الخميس 24 نيسان / أبريل 2025
Close

من حروب الملح إلى رسوم ترمب.. أبرز الصراعات التجارية في التاريخ

من حروب الملح إلى رسوم ترمب.. أبرز الصراعات التجارية في التاريخ محدث 12 نيسان 2025

شارك القصة

تسببت سياسات الحمائية باندلاع حروب تجارية عبر السنين- غيتي
تسببت سياسات الحمائية باندلاع حروب تجارية عبر السنين- غيتي
الخط
تكررت الحروب التجارية عبر التاريخ حيث دفعت السياسات الحمائية التي اعتمدتها الدول المتمثلة برفع الرسوم على بعض البضائع بتأجيج صراعات بأدوات اقتصادية. 

لطالما كانت التجارة الدولية محركًا للنمو الاقتصادي والتبادل الثقافي، ولكنها كانت أيضًا ساحة للصراعات والمنافسات بين الدول. فعندما تتبنى دولة ما سياسات حمائية تهدف إلى حماية صناعاتها المحلية من المنافسة الأجنبية، غالبًا ما يؤدي ذلك إلى ردود فعل انتقامية من الدول الأخرى، ما يشعل فتيل ما يعرف بـ"الحرب التجارية". وتعد التعريفات الجمركية وغيرها من القيود التجارية أسلحة هذه الحرب. 

ويبدو أن العالم يشهد حربًا تجارية جديدة بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرص رسوم جمركية جديدة على الواردات من عشرات الدول بينها الصين التي تُعَدّ ثاني قوة اقتصادية في العالم، حيث فرض رسومًا إضافية قدرها 34% على الواردات منها. 

وقد أثار إعلان ترمب اضطرابات هائلة في الأسواق ودفع بردود فعل انتقامية من الاتحاد الأوروبي والصين التي ردت على رسوم ترمب برسوم مضادة. 

ثم عاد ترمب ورفع الرسوم الجديدة على السلع الصينية إلى 125% لكنه خفض الرسوم على الكثير من الدول لمدة 90 يومًا، لإتاحة المجال للتفاوض بشأن الحواجز التجارية. ولا تعد الحرب التجارية ظاهرة حديثة بل تعود جذورها إلى عصور مبكرة. فماذا نعرف عن أبرز هذه الحروب؟ 

حروب الملح

في عدد من النزاعات التاريخية كانت السيطرة على مصادر الملح أو طرق تجارته سببًا رئيسيًا أو عاملًا مهمًا في الصراع. ففي عام 1381، اندلع صراع بين جمهورية جنوة وجمهورية البندقية في إيطاليا، على السيطرة على طرق التجارة في البحر الأدرياتيكي، بما في ذلك تجارة الملح. كانت كيودجا، وهي مدينة تابعة للبندقية، مركزًا مهمًا لإنتاج وتجارة الملح.

وفي إفريقيا، نشأت نزاعات حول السيطرة على مناجم الملح المهمة وطرق التجارة الصحراوية التي تنقل الملح من الشمال إلى الجنوب.

كما كانت ضريبة الملح في فرنسا قبل الثورة الفرنسية سببًا في العديد من الانتفاضات والاضطرابات.

وفي عام 1930، كانت مسيرة الملح حركة عصيان مدني سلمية قادها المهاتما غاندي احتجاجًا على احتكار الحكومة البريطانية للملح في الهند وفرض ضرائب عليه. ومثّلت تلك الحركة نقطة تحول مهمة في حركة الاستقلال الهندية. وعلى الرغم من أنها لم تكن حربًا بالمعنى التقليدي، إلا أنها كانت صراعًا ضد قوانين الملح القمعية، بحسب موقع "فيرست بوست". 

قانون الذرة

بعد الحروب النابليونية، سنّت بريطانيا قوانين الذرة عام 1815 لحماية زراعتها المحلية بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الحبوب المستوردة. ورغم أن ملاك الأراضي استفادوا من هذه القوانين، لكنها تسببت في معاناة واسعة النطاق للطبقة العاملة. 

وقد نجحت رابطة مناهضة قوانين الذرة، بقيادة ريتشارد كوبدن وجون برايت، في حشد الرأي العام ضد الرسوم الجمركية.

