الخميس 18 أبريل / أبريل 2024

من بن علي إلى بورقيبة.. طلبة معارضون يروون تجربة التجنيد القسري

من بن علي إلى بورقيبة.. طلبة معارضون يروون تجربة التجنيد القسري

Changed

توثّق حلقة "كنت هناك" لهذا الأسبوع سياسة التجنيد القسري للطلبة المعارضين في تونس (الصورة: العربي)
وُصفت المواجهات بين قوات النظام والطلبة بالمنعرج الثوري، وقررت وزارة الداخلية أن الطلبة الذين قاطعوا الدراسة فقدوا حقّهم في الإعفاء من التجنيد الإجباري.

إثر مظاهرات التاسع من أبريل/ نيسان 1938، نُفي أكثر من 20 طالبًا تونسيًا خارج الحاضرة بأمر من سلطات الاحتلال الفرنسي في أول عملية استبعاد قسري للطلبة من مدرجات الجامعة إلى غياهب النفي.

كان الهدف حينها، تحييد الزيتونة من العناصر المثيرة للشغب، في سياسة ستلاحق الطلبة التونسيين على امتداد عقود طويلة بعد الاستقلال.

وبعد عشر سنوات من الاستقلال، حدثت أول عملية تجنيد للطلبة. عام 1966، تم تجنيد مجموعة من الطلبة إثر تحركات في الجامعات في تونس.

وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول 1966، تحوّلت مناوشة بين طالبين وأحد أعوان الشركة القومية للنقل إلى صدامات عنيفة بين الطلبة وقوات الأمن التونسية. بدأت الصدامات في الحرم الجامعي، وانتقلت بسرعة إلى شوارع العاصمة.

ووصفت مجلة "برسبكتيف" اليسارية المواجهات بين قوات النظام والطلبة بـ"المنعرج الثوري". اعتُقل أكثر من 200 طالب، أُحيل منهم 9 طلاب إلى القضاء بتهم الإخلال بالأمن العام. وتراوحت الأحكام بين البراءة والسجن مع تأجيل التنفيذ.

بعد إعلان الحكم، نُقل الطلاب قسرًا لثكنات الجيش لقضاء الخدمة العسكرية الإجبارية.

عقاب مغلّف بالقانون

وفي هذا الإطار، قال لطفي حيدوري، الصحافي التونسي، في حديث إلى "العربي": إنّ ما قام به الاستعمار الفرنسي ضد الوطنيين، مارسه بورقيبة ضدّ الطلبة الذين خرجوا عن طوعه.

وأوضح أن هذه العملية بدأت في فترة الصعوبات الاقتصادية التي عاناها النظام الذي بدأ في تجربة أنماط تنموية جديدة بقيادة أحمد بن صالح، خوفًا من أن تؤثر هذه الأوضاع على شرعية حكم بورقيبة الذي كان يصفّي خصومه على طريق الانفراد بالحكم.

من جهته، قال عمار الجماعي، وهو مجند سابق، إن التجنيد القسري أصبح "شكلًا من أشكال العقاب المغلّف بالغلاف القانوني".

وأضاف الجماعي، في حديث إلى "العربي"، أن تسارع العملية بدأ في نهاية عهد بورقيبة التي تصاعدت فيها الانتفاضات الاجتماعية والاقتصادية مثل أحداث قفصة، وأحداث الخبز.

من جهته، قال حيدوري إن وزارة الداخلية أخذت قرارًا بأن الطلبة الذين قرروا الإضراب وقاطعوا الدراسة فقدوا حقّهم في الإعفاء من التجنيد الإجباري.

وأضاف أن التجنيد القسري تحوّل إلى وسيلة من وسائل إسكات المعارضين وإبعادهم عن المجال المدني.

وأوضح محمد الساسي المنصوري، أستاذ ومجنّد سابق، أنه جرى نقله إلى ثكنة العوينة العسكرية التي جمعوا فيها الطلاب من مختلف الفروع الجامعية. "كنا حوالي 800 طالب. وبدأ التحقيق المزاجي معنا".

وأضاف المنصوري: "بعد التحقيق معنا، نقلونا إلى ثكنة بوشوشة، حيث ألبسونا الزي العسكري".

قضى الجماعي في سجن وزارة الداخلية حوالي 15 يومًا، وقال: "هناك علمت أنني سأحوّل إلى التجنيد الإجباري".

وشرح أن قرابة 5 أو 6 طلاب هربوا من الخدمة العسكرية عن طريق رجيم معتوق، بهدف التوجّه إلى أقرب منطقة وهي قرية حزوة. لكن توفي منهم حمادي حبيق.

"خيار ومنهجية دولة"

عام 1971، تمكنت القوى اليسارية من الهيمنة على مؤتمر قربة. ومع بداية السنة الجامعية لعام 1973، شنّت القوى الأمنية حملة اعتقالات واسعة ضد أعضاء الهياكل النقابية المؤقتة. وقرّرت المحكمة تطبيق إجراءات التجنيد الإجباري بحقّ الطلبة المعتقلين، وتمّ توزيعهم على الثكنات لمدة سنة كاملة.

وأُجبر الطلبة على الخدمة العسكرية عقب أحداث 1978 الدموية. وتمّ توزيع 12 طالبًا من قيادات الهياكل النقابية المؤقتة على عدد من الثكنات العسكرية في الجنوب والشمال الغربي.

 وقال الجماعي: "أصبح التجنيد القسري خيارًا ومنهجية دولة".

من جهته، قال وجيه العلويني، أستاذ محاضر ومجند سابق، في حديث إلى "العربي": "طلب منا عناصر الأمن التجهّز لتناول العشاء بخلع أحذيتنا العسكرية كي نتمكّن من الجلوس على الأرض، لكنّهم رفعوا أرجلنا وبدأوا بضربنا بعصا الزيتون".

