الإثنين 25 مارس / مارس 2024

مذكرات خروتشوف.. سياسة انفتاح على العالم العربي خلال الحرب الباردة

انتسب نيكيتا خروتشوف للحزب الشيوعي عام 1918، وحارب إلى جانب الحرس الأحمر أثناء الحرب الأهلية - غيتي
انتسب نيكيتا خروتشوف للحزب الشيوعي عام 1918، وحارب إلى جانب الحرس الأحمر أثناء الحرب الأهلية - غيتي
مذكرات خروتشوف.. سياسة انفتاح على العالم العربي خلال الحرب الباردة
مذكرات خروتشوف.. سياسة انفتاح على العالم العربي خلال الحرب الباردة
الجمعة 9 يونيو 2023

شارك

لعب نيكيتا خروتشوف، رابع حكّام الاتحاد السوفياتي، دورًا أساسيًا في علاقات الاتحاد السوفياتي بالعالم العربي وقادته، خلال فترة حكمه.

وانتهج خروتشوف سياسة انفتاح مع دول العالم العربي، من بينها مصر وسوريا والعراق، والتي أعادت تشكيل ملامح عدد من الدول العربية أثناء الحرب الباردة.

واحتفظ نجله سيرغي بمذكراته الأصلية وبالتسجيلات الصوتية الأصلية، نظرًا لأن خروتشوف لم يكن يحبّ الكتابة، ولأنه لم يحصل على مستوى تعليمي جيد، بل فضّل التحدّث والإلقاء كغيره من قادة جيله.

سيرته مع الاتحاد السوفياتي

انتسب نيكيتا خروتشوف للحزب الشيوعي عام 1918، وحارب إلى جانب الحرس الأحمر أثناء الحرب الأهلية. وأصبح لاحقًا أمين سر خلية شيوعية في الجامعة العمّالية. ثمّ أُوفد إلى موسكو للدراسة في أكاديميتها الصناعية. وسرعان ما أخذ بسرعة يتولّى أعلى المناصب الحزبية.

وبعد وفاة جوزيف ستالين، مثّل خبر تعيين خروتشوف ضمن خمسة رجال في إدارة المكتب الجديد للحزب الشيوعي، الخطوة الأولى في صعوده للسلطة في الاتحاد السوفيتي، قبل تعيينه سكرتيرًا للحزب الشيوعي في سبتمبر/ أيلول 1953، ثمّ رئيسًا للوزراء عام 1958.

وفي المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي، أعلن الحرب على الستالينية.

"الساسة هم أنفسهم في كل مكان. يعدون ببناء الجسور حتى لو لم يوجد نهر"

وقال الدكتور ألكسندر زناكوف، المتخصّص في التاريخ السوفياتي، في حديث لبرنامج "مذكرات" من "العربي"، إنّ خروتشوف كان "من أتباع ستالين المخلصين. لكن بعد وفاة الأخير، قرّر خروتشوف التصرّف بشكل أكثر راديكالية، وأعلن نفسه الخليفة الوحيد الفعلي لقضية لينين التي يُزعم أن ستالين قد شوّهها".

من جهته، شرح الدكتور باسم الزعبي، أنّ خروتشوف كان من أعضاء الهيئة الرئاسية التي كانت تُدير الحزب الشيوعي السوفياتي. واختير خروتشوف ليكون الأمين العام للحزب. واستطاع خلال فترة وجيزة، تصفية خصومه ومنافسيه في قيادة الحزب، والاستيلاء على السلطة بالكامل.

في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي، أعلن خروتشوف الحرب على الستالينية - غيتي
في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي، أعلن خروتشوف الحرب على الستالينية - غيتي

التنديد بسياسة ستالين

بعد وفاة ستالين، افتتح خروتشوف المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي 1956 الذي انعقد في موسكو، وتلا فيه على مدى 8 ساعات، تقريرًا من 100 صفحة، عن عبادة الفرد ونتائجها ومساوئها، مع بحث عن القيادة الجماعية وفوائدها، منددًا بجرائم جوزيف ستالين وغروره، ومساوئ بوليسه السري، وأخطائه وديكتاتوريته في الدخل والخارج.