قاد المهاتما غاندي مسيرة الملح في عام 1930- ميكوري نيوز
قاد المهاتما غاندي مسيرة الملح في عام 1930- ميكوري نيوز

وبحسب وثيقة نشرتها جامعة نوتنغهام، أدت الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة إلى ارتفاع تكلفة استيراد الحبوب، حتى في ظل نقص الإمدادات المحلية. وارتفع سعر الخبز، وتزايد الضغط الشعبي لإلغاء القانون. وفي النهاية، ورغم المعارضة الشديدة من حزبه، نجح رئيس الوزراء المحافظ السير روبرت بيل في إلغاء القانون عام 1946. 

وفي فرنسا، أدخل رئيس الوزراء الفرنسي جول ميلين تعرفة ميلين عام 1892 لحماية الزراعة والصناعة في البلاد من المنافسة الأجنبية. وأدت هذه التعريفة إلى زيادة الضرائب على الحبوب المستوردة، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها على المزارعين المحليين وزيادة تكلفة الغذاء على المستهلكين.

ويشير "بنك فرنسا"، إلى دراسة ترصد تأثيرًا سلبيًا جديدًا للتعريفات التجارية والتكاليف التي تسببها من خلال توثيق كيف عكست الحمائية  المتمثلة بتعرفة ميلين التحسينات طويلة الأجل في التعليم والتحول في الخصوبة التي كانت جارية في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا. فقد شكلت تلك التعرفة صدمة حمائية كبرى حولت الأسعار النسبية لصالح الزراعة وبعيدًا عن الصناعة. وقللت التعرفة من العائد النسبي للتعليم، ما أثر على قرارات الآباء بشأن كمية ونوعية الأطفال، إذ تراجع الالتحاق بالتعليم الابتدائي وزادت معدلات المواليد والخصوبة. 

تعريفات سموت-هاولي (1930)

وخلال فترة الكساد الكبير في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأميركي هربرت هوفر قانون سموت-هاولي في يونيو/ حزيران 1930. وكان هذا القانون يهدف إلى مساعدة المزارعين الأميركيين، فزاد الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من السلع. وقد دفعت هذه الخطوة دولًا مثل كندا وفرنسا وإسبانيا إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، ما أدى إلى انخفاض حاد في التجارة العالمية.

كما ساهم في انخفاض صادرات الولايات المتحدة بنسبة 61% عام 1933، وأعاق الانتعاش الاقتصادي خلال فترة الكساد. وخسر هوفر الانتخابات التالية أمام فرانكلين روزفلت وحل قانون روزفلت لاتفاقيات التجارة المتبادلة لعام 1934 محل قانون سموت-هاولي، مما سمح للرئيس بالتفاوض على تخفيضات في الرسوم الجمركية، وفق موقع  "هستوري". 

الحرب التجارية البريطانية -الأيرلندية

تصاعدت التوترات بين بريطانيا وأيرلندا عام 1932 بسبب عدم سداد مستحقات الأراضي. ففرضت بريطانيا تعريفات جمركية عالية على الصادرات الزراعية الأيرلندية، وخاصةً الماشية، مما ألحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الأيرلندي. فردت أيرلندا بفرض رسوم جمركية على الفحم والسلع البريطانية. 

 فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوم جمركية جديدة على الواردات من عشرات الدول بينها الصين- غيتي
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوم جمركية جديدة على الواردات من عشرات الدول بينها الصين- غيتي

وأدى النزاع الذي استمر ست سنوات إلى توتر التجارة وتفاقم الصعوبات الاقتصادية. ثم أعادت تسوية عام 1938 العلاقات التجارية.

حرب تعريفات الدجاج 

ومع صعود إنتاج الدجاج الصناعي بكميات كبيرة في أميركا في ستينات القرن الماضي، استجاب العالم بشراء الدواجن الأميركية الأرخص، وارتفعت واردات الدجاج في أوروبا بشكل كبير. لم يرق هذا لفرنسا وألمانيا الغربية، اللتين فرضتا تعريفات جمركية على الطيور، مما أدى إلى خسائر فادحة في صناعة الدواجن الأميركية. 

ثم ردت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ليندون جونسون، بفرض ضريبة بنسبة 25% على "الشاحنات الخفيفة"، بما في ذلك حافلات فولكس فاغن. 

