قد يعاني أحد من الوحدة، فيما يختارها آخر بمحض إرادته. ويختلط على البعض تعريف الحالة التي يمرون بها، فقد تختلف خصائصها دوافعها وأسبابها.
ويوضح مدرب التنمية البشرية أشرف قرطام، أن الوحدة هي شعور قد ينتاب المرء حتى ولو كان محاطًا بالناس والضجيج، أمّا العُزلة فهي أن يكون الإنسان لوحده بعيدًا عن الناس جسديًا. ويقول في حديث إلى "العربي": "إن الوحدة أصعب من العزلة".
تجربة من الواقع
يتحدث الشاب أحمد الهاني، البالغ 33 عامًا، عن حياته بعدما قرر العيش وحيدًا بعد طلاقه منذ ست سنوات. وهو يعمل خبير عقارات ويعيش في منزل مستقل بعيدًا عن الناس، ولا يختلط إلاّ نادرًا أو تلبية لحاجات العمل فقط.
ولا يتعدى عدد أفراد مجتمعه الضيق عدد أصابع اليد الواحدة. ويحب الهاني القراءة والكتابة ويمضي وقته مع صديقه الكتاب الذي يأخده إلى عوالم مختلفة في كل مرة.
ويقول الهاني: "إن الأسباب وراء ابتعادي عن الناس عديدة منها الابتعاد عن الضجيج والحاجة للاستقلالية، ولتحقيق الراحة النفسية". ويعتقد الشاب أن حاله حال الكثيرين الذين قرروا "الابتعاد عن الناس لما يسببونه من تجريح وأذى".
الهروب من المواجهة
ويبدي قرطام، تفهمه لخيار الشاب أحمد، ويؤكد أن الشاب مرّ بتجارب جارحة خلال تعامله مع الناس دفعته لاتخاذ هذا القرار.
ويشرح أن الوحدة هي سيف ذو حدين فالإنسان يحتاج أن يكون في عزلة مع نفسه أحيانًا، ولكن لا يجب أن يكون ذلك نتيجة عقاب الإنسان لنفسه.
وغالبًا ما يكون اختيار الوحدة هو ردة الفعل الأولى بعد التعرض للخيبة جراء إحدى العلاقات الاجتماعية، وفقاً لمدرب التنمية البشرية.
ويشير إلى أن أحمد كغيره اختار الهروب من المواجهة، التي تعد إحدى مهارات العصر الحديث. ويشرح قرطام أن تعليم المواجهة إحدى مجالات تخصصه بوصفه مدرب تنمية بشرية.
ويقول: "لا يمكن الانعزال في كل مرة تواجه فيها مشكلة مع الناس، فالمشاكل هي إثبات أننا على قيد الحياة".
العزلة الاختيارية
ويؤكد قرطام أن العزلة القائمة على اختيار شخصي، بهدف التعرف إلى الذات والتعمق بها لفترة قصيرة، أمر إيجابي. واستشهد بسيرة الشاعر والمتصوف من الأصول الفارسية شمس الدين التبريزي الذي أثرى المكتبة الصوفية عندما كان في عزلة إرادية.
وكان التبريزي رحّالة إلى أن التقى بجلال الدين الرومي الفقيه القانوني الصوفي حيث أثمر اللقاء أعمالًا صوفية راقية أيضًا، وفقًا لقرطام.
التوازن في العلاقات
ومن جهة أخرى، يشير قرطام الى أن التوازن هو الأساس. فالعزلة التي يصاحبها الوحدة أمر خاطئ وكذلك البقاء في اختلاط دائم واتصال مع الناس أمر سيئ أيضًا؛ فاختيار العزلة ومحاورة الذات من فترة إلى أخرى أمر صحي، ويساهم في استقرار شخصية الإنسان.