من الولايات المتحدة إلى جنوب إفريقيا وقبرص والبرازيل وغيرها، يُبدي العديد من أبناء الشتات اللبناني، خشيتهم على وطنهم وأحبائهم مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، ويحاولون إيجاد طرق للمساعدة.
وتتصارع أجيال من اللبنانيين بين المغادرة بحثًا عن فرص أفضل، أو الهروب من الاضطرابات، أو البقاء في لبنان الذي لا يزال يحتفظ بجاذبيته على الرغم من ندوبه العديدة.
وتُراقب جومانة صديقي من كاليفورنيا أعمال العنف والتصعيد الأخير في العملية البرية الإسرائيلية في بلدها لبنان، الذي زارته قبل عام، حيث دُفن والدها.
تُفكر صديقي في الأشخاص الذين التقت بهم خلال زيارتها، واللطف والكرم الذي اختبرته هناك. وتفكّر ما إذا كانت ستزور قبر والدها مرة أخرى.
وبصوت حزين قالت لوكالة "أسوشييتد برس": "الأمر مؤلم، إنّها قصة الشتات اللبناني حيث يغادر اللبنانيون وطنهم ولا يعرفون متى يُمكنهم العودة".
وأضافت: "التعامل مع كل هذا أمر صعب، أتردّد في فتح الهاتف لأنني خائفة مما سأراه، ولكنني مضطرة إلى ذلك نوعًا ما".
التاريخ يُعيد نفسه
بالنسبة للينا خياط التي انتقلت إلى جنوب إفريقيا منذ نحو 36 عامًا، ولكن لا يزال لديها عائلة كبيرة في لبنان، فإن العنف والتوترات هناك يعيدان أصداء الفصول المضطربة السابقة.
وقالت لوكالة أسوشييتد برس": "عشنا حربًا أهلية لفترة طويلة، ويبدو الأمر وكأن التاريخ يُعيد نفسه، ولا نعرف من سيُقتل بعد ذلك".
تتواصل خياط يوميًا مع عائلتها، بما في ذلك والدتها وشقيقتها، قائلة: "إنّهم خائفون للغاية وقلقون للغاية بشأن ما سيحدث لاحقًا".
ويأتي التصعيد العسكري الحالي وسط مخاوف من احتمال توسّع القتال في الشرق الأوسط، وبالتزامن مع مرور عام على الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقال جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن العاصمة، وهو من أصل لبناني، لوكالة أسوشييتد برس": "إن ما يحدث في غزة ولبنان لا يمكن تحمله؛ إن مجرد محاولة فهم مدى الصدمة يجعلك مريضًا جسديًا تقريبًا".
ولبنان بالفعل على حافة الهاوية ويُكافح تحت وطأة الانهيار الاقتصادي، وتداعيات الانفجار الهائل في المرفأ عام 2020 وأزمات أخرى.
وفي ظل هذه الخلفية القاتمة، يتساءل زغبي عما سيحدث للنازحين. وقال: "من سيعتني بهم؟ من أين سيحصلون على الخدمات الصحية، والبلد مرهق بالفعل وعلى وشك الانهيار؟".
وتساءل: " من سيهتم عندما ينهار البلد؟".
وأبدى زغبي غضبه من ردّ فعل الإدارة الأميركية على الدمار في غزة والآن التصعيد في لبنان، قائلًا: "هناك شعور بالعجز، وشعور باليأس تقريبًا، يمكن أن يخرج لبنان عن نطاق السيطرة. وطالما لم يحدث شيء هنا لكبح جماح إسرائيل، فسيزداد الأمر سوءًا".
"هاجرنا لنعيش"
في مطار ساو باولو الدولي، اجتمع شقيقان من آل زين الدين بعدما فُجعا باستشهاد ثمانية أفراد من عائلتهما: أختهما وصهرهما وأربعة من أبناء إخوتها واثنان من أبناء أبناء إخوتها الذين استشهدوا في إحدى الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان".
وقال حسين زين الدين لوكالة "أسوشييتد برس"، إنّه كان في إجازة مع عائلته في جنوب لبنان عندما تعرّضت المنطقة لقصف إسرائيلي.
انتقل حينها مع عائلته إلى مكان أكثر أمانًا، إلى أن تمكنوا من حجز رحلات العودة إلى البرازيل. وقال: "بعد وصولي إلى البرازيل بعد فترة وجيزة، تم قصف منزل أختي".
من جهتها، غادرت روزالين غوكاسيان غارابيديان وعائلتها إلى قبرص بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، بعد شعورها بخيبة أمل من القيادة السياسية في لبنان.
وقالت لوكالة "أسوشييتد برس": "لست هنا لأجني آلاف اليورو. أنا هنا لأعيش فقط. لكي أكون سعيدة، وآمنة".
مساعدات المغتربين
منذ الشتات الأول، ساهم اللبنانيون المغتربون في الرفاهية الاقتصادية للبنان، حيث أرسلوا كميات كبيرة من التحويلات المالية.
لكنّ مشاهدة التصعيد في لبنان، يجدّد صدمة أكرم خاطر، مدير مركز خير الله لدراسات الانتشار اللبناني في جامعة ولاية كارولينا الشمالية.
وقال خاطر من الأصول اللبنانية لوكالة أسوشييتد برس": "أجد نفسي وسط دوامة من المشاعر التي تنبع من هذا الكابوس المتكرر، ومع ذلك، يجتمع مجتمعنا معًا لخلق التضامن وتوفير العزاء والراحة لبعضنا البعض".
وملأت مئات الأعلام اللبنانية سماء الليل في ديربورن بولاية ميشيغان، حيث شارك البعض في مسيرة لدعم لبنان واحتجاجًا على العدوان الإسرائيلي.
من جهتها، قالت صديقي: "نشعر جميعًا بنوع من الحزن والاكتئاب والعجز والانهيار، لكن يُمكننا أن نجمع التبرعات أو تنظيم تظاهرات مندّدة أو أي شيء من هذا القبيل، ولكن في نهاية اليوم لا يزال الأمر يثقل كاهلك".