الجمعة 29 مارس / مارس 2024

من التجسس إلى الهجوم.. كيف غيّرت المسيّرات شكل الحروب التقليدية؟

من التجسس إلى الهجوم.. كيف غيّرت المسيّرات شكل الحروب التقليدية؟

Changed

فقرة ضمن برنامج "قضايا" تسلط الضوء على عمل المسيّرات وقدرتها على تغيير شكل الحروب التقليدية (الصورة: غيتي)
لعل الحرب الروسية الأوكرانية تعد مختبرًا عمليًا للمسيّرات التي استخدمت على نطاق واسع في العمليات القتالية لتصبح من أكثر أدوات الحرب فعالية.

صارت التكنولوجيا العسكرية المتطورة بمتناول الدول الصغيرة بعدما كانت حكرًا على دول متقدمة ذات إمكانات اقتصادية كبيرة، وذلك نظرًا لشيوع المعرفة الفنية والتكنولوجية للتصنيع العسكري.

ولعّل المثال الأبرز على ذلك هي الطائرات المسيّرة ذات الاستخدام العسكري، والتي باتت اليوم تتقدم المعدات الحربية التقليدية وتتسابق الدول لامتلاكها لما أحدثته من فروق كبيرة في ساحات المعارك.

أول استخدام للمسيّرات

تتشابه الطائرات المسيّرة من حيث المكونات المادية والفيزيائية، لكنها تتباين في درجة التكنولوجيا ونظم التحكم وبالحجم، إذ يمكن تصنيفها بحسب الوزن والمدى الأقصى للطيران ودرجة الاستقلالية والدور التشغيلي.

تضع منظمة الطيران المدني معايير للتمييز بين المسيّرات بحسب قدرة المستخدم على توجيهها أو كونها طائرات ذاتية التحكم بالكامل. كما تلحظ المنظمة الطائرات التي يمكن استخدامها بالميزتين السابقتين.

ويسجل للولايات المتحدة السبق في إشراك الطائرات المسيّرة في العمليات القتالية، حيث أجريت أولى التجارب على طائرة من دون طيار لغارة قتالية في يناير/ كانون الثاني عام 2001، عندما استطاعت طائرة "بريداتور" أن تصيب هدفها عبر إطلاق صاروخ "هيل فاير" عن بُعد.

ومع نضج التقنيات وتصغير الرقائق الإلكترونية نما الاهتمام بتصميم الطائرات التي لا تحتاج إلى قمرة قيادة أو مراعاة وجود إنسان على متنها، وما يحتاجه من متطلبات البقاء وتكيف مع المهمات الجوية.

وهنا تقل إجراءات السلامة أثناء التجربة وبدلًا من ذلك ينصب التركيز على التصميم والمعدات والتسليح والبحث عن أفضل مدى يمكن أن تبلغه المسيّرات، مما غيّر من شكل الطائرة مرارًا وتصميم محركاتها ونوعية الوقود المستخدم في تشغيلها.

للولايات المتحدة السبق في إدخال المسيّرات في العمليات القتالية عام 2001- غيتي
للولايات المتحدة السبق في إدخال المسيّرات في العمليات القتالية عام 2001- غيتي

سمة الحروب الحديثة

حتى الآن تتربع الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول المصنعة للمسيّرات فائقة التقدم، تليها إسرائيل والمملكة المتحدة وعدد من الدول المتقدمة في الصناعات العسكرية كروسيا والصين وتركيا.

لكن في السنوات الأخيرة دخل لاعبون جدد قدموا خيارات متنوعة من المسيّرات العسكرية الأقل تعقيدًا وتكلفة، فعلى سبيل المثال تلبي إيران حاجة الدول الباحثة عن التصنيع العسكري كثيف العدد وبسيط التصميم وفاعل الأداء.

