الفكر القومي السائد آنذاك في معظمه فكرًا عنصريًا فاشيًا متعاليًا يرى نفسه شعب الله المختار، ويحتقر الطبقات الشعبية الواسعة، ويضمر العداء للأقليات غير العربية، ومع أننا كنا ننفر من الانقلابات العسكرية وتدخل العسكر في السياسية، إلا أننا رأينا في جمال عبد الناصر زعيمًا قوميًا يعتز به.

أي مساحة أفردها أحمد الخطيب للحديث عن أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت، وأي الأمراء وصفه بـ "الأكثر انفتاحًا بعد الحاكم عبد الله السالم"، ولمَ شنت الصحف المصرية حملة شعواء عليه ومنحته لقب "الأمير الأحمر" و"الشيوعي"؟، الإجابات عن هذا وأكثر في الحلقة المرفقة التي تضيء على مذكراته.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close