خلال بضعة أشهر، انتشر خطاب خروتشوف دوليًا، ليتفاجأ العالم بمبادرته لفتح أبواب الاتحاد وتحريره. لكن خطابه أغضب العديد من خصومه الأقوياء. ومع أنّ النص الكامل للتقرير ظلّ سرًا إلا أنّ ملخّصه كان في متناول قادة الحزب الشيوعي، وبعض قادة المعسكر الاشتراكي، حتى أصبح السر معلومًا.

وبدأ التنديد بستالين والإشادة بخروتشوف في عدة بلدان اشتراكية، ما أدى إلى العديد من عمليات التصفية والخلافات الحزبية، ومهّدت الطريق أمام انقسام الحركة الشيوعية وبدء مرحلة الذوبان. ولذلك تُوصف الحقبة التي حكمها خروتشوف بـ"ذوبان الجليد"، إذ عمل على تحسين العلاقات مع الكثير من الدول والتعايش معها.

"كنت في بداية طفولتي أعيش في قرية وأحببت أسلوب حياة الفلاحين، ولكني أمضيت معظم سنوات طفولتي في مدن التعدين مع والدي في استخراج الفحم"

وكتب خروتشوف في مذكراته: "كشف ستالين في سلسلة متصلة من الحوادث، عمّا انطوت عليه نفسه من التعصّب والقسوة وسوء استعمال السلطة. فبدلًا من أن يُبرهن ايضًا على سياسة رشيدة حكيمة في تحرك الجماهير. فقد آثر الاعتماد على التطهير والتصفية مستعملًا هذا السلاح الرهيب ليس ضد أعداء النظام فحسب، بل ضد أناس لم يقترفوا أي ذنب ضد الحزب أو ضد الحكومة. وعبثًا نحاول هنا البحث عن الحكمة وسداد الرأي في تصرفات ستالين هذه".

"ذوبان الجليد" والعلاقة مع مصر

أحدث الذوبان تحوّلًا لا رجعة فيه في المجتمع السوفياتي، إذ فتح الباب لإصلاحات اقتصادية وتجارة دولية ومهرجانات وكتب وأفلام أجنبية، وموسيقى شعبية، وموضات جديدة، إضافة إلى مشاركة كبيرة في البطولات الرياضية الدولية.

 لم يتوقّف صراع الخروتشوفيين والستالينيين على السلطة، وأضعف الحزب الشيوعي السوفياتي في نهاية المطاف.

يروي خروتشوف في مذكراته أنّ العلاقة مع مصر توطّدت بعد ثورة 1952، وأن الملك فاروق كان قد طلب من ستالين بيع أسلحة لمصر لمحاربة بريطانيا، إلا أنّ ستالين رفض. وتغيّر الأمر مع جمال عبد الناصر الذي قاد ثورة اعتبرها الاتحاد السوفيتي لصالح الشعب، رغم الاختلاف في وجهات النظر معه.

وكتب خروتشوف: "لم نكن نستطيع تحديد ماهية اتجاهات السياستين الداخلية والخارجية لحكومة عبد الناصر خلال الأيام الأولى لتوليها السلطة في مصر. وكنا أقرب إلى الميل لاعتبارها وعلى ما يبدو، نتاج واحدة من الانقلابات العسكرية المشهورة التي طالما عرفناها وتعوّدنا عليها. ولذا، لم نكن ننتظر منها شيئًا يُذكر. وعمومًا لم يكن أمامنا إلا أن ننتظر لنرى ما يمكن أن تتخذه القيادة المصرية الجديدة من قرارات".

يروي خروتشوف في مذكراته أنّ العلاقة مع مصر توطّدت بعد ثورة 1952 - غيتي
يروي خروتشوف في مذكراته أنّ العلاقة مع مصر توطّدت بعد ثورة 1952 - غيتي

لم يمض الكثير من الوقت حتى فاتح عبد الناصر السفير السوفيتي عام 1954، برغبة مصر بشراء أسلحة سوفيتية، مشيرًا إلى أنّ ذلك سيكون مقدمة لطلبات مماثلة من جانب دول عربية وإسلامية أخرى، ترى في مصر القدوة والنموذج.

