الثلاثاء 26 مارس / مارس 2024

مريم الصادق المهدي.. القيادية المعارِضة تروي خبايا الثورة في السودان

مريم الصادق المهدي.. القيادية المعارِضة تروي خبايا الثورة في السودان

Changed

وزيرة الخارجية السودانية السابقة والقيادية في قوى الحرية والتغيير مريم الصادق المهدي ضيفة "وفي رواية أخرى"
تروي وزيرة الخارجية السودانية سابقًا والقيادية في قوى الحرية والتغيير مريم الصادق المهدي محطات مهمة من حياتها وتفاصيل مهدت لاندلاع الثورة السودانية.

برز اسم وزيرة الخارجية السودانية السابقة والقيادية في قوى الحرية والتغيير مريم الصادق المهدي كناشطة سياسية في السودان بعد تخرجها من كلية الطب وانضمامها لصفوف المعارضة المواجهة لنظام الرئيس السوداني المعزول عمر حسن البشير.

وقد مارست النشاط السياسي بصحبة والدها الراحل صادق المهدي، إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي ورئيس الوزراء الأسبق الذي انقلب عليه نظام الإنقاذ، قبل أن تتدرّج في هياكل حزب الأمة وأجهزته حتى وصلت لمنصب نائب لرئيس الحزب.

ومع اندلاع الثورة السودانية، تعرَّضت المهدي للاعتقال عقب مشاركتها في المظاهرات الشعبية التي تصاعدت إلى أن بلغت حد الاعتصام الشهير أمام مبنى القيادة العامة الذي فُضّ بقوة النار.

وبعد الإطاحة بالبشير والحزب الحاكم، شاركت ضمن قيادات قوى الحرية والتغيير في جولات التفاوض بين المكونين المدني والعسكري والتي انتهت بالتوقيع على الوثيقة الدستورية.

كما تولّت المهدي حقيبة الخارجية في التشكيل الوزاري الثاني لحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. وبعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قرّرت الاستقالة والعودة لصفوف المعارضة مرة أخرى.

ويستقبل الزميل بدر الدين الصائغ الثورية السودانية ضمن سلسلة حلقات في برنامج "وفي رواية أخرى".

نشأة سياسية

وفي الحلقة الأولى، تروي المهدي في حديثها إلى "العربي" تفاصيل نشأتها، وتشير إلى أن والدتها سارة الفاضل محمود عبد الكريم كانت قائدة سياسية في حزب الأمة وظلّت تقود الحزب في فترات المعارضات الكبيرة عند اعتقال زوجها، وهي أيضًا أول سيدة سودانية تتخرج من الجامعات الأميركية. وتقول: "إن والدتها كانت الساعد الأيمن لوالدها".

وتلفت إلى أن والدها نشأ في كنف والدته رحمة التي كانت تعتبر أن أحفادها "اكتسبوا اسم المهدي بالدم، وهو ما كانت تعتبره غير كاف حيث يفترض اكتسابه بالروح".

تتحدث مريم الصادق المهدي عن نشأتها وظروف الثورة السودانية
تتحدث مريم الصادق المهدي عن نشأتها وظروف الثورة السودانية

وتوضح مريم أنها تعرفت على والدها الإمام الصادق في فترة متأخرة من طفولتها حيث كان دومًا في المعتقلات والمنافي.

وتقول: "لقد رأته شقيقتي طاهرة أصغر بناته لأول مرة عندما كانت تبلغ أربع سنوات عندما زرناه في المعتقل في كلية الشرطة في العباسية بالقاهرة عام 1973".

ورغم أن لقاء الوالد كان في المعتقلات في أغلب الأحيان، تؤكد مريم أن والدتها كانت تحرص على وجود صورته في المنزل.

تأثير الإمام المهدي الصادق

وتضيف: "الشيء المدهش بالنسبة لوالدي أنه بدأ بالاعتذار لنا فور خروجه من الاعتقال، وقال لنا: شاء الجهاد الوطني والنضال من أجل الوطن أن أكون بعيدًا عنكم وبالتالي احتسبت فيكم الله".

وتعتبر مريم أن غياب الوالد مثل بداية قوية بالنسبة لأبنائه الذين جعلت من شخصياتهم قوية.

ورغم أنه كان بعيدًا عن عائلته حتى نهاية السبعينيات، تشير مريم إلى أن والدها تفرّغ بشكل كبير لعائلته حتى منتصف التسعينيات، حيث كان يحدّث أبناءه بشأن تاريخ الأسرة واللغة العربية والفقه وكان ينشغل بإعادة كتابة السيرة النبوية وأشرك مريم وأشقاءها الأكبر سنًا في اهتماماته.

كما تلفت مريم إلى أن والدها كان يرغب في أن يدرس أبناءه اختصاصات علمية لحاجة العالم الإسلامي إليها وهو ما فعلته بدراستها الطب في الجامعة الأردنية.

وتؤكد المهدي أن والدها كان يعتمد في التربية طريقة المثال والقدوة، "ولم يكن يعتمد طريقة إعطاء التعليمات، بل كان يتحدث عن الأمور من منظوره ويترك لنا الاختيار".

