مطالبات بحماية حقوقهم.. الذكاء الاصطناعي يهدد مستقبل المؤلفين
تُشكّل الضمانات التي يطالب بها مؤلفو الأعمال الفنية والثقافية لحماية حقوقهم، أحد المواضيع المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، عشية القمة العالمية في شأنه التي تستضيفها باريس الإثنين والثلاثاء، إذ يثير تطور هذه التكنولوجيا قلق الممثلين والموسيقيين والكتّاب وسواهم من تراجع دورهم أو من استخدام إبداعاتهم.
وتُستبَق القمة السبت والأحد بـ"نهاية أسبوع ثقافية" في فرنسا، التي كانت أول بلد يضع قانونًا لحقوق المؤلف كان وراءه الكاتب المسرحي بومارشيه.
ومع أنه من غير المتوقع أن تكون الثقافة على جدول أعمال المناقشات بين رؤساء الدول والحكومات، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال إنه مهتم بهذا الموضوع.
وقال ماكرون لصحافيين من وسائل الإعلام المناطقية الفرنسية في مقابلة نُشِرت الجمعة: "أَسمَع هذا الخوف، وأريد أن أقول في هذا الصدد إن فرنسا ستبقى صاحبة صوت واضح، أي الصوت الذي يحمي خصوصية العبقرية والموهبة والاعتراف بالحقوق وبهذه الملكية".
مؤلفون يطالبون بضمانات لحماية حقوقهم من الذكاء الاصطناعي
ودعت 38 "منظمة دولية تمثل مجمل القطاعات الإبداعية والثقافية" في بيان أصدرته الجمعة، إلى "أفعال لا مجرّد أقوال".
وشدّدت اتحادات تمثّل الموسيقيين والمخرجين السينمائيين والفنانين التشكيليين والمترجمين والمؤلفين والصحافيين وسواهم، على أنه "لا وجود لذكاء اصطناعي يحترم الأخلاقيات من دون التراخيص التي يعطيها أصحاب الحقوق".
وفي مقال نشرته صحيفة "لو باريزيان" على الإنترنت، حذر 34 ألف فنان فرنسي من مختلف القطاعات (الموسيقى والسينما والمسرح والأدب والفنون البصرية وغيرها)، من بينهم المغني جان جاك غولدمان، من النهب المنهجي لأعمالهم، ودعوا إلى تفكير واضح من أجل إيجاد "حلول عادلة ودائمة".
وأدى إضرابان طالبا بضمانات في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تعطيل هوليود، ثم قطاع ألعاب الفيديو في الولايات المتحدة منذ عام 2023، بدعوة من نقابة الممثلين الأميركيين "ساغ-أفترا".
وغالبًا ما يكون ممثلو الدبلجة أكثر الغاضبين، إذ يشعرون بأن حقوقهم المتعلقة بالملكية الفكرية تُنتهَك كل يوم عندما يسمعون أصواتهم تُنسخ أو تُقَلَّد، من دون موافقتهم أو من دون مقابل مالي، نتيجة التقدم التكنولوجي.
واعتبر هؤلاء الذين أطلقوا في فرنسا حملة بعنوان #TouchePasMaVF أن مطالبهم تُقابل بالتجاهل.
وقالت إحدى النجمات الفرنسيات في هذا المجال، وهي بريجيت لوكوردييه، لوسائل الإعلام في نهاية يناير/ كانون الثاني الفائت: "لم تستقبلنا الوزارة حتى الآن. نحن خمسة آلاف ممثل نحاول، بطريقة أو بأخرى.. ولا شيء ينجح. أعتقد أن الأمر لا يهمهم".
مستفيدون ومتضررون
أما الكتّاب، وهم أقل اتحادًا، فيدركون أيضًا أن أعمالهم تُستغل من دون مقابل مالي، بطريقة يصعب اكتشافها.
وعلى عكس ممثلي الدبلجة، الذين لا يفيدون من شيء من أدوات الذكاء الاصطناعي، يطرح بعض الكتّاب الأسئلة على "تشات جي بي تي" أو "جيميناي" أو "ديب سيك" أو "لو تشات".
وقال أحدهم مشترطًا عدم ذكر اسمه: "إن هذه الأدوات تساعدني على إنجاز عملي التوثيقي بصورة أسرع".
لكنهم يُجمعون تقريبًا على رفض استخدام كتبهم لتوفير إجابات لمؤلفين آخرين، وعلى تأييد حلّ يتمثل في أن يكون لهم الحق في الاعتراض على هذا الاستخدام أو ما يُعرف بـ"أوبت- آوت".
وفي فرنسا، طلبت جمعية الأدباء التي تمثّل المؤلفين، من "الجهات المعنية بالذكاء الاصطناعي" الخميس احترام "قائمة الأعمال التي لا يحق لهم استخدامها"، أي تلك الخاصة بأعضائها، والتشاور معها عند الحاجة.
وأثارت جمعية أخرى هي SACD المعنية خصوصًا بالمسرح والسينما ضجة بتوقيعها اتفاقًا مع شركة "جيناريو" الفرنسية الناشئة التي توفر المساعدة في كتابة السيناريوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي. وينص الاتفاق على أن يحصل المؤلفون على بدلات مالية مقابل استخدام أعمالهم، لكن كتّاب سيناريو رأوا في ذلك "نهبًا".
وفي مجال الموسيقى، تتوافر إغراءات قوية في ضوء الإمكانات الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، وتمتد مثلًا من ألبوم مزيّف لفرقة "أويسيس" إلى أغنية لفرقة البيتلز أعيد صوغها باستخدام هذه التكنولوجيا بعد أكثر من 40 عامًا من وفاة جون لينون. وفازت الأغنية التي تحمل عنوان "ناو أند ذن" Now and Then بجائزة غرامي الأحد.
وثمة مثال آخر على ذلك مع الملحّنة الفرنسية دولورينتيس، التي استغلت دائمًا إمكانات تكنولوجيا المعلومات، وستعتلي خشبة المسرح في اختتام "نهاية الأسبوع الثقافية".
وقالت لوكالة فرانس برس: "عندما تكون ملحّنة مثلي وحدها في الاستوديو، وترغب في الحصول على أصوات ذكورية، من الرائع أن يكون لديها أداة تفعل ذلك من أجلها".
ولكن في ما يتعلق بمسألة الأخلاقيات، أجابت: "أجده مؤسفًا أن الفنانين ليسوا من يتحدث عن هذا الأمر في الواقع".