قد لا تكتب الحيوانات الوصفات الطبية، ولكنها خبيرة في الطب؛ حيث تعد دراسة تقنيات العلاج الذاتي المتطورة للحيوانات بالكشف عن طرق جديدة يمكن من خلالها تحسين صحة الإنسان، من خلال درء الأمراض التي ينقلها البعوض وحتى تطوير أدوية جديدة لعلاج السرطان.
كان مايكل هوفمان، الأستاذ المشارك في علم الرئيسيات بجامعة كيوتو باليابان، يتتبع مجموعة من الشمبانزي في تنزانيا، ويدرس سلوكهم، عندما لاحظ أن أنثى الشامبانزي البالغة من العمر 29 عامًا تفعل شيئًا لم يشهده من قبل، حيث قامت بإزالة غصن من شجيرة مورقة معينة، وقشرت اللحاء والأوراق، وبعد مضغه لبضع ثوان، امتصت اللب وابتلعت العصير، وبصقت الأجزاء الليفية.
ويعرف العلماء النبتة باسم "فيرنونيا أميغدالينا" والاسم الشائع لها هو الورقة المرة. وكما يوحي الاسم، فالنبتة مرة بشكل يجعلها غير صالحة للأكل ولم يسبق للبروفيسور هوفمان أن رأى أي قرد شمبانزي يتغذى عليه.
النبات علاج للشمبانزي
وشاهد هوفمان، برفقة محمدي سيفو كالوندي، أحد كبار مسؤولي الطرائد في المتنزهات الوطنية في تنزانيا، الشمبانزي تتسلق شجرة وتبني عشًا - وليس في الوقت الذي تقوم فيه بذلك عادة. وبعد فترة راحة طويلة، غادرت الشجرة ثم توقفت لمضغ نبات الأوراق المرة.
ويقول البروفيسور هوفمان: "قال زملائي إن الشمبانزي لا يمرض. لكن كل العلامات بدأت تبدو منطقية بالنسبة لي. لم تكن قادرة على المشي لفترة طويلة دون التوقف للراحة". كما أنها لم تكن لديها شهية وأنتجت بولًا داكنًا، ما يؤشر على أنها مريضة.
وبحسب صحيفة "ديلي ميل"، كان واضحًا أن الشمبانزي أصيبت بعدوى طفيلية في المعدة، ثم استخدمت نباتًا معينًا كعلاج، وتعافى في غضون 20 ساعة.
لكن البروفيسور هوفمان كان بحاجة إلى أدلة لإقناع زملائه بأنها كانت تستخدم النبات كدواء حقًا.
يعود ذلك إلى عام 1987، حين كان يُنظر إلى فكرة قيام الحيوانات بالتطبيب الذاتي عن عمد بشيء من الشك.
يستخدم بعض العلماء كلمة "zoopharmacognosy" وكانت ملاحظات البروفيسور هوفمان تقدمًا رئيسيًا مبكرًا في هذا المجال.
وعند عودته إلى اليابان، سلم البروفيسور كيسًا من أوراق نبات فيرنونيا أميغدالينا المجففة إلى خبراء جامعة كيوتو في كيمياء النبات.
الفيرنودالين لعلاج السرطان
وكشف استخلاص المواد الكيميائية من الأوراق عن عدد من لاكتونات السيسكويتيربين. وتعرف هذه فئة من المواد الكيميائية بسميتها وقيمتها الطبية ضد الديدان الطفيلية والأميبات والبكتيريا، كما أفاد خبراء كيوتو في مجلة العلوم الحيوية والتكنولوجيا الحيوية والكيمياء الحيوية في عام 1993.
ومنذ ذلك الحين، وجدت مختبرات في الولايات المتحدة وماليزيا أن الفيرنودالين، المستخرج من النبات المر الذي استخدمته أنثى الشمبانزي، له أيضًا تأثيرات مضادة للأورام قد تجعله دواءً قويًا مضادًا للسرطان. ومنح براءة اختراع لتطبيقه لعلاج سرطان الثدي في عام 2004، على الرغم من أنه لم يتم تطوير دواء سريري بعد.
وفي العام الماضي، اقترح فريق دولي من العلماء، الذين نُشرت أبحاثهم في مجلة "بلوس وان" أن الشمبانزي يمكن أن يساعد في البحث عن أدوية جديدة.

وقاموا باختبار 17 عينة من 13 نوعًا نباتيًا مختلفًا يستخدمها الشمبانزي المصاب أو المريض في البرية، ووجدوا أن ما يقرب من 90% من المستخلصات تمنع نمو البكتيريا، فيما يملك الثلث خصائص مضادة للالتهابات.
