الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

منها العلاقة مع كمال جنبلاط.. محسن دلول يروي صفحات من تجربته السياسية

يتميز السياسي اللبناني المخضرم محسن دلول بطول تجربته وتنوعها وحساسية المواقع التي شغلها
يتميز السياسي اللبناني المخضرم محسن دلول بطول تجربته وتنوعها وحساسية المواقع التي شغلها
منها العلاقة مع كمال جنبلاط.. محسن دلول يروي صفحات من تجربته السياسية
منها العلاقة مع كمال جنبلاط.. محسن دلول يروي صفحات من تجربته السياسية
الأربعاء 7 يونيو 2023

شارك

يقدّم وزير الدفاع اللبناني الأسبق محسن دلّول روايته على شاشة "العربي"، مطلًا على عقود خلت ومعرجًا على أماكن ومستذكرًا مواقف وشخصيات.

فالسياسي المخضرم، الذي يحل ضيفًا في برنامج "وفي رواية أخرى"، مطلع بشكل كبير على خبايا أحداث سياسية شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت منذ استقلال البلاد.

ويميّزه من بين ما يميزه طول تجربته وتنوعها وحساسية المواقع التي شغلها، وكذلك أهمية الشخصيات التي احتك بها منذ خمسينيات القرن الماضي.

فالرجل عاصر ورافق عن قرب رمزين من أشهر رموز السياسة في لبنان قبل وخلال وبعد الحرب الأهلية؛ هما كمال جنبلاط ورفيق الحريري، إضافة إلى معظم الأسماء البارزة الأخرى في عالم السياسة والحكم في تاريخ لبنان الحديث.

عن تلك التجربة الغنية المدعومة بذاكرة متقدة ومتوهجة تجعل منه منجم معلومات لا ينضب وبئر أسرار لا قاع له، كان الحوار الذي أجراه معه الزميل بدر الدين الصايغ.

نشأة محسن دلّول في البقاع

وُلد محسن دلّول في العام 1933 في منطقة البقاع شرقي لبنان، والتي يقول إنها ظلّت لفترة طويلة تُسمى بـ"جزء من سوريا المجوفة". 

ويردف بأن البقاع الذي يُساوي 43% من مساحة لبنان لم يجد الاهتمام نفسه الممنوح للساحل أو الجبل على سبيل المثال، شأنه في ذلك شأن مناطق أخرى مهملة كعكار شمالًا.

ويعزو ذلك "ربما إلى كون تلك المناطق زراعية في بلد يركز على الخدمات العامة، ويُعد من المكلف دعم الدولة لقطاع الزراعة فيه".

ويشير إلى ندرة المدارس والمدرّسين في منطقة البقاع خلال الأربعينيات، موضحًا أن المرحلة الثانوية لم تكن متوفرة إلا في مدرسة تابعة للرهبان في زحلة، وكان ارتيادها مكلفًا، فإلى جانب دفع الأقساط، كان لا بد من الانتقال للإقامة في المدينة.

وبينما يلفت إلى أن من أراد تلقي العلم في البقاع كان لا بد له أن يكون ميسور الحال في تلك الفترة، يقول إن كمال جنبلاط كان أول من افتتح المدارس الثانوية عندما أصبح وزيرًا للتربية في العام 1961، وجاء نصفها تقريبًا في منطقة البقاع.

إلى ذلك، يرى دلّول أن البقاع لم يشهد سوى تغيير بسيط في واقعه الاجتماعي والاقتصادي منذ خروج الانتداب الفرنسي من لبنان مع الجلاء في العام 1946.

يشير دلّول إلى أن الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب افتتحت في عهده المدارس والطرقات في منطقة البقاع
يشير دلّول إلى أن الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب افتتحت في عهده المدارس والطرقات في منطقة البقاع

فيتحدث عن ضعف تمثيل المنطقة، حيث لم يحصل أن عُين وزير للأشغال العامة من البقاع، أو أي في حقيبة خدماتية أخرى.

ويقول إن "الوحيد الذي وصل إلى الحكم وغيّر وجه البقاع كان رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب، الذي افتتحت في عهده المدارس والطرقات في المنطقة". 

ويردف بأن الرجل حصل حينها على سلطات تشريعية من المجلس النيابي لمدة 6 أشهر، كي لا تضيع المشاريع في كواليس المجلس.

عن تجربته الشخصية في التعليم، يقول محسن دلّول إنه التحق بمدرسة تعليم القرآن الكريم في قريته، ثم انتقل إلى مدرسة في بلدة أخرى تبعد كيلومترين عن مسقطه، قبل أن يواصل تعليمه في مدينة زحلة حتى المرحلة الثانوية.