وقال الجماعي: "علمنا لاحقًا أن الفلقة هي شعار الثكنة وهي نوع من الضيافة لكل قادم إلى الثكنة".

من جهته، أوضح المنصوري أن مدة التجنيد كانت "مرة وقاسية، اختبرنا فيها كل مظاهر القهر والتعذيب، والظلم، حيث كان آمر السرية يتقصّد إهانتنا وإيذاءنا".

بدوره، قال الجماعي إن الطبيب الذي يقرّر مدى قدرة الشخص على الالتحاق بالخدمة الإجبارية، انتبه إلى أنني أعاني من دقات قلب أعلى من اللزوم، وخيرني بين أمرين: أن يعلن أنني غير مؤهل للخدمة الإجبارية وبالتالي يرسلني إلى وزارة الداخلية حيث سيقررون مصيري، أو أن تذهب إلى التجنيد".

وأوضح أنه "لم يكن أمامه سوى اختيار الذهاب إلى التجنيد، وبالتالي خسارة عام من حياته هناك".

حصار فكري أيضًا

بدوره، قال المنصوري: "عملنا في السخرة، من دون تمتعك بأي حقوق، ولا يمكنك الاعتراض، أو الحصول على زيارة من الأهل، في تمييز صارخ عن المجندين الآخرين من غير الطلبة".

وشرح حيدوري أنه "عام 1985، لم يكن رجيم معتوق ثكنة لأداء الخدمة العسكرية، لأن الطلاب لم يتدرّبوا على حمل السلاح مخافة أن يستخدموه في تنظيم انقلاب ضد النظام".

بدوره، قال الجماعي: "على مدى عام ونصف، تلقينا تدريبات سخيفة جدًا. وعندما سألنا عن التدريبات على حمل السلاح، قال المدرب إننا من دون سلاح فعلنا ما فعلناه، وعندها أدركت أنه ينظر إلينا على أننا أعداء للوطن".

وأوضح حيدوري أن "بعض الموجودين في رجيم معتوق كانوا من العسكريين الذي جرت معاقبتهم، وبالتالي، كانت ثكنة رجيم معتوق مكانًا للعقاب".

وشرح المنصوري أنه "تمّ محاصرة الطلبة فكريًا، حيث كانت السلطات العسكرية تجري تفتيشًا دوريًا بحثا عن الكتب والدفاتر والأقلام، إضافة إلى معاقبة من يجدون لديه حتى رسالة من عائلته".

وأكد أن ذلك كله ينصبّ في إطار معاقبة من يعتبرونه من الضالين، وأعداء الدولة، "بهدف تشويه سمعتنا".

"انتفاضة الخبز"

شكّلت انتفاضة الخبز "منعرجًا خطيرًا" في علاقة الطلبة مع النظام التونسي. فمع بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 1985، دشّن النظام محتشدًا جديدًا لاستقبال الطلاب المبعدين من ساحات الجامعات، في رجيم معتوق، بعيدًا في الصحراء، وعلى مقربة من الحدود الجزائرية.

ووصل عدد المجنّدين قسريًا في تلك الفترة لأكثر من 400 طالب من مختلف الفروع الجامعية.

إثر انقلاب السابع من نوفمبر 1987، قرّر زين العابدين بن علي الإفراج عن جميع الطلبة المجندين قسريًا في كل الثكنات العسكرية، معلنًا بذلك التخلّي عن هذا الأسلوب في التعاطي مع الطلبة.

خلال شهر فبراير/ شباط 1990، تحرّكت الجامعة لخوض معركة جديدة كان عنوانها الأبرز الدفاع عن مكاسب الجامعة، والذود عن الحريات العامة.

قرّر النظام التصعيد ضد الطلبة المنتفضين في الساحات والأحياء الجامعية، ليستعيد المبادرة من جديد في تجنيد الطلبة قسريًا. وشملت عمليات التجنيد القسرية طلبة من مختلف الكليات، ليصل عددهم، وفق اللجنة الوطنية للدفاع عن الطلبة المجندين، إلى 493 طالبًا.

ومنع العمل النقابي والسياسي في أروقة الجامعة، لتبلغ ذروة التصعيد عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي على الطلبة داخل الحرم الجامعي.

في الثامن من مايو/ أيار عام 1991، شنّ النظام حملة اعتقالات شرسة ضد من وصفهم بأعداء الديمقراطية. وحوكم خلال تلك الفترة، أكثر من 8 آلاف تونسي، استُشهد عدد منهم تحت التعذيب. أما الطلبة، فتمّ توزيعهم على الثكنات في الصحراء والجزر النائية.

وقال العلويني عن تلك الفترة: إن "السنة العسكرية كانت مليئة بالتجارب القاسية على غرار حفر الخنادق، وهي عملية صعبة للغاية مع انهمار الرمال في الأماكن التي كنا نجرب الحفر فيها".

بدوره، قال المنصوري إنه "في إحدى المرات، جرت معاقبته مع زملاء له لعدم إنجازهم المهمة الموكلة إليهم، فرمتهم القوات المسؤولة عن الثكنة في الصحراء على مسافة بعيدة 15 كيلومترًا".

في مارس/ آذار 1990، تشكلت لجنة للدفاع عن الطلبة المجندين، وضمّت الشيخ أحمد بن صديق، والنائب في عهد بورقيبة ناجي الكعبي، والمحامي عبد الرزاق الكيلاني، وخاضت تحركات مهمة، وعن طريقها تمّ التفاوض وإطلاق سراح الطلبة في الثكنات.

وقال الجماعي: إن تجربتهم هي "تجربة صراع من أجل الحرية"

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close