الخميس 13 تشرين الثاني / نوفمبر 2025
Close

من التخطيط للتنفيذ.. هذه الشركات تقف خلف خطة "مؤسسة غزة الإنسانية"

من التخطيط للتنفيذ.. هذه الشركات تقف خلف خطة "مؤسسة غزة الإنسانية"

شارك القصة

تحوّلت مراكز توزيع المساعدات التابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" إلى "مصائد موت" تقام لقتل الفلسطينيين- غيتي
تحوّلت مراكز توزيع المساعدات التابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" إلى "مصائد موت" تقام لقتل الفلسطينيين- غيتي
الخط
كشفت "واشنطن بوست" أنّ شبكة من الأفراد الأميركيين والإسرائيليين والشركات الأميركية الخاصة التي تأمل في جني الأموال من جهود الإغاثة، تقف وراء "مؤسسة غزة الإنسانية".

كما هو الحال في الكثير من الأحداث التي تجري داخل غزة، حيث منعت إسرائيل المراسلين الدوليين من دخولها، لا تزال أصول وعمليات "مؤسسة غزة الإنسانية" غامضة، والأمر الأكثر غموضًا هو تمويلها.

وتقول المؤسسة إنّها تلقّت نحو 100 مليون دولار كتمويل تأسيسي من حكومة رفضت الكشف عن هويتها، بينما أعلنت الإدارة الأميركية أواخر يونيو/ حزيران الماضي، أنّها ستُقدّم 30 مليون دولار لعمليات المؤسسة.

إلا أنّ صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، كشفت أنّ شبكة من الأفراد الأميركيين والإسرائيليين، والشركات الأميركية الخاصة بما في ذلك بعض الشركات التي تأمل في نهاية المطاف في جني الأموال من جهود الإغاثة، تقف وراء هذه المؤسسة، وفقًا لوثائق عامة وخاصة ومقابلات مع أكثر من 12 مسؤولًا حكوميًا أميركيًا وإسرائيليًا، وممثّلي الأعمال وغيرهم من المشاركين، الذين تحدّثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم عن المبادرة المثيرة للجدل.

وأشارت الصحيفة إلى أنّه من بين الجهات المستفيدة من عقود مؤسسة "غزة الإنسانية" هي شركة "ماكنالي كابيتال" (McNally Capital) الاستثمارية الخاصة ومقرها شيكاغو، حيث ساهمت شركتها التابعة "أوربيس أوبريشنز" (Orbis Operations) في تأسيس المؤسسة.

كما أنّ شركة "إس آر إس" (Safe Reach Solutions)، المقاول الرئيسي المشرف على عمليات مؤسسة غزة الإنسانية، والتي أُنشئت أواخر العام الماضي لهذا الغرض بالتحديد، مملوكة لصندوق ائتماني مقره وايومنغ، والمستفيد منها هو أيضًا "ماكنالي كابيتال".

إلى ذلك، شاركت مجموعة "بوسطن الاستشارية" في جهود تأسيس "مؤسسة غزة الإنسانية"، على أساس ما وصفته بأنّه عمل تطوعي.

وفي مارس/ آذار الماضي، وقّعت المجموعة عقدًا لمدة شهرين بأكثر من مليون دولار مع "ماكنالي" لمواصلة مساعدة شركة "إس آر إس"، مع تمديدات لاحقة في مايو/ أيار الماضي، قبل أن تنسحب المجموعة من المشروع وسط الجدل الذي رافق عمل المؤسسة.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ عمل المؤسسة لا يقتصر على آلية توزيع المساعدات للسكان، بل أيضًا في تقديم مقترح أكثر شمولًا وإثارة للجدل، لإعادة توطين سكان غزة، والذي لُخِّص في عرض تقديمي من 19 صفحة وُزِّع في السفارة الأميركية في تل أبيب في يناير/ كانون الثاني الماضي، حسبما أفادت عدة مصادر للصحيفة.

ووفقًا لهذه الأخيرة، تضمّنت العروض التقديمية خططًا لبناء المؤسسة مجمعات سكنية واسعة النطاق داخل غزة وخارجها، حيث يمكن "للغزيّين" الإقامة فيها أثناء عملية "نزع سلاح القطاع وإعادة بنائه".

