صباح اليوم الخميس، دوّت في أرجاء بكين مئة طلقة مدفعية احتفالًا بمرور مئة عام على تأسيس الحزب الشيوعي الحاكم. وفي أكاديمية القيادة في جينغقانغشان، في محافظة جيانغشى، يخضع 36 عضوًا من أعضاء الحزب الشيوعي لتدريب عالي المستوى أملًا في تبوُّء مناصب قيادية في الحزب.
ومع احتفال الحزب بالذكرى المئوية لتأسيسه عام 1921، تلعب مراكز التدريب مثل مركز "جينغقانغشان" دورًا رئيسيًا في الجهود التي تبذلها حكومة الرئيس شي جين بينغ لبسط سيطرتها على مجتمع متغيّر.
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرًا حول مراكز التدريب التي يعتمد عليها الحزب في "صناعة" قادة المستقبل في الصين.
معًا سنهزم العدو
في مركز التدريب، وقف شبان وشابات وظهورهم مستقيمة، مشرئبي القامة، بربطات عنق حمراء يردّدون قصيدة الزعيم ماو تسي تونغ: "نبقى مستقيمين حتى ونحن محاطون بقوات عدو لا حصر لها! معًا، سنهزم العدو".
تمّ اختيار هؤلاء الأشخاص الطامحين، لتبوء مناصب قيادية في الحزب، من العاملين في الشركات والمكاتب الحكومية من أصل 95 مليونًا، لتعلّم المبادئ الثورية للحزب.
تشو شياو جينغ، الذي يعمل في مركز تدريب سياسي للبنك المركزي الصيني في وسط مدينة تشنغتشو، يصف الدورة بأنها "صدمة روحية ونوع من المعمودية".
ويقول تشو (49 عامًا) وهو عضو في الحزب منذ عام 2009: "عندما جئت إلى هنا شعرت أن إيماني باعتباري عضوًا في الحزب الشيوعي أصبح أكثر ثباتًا. إن تعليمهم لروح الحزب ونظرياتهم وقدراتهم يغذيني".
يقول المتدرّبون إنهم يريدون خدمة الجمهور، لكن الأشخاص الذين يتمّ اختيارهم للمناصب الحزبية الأعلى يتلقّون أيضًا مزايا، بما في ذلك المزيد من النفوذ والترقيات الأسرع في الشركات الحكومية والجامعات والوزارات الحكومية.
ويشرح ويلي لام، المتخصّص في السياسة بالجامعة الصينية في هونغ كونغ، أن مدارس الحزب تهدف إلى "ترقية المؤمنين"، والتأكّد من أنهم "لا يطرحون أسئلة حول القيادة العليا" وأيديولوجية الحزب.
تدريس تاريخ الحزب مع استثناءات
أطلق شي، الذي تولّى السلطة أمينًا عامًا للحزب الشيوعي عام 2012، حملة في فبراير/ شباط الماضي لرفع وتيرة تدريس تاريخ الحزب.
لكن تدريس التاريخ الرسمي يتخطّى مجاعة 1959-1961 التي تسبّبت فيها سياسات ماو التي قتلت ما يصل إلى 50 مليون شخص، وقتل الملايين في أعمال العنف للثورة الثقافية 1966-1966 التي أطلقها ماو، وقمع عام 1989 ضدّ المؤيدين لاحتجاجات الديمقراطية تحت قيادة الزعيم الأعلى آنذاك دنغ شياو بينغ.
كما يستثني التاريخ صراعات السلطة بين قادة الأحزاب، والشكاوى من تفشّي الفساد وانتهاكات أخرى.
ويقول لام: إن شي يأمل في أن "يتمكّن الحزب من الحفاظ على الأسطورة القائلة بأنه كان دائمًا على صواب وناجح في تعزيز مكانة الصين في العالم".
حرم جينغقانغشان الجامعي
الحرم الجامعي في جينغقانغشان، وهو موقع سابق شهد على تطوير جيش ماو، وواحد من ثلاثة مقرّات لأكاديمية القيادة على مستوى البلاد، التي تُقدّم خدماتها للمهنيين رفيعي المستوى ومسؤولي الحزب.
وقالت صحيفة "تشاينا ديلي" عام 2016: إن الحزب يملك حوالي 2900 مركز تدريب على مستوى البلاد بمستويات مختلفة بين مقاطعة وأخرى.
ويحتوي الحرم الجامعي الذي تبلغ مساحته 44 فدانًا (18 هكتارًا) في جبال مقاطعة جيانغشي، على مهاجع وقاعة احتفالات ومكتبة وكافيتريا.
