السبت 14 حزيران / يونيو 2025
Close

معاهدة مياه السند المعلقة.. هل تشعل "الحرب" بين الهند وباكستان؟

معاهدة مياه السند المعلقة.. هل تشعل "الحرب" بين الهند وباكستان؟ محدث 19 مايو 2025

شارك القصة

وُقعت معاهدة مياه نهر السند في 19 سبتمبر/ أيلول 1960 بين الهند وباكستان بوساطة البنك الدولي- غيتي
وُقعت معاهدة مياه نهر السند في 19 سبتمبر/ أيلول 1960 بين الهند وباكستان بوساطة البنك الدولي- غيتي
الخط
منذ تعليق الهند لمعاهدة مياه السند في أعقاب التصعيد العسكري في كشمير، تصاعدت مخاوف باكستان بشأن تقليل حصتها من المياه. 

يُعَدّ نهر السند شريان حياة باكستان ورافدًا حيويًا للهند، ويعتمد البلدان عليه وعلى روافده في الزراعة والصناعة وللحياة اليومية لملايين البشر. ويكتسب هذا النهر أهمية مضاعفة في ظل التوتر والصراع المستمر بين البلدين. 

ففي 22 أبريل/ نيسان الماضي وقع هجوم في القسم الخاضع للهند من إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، وحمّلت نيودلهي المسؤولية لإسلام أباد عنه. 

وبعد يوم واحد على الهجوم، اتخذت الهند سلسلة إجراءات انتقامية دبلوماسية ضدّ إسلام أباد، شملت تعليق العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند، وإغلاق المعبر الحدودي البري الرئيسي بين الجارتين، وخفض أعداد الدبلوماسيين، بينما أعلنت إسلام أباد طرد دبلوماسيين وتعليق التأشيرات للهنود، وإغلاق الحدود والمجال الجوي مع الهند ووقف التجارة معها، محذرةً من أنها ستعتبر أي محاولة من جانب الهند لوقف إمدادات المياه من نهر السند "عملًا حربيًا".

نهر السند شريان حيوي

ينبع نهر السند من منطقة التبت ذاتية الحكم في جنوب غرب الصين، ويتدفق عبر منطقة كشمير المتنازع عليها، ثم إلى خيبر بختونخوا ليصب في بحر العرب. 

وبحسب موسوعة "بريتانيكا"، يُعد نهر الهند أطول نظام ري مستمر في العالم، إذ يمتد لمسافة 2880 كيلومترًا قبل أن يصب في بحر العرب. ويضم النهر روافد عديدة، بعضها ينبع من الهند شرقًا، والبعض الآخر من خيبر بختونخوا وبلوشستان غربًا.

وفي المنطقة الشرقية، تساهم أنهار سوتليج وبياس ورافي بتدفق قدره 5.44 مليار متر مكعب، بينما في الغرب، تحمل أنهار إندوس وجيلوم وتشيناب مجتمعة تدفقًا قدره 176.61 مليار متر مكعب.

ويمثل نهر السند محور اتفاقية مياه السند الموقعة في 19 سبتمبر/ أيلول 1960، والتي تهدف إلى تنظيم توزيع مياه حوض السند بين الهند وباكستان. وحدّدت المعاهدة حقوق والتزامات كلا البلدين فيما يتعلق باستخدام مياه نهر السند. ومنحت باكستان السيطرة على مياه الأنهار الغربية- السند وجيلوم وتشيناب، فيما منحت الهند السيطرة على مياه الأنهار الشرقية - رافي وبياس وسوتليج.

مفاوضات تقاسم المياه

وقد استُخدم نظام نهر السند للري منذ القدم، وقد بدأت أعمال هندسة الري الحديثة حوالي عام 1850. وخلال فترة الحكم البريطاني في الهند، شُيّدت شبكات قنوات كبيرة، وأُعيد إحياء وتحديث شبكات القنوات القديمة وقنوات الفيضانات. 

وفي عام 1947، قُسمت الهند البريطانية، مما أدى إلى نشوء دولتي الهند وباكستان الغربية المستقلتين (التي سُميت لاحقًا باكستان). وهكذا انقسم نظام المياه، حيث تقع المحطات الرئيسية في الهند، وتمر القنوات عبر باكستان.

منحت المعاهدة باكستان السيطرة على مياه الأنهار الغربية وعددها ثلاثة- غيتي
منحت المعاهدة باكستان السيطرة على مياه الأنهار الغربية وعددها ثلاثة- غيتي

بعد انتهاء اتفاقية تجميد المياه قصيرة الأجل لعام 1947 في الأول من أبريل/ نيسان 1948، بدأت الهند بحجب المياه عن القنوات المتدفقة إلى باكستان. 

