الخميس 24 نيسان / أبريل 2025
Close

من العبودية إلى الحرية والنضال.. من هو الطفل الباكستاني إقبال مسيح؟

من العبودية إلى الحرية والنضال.. من هو الطفل الباكستاني إقبال مسيح؟

شارك القصة

انخرط إقبال مسيح في المظاهرات والاجتماعات التي ناضلت ضد عمالة الأطفال المأجورين
انخرط إقبال مسيح في المظاهرات والاجتماعات التي ناضلت ضد عمالة الأطفال - موقع "جائزة الأطفال العالمية"
الخط
وقع الطفل إقبال مسيح ضحية العمل بالسخرة لتسديد ديون والديه حيث أجبراه على العمل منذ سن الرابعة في مصنع للسجاد.

يصادف اليوم 16 أبريل/ نيسان من كل عام، ذكرى وفاة الطفل الباكستاني "إقبال مسيح" عام 1995، الذي قُتل لما قيل إنه بسبب فضحه ما كان يُعرف بـ"مافيا السجاد" في البلاد التي ازدهرت بفضل استعباد الأطفال.

ولم يكن طول مسيح ذو الـ12 ربيعًا يتجاوز المتر الواحد، لكنه وقف بشجاعة في وجه الاستعباد والاستغلال في بلاده، فقرر أن يكون استثناء حتى نال حريته، بعد أن هز العالم بشهادته ضد عمالة الأطفال، وفضح ما وراء جدران المصانع.

وكان مسيح واحدًا من بين آلاف الأطفال الذين أجبروا على العمل في مصانع النسيج في باكستان، بسبب الفقر والديون.

من هو إقبال مسيح؟

وُلد إقبال مسيح عام 1983 في موريدكي، وهي مدينة تجارية قرب لاهور، لعائلة مسيحية فقيرة.

وقع ضحيةً لسخرة والديه، فأجبراه على العمل في سن الرابعة لسداد دينهما البالغ 600 روبية الذي اقترضاه من صاحب مصنع سجاد.

اضطر مسيح بعد ذلك إقبال للعمل لمدة عام كامل من دون أجر ليتعلم مهارات نسج السجاد، وخلال فترة تدريبه وبعدها، أُضيفت تكلفة الطعام الذي كان يتناوله والأدوات التي استخدمها إلى قيمة القرض الأصلي، وفي حال ارتكابه أي خطأ، كان يُغرّم في كثير من الأحيان، مما يُضاف إلى قيمة القرض.

بالإضافة إلى هذه التكاليف، ازداد حجم القرض بسبب زيادة صاحب العمل للفائدة، وعلى مر السنين، اقترضت عائلة إقبال المزيد من المال من صاحب العمل، والذي أُضيف إلى المبلغ الذي اضطر إقبال إلى العمل لتسديده.

وُلد إقبال مسيح عام 1983 في موريدكي وهي مدينة تجارية قرب لاهور
وُلد إقبال مسيح عام 1983 في موريدكي وهي مدينة تجارية قرب لاهور - غيتي

وكان صاحب العمل يتابع إجمالي القرض، ولم يكن من الغريب أن يزيد أصحاب العمل المبلغ الإجمالي، مما يُبقي الأطفال في عبودية مدى الحياة، وعندما بلغ إقبال العاشرة من عمره، ارتفع القرض إلى 13,000 روبية.

في المصنع، اضطر إقبال ومعظم الأطفال الآخرين للعمل لساعات طويلة في ظروف صعبة، مقيدين بإحكام بسلاسل إلى أنوال السجاد لمنعهم من الهرب.

كيف تحرر إقبال مسيح من عبوديته؟

وعندما بلغ العاشرة من عمره، أدرك إقبال أن دين عائلته لن يُسدد قريبًا، فتحرر من عبوديته.

وبعد 6 سنوات من العمل في نسج السجاد، سمع الطفل ذات يوم عن اجتماع لجبهة تحرير العمال المأجورين (BLLF) التي كانت تعمل على مساعدة الأطفال. 

وبعد العمل، تسلل إقبال لحضور الاجتماع، حيث علم الطفل أن الحكومة الباكستانية حظرت نظام "البيشغي" (القروض) عام 1992. بالإضافة إلى ذلك، ألغت الحكومة جميع القروض المستحقة لأصحاب العمل.

صُدم إقبال حينها، وأدرك أنه يريد أن يكون حرًا، فتحدث إلى إيشان الله خان، رئيس جبهة تحرير العمال المأجورين، الذي ساعده في الحصول على الأوراق اللازمة ليُثبت لصاحب عمله أنه يستحق الحرية. ولم يكتف إقبال بالحرية، بل عمل أيضًا على تحرير زملائه العمال.