وكتب خروتشوف في مذكراته: "أما بالنسبة للصيغة المصرية، فقد كانت غير مفهومة تمامًا بالنسبة لنا. ولكن الشيء الوحيد الذي فهمناه بوضوح هو أنّ أي شيوعي اكتشفه عبد الناصر تمّ سجنه، كما تم حظر الحزب الشيوعي المصري، فكان يعمل في الخفاء. ومن وجهة نظر أيديولوجيتنا الشيوعية، كان عبدالناصر ينتهج سياسة رجعية مناهضة للشيوعية. لكن لم يكن هناك شخصية أخرى أكثر تقدمية تلوح في الأفق في ذلك الوقت. فقد كان قادرًا على قيادة المعركة ضد الاستعمار. لقد كان بطلًا قوميًا من الجيش المصري".

وروى الزعبي أنّ النظام المصري كان ناشئًا ومناهضًا للاستعمار البريطاني، وحاولت أميركا احتواء النظام المصري من خلال البنك الدولي لتمويل مشروع السد العالي، لكن على ما يبدو، كان هناك بعض التناقضات حيث لم يقدّم نظام عبد الناصر التنازلات المطلوبة للأميركيين. وبالتالي، لم يكن أمام النظام المصري سوى التوجّه نحو الاتحاد السوفياتي.

"من وجهة نظر أيديولوجيتنا الشيوعية، كان عبدالناصر ينتهج سياسة رجعية مناهضة للشيوعية. لكن لم يكن هناك شخصية أخرى أكثر تقدمية تلوح في الأفق في ذلك الوقت"

بدوره، قال أندريه أبراموف ، أستاذ في جامعة موسكو، في حديث إلى "العربي"، إنّ عبد الناصر كان الأكثر موثوقية، لكنّه في الوقت نفسه لم يكن جديرًا بالثقة على المستوى الإنساني. خلال عامي 1955 و1956، حاول تكوين صداقات مع الأميركيين لأنه لم يكن شيوعيًا ولا اشتراكيًا ماركسيًا، بل قوميًا قبل كل شي

وأضاف أبراموف أنّ الأميركيين كان لهم مصالحهم الخاصة وحلفاءهم من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولذا اتخذوا في الشرق الأوسط خيارًا لم يكن لصالح عبد الناصر. ولذا قَبِل عبدالناصر المساعدة السوفياتية، خاصة وأنّ الاتحاد السوفياتي أعاد التركيز في سياسته الشرق أوسطية على مصر.

وأوضح أنّه من ناحية أخرى، لم تستقبل مصر هذه المساعدة بشكل جيّد، لأنّه كان يُنظر إليه على أنّه استعمار، حتى وإن كان ذلك بطريقة سوفياتية. أي أنّ العلاقة كانت صعبة للغاية. لكنّ خروتشوف جرّب هذه الأساليب الدبلوماسية، وعندما لم يجد مخرجًا، اتجه نحو الراديكالية لدعم مصر، بما في ذلك الوعد بالمساعدة السوفياتية ضد انكلترا وفرنسا وإسرائيل.

الهجوم الإسرائيلي على مصر 1956

في 29 أكتوبر/ تشرين الثاني 1956، بدأ الهجوم الإسرائيلي على مصر، حيث أنزل المظليون الإسرائيليون في سيناء، والمظلّيون البريطانيون في بور سعيد، والفرنسيون في بور فؤاد.

وعندها طالب الرئيس الأميركي بوقف العمليات، وسحب القوات من سيناء. أما رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي بول غانين فأدلى بتصريح غير مسبوق، إذ هدّد بإمطار الدول المعتدية على مصر بالصواريخ إذا لم تنسحب قواتها من الأراضي المصرية.

