السبت 13 أبريل / أبريل 2024

مذكرات الضابط جون فيلبي.. أي دور لعبه في رسم معالم الشرق الأوسط الجديد؟

مذكرات الضابط جون فيلبي.. أي دور لعبه في رسم معالم الشرق الأوسط الجديد؟

Changed

حلقة من برنامج "مذكرات" تستعرض حياة السياسي والرحالة والمستكشف هاري سانت جون فيلبي
يعتبر ضابط الاستخبارات البريطاني هاري سانت جون فيلبي أحد الشخصيات المحورية التي كان لها حضورها في رسم معالم الشرق الأوسط الجديد.

تعد شخصية البريطاني هاري سانت جون فيلبي، الذي عُرف لاحقًا بالشيخ عبد الله فيلبي إحدى الشخصيات المحورية، التي كان لها حضورها في رسم معالم الشرق الأوسط الجديد.

ففي أثناء الحرب العالمية الأولى في مطلع عام 1916، أنشأت وزارة الخارجية البريطانية في القاهرة ما عرف بالمكتب العربي، وعُد أحد أقسامها الاستخباراتية. 

وكان الغرض منه جمع وتصفية وتوزيع المعلومات الاستخبارية حول السياسة الألمانية والتركية في الشرق الأوسط، وتنسيق الدعاية لصالح بريطانيا العظمى.

وقد نجحت جهود هذا المكتب بإشعال فتيل الثورة العربية ضد العثمانيين، حيث كُلف الضابط توماس إدوارد لورنس بمتابعة القوات الهاشمية مستشارًا وضابط استخبارات.

أما فيلبي، فأُرسل مبعوثًا ليثني الأمير عبد العزيز بن سعود عن مهاجمة خصومه في الحجاز، لتتركز الجهود الحربية باتجاه الدولة العثمانية وحلفائها.

والمكتب العربي الذي لم يدم لأكثر من 4 سنوات، شهد حضور شخصيات بارزة كان لها دور أساسي في تشكيل شرق أوسط جديد بمقاييس التخطيط البريطانية، مخلفًا الكثير من المشاكل والتعقيدات على حد سواء.

من هو هاري سانت جون فيلبي؟

يصفه المؤلف والمؤرخ البريطاني جون هارت، بأنه كان شخصية معقدة للغاية؛ للبعض كان شخصًا يتمتع بمعرفة عالية وذكاء وفعالية، وللآخرين شخصًا محتالًا تمامًا ولا يمكن الوثوق به.

ويؤكد أنه لفهم شخصيته ينبغي البدء بطفولته، راويًا أن والد فيلبي مات مفلسًا، وكان برعاية والدته التي لم تكن قادرة على دفع الإيجار.

ويضيف أن "الذل الذي عاشه في طفولته أثر بعمق شديد عليه، لذلك كانت لديه من ناحية عقدة نقص كبيرة جدًا، ومن ناحية أخرى إرادة قوية".

بدوره، يلفت الباحث المتخصص في العراق وشبه الجزيرة العربية علي عفيفي إلى أن فيلبي كان رجلًا عصاميًا بنى نفسه بنفسه، وحصل بعد نجاحه في الثانوية على منحة دراسية في جامعة كامبريدج.

ويقول: "هناك ظهرت مواهبه حيث درس العلوم الطبيعية والتاريخ والجغرافيا، وظهر نبوغه في تعلم اللغات الحية في الشرق الأوسط: العربية والتركية العثمانية والفارسية والهندوستانية".

في عام 1908، تخرج فيليبي من الجامعة وأبحر باتجاه الهند بعيدًا عن إنكلترا، التي لن يراها إلا بعد 10 سنوات.

التحق للعمل بالخدمة المدنية في إدارة الهند في لاهور، وشغل مناصب عدة وتعلم عددًا من اللغات، وظل في وظيفته بالهند حتى عام 1915.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، قدم إلى البصرة مساعدًا لإدارة الشؤون المالية، وما لبث أن ارتقى بالسلم الوظيفي حتى أصبح عام 1917، المساعد الشخصي للمندوب السامي في بغداد السير بيرسي كوكس.

ويتحدث الأستاذ في التاريخ المعاصر أمجد الزعبي، عن "الفضل الكبير" لبيرسي كوكس على فيلبي من حيث تقديمه بإطار السياسة البريطانية في المنطقة.

وبينما يقول إن بيرسي كوكس اعتمد عليه بدرجة كبيرة، يلفت إلى أن إنجازات فيلبي بدأت تتضح مع عمله الأول: إقناع البنك الشرقي البريطاني بفتح فرع في البصرة.