ولعل الحرب الروسية الأوكرانية تعد مختبرًا عمليًا للمسيّرات العسكرية التي استخدمت على نطاق واسع في العمليات القتالية لتصبح من أكثر أدوات الحرب فعالية في ضرب عمق أراضي الخصم بأقل التكاليف المادية والبشرية من قبل المهاجمين.

إذًا وبعد عقدين من الزمن أصبحت المسيّرات سمة من سمات الحروب الحديثة لدرجة لم يكن يتخيلها أحد في ذلك الوقت. وتتزايد الدول التي تمتلك مستويات معينة من الطائرات المسلحة المسيرة نظرًا لرخصها وسهولة تصنيعها نسبيًا إذا ما قورنت بالطائرات المقاتلة التقليدية.

فكيف سيكون مستقبل الحروب مع التوسع في استخدام الطائرات المسيرة، لا سيما وأننا ندخل عالم الذكاء الاصطناعي الذي بات يدخل في كل تفاصيل حياتنا اليومية؟

المسيّرات تعد أداة حرب جديدة يتم التحكم بها عن بُعد وتحقق أهدافها - غيتي
المسيّرات تعد أداة حرب جديدة يتم التحكم بها عن بُعد وتحقق أهدافها - غيتي

مميزات المسيّرات

لعبت الطائرات العسكرية المسيّرة في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا دورًا بارزًا في العمليات العسكرية أكثر من أيّ صراع آخر في العقدين الماضيين. وأصبح امتلاك هذا النوع من الطائرات ميزة لا بد من إضافتها إلى الجيوش الحديثة، بحسب خبراء عسكريين.

فقد أتاحت هذه الطائرات امتلاك أداة حرب جديدة يتم التحكم بها عن بُعد لتطير في أي اتجاه وعلى أي ارتفاع، بل ويتم إطلاقها من أيّ مكان لتعود إلى موقعها أو إلى أي مكان آخر يريده مشغلوها. كما يتم تدمير بعضها في عمق العدو كطائرة انتحارية كما في الحرب الأوكرانية.

استخدمت المسيّرة سابقًا في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة كطائرات لاستهداف قادة طالبان في أفغانستان وتنظيم القاعدة في اليمن، لكنها اليوم تستخدم من الحكومات والجماعات العسكرية غير الحكومية في كل من مسارح المعارك التقليدية وغير التقليدية.

وتبقى الحرب الدائرة في شرق أوروبا المثال الأوضح على تغيّر الإستراتيجيات وخطط المعارك المستقبلية، فالمسيرات - بحسب خبراء عسكريين - تقدم ميزات عسكرية هائلة بالمقارنة مع تكلفتها المنخفضة. وعدم الحاجة إلى العنصر البشري ذي الكلفة المادية والمعنوية عند خسارتهم في الحروب.

وأثبتت المسيّرات قدرتها على تنفيذ مهام متنوعة كأداة مراقبة وإنذار مبكر، فضلًا عن مهام الاستطلاع ومسح ساحة المعركة، وتنفيذ مناورات الحرب الإلكترونية، وهي أداة اشتباك مع الخطوط الأمامية للخصم من أجل تقديم الدعم الأرضي وتقليل الخسائر في الأفراد والمعدات.

المسيّرات تثبت قدرتها على تنفيذ مهام متنوعة في الحرب - غيتي
المسيّرات تثبت قدرتها على تنفيذ مهام متنوعة في الحرب - غيتي

الخيار الأفضل للجيوش

ولعل من أهم الميزات التي تجعل هذه المسيرات الخيار الأفضل للجيوش الحديثة هو عدم تطلبها لمطارات مجهزة بالمدرجات أو حاملات سفن عملاقة لإطلاقها وهبوطها. ويمكن استخدامها في تكتيكات واسعة لتضليل الرادارات والتشويش على المقاتلات التقليدية.

وبحسب خبراء عسكريين، فإن المسيّرات ستغيّر وظائف أنظمة الدفاع الجوي المصممة لاصطياد الطائرات الحربية والصواريخ البالستية كبيرة الحجم أثناء الحروب المستقبلية، لذا سيكون من التحدي مواكبة التطورات التكنولوجية للمسيّرات الصغيرة والسريعة.