عقب ذلك وبالتوازي، مارس التعليم في البقاع، والتحق بمعهد الآداب الشرقية في بيروت لدراسة علم الاجتماع.

عاصر محسن دلول ورافق عن قرب رمزين من أشهر رموز السياسة في لبنان قبل وخلال وبعد الحرب الأهلية؛ هما كمال جنبلاط ورفيق الحريري، إضافة إلى معظم الأسماء البارزة الأخرى في عالم السياسة والحكم في تاريخ لبنان الحديث

وحول علاقته بحركة القوميين العرب، يلفت إلى أنها بدأت خلال مرحلة الدراسة في زحلة، حيث تعرّف على مجموعة شبان كانت لهم علاقة مع الحركة.

ومع ميله العربي بناءً على تربيته البيتية وأجواء المنطقة التي نشأ فيها، يقول إنهم شكلوا خلية للقوميين العرب هناك.

لكن دلّول اختلف لاحقًا مع الحركة على "مسألة إجرائية"، وهي كيفية التصرف بعدما تم احتلال فلسطين، وفق ما يقول.

الانتساب إلى الحزب التقدمي الاشتراكي

في بداية الخمسينيات أصبح محسن دلّول من أعضاء الحزب التقدمي الاشتراكي. ويستذكر وزير الدفاع اللبناني السابق تلك المرحلة موضحًا أن مدرّسه اصطحبه إلى مركز الحزب حيث التقى كمال جنبلاط، بعد ما لاحظه لديه من فكر ثوري ويساري.

ويسترجع الانطباعات عن تلك الجلسة الأولى، قبل أن يتحدث عن لقاء ثان في المختارة دعاه فيه جنبلاط وأصدقاؤه إلى مهرجان خطابي لفرع الحزب في بعلبك.

ويقول إن "جنبلاط نادى حينها في الخطاب بالكيان اللبناني الأزلي، فانسحبنا لأننا عروبيون، وبعدما لاحظ غيابنا كلّف أحد الأشخاص بلقائنا".

ويضيف أن اللقاءات تكرّرت بعد ذلك مع مسؤولي الحزب الاشتراكي في زحلة، قبل أن ينضم إليه في العام 1951.

يقول دلّول إن جنبلاط كان الوحيد حينها الذي يدعو إلى مساعدة المزارعين والفلاحين والعمال
يقول دلّول إن جنبلاط كان الوحيد حينها الذي يدعو إلى مساعدة المزارعين والفلاحين والعمال

وإذ يلفت دلول إلى أنه "ابن طبيعة ومن بيئة متوسطة الحال تميل إلى الفقر"، يوضح أنه "كان يرى أن كمال جنبلاط هو الوحيد الذي يتحدث عن المواضيع التي تعني الناس الذي يمتلكون أرضًا لا تطعمهم بسبب مشاكل منها سوء الإدارة".

كما يقول إن جنبلاط كان الوحيد حينها الذي يدعو إلى مساعدة المزارعين والفلاحين والعمال، فكان شعار حزبه "المعول والريشة".

إلى ذلك، يشير وزير الدفاع اللبناني السابق محسن دلّول إلى "أننا كنا في كل مؤتمرات الحزب ندعو إلى أن يتم تعريبه، لكن مؤسسيه عارضوا الطرح لا سيما مع تمسك معظمهم بالكيان اللبناني. فكنا نحن نُسمى بالوحدويين وهم بالكيانيين".

ويذكر أن كمال جنبلاط كان ممن انتقدوا بداية تأميم قناة السويس واعتبر أنها قد تؤدي إلى حرب في المنطقة، قبل أن يؤيّد الأمر لاحقًا.

يضيف: "في تلك الفترة، طرحنا في أحد مؤتمرات الحزب التقدمي الاشتراكي إضافة مفهوم العروبة إلى شعاراته، فوافق عليها كمال جنبلاط رغم اعتراض كثير من الأعضاء". وبحسب دلّول، باتت العلاقة على الأثر لصيقة مع كمال جنبلاط.

ويشير إلى أن هذا الأخير "كان معاديًا للطائفية بشكل شرس جدًا، حيث اعتبرها نقطة ضعف تحول دون ممارسة لبنان دورًا فعالًا في المنطقة والعالم".

ويلفت إلى أن "الرجل الذي كان متعدد النشاطات، فيلسوف وشاعر ومن القلائل الذين يكتبون محاضراتهم وخطاباتهم بنفسهم دون الاستعانة بأحد، كان يوصي بالعلمنة التي تنقذ شعبنا من الطائفية التي عدّها مرضًا عضالًا".