أدى ذلك إلى تضرر صناعة السيارات اليابانية بشدة من الضريبة، التي لا تزال سارية على الشاحنات الخفيفة. وقد وجدت بعض العلامات التجارية، بما في ذلك "تويوتا" و"إيسوزو"، ثغرات قانونية، مثل إنشاء مصانع تجميع على الأراضي الأميركية، للالتفاف عليها.

قانون الشاي

أقر البرلمان البريطاني في عام 1773 قانون الشاي لمساعدة شركة الهند الشرقية البريطانية المتعثرة. ومنحها القانون احتكار تجارة الشاي مع المستعمرات الأميركية. وأدى القانون إلى خفض سعر الشاي، لكنه فرض ضريبة عليه، مما أثار غضب العديد من المستعمرين الذين نظموا حملات مقاطعة للشاي البريطاني ورفضوا استقبال السفن التي تحمل الشاي.

وردّت الحكومة البريطانية بإجراءات قاسية، وفرضت القوانين القسرية حيث أغلقت ميناء بوسطن وأوقفت حكومة ماساتشوستس الاستعمارية. وقد رفع ذلك من حدة التوترات بين المستعمرين والحكومة البريطانية، وأدّى في نهاية المطاف إلى اندلاع الثورة الأميركية.

الحرب التجارية مع اليابان عام 1987

وفي عام 1987، ضاعف الرئيس الأميركي رونالد ريغان أسعار استيراد أجهزة كمبيوتر وأدوات كهربائية وأجهزة تلفزيون يابانية بقيمة 300 مليون دولار. وصرحت الإدارة بأن الرسوم الجمركية جاءت ردًا على عدم امتثال اليابان لاتفاقية تسمح بموجبها بدخول المزيد من الواردات الأميركية إلى أسواقها، وتتوقف عن تسعير أشباه الموصلات الأميركية بأقل من قيمتها الحقيقية. 

وبحسب موقع "هستوري"، اختارت اليابان عدم الرد. وصرح وزير التجارة الدولية الياباني، هاجيمي تامورا، للصحافة حينها: "أملًا في منع هذه القضية من التسبب في أضرار جسيمة لنظام التجارة الحرة العالمي، قررت الحكومة اليابانية، من هذا المنظور الأوسع، عدم اتخاذ أي إجراءات انتقامية على الفور". وشهدت السيارات اليابانية انخفاضًا بنسبة 3% في أميركا.

وفي عام 1984، دفع المستهلكون الأميركيون ما يُقدر بنحو 53 مليار دولار إضافية بسبب الرسوم الجمركية على الواردات.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، خضعت السيارات اليابانية أيضًا لرسوم جمركية مرتفعة.

حروب الأخشاب بين كندا والولايات المتحدة

تمثل الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة وكندا حول تجارة الأخشاب اللينة واحدة من أطول النزاعات التجارية بين البلدين.

ففي عام 1982، جادلت الولايات المتحدة بأن كندا تدعم أخشابها اللينة بشكل غير عادل. وأدى هذا الخلاف إلى سنوات من النزاعات واستمرار فرض الرسوم الجمركية.

ويكمن جوهر النزاع في اختلاف طرق إدارة صناعة الأخشاب في البلدين، إذا تحصد كندا الأخشاب من الأراضي العامة، وتحدد الحكومة أسعار السوق. أما الولايات المتحدة، فتُتخرج جذوع الأشجار في الغالب من الأراضي الخاصة، حيث يُحدد السوق السعر. 

وبينما كان من المتوقع أن تدفع كندا مئات الملايين من الدولارات كرسوم جمركية على أخشابها اللينة في عام 2018 واجه المستهلكون الأميركيون أيضًا أسعارًا قياسية للأخشاب مع ازدهار صناعة بناء المنازل. ارتفعت تكلفة أخشاب غرب كندا بنحو 40% بحلول عام 2018.

وأبرمت عدة اتفاقيات مؤقتة لتقييد صادرات الأخشاب الكندية إلى الولايات المتحدة مقابل تعليق الرسوم الجمركية الأميركية. وكان أبرزها في عام 1996 و2006.

