الإثنين 25 مارس / مارس 2024

مخاوف "جدية" على صحة البحيري.. "سيناريوهات" تعمّق أزمة تونس

مخاوف "جدية" على صحة البحيري.. "سيناريوهات" تعمّق أزمة تونس

Changed

نور الدين البحيري خلال مشاركته في وقفة معارضة لإجراءات الرئيس قيس سعيّد في يوليو الماضي (غيتي)
نور الدين البحيري خلال مشاركته في وقفة معارضة لإجراءات الرئيس قيس سعيّد في يوليو الماضي (غيتي)
يرى كثيرون أنّ أيّ تطور خطير في الوضع الصحي للبحيري يهدّد سلامته سيؤدي حكمًا إلى سيناريوهات أكثر تأزّمًا وسيفتح الباب على حراك أكثر زخمًا.

فيما تتعالى الأصوات المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيّد، صارت كلّ الأنظار تتّجه صوب وضع القياديّ في حركة النهضة الموقوف نور الدين البحيري، وهو الذي يثير باستمرار تفاعل المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية لما في ذلك من شبهة بمخالفة المعايير الدولية.

ويلقي تدهور الوضع الصحي للبحيري بظلاله على الوضع السياسي في تونس، إذ يرى كثيرون أنّ أيّ تطور خطير يهدّد سلامته سيؤدي حكمًا إلى سيناريوهات أكثر تأزّمًا وسيفتح الباب على حراك أكثر زخمًا، بحسب ما تنقل مراسلة "العربي".

وتشير إلى أنّ غياب مبدأ المحاكمة العادلة واستمرار الاحتجاز في ظروف مريبة كما تقول هيئة الدفاع عن البحيري، سيزيدان من تشعّب الأزمة السياسية في البلاد، في ظلّ مواصلة الرئيس قيس سعيّد تنفيذ سياسات تهدف إلى تصفية خصومه السياسيّين أو تحييدهم على الأقلّ، كما يرى طيف سياسي ووطني واسع.

حالة البحيري "غير مستقرّة"

وفي تطورات الوضع الصحي لنائب رئيس حركة النهضة، أفادت مصادر طبيّة أنّ البحيري الذي أوقف الجمعة وأدخل المستشفى بعد يومين من ذلك إثر تدهور حالته الصحية بسبب إضرابه عن الطعام، وافق الأربعاء "على تلقّي السوائل"، قبل أن يعود ويغيّر رأيه ويرفض العلاج، ليثير بذلك "مخاوف جديّة" على صحّته.

وقال لطفي عزّ الدين، المسؤول في "الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب"، لوكالة فرانس برس بعد أن عاين ثلاثة أطباء من هذه الهيئة المريض الموقوف عصر الأربعاء: إنّ "حياته ليست في خطر، لكنّ حالته رهن بتناوله الأدوية".

وأضاف أنّ البحيري "وافق في البداية على تلقّي السوائل عبر مصل وتناول الأدوية، لكنّه عاد ورفض ذلك"، مؤكّدًا أنّ الأطباء لديهم "مخاوف جدية" من تدهور صحته.

والبحيري الذي أدخل الأحد مستشفى بنزرت (شمال) يعاني من أمراض ضغط الدم والسكّري والقلب.

وأوضح عزّ الدين أنّ الأطباء الذين زاروه في المستشفى تمكّنوا من إقناعه بأن يتناول السوائل والأدوية بعد أن جلبوا أفراد عائلته، مشيرًا إلى أنّهم "تواصلوا معهم لأنهم لا يريدون أن يتحمّلوا المسؤولية إذا حصل تدهور خطير في حالته".

وكان أطباء في مستشفى بنزرت قالوا لإذاعة "موزاييك" إنّه "قد يكون من المبالغة إعلان حالته مستقرة"، موضحين أنه ما زال يعاني ارتفاع ضغط الدم كما أنّ "كليتيه بدأتا تتعبان" بسبب "حالة الجفاف" التي يعانيها.

لكنّهم أضافوا أنّ "عائلته تحدثت معه ووافق على تلقّي سوائل عبر الحقن" لترطيب جسده ومعالجته "على أمل أن يوافق على تناول الطعام".

البحيري "بين الحياة والموت"

وفي وقت سابق، قال المحامي والنائب السابق عن النهضة سمير ديلو في مؤتمر صحافي: "هو حاليًا حسب مصادر طبية بين الحياة والموت، ونحمِّل المسؤولية لكل من ساهم في اختطافه وحجزه" في إشارة إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد ووزير الداخلية توفيق شرف الدين الذي اتخذ قرار توقيف البحيري ووضعه في الإقامة الجبرية.

كذلك أوضح المحامي والعضو في هيئة الدفاع عن البحيري عبد الرزاق الكيلاني في تصريحات إعلامية الأربعاء انه تم ابلاغ زوجته بإمكان زيارته مع أبنائهما اليوم.

وتابع: "لليوم السادس لم يتناول الطعام والدواء وصحته تدهورت.. لديه مشكلة في الكلى".

وأوقفت عناصر أمنية بزي مدني الجمعة نور الدين البحيري الذي يشكو من أمراض مزمنة عدة كالسكري وضغط الدم ونُقل إلى مكان سري. ووصف حزب النهضة ذلك بـ"الاختطاف".