وأشار العرض إلى أنّ هذا النهج من شأنه أن يسمح للمؤسسة باكتساب ثقة سكان غزة، وهي الطريقة التي يُمكن استغلالها "لتسهيل رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب" للقطاع.

بداية التخطيط

وأوضحت الصحيفة أنّ فكرة إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" نشأت كجزء من جهد أوسع نطاقًا بذلته مجموعة من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين ورجال الأعمال الإسرائيليين والشركاء الأجانب لدعم "المجهود الحربي" الإسرائيلي والتخطيط لمستقبل غزة.

وبدأ هؤلاء اجتماعاتهم بعد وقت قصير من بدء حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حين منعت تل أبيب وصول المساعدات الغذائية والإمدادات الطبية والوقود إلى قطاع غزة تحت مزاعم أنّ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تسيطر على توزيع المساعدات وتتربّح منها.

وبعد ضغوط من إدارة بايدن والمنظمات الإنسانية سمحت إسرائيل في النهاية باستئناف وصول مساعدات محدودة، لكنّ الإسرائيليين أحكموا قبضتهم على صنبور المساعدات.

وقال مصدر إسرائيلي مطلع على جهود المؤسسة: "كانت هناك حاجة إلى إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، لكن كان من الضروري أن يتمّ ذلك بطريقة غير تابعة للأمم المتحدة".

في يناير/ كانون الثاني 2024، استعانت مجموعة العمل الناشئة المعنية بإغاثة غزة بمشورة مايكل فيكرز، وهو جندي سابق في القوات الخاصة الأميركية (القبعات الخضراء) ومخضرم في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) ووكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.

وكان فيكرز عضوًا في مجلس إدارة شركة "أوربيس أوبيريشنز" التي أسسها خبراء سابقون في الأمن القومي والجيش والاستخبارات الأميركية، واشترتها شركة "ماكنالي" عام 2021.

وفقًا لشخص مطلع على الآلية، قال فيكرز للمخطّطين: "لستُ الشخص المناسب، لكنّني أعرف الشخص الذي يُمكنه التحدّث إليكم، إنّه نائب رئيس شركة أوربيس آنذاك فيليب رايلي، وهو ضابط عمليات كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية يتمتع بخبرة واسعة في عمليات الأمن الخاصة".

وسرعان ما اكتسب رايلي ثقة جيش الاحتلال الإسرائيلي ومجموعة التخطيط الخاصة بغزة، وقضى معظم عام 2024 منغمسًا في تفاصيل الحرب على غزة.

وكانت إدارة بايدن تُدرك تمامًا أنّ الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى إسرائيليين وأميركيين من القطاع الخاص، كانوا يعملون معًا على خطة لفرض نظام جديد لتوزيع المساعدات. لكنّها لم تتدخّل مباشرة في المشروع.

وبحلول الخريف، وُضعت الخطوط العريضة للآلية في دراسة جدوى مطوّلة أعدتها شركة "سيلات تكنولوجيز" (Silat Technologies)، وهي شركة تابعة لـ"أوربيس"، تقوم على إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية".

ووفقًا للصحيفة، أشارت وثائق التخطيط إلى أنّ قيادة المؤسسة ستضمّ شخصيات إنسانية مرموقة مثل ديفيد بيزلي، الرئيس السابق لبرنامج الغذاء العالمي، وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق.

لكن الدور المقترح للمؤسسة لم يكن واضحًا، إذ يتضمن برنامجًا مكثفًا للعلاقات العامة وحضورًا مكثفًا على وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع صحافيين من أجل تعزيز الصورة الإيجابية للمؤسسة.

ووفقًا للمقترح، تُعيّن المؤسسة مقاولًا رئيسيًا للتنظيم والإشراف على بناء المواقع وعمليات توزيع المساعدات داخل غزة، على أن تُعيّن شركة أمن خاصة يُفضّل أن يكون مقرها الولايات المتحدة، لتكون بمثابة القوة والعتاد على الأرض، وحراسة المساعدات أثناء نقلها إلى مواقع التوزيع، وحماية المواقع نفسها.