وفيما يخص عمله في المكتب العربي، يوضح المؤلف والمؤرخ البريطاني جون هارت أن كوكس هو من عرض الوظيفة على فيلبي، الذي كان ضابطًا بارزًا من نواح كثيرة.

ويتوقف عند دور غيرترود بيل، التي كانت أول ضابطة في الجيش البريطاني برتبة رائد، وأصبحت هي نفسها بالفعل رحالة مشهورة. 

ويذكر أنها "كانت تعرف عددًا من المدن المهمة في شبه الجزيرة العربية، حيث سافرت لالتقاط الصور وتحدثت إلى السكان المحليين، واطلعت على الثقافة".

ويفيد بأن "غيرترود علمت فيلبي أساليب وفنون التجسس، وأصبح المستشار السياسي للأمير بن سعود".

كانت غيرترود بيل أول ضابطة في الجيش البريطاني برتبة رائد
كانت غيرترود بيل أول ضابطة في الجيش البريطاني برتبة رائد

وفي مذكراته، يتحدث فيلبي عن وصول غيرترود إلى البصرة للعمل في إدارة الاستخبارات العسكرية، مشيرًا إلى أنها انضمت بعد بضعة أشهر إلى الإدارة السياسية لتبدأ عملها المثمر مع كوكس.

ويقول: "كان لديها الكثير الذي تريد قوله لنا، فقد جاءت لتوها من مصر ومعها آخر الأخبار عن المفاوضات التي تجري بين السير هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر وشريف مكة، حيث بدا أنهم وصلوا إلى درجة الاتفاق الكامل".

وكان عمل غيرترود استخباراتيًا لصالح المكتب العربي، الذي أراد أن يساعد في توجيه المجهود الحربي ضد العثمانيين. 

حينها كانت الجزيرة العربية مقسمة إلى 3 مناطق نفوذ: آل رشيد الموالين للعثمانيين في إمارة حائل، والأمير بن سعود في نجد، والشريف حسين في الحجاز. وكان الصراع على النفوذ محتدمًا بين هذه الأطراف الثلاثة.

علاقة فيلبي بالأمير بن سعود

ويتوقف الباحث المتخصص في العراق وشبه الجزيرة العربية علي عفيفي، عند توجه من برسي كوكس عام 1917 لإرسال مندوب إلى سلطان نجد عبد العزيز آل سعود، بعد مقتل وليام هنري أرفيان شكسبير، فوجد أن خير من يقوم بهذه المهمة هو فيلبي.

وفي رحلته الأولى إلى الجزيرة العربية، انطلق فيلبي من بغداد إلى البصرة فالبحرين، ثم نزل في ميناء العقير، ومن هناك انطلق عبر الصحراء مارًا بالكهوف حتى وصل قصر الأمير بن سعود في الرياض.

وروى في مذكراته أن "رجلًا نحيلًا يقارب السبعين من العمر كان في استقبالنا، وغمرنا بالسؤال عن صحتنا وعن أخبار رحلتنا، بينما كان الخدم يصبون لنا القهوة العربية الشهيرة".

وأضاف: "بدأت أتساءل من عساه أن يكون هذا الرجل، إلى أن نهض قائلًا سوف أترككم الآن لمقابلة ابننا. أدركت أن هناك شخصًا آخر يخفي نفسه في ركن قصي، وهو بن سعود نفسه الرجل الأول في الدولة، الذي كان في حضرة والده ليس سوى ابنًا مطيعًا".

ويؤكد المؤرخ البريطاني جون هارت أن "الرائد فيلبي، الطموح الذي أحب السلطة، كان مفتونًا تمامًا بالأمير بن سعود، ونجح في عقد عدة اجتماعات سرية معه، حيث أقاموا صداقة غير عادية".

كانت شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة مقسمة إلى 3 مناطق نفوذ
كانت شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة مقسمة إلى 3 مناطق نفوذ

من جانبه، يلفت الباحث المتخصص في العراق وشبه الجزيرة العربية علي عفيفي، إلى أن قناعة تكونت لدى فيلبي بأن عبد العزيز آل سعود هو خير من يمثل الإدارة البريطانية في شبه الجزيرة العربية، وأنه خير من يقود ثورة العرب ضد الدولة العثمانية".

ويوضح أن "فيلبي عندما عاد إلى بغداد رفع تقريرًا للإدارة البريطانية طالبها فيه بدعم سلطان نجد والحجاز عبد العزيز آل سعود". 

