رغم الذهول الذي خلفته تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم أمس الثلاثاء، في رغبة الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، لكنه في الواقع متسق مع الطموحات التوسعية لإدارته الجديدة.
ومنذ عودة ترمب للبيت الأبيض قبل ما يزيد قليلًا عن أسبوعين، بدا أن نهجه الذي يحمل شعار "أميركا أولًا" تطور، ليصبح "أميركا أكبر" مع تركيز الرئيس على السيطرة على أراض جديدة، حتى بعد أن تعهد خلال حملته الانتخابية بإبقاء البلاد بعيدًا عن التشابكات الخارجية و"الحروب التي لا تنتهي".
العالم "فرصة استثمارية"
وطرح ترمب احتمال سيطرة واشنطن على قطاع غزة في مؤتمر صحفي، في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقال إنه يتصور بناء منتجع تعيش فيه مختلف الجنسيات في وئام.
وتسبب الاقتراح الذي طرحه ترمب بكل بساطة في موجات صدمة دبلوماسية في أنحاء الشرق الأوسط والعالم، لكنه من سمات نهج ولايته الرئاسية الثانية، وهو التعامل مع علاقات بلاده بدول حليفة مثل كندا والمكسيك على أساس المصالح التجارية، واعتبار العالم مجرد فرصة استثمارية كبرى.
وأكد ترمب على وجهة النظر هذه من خلال اقتراحه يوم الإثنين بإطلاق صندوق الثروة السيادية الأميركي، كما تحدث عن إمكانية استعادة بلاده لقناة بنما واقترح شراء غرينلاند من الدنمارك، وكرر مرارًا فكرة أن كندا يجب أن تكون الولاية الأميركية الحادية والخمسين.
ويظهر استطلاع أجرته وكالة "رويترز/ إبسوس" أن تلك الأفكار لا تحظى بتأييد شعبي يذكر حتى في أوساط الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترمب، الذي هدد في الوقت نفسه، كندا وأيضًا المكسيك بعقوبات اقتصادية، إذا لم تذعنا لمطالبه المتعلقة بأمن الحدود.
كما طرح ترمب فكرة نقل سكان قطاع غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، مشيرًا إلى أنه يرى أن القطاع لم يعد قابلًا للعيش فيه بعد العدوان الإسرائيلي الذي استمر أكثر من 15 شهرًا.
مطور عقاري
ويندد مدافعون عن حقوق الإنسان بمثل تلك الأفكار باعتبارها تطهيرًا عرقيًا. ومن شأن أي تهجير قسري أن يشكل على الأرجح انتهاكًا للقانون الدولي، وهو ما أكده الأمين العام لحزب المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي في بيان له اليوم، إذ اعتبر أن "دعوة ترمب تمثل دعوة للتطهير العرقي الذي يعتبر جريمة حرب في القانون الدولي، ونكبة جديدة للشعب الفلسطيني".
وتحدث ترمب أمس الثلاثاء في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو بطريقة المطور العقاري، وهي مهنته قبل أن يدخل عالم السياسة، مُقرًا في الوقت ذاته بالمحنة التي مر بها سكان غزة.
وقال ترمب: "سنحول ذلك إلى مكان عالمي مدهش. أظن أن الإمكانيات وقطاع غزة رائعان... وأعتقد أن العالم بأسره.. وممثلين من كل أنحاء العالم سيكونون هناك وسيعيشون هناك. الفلسطينيون أيضًا، سيعيش فلسطينيون هناك. سيعيش كثيرون هناك".
والعام الماضي، وصف جاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره السابق، قطاع غزة بأنه واجهة بحرية عقارية "قيمة". وأشاد نتنياهو بما قاله ترمب ووصفه بأنه "يفكر خارج الصندوق" لكنهما لم يتطرقا لمشروعية الاقتراح.
تعزيز موقف
من جهته، يقول وليام ويشلر، مدير برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية: إن ترمب ربما لا يكون جادًا، لكنه ربما يفعل ما يفعله في كثير من الأحيان، وهو اتخاذ مواقف متطرفة كاستراتيجية للمساومة.
وتابع قائلًا: "الرئيس ترمب يتبع قواعده المعتادة: يغير قواعد اللعبة ليعزز موقفه، ويزيد حظوظه تحسبًا لأي مفاوضات قادمة، في هذه الحالة هي مفاوضات بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية".
ويبدو أن اقتراح ترمب يستبعد فكرة حل الدولتين لصالح نهج جديد إلى حد ما، يتضمن احتمال قيام الولايات المتحدة بدور حاجز الحماية في المنطقة.
واستبعد جون ألترمان، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية والمسؤول حاليًا عن برنامج الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية، أن يغادر سكان غزة القطاع طواعية.
وأضاف: "كثير من سكان غزة من نسل فلسطينيين فروا من مناطق من إسرائيل الحالية، ولم يتمكنوا أبدًا من العودة إلى ديارهم السابقة. وأشك في أن كثيرين منهم على استعداد لمغادرة غزة المدمرة".
وتابع: "من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل نهاية سعيدة لإعادة تطوير ضخمة لغزة المهجورة".
نزعة ترمب التوسعية
وتحدث ترمب كثيرًا حين كان مرشحًا رئاسيًا عن ضرورة إنهاء الحروب الخارجية، وإحكام السيطرة على الحدود. واقترح أن تتولى أوروبا قضية أوكرانيا في حربها مع روسيا بدلًا من الولايات المتحدة.
وركز في أيامه الأولى بالبيت الأبيض إلى حد كبير على ترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، وتقليص حجم الحكومة الاتحادية، وهو ما وعد به خلال حملته الانتخابية.
ولم تظهر النزعة التوسعية في خطاباته، وقد تكون هناك بعض المخاطر السياسية على ترمب وحلفائه الجمهوريين. ووفقًا لاستطلاعات "رويترز/ إبسوس"، لا يؤيد الأميركيون هذا التوجه.
ففي استطلاع للرأي أجرته "رويترز/ إبسوس" في 20 و21 يناير/ كانون الثاني الفائت، بعد تنصيب ترمب، أيد 16% فقط من البالغين الأميركيين فكرة أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على الدنمارك لبيع غرينلاند. وأيد نحو 29% استعادة السيطرة على قناة بنما.
ولم يوافق سوى 21% على فكرة أن من حق الولايات المتحدة توسيع أراضيها في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وقال 9% فقط، منهم 15% من الجمهوريين، إن على واشنطن استخدام القوة العسكرية للسيطرة على أراض جديدة.