وكتب خروتشوف في مذكراته: "كان عليّ أن أشغل نفسي كثيرًا بالدول العربية، خاصة بعد عام 1956، عندما أنقذنا مصر خلال أزمة قناة السويس. لقد أصدرنا إعلانًا عامًا بمفردنا بأن المتطوعين السوفيات بما في ذلك طواقم الدبابات والطيارين ورجال المدفعية وغيرهم من المتخصّصين العسكريين قد تم تجنيدهم للالتحاق بالجيش المصري. ودفع هذا إسرائيل إلى إدراك أنّ عليها سحب قواتها وتحرير الأراضي التي استولت عليها في العدوان الثلاثي على مصر".

وقال زناكوف: "كان الاتحاد السوفياتي ينظر إلى الصهيونية على أنّها اتجاه برجوازي مرفوض. وتمّ اعتبارها أحد مظاهر الإمبريالية. وفي وقت إنشاء إسرائيل، كان يُنظر إليها على أنّها حليف محتمل في الشرق الأوسط. ولكن سرعان ما تدهورت هذه العلاقات في عهد خروتشوف، حيث فسدت العلاقت مع إسرائيل وانقطعت العلاقات الدبلوماسية، ودعم الاتحاد السوفياتي بشكل منهجي القوات العربية وحتى التي لم تكن بدورها مرضية له. فإسرائيل كانت أسوأ بلاء، وبؤرة استيطانية لأميركا والإمبريالية العالمية".

"بالنسبة للصيغة المصرية، فقد كانت غير مفهومة تمامًا بالنسبة لنا. ولكن الشيء الوحيد الذي فهمناه بوضوح هو أنّ أي شيوعي اكتشفه عبد الناصر تمّ سجنه، كما تم حظر الحزب الشيوعي المصري، فكان يعمل في الخفاء"

بدوره، أوضح أبراموف أنّ التعاون مع الدول العربية لم ينشأ بشكل هادف، بل كانت الظروف هي التي تطوّرت. عارض العرب النظام شبه الاستعماري في الشرق الأوسط مع النهضة العربية، وظهور دول عربية جديدة، والثورات في الدول العربية، وإنشاء الجمهوريات بدلًا من الملكية. وكان كل شيء يتماشى مع الأيديولوجية الشيوعية السوفياتية التي تنصّ على أنّ الشعوب هي التي تقرّر مصيرها، وبناء حياة جديدة، لذلك فهي بحاجة إلى الدعم.

وأضاف أنّ خروتشوف رأى في هذه التطورات نوعًا من الاشتراكية، وربما حتى شيوعية في هذه البلدان، في المستقبل، ودعم ذلك بفاعلية.

ورأى الزعبي أنّ علاقة خروتشوف ومصر كانت نموذجية، حيث دعم الاتحاد السوفياتي مصر اقتصاديًا بأهم مشروع تاريخي، وهو بناء السد العالي، ودعمهم في بناء مصانع الحديد والصلب، والسلاح.

حفل بناء سد أسوان

يسرد خروتشوف دعوة عبدالناصر له لحضور حفل بناء سد أسوان في مصر عام 1964، حيث أبدى خروتشوف انزعاجه من اعتقال الشيوعيين في مصر. فرد عبد الناصر أنّ شيوعي مصر يختلفون عن شيوعيي الاتحاد السوفياتي، وأنّ اعتقالهم كان لصالح مصر.

ويؤكد المصريون الشيوعيون العرب، ومنهم الروائي المصري صنع الله ابراهيم، أنّه تم إطلاق الكثير منهم بناء على شرط من خروتشوف. وهو ما أكده خروتشوف في مذكراته.

وكتب خروتشوف في مذكراته: "حين جاء وقت الاحتفال فيما يتعلق بالسد المؤقت لنهر النيل لتغيير مساره، دعاني المصريون ليس فقط للاحتفال بهذه المناسبة، ولكن لقضاء إجازة في بلادهم والتعرف على مصر، وبالطبع لإمكانية إجراء مناقشات مفيدة هناك. وأكدوا لي أنّه لم يبق هناك سوى عدد قليل من الشيوعيين في السجن، وأنّ الرئيس وعد بإطلاق سراحهم بحلول الوقت الذي نصل فيه. وبناء عليه، اتفقنا على القيام بالرحلة".