وتقول: "اخترت الطب رغم أنني أعتقد أني لا أحب علم الأحياء، بل كنت أفضّل الرياضيات، لكن الطب وفّر عنصر الخدمة وكنت أرغب بخدمة القضية الفلسطينية وأن أستشهد في فلسطين".

الطبيبة المقاتلة

وتوضح مريم أن العسكرية جزء من تركيبتها فهي كانت في الكشافة. وبعد انقلاب البشير في يونيو/ حزيران 1989 كانت في السنة الأخيرة من دراستها للطب وكان مهمًا لها أن تكون عسكرية. ثم انضمت لجيش الأمة في ديسمبر/ كانون الأول 1997 كطبيبة مقاتلة.

انضمت مريم المهدي لجيش الأمة في ديسمبر/ كانون الأول 1997 كطبيبة مقاتلة.
انضمت مريم المهدي لجيش الأمة في ديسمبر/ كانون الأول 1997 كطبيبة مقاتلة.

واختيرت بعد ذلك ضمن المجموعة الأولى التي تولت الشأن التنفيذي في حزب الأمة وترأست قطاع المرأة.

نضال مستمر

وحول نضال الشعب السوداني بوجه انقلاب الإنقاذ، تعتبر المهدي أن الأمر الملفت كان استمراره بلا هوادة ولم يفتر. وتعتبر أنه أخذ أشكالا مختلفة بسبب طول الزمن. وترى أن انقلاب الإنقاذ كان فريدًا فكان عسكريًا بتوجيه مدني لتنظيم منظم جدًا لتنظيم الجبهة الإسلامية السودانية ولديها تحالفاتها الوطنية والإقليمية والدولية.

وقالت المهدي: "إن الجبهة قامت بإعادة صياغة الإنسان السوداني كي يكون بلا كبير ولا مرجع". كما قاموا بإعادة صياغة الدولة السودانية عبر الأجهزة والهياكل والقوانين والتعامل بأن السودان يولد من جديد ولا ماضي له، بحسب المهدي، التي تعتبر أن المدهش جدًا أن الجيل الذي نشأ في كنف الإنقاذ هو الجيل الذي تمكن من وضع استراتيجيات وأسس لمقاومة الإنقاذ وإسقاطه.

وتشير إلى أن مقاومة الشعب السوداني الأولى "كانت عسكرية حيث قال البشير إنه جاء بالقوة ومن يريد أن ينزعه سينزعه بالقوة". وتلفت إلى أن القوى السياسية آنذاك "عملت كقوى عسكرية ودخلت بصورة مبدعة في التجمع الوطني الديمقراطي في تحالف لإسقاط نظام الإنقاذ. ودخلت معهم لأول مرة الحركة الشعبية لتحرير السودان من جنوب البلاد".

دور حزب الأمة في إرساء الحوار

وتشير إلى أن تغييرات إقليمية أدّت لتدخل الإيغاد لإيجاد أسس للحوار ما أفضى لاتفاقية نيفاشا عام 2005.

وقبلها كان حزب الأمة قد دخل في اتفاقية نداء الوطن في أواخر عام 1999 متأثرًا بتحولات إقليمية وارتفاع خطر التدخل بالشؤون الداخلية وتحولات جرت في نظام الإنقاذ عام 1998 ما دفع بتبني الحوار رغم المضي في المنازلة العسكرية والثورة الشعبية.

وقد أطّر حزب الأمة الحل السياسي الشامل فكريًا في ورشة عقدت في القاهرة عام 1998 والذي تحدّث لأول مرة عن التدويل الحميد والتدويل الخبيث.

كما ناقشت الورشة ضرورة إيجاد ميثاق إعلامي وآخر نسوي وآخر ثقافي بسبب وجود صراع البعد العربي وغير العربي في السودان.

وتقول المهدي: "لاحظنا من ذلك الوقت أنه لإيجاد حل سياسي شامل لابد من مخاطبة القضية العسكرية". لذا قدّم كوادر المقاتلين في الأمة الميثاق العسكري.

وحول تشكل تحالف قوى نداء السودان عام 2014، تشير إلى أن تاريخ السودان قائم على الالتقاء من أجل المصلحة الوطنية.

وتستذكر أنه في عام 2013 جرت مظاهرات كبرى استخدم فيها النظام القمع المفرط والقتل العشوائي في المدن لأول مرة.

جرت مظاهرات كبرى في عام 2013 استخدم فيها النظام القمع المفرط والقتل العشوائي في المدن لأول مرة.
جرت مظاهرات كبرى في عام 2013 استخدم فيها النظام القمع المفرط والقتل العشوائي في المدن لأول مرة.

الثورة السودانية

اندلعت الثورة في السودان في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018 يوم عاد الإمام الصادق من المنفى الاختياري، وهو تاريخ مهم كونه تاريخ إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان.

وتروي المهدي أن شرارتها الأولى انطلقت من مناطق الديازين وسنار يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول.