ويقول: إن المندوب السامي البريطاني في القاهرة رفع تقريرًا مضادًا، ورفض تقديم منحة مالية لبن سعود بحجة أنه قد يستخدمها في الهجوم على الشريف حسين في الحجاز.

إلى ذلك، يتوقف الأستاذ في التاريخ المعاصر أمجد الزعبي عند ما شهدته الفترة الممتدة بين عامي 1917 و1919 من تطورات كبيرة داخل الجزيرة العربية، وتمثلت بالصدام بين الهاشميين وابن سعود.

ويلفت إلى أن "هذا الأمر دفع بفيلبي للظهور على الواجهة هناك، وقاد المفاوضات الأولى مع عبد العزيز بن سعود وذهب على رأس بعثة إلى الرياض، على الرغم من خلافات بين مكتب القاهرة ومكتب بغداد حول دور هذه البعثة".

كان المشروع الأصلي للمفاوضات مع ابن سعود يضم وصول بعثة ثانية إلى الرياض قادمة من القاهرة لتشارك في المفاوضات. 

لكن الملك حسين رفض صراحة السماح لبعثة القاهرة أن تسافر إلى الرياض عبر بلاده، بحجة أن هذه الرحلة غير مأمونة نظرًا للاضطرابات التي تثيرها القبائل على الحدود. وعُد من الواضح أن الملك حسين كان عازمًا على إحباط أي مفاوضات بين منافسه وبريطانيا العظمى، بحسب المذكرات.

أما فيلبي فتمكن من الحصول على وعد من الأمير عبد العزيز بن سعود بالامتناع عن أي عمل عسكري ضد الحجاز، بشرط أن تكبح السلطات البريطانية الملك حسين عن أي أعمال عدائية ضده.

كما عمل على إقناعه بالهجوم على إمارة حائل. وانتهت المفاوضات بتقديم شحنة أسلحة رديئة مقدارها 5 آلاف بندقية ونشستر لقوات ابن سعود مقابل هجومه على آل رشيد.

ويذكر فيلبي في مذكراته أن الأمير عبد العزيز قال له: "لقد حضرت إلي مبعوثًا من بريطانيا، والآن تذهب مبعوثًا عني إلى قومك، آمل أن أراك مرة ثانية هنا. ولكن تذكر أنه إذا لم تتم تسوية هذه المشاكل بما يرضيني بشأن هذه البنادق اللعينة، والمشاكل التي تجددت في الخرمة فإنه لا داعي لعودتك".

عاد فيلبي إلى لندن بعد غياب استمر 10 سنوات. وهناك لم ينثن عزمه عن دعم صديقه ابن سعود وتحقيق وعوده له.

وفي أواسط مارس/ آذار 1919، تم استدعاء فيلبي ببرقية عاجلة لاجتماع لإدارة مكتب الشرق الأوسط بمكتب الخارجية بحضور اللورد كارزون وزير الخارجية وعدد من الجنرالات وأمراء البحر.

وكانت حينها المشكلة هي واحة الخرمة، ويشرح الأستاذ في التاريخ المعاصر أمجد الزعبي أن "منطقة الخرمة إستراتيجية للتبادل التجاري، لا سيما بين البدو في الداخل مع المنطقة الساحلية باتجاه جدة".

ويتحدث عن المعركة التي أرسل فيها الشريف حسين ابنه الأمير عبد الله، ودعمته بريطانيا في هذا التوجه.

ويلفت إلى أن "فيلبي نصح بعدم ذهاب الأمير عبد الله، لأنه لا يستطيع إخراج آل سعود من منطقة الخرمة، وسيُقضى على جيشه. لكن تم التقليل من شأن رأيه".

بعد حوالي شهرين، تم استدعاء فيلبي مجددًا لمكتب وزارة الخارجية، لكن الرسالة وصلته بعد مضي موعد الاجتماع. 

فبعث رسالة يعتذر من خلالها ويوضح سبب غيابه، فجاءه الرد بأن الاجتماع تم تأجيله نظرًا لغيابه وأن الموضوع عاجل للغاية.

ما كان موضوع الاجتماع ولمَ طُلب من فيلبي تقديم المساعدة، وماذا عن الفترة التي عاد فيها للعمل في العراق وما شهدته من ثورات، وأي وظيفة شغلها وعُد فيها مستشارًا لأحد أبرز خصوم ابن سعود؟ الإجابات وأكثر في الحلقة المرفقة من برنامج "مذكرات".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close