يقضي المشاركون في دورة "روح جينغقانغشان" التي تمتدّ لأسبوعين ستّ ساعات ونصف يوميًا في الفصل بدءًا من الساعة 8:30 صباحًا، مع أحداث مسائية عرضية.
وفي إطار نشاطات "التدريب" قام الطلاب برحلة ميدانية إلى موقع معركة 30 أغسطس/ آب 1928. ووفقًا لتاريخ الحزب، تخطّى عدد الأعداء أعداد أفراد الحزب الشيوعي، لكنّ الشيوعيين الصينيين صدّوا الهجوم.
سمع ماو عن النصر في طريقه إلى جينغقانغشان، واحتفل بكتابة القصيدة التي تلاها الطلاب.
تدريب النخبة
وتقول المتدرّبة وي يانجو، نائبة رئيس الاتحاد النسائي في مقاطعة شاندونغ الشرقية: "إن روح التضحية والتفاني من أجل الحزب والشعب، رائعة للغاية وعميقة. آمل أن يتمكّن الجميع من فهم الصين ومعرفة مدى تفوقها وعظمتها".
وبينما يصل عدد الدورات التدريبية المؤهلة لعضوية الحزب إلى 32 دورة تدريبية في السنة، تتطلّب بعض المناصب القيادية 56 دورة.
وتشرح شارلوت لي، مؤلفة كتاب "تدريب الحزب: تكيّف الحزب وتدريب النخبة في حقبة الإصلاح في الصين": "يعرف مسؤولو الحزب أن إرسالهم إلى صفوف معينة في مدرسة حزبية، قد يشير إلى مستقبل مشرق لهم في الحزب".
بدوره، يقول لي، الذي يدرس في كلية مدينة بيركلي: "عليهم إظهار الولاء ومهارات معينة في المقابل".
واعترفت ياو يوزين، معلّمة في أكاديمية القيادة، وكان جدها جنديًا في الجيش الأحمر، أنه على الرغم من أنه لا يُمكنك الحصول على ضمانات حول تلقيهم الترقيات، إلا أن الطلاب سيُحقّقون "تقدمًا أكبر" بعد الدورة.
100 عام على الالتزام
وتمّت دعوة المراسلين الأجانب للقيام بجولة في حرم جينغقانغشان، قبل احتفالات الذكرى السنوية للحزب.
وأمام قاعة المحاضرات، عُرضت صور شي حيث قدّم المدرب خطابات الزعيم وسلّط الضوء على أهمية روح الحزب وتاريخه.
ويقول البروفسور تشين شينغوا، رئيس مركز أبحاث تاريخ الحزب في الأكاديمية: "أشار الأمين العام شي جين بينغ بوضوح في خطابه، إلى أن الاحتفال بمرور 100 عام على نشأة حزبنا هي احتفال بالتزامنا لمدة 100 عام بتحقيق المهمة الأصلية"، مضيفًا أن دراسة تاريخ الحزب "واجب على كل عضو وكادر".
ووفقًا لخطة تدريب أعضاء الحزب، تتمثّل "المهمة السياسية الأساسية" في "دراسة وتنفيذ أفكار شي جين بينغ بشأن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد".
أما الخطة المخصصة للأعضاء رفيعي المستوى، فتتطلّب أن تتمحور التعاليم بشكل أساسي حول فكر شي جين بينغ، وأن تُمثّل الروح النظرية والحزبية 70% على الأقل من ساعات الفصل.
ويُركّز منهج حرم جينغقانغشان الجامعي على الأيام الأولى للحزب بين عامي 1927-1935، ومعارك ماو مع الحكومة القومية.
وتتناول المحاضرات النجاحات الحديثة في مكافحة الفقر وفيروس كورونا.
ويقول المرشد ليو تشيو: "تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب، حشدنا البلاد بأكملها وكسبنا الحرب ضد الوباء".
مسيرة تاريخية لا رجعة فيها
وصباح اليوم الخميس، اعتبر الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطاب بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الحاكم، أنّ النهضة التي تشهدها بلاده هي "مسيرة تاريخية لا رجعة فيها".
وشدد على أنّ زمن تعرّض العملاق الآسيوي للتنمّر "ولّى إلى غير رجعة". وقال، أمام حشد غفير في ساحة تيانانمن في قلب العاصمة بكين: "لقد ولّى إلى غير رجعة الزمن الذي كان يُمكن فيه أن يُداس الشعب الصيني وأن يُعاني وأن يُضطهد".
وغاص الرئيس الصيني في خطابه في أعماق التاريخ، مذكّرًا مواطنيه بما شهدته بلادهم من حروب أفيون واستعمار غربي وغزو ياباني، ليشيد من ثم بما حقّقه الحزب الشيوعي الصيني لهم من تحسين في مستويات الحياة واستعادة للفخر الوطني.