لكن الشرارة الأساسية كانت يوم 25 ديسمبر الذي حدده تجمع المهنيين لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تتضمن مطالب نقابية كتحسين الأجور وغيرها.

كان إعلان باريس 2014 مدخلًا لإتحاد قوى مدنية وعسكرية لأول مرة من أجل وحدة السودان
كان إعلان باريس 2014 مدخلًا لاتحاد قوى مدنية وعسكرية لأول مرة من أجل وحدة السودان

وعند وصول الإمام المهدي الصادق طرح خريطة لصلاح الوطن وتحدث عن ضرورة تسليم النظام إضافة إلى إصلاحات اقتصادية وحول الاحتباس الحراري.

وتنفي مريم أن يكون خطابه آنذاك مهادنة للدولة فيما كان الشارع يغلي، وتعتبر أنه تحدث بحكمة رجل الدولة وحكمة زعيم الأمة الذي يعرف مواطن الخلل.

عام الحسم والتدويل الحميد

وتستذكر مريم نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، حيث تقول إن ذلك العام هو "عام الحسم حيث لا يمكن الاستمرار بثورات لا نهاية لها".

وتعتبر وزيرة الخارجية السودانية سابقًا أن والدها حاول إيجاد معادلات توافقية لتجنب تدهور الأوضاع كونه كان يعلم أن نظام الإنقاذ متغلغل في مؤسسات الدولة.

وتروي مريم أحداث عام 2018 الكثيرة والتي كانت بدايتها سلسلة اعتقالات طالت قيادات من حزب الأمة.

وتشير إلى أن السودانيين مضوا في التدويل الحميد حيث صيغ إطار الحوار وتبناه رئيس جنوب إفريقيا الأسبق تابو إيمبيكي بصفته رئيس الآلية الإفريقية العليا للشأن السوداني والذي كان قد أشرف على قرار مهم جدًا لمجلس الأمن والسلم الإفريقي في سبتمبر/ أيلول 2014 والذي حسم أي تلاعب من قبل نظام الإنقاذ بشأن الحوار الوطني.

وبحسب المهدي، فقد استجاب المهدي الصادق لدعوة إيمبيكي للحضور إلى اجتماع في السودان، وأعقب ذلك اجتماع آخر في العام نفسه عُقد في باريس اختير فيه المهدي الصادق رئيسًا لتحالف نداء السودان، ووضع هيكلية للتحالف.

مريم المهدي والاعتقال

وحول معاناتها مع نظام الإنقاذ، تروي مريم أنه تم اعتقالها عدة مرّات منذ عام 2006 وجرى تعنيفها ومنها مرة في عام 2014 بصفتها مهندسة إعلان باريس، حيث سُجنت في زنزانة انفرادية وتم اضطهادها.

لعب النساء والشباب دورًا مهمًا في الثورة السودانية
لعب النساء والشباب دورًا مهمًا في الثورة السودانية

وعام 2019، اعتقلت مريم عقب مشاركتها في مظاهرة رغم أنها كانت من التنسيقية الداخلية للثورة، وحكمت وسجنت في سجن أم درمان الوحيد للنساء، والتقت بعدد مهم من السيدات وتعرفت عن كثب على معاناة النساء في السجون، لكنها خرجت بعد أيام قليلة.

تجمع الحرية والتغيير

وحول تشكل تجمع الحرية والتغيير في يناير/ كانون الثاني 2019، تشير مريم إلى أن المكون الكبير والمهم كان تجمع المهنيين إضافة إلى "نداء السودان" بكل مكوناته، إضافة إلى التجمع الاتحادي والتجمع المدني. وأعلن عن التجمع في فبراير/ شباط من العام نفسه من مركز حزب الأمة.

وتروي المهدي أن قيادات في نظام البشير التقت بقيادات من حزب "نداء السودان" ووجهت تهديدًا مباشرًا بأن البشير أمر بفض اعتصام ولو كلّف نصف المعتصمين.

وساهم ذلك بتنحيته عن الحكم حيث حمت اللجنة الأمنية الثوار، واستوجب الوضع الجديد تشكيل قيادة سياسية عليا ضمت ممثلين عن عدد من القوى المنضوية تحت تجمع الحرية والتغيير.

اعتبر تجمع قوى الحرية والتغيير تنازل عوض ابن عوف عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي خدعة
اعتبر تجمع قوى الحرية والتغيير تنازل عوض ابن عوف عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي خدعة

وتشير إلى أن التجمع اعتبر تنازل عوض ابن عوف عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي خدعة.

وحول إشكالية تشكيل حكومة ثورية، تلفت مريم إلى أن فض الثورة والتنكيل بالثوار في يونيو/ حزيران 2019 ساهم في فض الشراكة مع المكون العسكري.

ودخلت وساطات إقليمية ولعب حزب الأمة دورًا في إيجاد مخرج حواري للأزمة، أفضت إلى اتفاق سياسي انتهى بتوقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس/ آب 2019.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close