حرب الموز عام 1993

لا يُزرع الموز بكثرة في الولايات المتحدة باستثناء هاواي وفلوريدا، لكن العديد من مزارع الموز في أميركا اللاتينية مملوكة لشركات أميركية. اشتكت الولايات المتحدة عام 1993 عندما فرضت أوروبا رسومًا جمركية مرتفعة على الفاكهة القادمة من أميركا اللاتينية، وذلك بهدف منح مستعمراتها السابقة في منطقة البحر الكاريبي ميزة تنافسية في السوق. ردًا على ذلك، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على سلع مثل حقائب اليد الفرنسية، والبياضات البريطانية، ولحم الخنزير الدنماركي.

انتهت حرب الموز التي بدأت في عام 1993 في عام 2012- غيتي
انتهت حرب الموز التي بدأت في عام 1993 في عام 2012- غيتي

وافق الاتحاد الأوروبي عام 2009 على تخفيف الرسوم الجمركية تدريجيًا بعد تقديم ثماني شكاوى إلى منظمة التجارة العالمية. وفي عام 2012، انتهت حرب الموز. وقد صرحت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت ذات مرة: "لم أتخيل يومًا أنني سأقضي كل هذا الوقت في الموز".

تعريفة الصلب 2002

في محاولة لتعزيز صناعة الصلب في البلاد، فرض جورج دبليو بوش تعريفات جمركية مؤقتة تراوحت بين 8% و30% على واردات الصلب. استُثنيت كندا والمكسيك بسبب مشاكل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، لكن الاتحاد الأوروبي سارع بالرد بفرض تعريفات جمركية على برتقال فلوريدا والسيارات الأميركية وغيرها. كما رُفعت شكوى ضد الولايات المتحدة لدى منظمة التجارة العالمية، التي وجدت أن الولايات المتحدة انتهكت التزاماتها المتعلقة بمعدلات التعريفات. أنهى بوش التعريفات الجمركية في غضون 18 شهرًا، أي قبل فترة الثلاث سنوات المقررة.

وعلى الرغم من أن الاقتصاديين اعتبروا هذه التعريفات بمثابة هدر للوقت، إلا أنها أدت إلى ارتفاع أسعار الصلب، ووفقًا لمعهد الاقتصاد الدولي، إلى فقدان ما يصل إلى 26 ألف وظيفة في الصناعات المستخدمة للصلب. 

وبحسب الجمعية الاقتصادية الأميركية، لم تُعزز التعريفات العمالة المحلية في قطاع الصلب، بل أدت إلى انخفاضها بشكل كبير في الصناعات المستهلكة للصلب لسنوات عديدة بعد إلغاء بوش لها. كما أدت التعريفات إلى خروج مستمر لمنشآت التصنيع كثيفة الاستخدام للصلب، مما يُشير إلى دور تكاليف الدخول الثابتة على مستوى المصنع في ترجمة الصدمة المؤقتة إلى نتائج مستدامة.

الصراع الصيني الأميركي

وتعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والتنين الصيني نزاع اقتصادي مستمر بين أكبر اقتصادين في العالم. بدأت هذه الحرب في عام 2018 عندما فرض الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب رسومًا جمركية على سلع صينية، وردت الصين برسوم مماثلة على سلع أميركية.

وتصاعدت الحرب التجارية تدريجيًا مع فرض المزيد من الرسوم من قبل الطرفين على مجموعة واسعة من المنتجات. تسببت هذه الحرب في اضطرابات في التجارة العالمية، وأثرت على الشركات والمستهلكين في كلا البلدين وفي جميع أنحاء العالم. على الرغم من بعض الهدنات والاتفاقيات الجزئية، لا يزال التوتر التجاري قائمًا بين الولايات المتحدة والصين وشهد فصلًا جديدًا بعد أن فرض ترمب، حيث رفعت بكين سلاح الرسوم الجمركية المضادة في جبهة المواجهة الاقتصادية المعلنة مع واشنطن، كما أرسلت شكوى جديدة إلى منظمة التجارة العالمية، معلنة أنّها لا تُريد الحرب، ولكنّها مستعدة للقتال حتى النهاية.

وردًا على الرد الصيني، أعلن ترمب رفع الرسوم على الصين مرة ثانية إلى 125%، معتبرًا أن بكين أساءت التعامل مع أسواق العالم.

تابع القراءة

المصادر

موقع التلفزيون العربي- ترجمات