من بين الشركات الخاصة التي تقدّمت لخدمة المؤسسة المخطط لإنشائها، شركة "بوسطن كونسلتينغ غروب"، حيث كان كل من رايلي وفيكرز مستشارين رئيسيين، وتوقّعت الشركة أن تبلغ تكاليف التشغيل الأولية لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" مليارَي دولار.

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انضمّت شركة "إس آر إس" إلى آلية توزيع المساعدات.

وبينما لم تُشر وثائق التسجيل إلى طبيعة عمل الشركة الجديدة، أو من يديرها، أو من وظَّفته، أو المستفيد من صندوقها الائتماني، أو أي أموال جناها، قال ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر أنّ شركة "ماكنالي كابيتال"، هي شركة الاستثمار المالكة لشركة "أوربيس".

ولاحقًا، أصبحت شركة "إس آر إس" برئاسة رايلي، المتعاقد الرئيسي مع "مؤسسة غزة الإنسانية".

وفي بيان لصحيفة "واشنطن بوست"، نفت شركة "ماكنالي كابيتال" أنّها "تستثمر في شركة إس آر إس أو تدير الشركة بنشاط"، لكنّها قالت إنّ لديها "مصلحة اقتصادية" في الشركة.

وأضاف البيان: "نظرًا لعلاقتنا الراسخة مع فيل رايلي وإيماننا القوي بأهمية المساعدات الإنسانية، ونداء الحكومة الأميركية لإيجاد حلول مبتكرة، كانت الشركة مسرورة بدعم إنشاء خدمات الإغاثة والطوارئ كخطوة مهمة نحو تلبية النطاق الكامل للاحتياجات الإنسانية في غزة"، وفق ادعائها.

مرحلة الاختبار

وتوقّفت عملية التخطيط لبرنامج المساعدات الغذائية بسبب احتمال وقف إطلاق النار في غزة في يناير 2025. ومع إصرار المسؤولين الإسرائيليين على إقامة نقطة تفتيش للمركبات تديرها قوات أمنية غير تابعة لجيش الاحتلال على ممر نتساريم، تم اللجوء إلى شركة "إس آر إس" حديثة النشأة لتنظيم نقطة التفتيش.

وتعاقد رايلي مع شركة "UG Solutions"، وهي شركة أمن صغيرة مقرها ولاية كارولينا الشمالية، لتوفير طاقم العمل.

ويرأس جيمسون جوفوني، الجندي السابق في القوات الخاصة الأميركية، شركة "UG" التي عملت في السابق في أوكرانيا وهايتي، من بين بؤر ساخنة أخرى.

اعتُبرت عملية محور نتساريم بمثابة اختبار تجريبي لعملية توزيع الغذاء، وكانت "إس آر إس وUG مؤهلتان لإدارة مؤسسة غزة الإنسانية".

وفي 2 فبراير/ شباط الماضي، جرى تسجيل المؤسسة كمنظمة إنسانية غير ربحية في سويسرا وديلاوير.

وأشارت وثائق التخطيط إلى أنّ توزيع الغذاء من قِبل "مؤسسة غزة الإنسانية" لم يكن سوى الخطوة الأولى في خطة إعادة تطوير أوسع، مع خطة ترمب لتهجير الغزيّين وحديثه عن "سيطرة الولايات المتحدة على غزة وتطويرها كمنتجع فاخر على ساحل البحر الأبيض المتوسط".

انطلاق عمل "مؤسسة غزة الإنسانية"

ومع انهيار وقف إطلاق النار في 18 مارس/ آذار الماضي، وتكدّس المساعدات على الحدود، وقبيل زيارة ترمب إلى دول الخليج، زعم السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي في مؤتمر صحفي عُقد في تل أبيب في 9 مايو/أيار، أنّ "مؤسسة غزة الإنسانية" هي "مبادرة" من ترمب.

وسعى مسؤولون أميركيون بمن فيهم أرييه لايتستون، المسؤول الذي يعمل الآن مع المبعوث الخاص لترمب ستيف ويتكوف، إلى إقناع الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين بالانضمام إلى الآلية.

