في سياق تداعيات الحرب الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين وحلفائها، تخوض اليابان لمدة 3 أيام جولة مفاوضات شاقّة في واشنطن لثني الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية قاسية عليها، وسط تهديدات برسوم تصل إلى 25% على السيارات والصلب والألومنيوم.
وبشكل مؤقت، علّق ترمب بعض الرسوم لمدة 90 يومًا، فيما اعتبر رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا الأزمة "وطنية". وتسعى طوكيو لبناء "ثقة" تُبقيها خارج معركة جمركية تُهدّد بتقويض أمنها الاقتصادي والعسكري.
وفي تصعيد لافت لميدان المواجهة الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة على الصين، أقالت بكين مفاوضها التجاري المخضرم وانغ شوين وعيّنت المبعوث السابق إلى منظمة التجارة العالمية لي تشنغ قانغ خلفًا له، في خطوة وُصفت بـ"المفاجئة"، وسط توتر متصاعد.
ويأتي التغيير بالتزامن مع جولة للرئيس شي جينبينغ في جنوب شرق آسيا لتوسيع الحلفاء الاقتصاديين، وسط تمسّك صيني برفع الرسوم على السلع الأميركية، ورفض التفاوض من دون "احترام متبادل ومساواة".
وأمام هذا المشهد العالمي الذي يشي باستقطاب حاد، خفّضت منظمة التجارة العالمية توقّعاتها لتجارة السلع العالمية للعام الجاري، إلى انكماش بنسبة 0.2%، مقارنة بتوقّعات سابقة بنمو يصل إلى 2.8%، محذّرة من أنّ الرسوم الجمركية الأميركية المُتبادلة وعدم اليقين السياسي سيقودان إلى تراجع أعمق بنسبة 1.5%.
وأكدت المنظمة أنّ أميركا الشمالية ستكون الأكثر تضرّرًا، بينما تُواجه آسيا وأوروبا نموًا هشًّا. وفي مؤشر على تحوّلات كبرى، حذّرت المنظمة من أنّ تفكّك التجارة الصينية-الأميركية سيدفع الصين إلى اجتياح أسواق ثالثة.
ما أسباب النسق الأحادي الذي تنتهجه الولايات المتحدة؟ وما هي تداعيات التحوّلات الصينية وديناميات الرد عليها؟ وهل تستطيع أوروبا واليابان الحفاظ على التوازن في ظل استقطاب عالمي جديد؟
واشنطن لا تستطيع منافسة بكين
أوضح الخبير في الاقتصاد الدولي نهاد إسماعيل، أنّ واشنطن تسعى لتضييق الفجوة في الميزان التجاري مع الصين، لذلك استفردت بها لمعاقبتها عبر فرض رسوم جمركية تبلغ 145%، وعدم منحها مهلة 90 يومًا على غرار بقية الدول.
وقال إسماعيل في حديث إلى التلفزيون العربي من لندن، إنّ الإدارة الأميركية تريد تشديد الخناق على الصين لتحصل على أكبر قدر من التنازلات وإجبار بكين على تلبية مطالب ترمب المتطرّفة.
وأشار إلى أنّ الصين لديها استعداد للتفاوض مع الولايات المتحدّة لكن بشرط وجود بعض الاحترام في التعامل والتوقّف عن البلطجة والتنمّر، وتخفيف اللغة العدائية ضدّها.
وأكد أنّ المشكلة الأساسية تكمن في عجز الميزان التجاري الأميركي لصالح الصين بنحو 1.2 تريليون دولار، وبالتالي، لا تستطيع واشنطن منافسة بكين في الأسواق العالمية بالنسبة للمئات من السلع.
وذكر أنّ اليابان قدّمت تنازلات للولايات المتحدة على غرار بناء خط أنابيب غاز في ألاسكا، وشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال، والمزيد من السلع.
الصين لن تُذعن لمطالب ترمب
من ناحيته، أكد الدكتور جون غونغ أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة الاقتصاد الدولي الصينية، أنّ الجميع خاسر في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
وقال غونغ في حديث إلى التلفزيون العربي من بكين، إنّ الصين لم تُذعن لمطالب ترمب، مشيرًا إلى أنّ تغيير المفاوض الصيني هو أمر عادي ولا يرتبط بمسار المفاوضات مع الولايات المتحدة.
ورأى أنّ المفاوضات التي قد تُعقد ستكون على مستوى رفيع جدًا.
لا يقين بشأن نجاح خطة ترمب الاقتصادية
بدوره، تحدّث البروفسور إيريك لوب مدير برنامج الدراسات العليا في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة فلوريدا، عن صعوبة فهم ما يُريده ترمب بالضبط، لأنّ مطالبه ورغباته تتغيّر على نحو يومي أو أسبوعي.
وقال لوب في حديث إلى التلفزيون العربي من فلوريدا، إنّ جزءًا من الدافع لسياسة ترمب هذه يرتبط بالحفاظ على هيمنة الدولار في المنظومة المالية العالمية، وفرض الهيمنة على الصين.
وفي مجال التجارة، اعتبر أنّ فرض ترمب رسومًا على بلدان مختلفة بما في ذلك حلفاء واشنطن، سيدفعها إلى تنويع تجارتها وإيلاء الصين اهتمامها الأول.
وأشار إلى أنّ من الصعب التكهّن بما إذا كان لدى ترمب خطة اقتصادية واضحة وحتى بنجاح هذه الخطة، وهو ما يُزعزع استقرار الأسواق العالمية.