وبمثابة إجراء مؤقت، ألزمت اتفاقية بين الدولتين، أُبرمت في 4 مايو/ أيار 1948 الهند بتوفير المياه للأجزاء الباكستانية من الحوض مقابل دفعات سنوية، على أن تُجرى محادثات أخرى أملًا بالتوصل لحل دائم.

لكن تعنت الطرفين وعدم استعداد أي منهما للتنازل، أوصل المفاوضات إلى طريق مسدود. وفي عام 1951، زار ديفيد ليلينتال، الرئيس السابق لهيئة وادي تينيسي وهيئة الطاقة الذرية الأميركية، المنطقة بغرض البحث في مقالات كان سيكتبها لمجلة كولير. واقترح أن تعمل الهند وباكستان على التوصل إلى اتفاق لتطوير وإدارة نظام نهر السند بشكل مشترك، بمشورة وتمويل من البنك الدولي. وقد وافق يوجين بلاك، رئيس البنك الدولي على ذلك. 

معاهدة مياه السند

وشكّلت كل دولة مجموعة عمل تضم مهندسين محليين ومهندسين من البنك الدولي لتقديم المشورة. لكن الاعتبارات السياسية حالت دون التوصل حتى إلى اتفاق. وفي عام 1954، قدّم البنك الدولي اقتراحًا لحل هذا المأزق. وبعد ست سنوات من المحادثات، وقّع رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس الباكستاني محمد أيوب خان معاهدة مياه نهر السند في سبتمبر/ أيلول 1960.

وبالإضافة إلى منح مياه الأنهار الغربية لباكستان، ومياه الأنهار الشرقية للهند، نصت الاتفاقية على تمويل وبناء السدود، وقنوات الربط، والسدود، والآبار الأنبوبية - ولا سيما سد تاربيلا على نهر السند وسد مانجلا على نهر جيهلوم وذلك بتمويل من الدول الأعضاء في البنك الدولي.

كما اشترطت المعاهدة إنشاء لجنة دائمة لنهر السند، بمفوض من كل دولة، للحفاظ على قناة للتواصل ومحاولة حل المسائل المتعلقة بتنفيذ المعاهدة. وتضمنت الاتفاقية آليات لحل النزاعات، بما في ذلك آلية خبراء محايدة لحل المشكلات الفنية وآلية محكمة تحكيم لإصدار أحكام أوسع نطاقًا وملزمة. 

وفي تحدٍ كبير للمعاهدة، أكملت الهند في عام 2017 بناء سد كيشانجانجا في كشمير وواصلت العمل في محطة راتل للطاقة الكهرومائية على نهر تشيناب على الرغم من اعتراضات باكستان ووسط مفاوضات جارية مع البنك الدولي حول ما إذا كانت تصميمات تلك المشاريع تنتهك شروط المعاهدة.

وبعد فشل التيسير الذي قدمه البنك الدولي في التوصل إلى اتفاق بين الحكومتين، عيّن البنك الدولي في عام 2022 خبيرًا محايدًا (بناءً على طلب الهند) ومحكمة تحكيم (بناءً على طلب باكستان) للمساعدة في تسوية النزاع. 

وتصاعد الأمر في عام 2023 عندما استشهدت الهند ببند في المعاهدة لطلب تعديل ثنائي للمعاهدة، وهو ما رفضته باكستان. في عام 2024، ألغت الهند جميع اجتماعات لجنة نهر السند الدائمة، وأصرت على أن يجتمع البلدان ويناقشا تعديل المعاهدة.

وأخيرًا يبدو أن المعاهدة على وشك الانهيار. ففي أعقاب الهجوم على كشمير، اشتبك الخصمان وتبادلا إطلاق النار المكثف لمدة أربعة أيام، وشمل تبادل إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على المنشآت العسكرية. 

سلاح الهند

ورغم نجاح الجهود الدبلوماسية والضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لا تزال معاهدة مياه السند معلقة. لكن هذا القرار الذي تتمسك فيه الهند باطل قانونًا، إذ تنص المادة 12 من المعاهدة صراحة على أن تعديل المعاهدة أو إلغاءها يجب أن يتم بموافقة البلدين.  

تحصل باكستان على نحو 75% من امدادات المياه من حوض نهر السند- غيتي
تحصل باكستان على نحو 75% من امدادات المياه من حوض نهر السند- غيتي

ولعقود، أُشيد بالمعاهدة باعتبارها نموذجًا لحلّ النزاعات الدولية على المياه. لكن في العقد الماضي، هددت الهند باستخدام المعاهدة كسلاح خلال صراعاتها مع باكستان.