فحتى الآن يتم التعامل مع المسيّرات بواسطة أنظمة دفاع تقليدية مثل "باتريوت" و"ثاد"، وهي أنظمة باهظة الثمن في تشغيلها وملئها بالذخيرة مقارنة بكلفة المسيّرات المنخفضة التكلفة.

اليوم ومع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، تبرز أسئلة مهمة بشأن قرار التشغيل التلقائي والذاتي للمسيّرات بدون طيار. كما تتناسل تساؤلات حول ما إذا كان بوسعها اتخاذ قرار القتال والهجوم على أهداف حية بتقدير ذاتي منها، وذلك بموجب الخوارزميات التي توجهها نحو إستراتيجيات عسكرية محددة.

هذا الأمر يعتبره كثيرون دخولًا في المحظور نظرًا لكونها أدوات قتل قد تفتقد إلى التمييز البشري لنكون أمام شكل من أشكال الجيوش ذاتية الحركة التي رسمتها أفلام الخيال العلمي ونراها اليوم تبدو قريبة أكثر من أيّ وقت مضى.

باتت المسيّرات تستخدم اليوم في كل من مسارح المعارك التقليدية وغير التقليدية - غيتي
باتت المسيّرات تستخدم اليوم في كل من مسارح المعارك التقليدية وغير التقليدية - غيتي

أهمية عسكرية فائقة

وفي هذا الإطار، تؤكد الباحثة في مؤسسة "سيتا" للأبحاث غلوريا شكورتي أوزدمير، أنّ الطائرات المسيّرة أصبحت من أكثر الأسلحة أهمية في هذا القرن، مشيرة إلى استخدامها بشكل كبير من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.

وتلفت في حديث لـ"العربي" من اسطنبول، إلى التزايد الكبير في استخدام المسيّرات مؤخرًا ولا سيما في ظل تكلفتها القليلة مقارنة بغيرها من الأسلحة، وهو ما جعلها من الأدوات القتالية المهمة للغاية في ضمها للعمليات العسكرية.

كما تبين أنّ وجود الطيّار على مسافة بعيدة عن المسيّرات يجعل من إنقاذ حياة الجنود أكثر أهمية، وهو ما أضاف ميزة لهذا النوع من الأسلحة، مشددة على أنّ الطائرات المسيّرة مكّنت من العمل في أراض كان من الصعب الوصول إليها سابقًا.

تطور كبير في عمل المسيّرات

وبشأن تحوّل المسيّرات من طائرات للتجسس إلى أخرى هجومية، تشير أوزدمير إلى أنّ الاستخدام الأول للطائرات بدون طيار كان من قبل الولايات المتحدة في منطقة البلقان لجمع المعلومات الاستخباراتية، لكنها توضح أن واشنطن قد غيّرت من استخدام تلك الطائرات لتكون هجومية في حربي أفغانستان والعراق.

وتقول في حديثها إلى "العربي"، إن عمل المسيّرات قد شهد تطورًا جديدًا لأنظمته حيث لم تستعمل فقط لضرب أهداف بل جرى استعمالها كأسلحة انتحارية، وهو ما جعل مفهوم الحروب يتغيّر مع تغير عمل المسيّرات.

وبشأن الأسباب وراء الانتشار الكبير لاستخدام الطائرات المسيّرة، ترى الباحثة في مؤسسة "سيتا" للأبحاث أن السبب وراء ذلك يعود إلى وجود "ثورة تكنولوجية" في المجالات المدنية والعسكرية وهو ما جعل المسيّرات فعالة أكثر من حيث التكلفة سواء أكانت للدول أو لجماعات معينة.


للمزيد من تفاصيل حلقة برنامج "قضايا" حول عمل الطائرات المسيّرة وتأثيرها على واقع الحروب التقليدية في الفيديو المرفق.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close