ويردف بأن الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران كان يعتبر أن العالم كله خسر كمال جنبلاط كفيلسوف بدخوله عالم السياسة.

يقول محسن دلول إنّ كمال جنبلاط كان معاديًا للطائفية بشكل شرس جدًا، حيث اعتبرها نقطة ضعف تحول دون ممارسة لبنان دورًا فعالًا في المنطقة والعالم

حول كيفية مزاوجة كمال جنبلاط بين العمل المسلّح وإيمانه بنظرية "نبذ العنف"، يستعيد إجابة جنبلاط بهذا الشأن.

ويوضح أن كمال جنبلاط قال له إنه "سأل معلمه" في الهند التي كان يقصدها سنويًا للخلوة والتأمل، وتحدث في الآن عينه عن تأثره بغاندي "الذي كرر بدوره إياكم والعنف، لكن إذا خيّرتم بين العنف والوجود.. فاذهبوا إلى العنف".

إلى ذلك، يتطرق دلّول إلى "اعتقاد جنبلاط بأنه لا بد من العنف لحماية الوجود الفلسطيني أو الحق الفلسطيني أو المقاومة الفلسطينية، حيث اعتبر أنها باتت واجبًا مقدسًا".

ودلّول الذي يذكر أن كمال جنبلاط دخل عالم السياسة مرغمًا، يقول إنه أصبح بعد ذلك مسؤولًا عن طائفة وحزب وعن وجود مجموعة معينة من الناس، لا سيما عندما لاقى قبولًا لدى الطوائف الأخرى، مشيرًا إلى مجلس قيادة الحزب الذي كان بمعظمه من المسيحيين، مع وجود درزي واحد بين أعضائه.

الوحدة والحركة الوطنية اللبنانية

بالتطرق إلى فترة الوحدة بين مصر وسوريا، أو الجمهورية العربية المتحدة، يمر وزير الدفاع اللبناني السابق محسن دلّول على ملامح دور الحزب التقدمي الاشتراكي في تلك المرحلة، وكذلك دوره شخصيًا.

فيذكّر بثورة 1958 التي شهدها لبنان في ذلك الحين ولم تستمر طويلًا، ويقول إن كمال جنبلاط الذي انخرط بالثورة استدعاه لتكليفه بملف العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة ممثلة بمحمود رياض، وزير الدولة لشؤون الوحدة الذي كان مقيمًا في سوريا.

إطلالة وزير الدفاع اللبناني السابق محسن دلّول عبر العربي مع الزميل بدر الدين الصايغ
إطلالة وزير الدفاع اللبناني السابق محسن دلّول عبر العربي مع الزميل بدر الدين الصايغ

أما عن الحركة الوطنية اللبنانية، التي ضمّت مجموعة من الحركات والأحزاب القومية واليسارية بزعامة التقدمي الإشتراكي، وكذلك لعبت دورًا مهمًا في الحرب الأهلية اللبنانية، فيشير إلى أنها تأسّست منتصف السبعينيات.

وبينما يلفت إلى أنه لم يكن في صفوف الحركة الوطنية لأنه صنّف على أنه "سوريًا" أي أن منحاه السياسي سوري، يقول إن كمال جنبلاط اصطحبه إلى الحركة الوطنية، التي كانت علاقتها ساءت مع دمشق، بعدما كانوا "أصدقاء".

ويضيف أن "جنبلاط أخبر الحاضرين يومها أن محسن دلّول غير متقنع بخيار الحركة، وأنه يجلس معنا كرمى لي". 

وبينما يؤكد أن الخلاف مع السوريين كان بالإمكان تجنّبه، يلفت إلى أن الفلسطينيين والمصريين والعراقيين لعبوا دورًا سلبيًا.

ويشير إلى رفض كمال جنبلاط مقترح الرئيس اللبناني في حينه كميل شمعون الدخول في اتحاد كونفدرالي لبنان سوري أردني، وقوله لحافظ الأسد إنه "لن يدخل شعب لبنان في السجن الكبير".


المزيد من الخبايا والأسرار في الجزء الأول من إطلالة محسن دلول ضمن برنامج "وفي رواية أخرى"، حيث يروي الوزير اللبناني الأسبق كواليس العلاقة التي جمعته بكمال جنبلاط، مناقشًا أفكاره وتطلعاته وسياساته، إضافة إلى الملفات التي أخفق فيها وتلك التي نجح فيها.
الجزء الأول من سلسلة حلقات "وفي رواية أخرى" مع الوزير اللبناني الأسبق محسن دلول
المصادر:
العربي

شارك

Close