وشرح زناكوف أنّ خروتشوف عامل القادة العرب الشباب بتعالٍ. وقال إنّ الاتحاد السوفياتي هو الذي ساعدهم، وأنّه لولا الاتحاد السوفياتي لما حقّقوا شيئًا. لكن قادة العالم العربي هؤلاء الذين ثبّتوا أنفسهم في السلطة، وخاصة عبدالناصر، ناوروا بنجاح كبير بين العالم الغربي والاتحاد السوفياتي.

بدوره، أوضح الزعبي أنّ العلاقة بين الاتحاد السوفياتي والعالم العربي امتدّت للجزائر بعد التحرير، والعراق، وسوريا، واليمن، وحتى الدول غير الموالية للاتحاد السوفياتي، أو القريبة ايديولوجيًا منه.

يسرد خروتشوف دعوة عبدالناصر له لحضور حفل بناء سد أسوان في مصر عام 1964 - غيتي
يسرد خروتشوف دعوة عبدالناصر له لحضور حفل بناء سد أسوان في مصر عام 1964 - غيتي

العلاقة مع سوريا

أثناء الأزمة السورية عام 1957، تطوّرت العلاقة بين سوريا والاتحاد السوفياتي، ما استفزّ الولايات المتحدة، واستخدام حليفتها تركيا التي نشرت قواتها على الحدود السورية-التركية.

وعندها هدّد الاتحاد السوفيتي بالتدخّل، إذا شنّت تركيا هجومًا على سوريا، لتنتهي الأزمة بانسحاب القوات التركية.

وكتب خروتشوف في مذكراته: "احتفلنا بانتصار غير دموي. عندما تأكدنا أنّ التهديد ضد سوريا قد انتهى، أعلنا على الفور عبر صحافتنا أنّ مناوراتنا العسكرية قد انتهت، وأنّ الضباط القادة الذين تولوا مهامهم في منطقة الحدود، قد عادوا إلى أداء مهامهم الاعتيادية".

"كشف ستالين في سلسلة متصلة من الحوادث، عمّا انطوت عليه نفسه من التعصّب والقسوة وسوء استعمال السلطة. فبدلًا من أن يُبرهن أيضًا على سياسة رشيدة حكيمة في تحرك الجماهير، آثر الاعتماد على التطهير والتصفية"

وأضاف: "أقمنا بالفعل علاقات جيدة مع الحكومة السورية، لكننا أيضًا دعمنا الحزب الشيوعي في سوريا الذي كان أقوى حزب في الدول العربية، ويرأسه زعيم ذو خبرة كبيرة، هو خالد بكداش. وفجأة، أُثير سؤال توحيد مصر وسوريا كدولة واحدة. من المحتمل أن عبد الناصر كان يقلد فكرة الاتحاد السوفياتي، آخذًا في الاعتبار امكانية انضمام أي دولة عربية إلى الجمهورية العربية المتحدة على قدم المساواة".

أثناء زيارة سرية قام بها رئيس الجمهورية العربية المتحدة إلى موسكو، بعد الانقلاب في بغداد بقليل، اهتمّ خروتشوف بامكانية ضمّ العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة. فأجابه عبد الناصر بشكل واضح أنّه سيكون أمام العراق الكثير من المشكلات الصعبة، وأنّ الوحدة قد تُضيف تعقيدات إضافية، فالعراق يختلف عن سوريا كثيرًا.

 ورغم ذلك، نشأت بالفعل الكثير من المشكلات بين مصر وسوريا.

العلاقة مع العراق

وكتب خروتشوف: "عندما حدث انقلاب عسكري في بغداد عام 1958، ووصل اللواء عبد الكريم قاسم إلى السلطة، رحّبنا بهذه الثورة لأن نظامًا رجعيًا وإرهابيًا للغاية كان قائمًا في العراق سابقًا، كانت نهاية قد طال انتظارها لذلك النظام، لقد حقّق قاسم نصرًا سهلًا نسبيًا. دعمنا قاسم بكل الوسائل الممكنة، واعترفنا رسميًا ببدء الانفصال الثوري عن التركيبة الاجتماعية السابقة في العراق".