ومنذ فترة طويلة نُظر إلى الحيوانات كمصدر لاكتساب الحكمة الطبية.
وبحيسب "ديلي ميل"، فوفقًا للأسطورة، في ما يعرف الآن بإثيوبيا في عام 850 بعد الميلاد، لاحظ أحد الرعاة أن ماعزه أصبحت أكثر نشاطًا بعد تناول حبوب القهوة.
وأدى ذلك إلى قيام رئيس دير قريب بتحميص التوت وتحويله إلى مشروب يعتمد عليه الكثير منا الآن بسعادة لقضاء يومه.
فوائد غير متوقعة لقرن العنزة
وتقول الأسطورة أن راعي ماعز صيني لاحظ أن الماعز تأكل عشبة قرن العنزة. وقد أظهرت الدراسات المخبرية أنه عندما تتغذى الفئران على الإيكارين، وهي مادة كيميائية فلافونويدية مستخرجة من هذه العشبة، فإنها تنتج المزيد من الحيوانات المنوية.
وحتى الفئران التي تم إخصاؤها، تمكنت من الحصول على انتصاب مناسب عند إعطائها الإيكارين، وفقًا للدراسات المعملية التي أجراها علماء في مستشفى جامعة بكين الأول، وجامعة تشونغتشينغ الطبية، وكلاهما في الصين.
جرى تسجيل العشبة لأول مرة كعلاج للعجز الجنسي في الصين منذ 400 عام. كما سبقت الحيوانات الإنسان في اكتشاف بعض أهم المخدرات في العالم.
الدببة أوجدت مسكنات الألم
ومنذ آلاف السنين، كانت الدببة في جميع أنحاء العالم تستخدم مسكنًا شائعًا للألم عند الاستيقاظ متألمًا بعد أشهر طويلة من السبات.
ففي الربيع، عندما تغادر الدببة أوكارها، تبدأ في تناول لحاء الصفصاف وبراعم الصفصافالتي تحتوي على حمض الساليسيليك، المركب الكيميائي الذي يشكل أساس الأسبرين.

فبالإضافة إلى تقليل الألم الناجم عن الاستلقاء لفترة طويلة، يمكن لحمض الساليسيليك أن يساعد في التخلص من حمض البوليك الزائد المؤلم والمتراكم في الدم والأنسجة.
ولم تكتشف الحضارة الحديثة حمض الساليسيليك إلا عندما ذكر إدوارد ستون، وهو قس إنجليزي، في عام 1763 أن لحاء الصفصاف يمكن أن يكون عاملاً فعالاً مضاداً للحمى. وفي نهاية المطاف أطلقت شركة الأدوية الألمانية "باير" الدواء العجيب الأسبرين في عام 1899.
القطط تجد علاج لدغات الحشرات
وفي جامعة إيواتي في اليابان، بدأ ماساو ميازاكي، أستاذ البيولوجيا الكيميائية، في التحقيق في سبب إثارة أوراق الكرمة الفضية للقطط كثيرًا.
وفي عام 2018، قام البروفيسور ميازاكي والطالبة ريكو أوينوياما بدراسة الأنظمة الأفيونية للقطط، والتي تنظم مشاعر المكافأة والنشوة في الثدييات.
وأظهرت النتائج أنه عندما تتعرض القطط للنيبيتالاكتول، فإن تدحرجها وفركها - بالإضافة إلى مستويات المواد الكيميائية في الدماغ التي تشعرها بالسعادة - ترتفع بشكل ملحوظ.
وأقنع البروفيسور ميازاكي المتعاونين في حديقة الحيوان المحلية بإجراء اختبارات مماثلة على نمر، واثنين من النمور، واثنين من الوشق.
كل هذه القطط الكبيرة قامت بفرك وجوهها بسعادة على عينات من النيبيتالاكتول وتدحرجت فيها.
وافترض البروفيسور ميازاكي أن القطط تقوم بفرك المادة الكيميائية على جلدها كوسيلة لحماية نفسها من لدغات الحشرات.
ويمكن للبعوض، على وجه الخصوص، أن ينقل مسببات الأمراض الخطيرة، وبالتالي كان التهديد الأكثر احتمالًا لبقاء القطط على قيد الحياة.
ومضى البروفيسور ميازاكي ليجد أن القطط التي قامت بفرك النيبيتالاكتول على فرائها عانت فقط من نصف عدد لدغات البعوض مقارنة بالقطط غير المحمية.
ويسعى الباحثون لإيجاد شركة أدوية يمكنها تحويل المواد الكيميائية التي اكتشفتها القطط إلى طارد فعال للبعوض بالنسبة للبشر.