ساعد إقبال أكثر من 3000 طفل باكستاني على الفرار إلى الحرية
ساعد إقبال أكثر من 3000 طفل باكستاني على الفرار إلى الحرية - غيتي/ أرشيف

وبعد أن تحرر، أُرسل إقبال إلى مدرسة تابعة لجبهة تحرير العمال المأجورين في لاهور، حيث درس بجد، وأنهى 4 سنوات من التعليم في عامين فقط. في المدرسة.

تجلّت مهارات إقبال القيادية الفطرية بشكل متزايد، وانخرط في المظاهرات والاجتماعات التي ناضلت ضد عمالة الأطفال المأجورين. 

وتظاهر ذات مرة بأنه أحد عمال أحد المصانع ليستطلع الأطفال عن ظروف عملهم، وكانت هذه رحلة محفوفة بالمخاطر، لكن المعلومات التي جمعها ساعدت في إغلاق المصنع وتحرير مئات الأطفال.

بدأ إقبال بالتحدث في الاجتماعات، ثم أمام نشطاء وصحفيين دوليين. تحدث عن تجاربه الشخصية كعامل مقيد، لم يخشَ الحشود، وتحدث بقناعة راسخة جعلت الكثيرين يستمعون إليه.

إقبال مسيح وهو يتابع دراسته
إقبال مسيح وهو يتابع دراسته - موقع "جائزة الأطفال العالمية"

أثرت السنوات الست التي قضاها إقبال كطفل مقيد عليه جسديًا ونفسيًا، وكان أبرز ما يميزه هو صغر حجمه، حيث كان طوله أقل من متر ووزنه 60 رطلًا فقط. 

توقف جسد إقبال عن النمو، وهو ما وصفه أحد الأطباء بـ"التقزم النفسي"، كما عانى إقبال من مشاكل في الكلى، وانحناء في العمود الفقري، والتهابات في الشعب الهوائية، والتهاب المفاصل. ويقول كثيرون إنه كان يتعثر في مشيته بسبب الألم.

من العبودية إلى النضال الحقوقي

فضح إقبال "مافيا السجاد"، وحثّ العالم على عدم شراء السجاد الذي يصنعه الأطفال العبيد.

ورغم إصابته بالتقزم والانحناء نتيجة ست سنوات من سوء التغذية والعبودية في ظروف لا إنسانية، ساعد إقبال أكثر من 3000 طفل باكستاني على الفرار من عبوديتهم، وألقى خطابات حول عمالة الأطفال.

تسببت شعبية إقبال المتزايدة وتأثيره في تلقيه تهديداتٍ عديدة بالقتل. ولأنه كان منشغلًا بمساعدة الأطفال الآخرين على التحرر، تجاهل إقبال هذه الرسائل.

هز إقبال العالم بشهادته ضد عمال الأطفال وفضح ما وراء جدران مصانع السجاد
هز إقبال العالم بشهادته ضد عمال الأطفال وفضح ما وراء جدران مصانع السجاد - غيتي

في يوم الأحد، 16 أبريل 1995، أمضى إقبال يومه في زيارة عائلته بمناسبة عيد الفصح، وبعد أن أمضى بعض الوقت مع والدته وإخوته، توجه لزيارة عمه. 

وبعدها التقى إقبال باثنين من أبناء عمومته، وركبوا دراجاتهم إلى حقل عمه لإحضار الطعام له، وفي الطريق، صادف الصبية شخصًا أطلق عليهم النار من بندقية صيد، ما أدى إلى مقتل إقبال على الفور. 

وفيما لا تزال ملابسات مقتل إقبال لغزًا، تقول القصة الأصلية إن الصبية صادفوا مزارعًا محليًا كان في موقفٍ مُحرج مع حمار جاره، خائفًا، وربما تحت تأثير المخدرات، فأطلق الرجل النار على الصبية، ولم يكن ينوي قتل إقبال تحديدًا. 

لكن معظم الناس لا يُصدقون هذه القصة. بل يعتقدون أن قادة صناعة السجاد كرهوا نفوذ إقبال وأمروا بقتله. وحتى الآن، لا يوجد دليل على ذلك.

اكتسب إقبال شهرة عالمية بفضل نشاطه، وحصل على جائزة في ستوكهولم وبوسطن. وفي عام 1994 حصل على جائزة ريبوك للشباب في العمل.

وألهم إنشاء منظمات مثل "حرروا الأطفال" في كندا، ومؤسسة إقبال مسيح شهيد للأطفال، التي تضم أكثر من 20 مدرسة في باكستان.

مُنح إقبال"جائزة أطفال العالم لحقوق الطفل" بعد وفاته عام 2000، وسُمّيت ساحة في مدينة سانتياغو دي كومبوستيلا، شمال غرب إسبانيا، باسم إقبال مسيح.

ويُقيم مكتب شؤون العمل الدولية التابع لوزارة العمل الأميركية (ILAB) سنويًا "جائزة إقبال مسيح للقضاء على عمالة الأطفال".

تابع القراءة

المصادر

ترجمات