فبعد أن هاجم باكستانيون قاعدة للجيش الهندي في مدينة أوري الكشميرية عام 2016، صرّح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لمسؤولي معاهدة مياه نهر السند بأن "الدم والماء لا يجتمعان".

وفي عام 2019، هدد مسؤولون حكوميون هنود بتحويل مجرى الأنهار الشرقية بعيدًا عن باكستان بعد تفجير انتحاري أودى بحياة العشرات من قوات الأمن الهندية في كشمير.

تغيّر المناخ يعزز أزمة المياه في باكستان

وبحسب صحيفة "التايم"، فقد أثقل تغير المناخ كاهل موارد المياه في باكستان، إذ تواجه البلاد ارتفاعًا في درجات الحرارة، وموجات جفاف، وذوبانًا للأنهار الجليدية، وفيضانات عارمة تؤثر على توقيت تدفق المياه.

كما تحصل باكستان على نحو 75% من امدادات المياه من حوض نهر السند. والآن، قد تؤدي تحركات الهند إلى إحداث أزمة المياه، وتطرح تحديات طويلة الأمد للقطاع الزراعي الباكستاني.

وفقًا لبيانات هيئة تنمية المياه والطاقة الباكستانية (WAPDA)، تُنتج الأنهار المنبعة من الأنهار الجليدية في سلاسل جبال الهيمالايا الكبرى، وهندوكوش، وكاراكورام، ما يُقارب 191.19 مليار متر مكعب من المياه سنويًا. يُحوّل منها حوالي 129.52 مليار متر مكعب للري، ويُسحب حوالي 59.23 مليار متر مكعب من المياه الجوفية. 

وبحسب دراسة نُشرت في مجلة مجلس المياه العالمي، لا تحتفظ باكستان إلا بـ 10% من تدفقات أنهارها، مقارنةً بمتوسط عالمي يبلغ 40%. وبالتالي، تبلغ سعة تخزين المياه للفرد في باكستان 150 مترًا مكعبًا فقط، وهي سعة أقل بكثير مقارنةً بالولايات المتحدة وأستراليا اللتين تتجاوز سعتهما التخزينية 5000 متر مكعب، والصين التي تبلغ 2200 متر مكعب.

في المقابل، ووفق بيانات رسمية، تتمتع الهند، وخاصةً الولايات الواقعة ضمن حوض نهر السند مثل جامو وهيماشال براديش والبنجاب وهاريانا وراجستان بسعة تخزين كبيرة تبلغ حوالي 26 مليار متر مكعب. تُترجم هذه السعة التخزينية الكبيرة إلى توافر مياه للفرد يبلغ 184 مترًا مكعبًا، متجاوزةً بذلك باكستان. 

وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2035، قد تواجه باكستان عجزًا مائيًا حادًا، وهو مأزق يخشى العديد من الخبراء أن يتحقق قبل ذلك. وبحسب الدراسة، من المتوقع أن يبلغ استهلاك المياه في باكستان حوالي 338 مليار متر مكعب في عام 2025، مما يعني عجزًا كبيرًا قدره 100 مليار متر مكعب.

خطوات الهند تثير قلق جارتها

فمنذ تعليق الهند لمعاهدة مياه السند، تصاعدت المخاوف الباكستانية بشأن تقليل حصتها من المياه، خاصة مع إعلان نيودلهي عن عزمها استغلال مياه الأنهار الغربية بشكل أكبر لمشاريعها الخاصة.

وتثير هذه الخطوات، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية المائية التي تقوم بها الهند على الأنهار التي تتدفق إلى باكستان، قلق باكستان من أن يتم استخدام المياه كسلاح استراتيجي. ويعني هذا التوجه تفاقم النقص الحاد في المياه الذي تعاني منه باكستان بالفعل، مما يهدد قطاعها الزراعي الحيوي، وأمنها الغذائي، واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي.

لكن صحيفة "التايم" تشير إلى أن قطع الهند لإمدادات المياه عن باكستان كليًا مهمة مستحيلة، إذ لا تمتلك الهند البنية التحتية الكافية لتخزين فائض المياه الذي ستمنع وصوله إلى باكستان. لكن الخبراء يرون أن الهند قد تحدث تعديلات تقنية صغيرة من شأنها أن تؤثر على كمية المياه المتدفقة إلى باكستان.

تابع القراءة

المصادر

موقع التلفزيون العربي