أعلن قاسم استعداده لاتباع المسار الاشتراكي، وقام بمزيد من الخطوات تجاه الاتحاد السوفياتي. وخلال الفترة القصيرة من حكم قاسم، كان العراق يُعتبر الحليف الرئيسي للاتحاد السوفياتي، وحتى أكثر من مصر، لأنّ عبدالناصر كان أكثر استقلالية في أحكامه، ويُمكنه الانجذاب للولايات المتحدة.

وتغيّرت علاقة الاتحاد السوفيتي مع العراق، بعد تسلّم الرئيس العراقي عبدالسلام عارف زمام الحكم عام 1963. وتبلّغ الاتحاد السوفياتي أنّ عارف يعتقل شيوعيي العراق ويُنكّل بهم.

وكتب خروتشوف في مذكراته: "تطورت علاقات سيئة بيننا وبين عارف، فلم نكن نعتبره شخصًا ذا ميول تقدمية. كما كان شخصًا بغيضًا، ومن الصعب إجراء محادثة معه".

يُقال إنّ أحد أسباب إقالة خروتشوف هو انزعاج الحزب من بعض تصرفاته والنظر إليه بدونية
يُقال إنّ أحد أسباب إقالة خروتشوف هو انزعاج الحزب من بعض تصرفاته والنظر إليه بدونية

استقالة جبرية

عام 1964، حيكت مؤامرة أبعدت خروتشوف عن الحكم، إذ أُجبر على الاستقالة، حيث وجّه له رفاقه تهمًا بسوء إدارة البلاد، فوُضع تحت الإقامة الجبرية في منزله. وخُصّص له راتب محدّد، ما أدى إلى دخوله في حالة من الاكتئاب خصوصًا أنّ السلطات فرضت رقابة على زيارته أيضًا.

وقال زناكوف: "من الصعب إنكار مزايا خروتشوف تمامًا. كان شخصية جذّابة، واستثنائية، ومتهرة في بعض الأحيان. لقد تصرّف بشكل غير رسمي إلى حد ما. فقد أساء إلى العديد من مساعديه، وكانوا خائفين من ازدياد عبادة شخصه. وشعر الجميع بعدم الأمان".

وأدت العوامل إلى أن يبدأ قادة الحزب مفاوضات سرية فيما بينهم. ومن خلال الرحلات في جميع أنحاء البلاد التقوا مع بعضهم البعض ومع اعضاء اللجنة المركزية للحزب، وكانوا من المفترض أن يعزلوا خروتشوف. إلا أنّها لم تكن مجرد مجموعة من المتآمرين، بل تضمّ عشرات الأشخاص.

يُقال إنّ أحد أسباب إقالة خروتشوف هو انزعاج الحزب من بعض تصرفاته والنظر إليه بدونية، كونه كان في الأصل فلاحًا مزارعًا، حيث وُلد في مقاطعة كورسك، على الحدود الفاصلة بين روسيا وأوكرانيا، من عائلة يعمل أفرادها في المناجم.

وحول هذا، كتب خروتشوف في مذكراته: "كنت في بداية طفولتي، أعيش في قرية، وأحببت أسلوب حياة الفلّاحين، ولكنّي أمضيت معظم سنوات طفولتي في مدن التعدين مع والدي في استخراج الفحم. أما عن نفسي، فقد عملت في شبابي في مصنع لبناء الآلات، ثمّ في منجم، ومن ثمّ خدمت في الجيش الأحمر".

وأضاف: "أنا الآن متقاعد، وأعيش في ما يسمّونه سنواتي الأخيرة. يسمح عمري لي أن استرجع الذكريات، وأتذكر ما تمّ القيام به في الماضي. يجب على البشر أن ينشغلوا بشيء ما، فينخرط كبار السن أحيانًا في مثل هذا التحليل الذاتي على الرغم من أنّه لا يجلب السعادة دائمًا".


نظرة في مذكرات رابع حكام الاتحاد السوفيتي، نيكيتا خروتشوف، وشهادات حول علاقاته بالعالم العربي وقادته وأثره في المنطقة خلال تلك الفترة، تجدونها ضمن الحلقة المرفقة من برنامج "مذكرات".
حلقة "مذكرات" تفتح سجلّ الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف
المصادر:
العربي

شارك

Close