في مواجهة هي الأولى بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وكامالا هاريس المرشحة الديمقراطية التي تتبوأ حاليًا مهامها كنائب للرئيس الحالي جو بايدن، تنوعت القضايا المطروحة وأظهرت انقسامًا حادًا حول رؤيتين مختلفتين تمامًا لإدارة البلاد.
وأمس الثلاثاء، انطلقت أول مناظرة في الولايات المتحدة بين كامالا هاريس ومنافسها دونالد ترمب، وسط تباين واضح بينهما في أبرز الملفات المتعلقة بالاقتصاد وأمن الحدود والسياسات العالمية.
كيف بدت المناظرة الأولى بين هاريس وترمب؟
وإن بدأت الجولة بمصافحة بادرت بها هاريس، إلا أن نقاط السجال والجدال لم تقتصر على ملفات الاقتصاد والهجرة والإجهاض وإنما طالت جغرافيا خارج الحدود الأميركية، فحضرت غزة وإيران وروسيا وأوكرانيا وأفغانستان.
فالتباين كان واضحًا في المواقف والأداء، فترمب الذي طالما مارس الهجوم على معارضيه -وفق التعليقات- ركز على إعادة تذكير الجميع بـ"أمجاد الماضي"، عبر الحديث عن إخفاقات الإدارة الديمقراطية في ملفات عدة أبرزها الاقتصاد والهجرة.
في المقابل، ظهرت هاريس كمحامية تحكم قبضتها على النقاش، وتدفع ترمب باستمرار للدفاع عن نفسه، مما جعله يبدو كمتهم مضطرب يجلس في كرسي الشاهد، وفق تعليقات صحف أميركية.
وفي الملفات الخارجية، برزت غزة، فركز ترمب على الدعم غير المشروط لإسرائيل، بينما أكدت هاريس ضرورة الوصول إلى حلول مع الحفاظ على دعم إسرائيل.
وفيما يسعى ترمب إلى تشديد العقوبات على إيران، تركز هاريس على الدبلوماسية وإعادة الانخراط في الاتفاق النووي.
ولم يجب ترمب عن خطته تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا في حال فوزه بالانتخابات، لكنه انتقد إدارة بايدن-هاريس على طريقة التعامل مع الحرب، فيما دافعت هاريس عن موقف الإدارة الديمقراطية في دعم أوكرانيا ضد الحرب التي تشنها روسيا.
هل انتصرت هاريس على ترمب خلال المناظرة؟
وفي هذا الإطار، أعربت الباحثة السياسية ومراسلة صحيفة "نيويورك بوست" فيكتوريا تشرشل عن اعتقادها أن هاريس أبلت بلاء حسنًا وأكثر مما كان متوقعًا خلال المناظرة، مشيرة إلى أن المرشحة الديمقراطية ربما انتصرت خلال هذه المواجهة، وهذا يصب في مصلحة معسكرها.
وفي حديث للتلفزيون العربي من نيويورك، أضافت تشرتشل أن الإعلام مرر لهاريس فكرة أنها ليست مرتبطة بإدارة منتهية صلاحيتها، فيما كان البعض يتحدث عن المدعية العامة والمجرم، مشيرة إلى أن ترمب في الجهة المقابلة لعب دورًا أساسيًا في الهجوم عليها وعلى إدارة بايدن.
واعتبرت تشرتشل، القول إن هاريس لديها أفكار جديدة، هي فكرة بحد ذاتها مضحكة، وترمب رغم أنه كان رئيسًا سابقًا سيكون أكثر نجاحًا، وسيأتي بدم جديد في واشنطن وسيكون مختلفًا عن الديمقراطيين.
ورأت أن شخصنة ترمب للأمور ليس أمرًا جديدًا، لأنه يأتي من حيز التلفاز وجزء من مساره الوظيفي وشخصيته ونجاحه بني على الهجوم الشخصي على أعدائه أو خصومه.
وأشارت إلى أن هذه المناظرة اجتذبت المستقلين، وجاءت ببعض المترددين الديموقراطيين الذين لم يكونوا متأكدين من إعطاء أصواتهم لهاريس.
ولفتت تشرتشل إلى أن ترمب محترف في ما يتعلق بلم شعث الناس بغض النظر عن وضع السياسات والحديث عن الخطط، والجمهوريين يفوزون في الكثير من الولايات، وأعربت عن اعتقاده أن هذه إشارة جيدة إيجابية لهم وليس فقط ترمب.