لكن المعارضة للآلية تزايدت، حيث رفضتها الأمم المتحدة ومعظم شركاء الإغاثة، وندّدوا علنًا بالآلية باعتبارها غير أخلاقية، وتهدف إلى تعزيز خطط إسرائيل الحربية ضد "حماس" من خلال "عسكرة" المساعدات لأكثر من مليون مدني محاصرين في "مناطق آمنة" آخذة في التقلص، حدّدها جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب غزة.

ولم يوافق بيزلي أو بلير على الانضمام إليها.

في 22 مايو الماضي، وجّه جيك وود المدير التنفيذي الجديد لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية، رسالة إلى مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية (COGAT).

وكتب أنّ الهدف من الرسالة هو تأكيد "تفاهماتنا بشأن الاتفاقيات" بما في ذلك التفاهم على السماح لوكالات الإغاثة بتوزيع المساعدات الغذائية والطبية بموجب الآليات الإنسانية "القائمة"، خارج برنامج "مؤسسة غزة الإنسانية".

وأضافت الرسالة أنّ "مؤسسة غزة الإنسانية لا تملك القدرة التقنية أو البنية التحتية الميدانية لإدارة توزيع المساعدات بشكل مستقل"، مقترحًا أن تكون آلية المساعدات الجديدة مكملة لقطاع المساعدات الحالي في غزة، لا أن تحلّ محله.

في الليلة التي سبقت الإطلاق المقرر في 26 مايو، سعى وود من دون جدوى لإقناع جيش الاحتلال الإسرائيلي بتأجيل موعد الإطلاق أسبوعًا على الأقل، وسط تساؤلات بشأن التمويل، ومشاركة وكالات أخرى، وتمركز القوات الإسرائيلية بالقرب من مراكز التوزيع.

وفي اليوم التالي، استقال وود فيما رافق متعاقدو شركة "UG" أولى قوافل المساعدات الغذائية المقدمة من "مؤسسة غزة الإنسانية" إلى داخل القطاع.

كما استقال ديفيد بيرك وهو من قدامى المحاربين في مشاة البحرية. وقامت "مؤسسة غزة الإنسانية" بتعيين جون أكري، مديرًا تنفيذيًا مؤقتًا لها.

وأثار افتتاح مراكز التوزيع مشاكل جديدة، إذ تدافع عشرات الآلاف من سكان غزة اليائسين للحصول على الطعام، لكنّ القوات الإسرائيلية أطلقت النار عليهم لثلاث مرات على الأقل.

وأدى العدد المحدود من الشاحنات التي مرت عبر معبر كرم أبو سالم إلى غزة يوميًا بعد التفتيش الإسرائيلي إلى نفاذ الإمدادات بشكل مبكر جدًا، ما ترك آلاف الفلسطينيين بلا مساعدات.

خلال الأسبوع الأول من يونيو/حزيران الماضي، انسحبت "مجموعة بوسطن الاستشارية" (BCG) من المشروع بشكل مفاجىء. ووسط ما وصفه العديد من المطلعين على الوضع بانتقادات داخلية لمبادرات تُعتبر معاديةً للفلسطينيين، صرّحت الشركة بأنّ أعضاء من فريقها قاموا بجهود "غير مُصرّح بها" في التخطيط لما بعد الحرب على غزة.

وقالت المجموعة في بيان، إنّ اثنين من كبار شركائها "انسحبا من الشركة".

ورغم شحّ المساعدات، استمرّ الاحتلال في قتل المدنيين في محيط مراكز "مؤسسة غزة الإنسانية" التي باتت "مصائد للموت".

وقد أعلنت وزارة الصحة في غزة اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة ضحايا منتظري المساعدات منذ 27 مايو الماضي إلى ألف و26 شهيدًا و6 آلاف و563 مصابًا، بعد استشهاد 5 فلسطينيين خلال 24 ساعة .

تنتهي عقود "مؤسسة غزة الإنسانية" نهاية أغسطس/ آب المقبل. ومع المصير المجهول لاتفاق وقف إطلاق النار الذي يجري العمل عليه حاليًا، من غير الواضح حجم المساعدات التي سيُسمح بدخولها إلى غزة، ومن سيُوزِّعها.

تابع القراءة

المصادر

التلفزيون العربي - ترجمات