ودعت المنظمة العالميّة لمناهضة التعذيب في بيان الأربعاء السلطات التونسية إلى "الكف بشكل عاجل عن إصدار الأوامر القاضية بالإقامة الجبرية" واعتبرت قرار توقيف البحيري "في واقع الأمر أقرب إلى الاحتجاز التعسفي".

استدعاء 19 شخصية سياسية

وفي تطور قضائي لافت، استدعى القضاء التونسي الأربعاء 19 شخصية سياسية، في مقدّمهم رئيس مجلس النواب رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي والرئيس السابق للبلاد المنصف المرزوقي، لمحاكمتهم بجنح انتخابية، بحسب ما أفادت وسائل إعلام محلية.

وسيتوجّب على الشخصيات المعنيّة المثول أمام المحكمة في 19 يناير/ كانون الثاني، بحسب بيان صدر عن محكمة الدرجة الأولى في تونس ونقلته وسائل الإعلام.

وعلى رأس قائمة المستدعين راشد الغنوشي المنخرط في صراع مع الرئيس قيس سعيّد منذ أصدر الأخير في 25 يوليو/ تموز قرارات استثنائية توّلى بموجبها السلطة التنفيذية كاملة وأقال الحكومة وجمّد عمل البرلمان الذي كانت تسيطر عليه حركة النهضة منذ نحو عشر سنوات.

سعيّد "يستغلّ" القضاء لتصفية حساباته؟

وتضمّنت القائمة التي تناقلتها وسائل الإعلام، أسماء عدد من المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية ورؤساء حكومات سابقين، هم إلياس الفخفاخ ومهدي جمعة ويوسف الشاهد، بالإضافة إلى رجل الأعمال نبيل القروي منافس قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام 2019.

وتضمّنت القائمة أيضًا أسماء كلّ من المستشارة السابقة للرئيس السابق الباجي قائد السبسي سيدة الأعمال سلمى اللومي واليساري حمة حمامي الذي كان معارضًا للرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وهما من بين الشخصيات المُلاحقة بتهمة "الاستفادة غير الشرعية من الدعاية السياسية وانتهاك الصمت الانتخابي"، بحسب الإعلام المحلي. 

أمّا الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي - الملاحق في هذه القضية أيضًا - وهو معارض شرس لسعيّد ويقيم حاليًا في فرنسا، فقد صدر بحقّه في 22 ديسمبر/ كانون الأول حكم غيابي بالسجن أربع سنوات بعد إدانته بتهمة "المساس بأمن الدولة في الخارج" إثر انتقاده علنًا السلطة التونسية.

وندّد العديد من المعارضين باستغلال قيس سعيد القضاء في إطار "تصفية سياسية للحسابات".

سعيّد "بين المشمولين" بتتبعات القضاء

ويرى الكاتب الصحافي محمد اليوسفي أننا إزاء "قضية شائكة تتعلق بتركة الانتخابات الأخيرة وما بيّنته محكمة المحاسبات في تقريرها من تجاوزات انتخابية".

لكنه يشير في الوقت نفسه، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ القضاء استجاب على ما يبدو لطلب رئيس الجمهورية المتكرر بضرورة إحالة هذه الملفات وتتبع المسؤولين عنها.

ويلفت إلى أنّ الإحالة أتت بالجملة بطريقة تشي بأنّ القضاء يسعى لتطبيق القانون على الجميع، موضحًا أنه "لو تأملنا جيّدًا في بيان مكتب الاتصال بمحكمة تونس لوجدنا أنّ رئيس الجمهورية هو من بين المشمولين بهذه التتبعات".

ويشرح أنّ القضاء أشار في معرض تقريره إلى أنّ هناك شخصيات أخرى لم يتمكن القضاء من تتبعها نظرًا لصفتها، وذلك في إشارة ضمنية إلى رئيس الجمهورية، بحسب اليوسفي، الذي يعتبر أنّ السياق العام السياسي لا يخدم الحقيقة ولا يخدم مبدأ المساءلة القانونية القضائية الشفافة.

ويضيف أنّه من الواضح أنّ لرئيس الجمهورية موقفًا من أداء القضاء وتعامله ببعض القضايا ذات الصبغة السياسية، مشدّدًا على أنّ بيان المجلس الأعلى للقضاء كان واضحًا وجازمًا في الدفاع عن استقلالية القضاء ورفض زجّ الجسم القضائي في المعركة السياسية.

العدالة "تاهت" في خضمّ التجاوزات

وفي موضوع القيادي الموقوف نور الدين البحيري، يلفت اليوسفي إلى أنّ علامات استفهام كثيرة تطرح حول القضية، ولا سيما لجهة استغلال قانون قديم تعتبره العديد من المنظمات الدستورية لا يتلاءم مع السياق الديمقراطي الذي دخلت به تونس.

وينبّه إلى أنّ المواطن التونسي تاه في زحمة هذا الاستقطاب الحاد حيث إن الرئيس يريد أن تكون له اليد الطولى في المشهد السياسي في حين أن هناك في الوقت نفسه تركة ثقيلة للنظام السابق.

ويخلص إلى أنّ العدالة تاهت في خضم هذه التجاوزات، ولا سيما أنّ كل المعطيات الموضوعية تفيد بأن الوضع الصحي لنور الدين البحيري في حالة حرجة وهو ما قد يؤثر سلبًا على العملية السياسية.

المصادر:
العربي - وكالات

شارك القصة

تابع القراءة
Close