أداء ترمب كان "كارثيًا"
من جهته، رأى أستاذ دراسات الحوكمة في الجامعة الأميركية كريس إديلسون أن أداء ترمب كان كارثيًا، كما أداء بايدن في المناظرة السابقة، مشيرًا إلى أن جل الجمهوريين لا يقرون حقيقة بما جرى البارحة.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من واشنطن أن ليزي غرام المصاحب لترمب قال إن المناظرة كانت كارثية، لأن الرئيس السابق قال للأميركيين إن المهاجرين يأكلون الحيوانات الألفية، واعتبر إديلسون هذه التصريحات بأنها تدعو إلى السخرية.
إديلسون لفت إلى أن ترمب كذب بشأن إعدام الأطفال، وكان في موقع الدفاع، حيث كان رأسه مطأطأ، فيما هاريس أوضحت ما هو عليه بأنه شخص مجرم مدان ومتحرش جنسي.
وأشار إلى أن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني وليز تشيني، العضوة الجمهورية السابقة في مجلس النواب، صادقا على تصريحات هاريس. ولفت ديلسون إلى أن ليز تشيني قالت إن هذه الانتخابات ليست مرتبطة بالسياسات، ولكن هناك فرقًا بين رجل غير جدير بالحكم، وشخص آخر (في إشارة إلى هاريس) قد يتفق معه البعض.
وتابع أن "ليز تشيني أعربت عن دعمها للديمقراطية، بينما يرى ترمب أنه لا يدعمها، واعتبرت أنه كان رئيسًا فاشلاً وغير كفء لتبوء أي منصب حكومي، وأن المناظرة كانت كارثية بالنسبة لترمب، وأنه يجب علينا أن نتساءل لماذا يجب أن يبقى في السباق أصلًا؟".
ملاحظات حول مناظرة هاريس-ترمب
من ناحيته، أوضح الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات رضوان زيادة أن هناك ملاحظات رئيسية فيما يتعلق بتحليل الصورة السيميائية، والتي لديها تأثير كبير على الجمهور الأميركي، الأولى هي أن هاريس من بادرت في مصافحة ترمب، بالتالي بدت بالنسبة للكثير من الأميركيين وكأنها لأول مرة مرشحة امرأة قادرة على ترويض الهائج ترمب، مشيرًا إلى أن هذه الصورة نجحت بشكل كبير في إعطاء صورة لهاريس وكأنها واثقة من نفسها.
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، أضاف زيادة أن الملاحظة الثانية تتمثل في أن هاريس قامت بالتحضير بشكل جيد جدًا للمناظرة، ولذلك كانت تعليقاتها سريعة وملاحظاتها مركزة وجاهزة مسبقًا، في حين أن ترمب بدا كارثيًا للغاية ولم يقم بأي تحضير.
والملاحظة الثالثة، حسب زيادة هي أن ترمب بدا دائمًا عبوسًا، معربًا عن اعتقاده أن الديمقراطيين نجحوا من خلال هذه الصورة في تصوير ترمب على أنه غريب الأطوار.
وتابع أن الملاحظة الرابعة والرئيسية هي أن ترمب حاول بشكل كبير تجنب الأسئلة، وركز على تقديم هجمات شخصية وهجمات من جهات متعددة، مما جعل الكثير من الأميركيين يرون أنه لم يقم بالتحضير بشكل كافٍ.
كما أعرب عن اعتقاده أن هاريس انتصرت بشكل واضح وكبير في هذه المناظرة.
وأشار زيادة إلى أن ترمب، منذ ظهوره على الساحة السياسية وترشحه لانتخابات عام 2016، كان شخصية خلافية، لافتًا إلى أن المجتمع الأميركي بعد فوز ترمب على هيلاري كلينتون أصبح منقسمًا بشكل كبير.
وأضاف أن الرئيس السابق نجح خلال 8 سنوات في تحويل الحزب الجمهوري إلى حزب يميني يشبه الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
وأوضح أن المناظرات لا تغير الرأي العام بشكل كبير، لكنها تلعب دورًا في تغيير مواقف الأشخاص الذين لم يقرروا بعد لمن سيصوتون. وأعرب عن اعتقاده أن هذه المناظرة كانت ناجحة تقريبًا، حيث تعطي استطلاعات الرأي نتائج قريبة جدًا بين ترمب وهاريس.