الأربعاء 24 أبريل / أبريل 2024

من صب الرصاص إلى "بيرقدار".. رحلة تطوير الصناعات الدفاعية في تركيا

من صب الرصاص إلى "بيرقدار".. رحلة تطوير الصناعات الدفاعية في تركيا

Changed

"عين المكان" يعرض مسار تطور الصناعات العسكرية في تركيا (الصورة: غيتي)
كشف مهندسون عامون في بعض المشاريع الدفاعية التركية لـ"العربي" عن بعض أسرار هذه الصناعات لأول مرة.

أسر مشهد الطائرات التركية المسيرة، وهي تستهدف جنود النظام السوري وعتاد جيشه وتحيّد أكثر من 2000 منهم خلال أيام، المتابعين في بداية 2020، إثر قرار القيادة التركية لجم هذه القوات عن قضم المزيد من أراضي إدلب شمالي سوريا، ودعم قوات المعارضة هناك.

وتكررت الصدمة في صيف ليبيا الساخن من ذلك العام أيضًا، حين رصد العالم تراجع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر تحت ضربات الطائرات المسيرة التركية من محيط العاصمة الليبية طرابلس، قبل أن يتكرر المشهد حين فتكت المسيرات التركية بجيش أرمينيا وتحصينات أمضى ثلاثين عامًا في إنشائها وتطويرها في إقليم كاراباخ في أذربيجان.

وكشفت تركيا وقتها عملاتيًا وعلى نطاق واسع قدراتها الفعلية في سلاح المسيرات.

الصناعات العسكرية التركية

الاستثمار في التصنيع العسكري

تسخّر تركيا جزءًا من إمكانياتها العلمية والتقنية والاقتصادية بعيدًا عن التنمية التقليدية وتستثمرها في التصنيع العسكري.

وأكد إسماعيل ديمير، رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية في العاصمة أنقرة والمسؤول عن إدارة وتنسيق عمليات التطوير والصناعة وعقد الصفقات، أن فكرة أن تركيا يجب أن تكون دولة مكتفية ذاتيًا في الصناعة الدفاعية ليست جديدة تمامًا.

وقال في حديث إلى "العربي": "إن الإرادة التي كانت موجودة في السنوات التأسيسية للجمهورية رغبت في استمرار التطوير في هذا المسار، لكنها توقفت بين أربعينيات وسبعينيات القرن الماضي. وأكّدت العقوبات التي طبقت على تركيا إثر عملية قبرص عام 1974 على أنه يجب على تركيا أن تستيقظ مرة أخرى بشأن هذه القضية، وأن تؤسس صناعة محلية دفاعية".

وبحسب ديمير، فمع تولي حكومة حزب "العدالة والتنمية" للسلطة، صممت الحكومات على إعادة هذه الرغبة إلى جدول أعمالها، وبدأ هذا القطاع ينمو بسرعة بسبب توجيهات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص الحاجة إلى القيام بإنتاج الصناعات المحلية.

التهديد الإرهابي

من جهته، أشار عضو لجنة الأمن والسياسات الخارجية للرئاسة التركية، محمد عاكف كيراتشي، إلى أن تركيا كانت تواجه تهديدًا إرهابيًا بدأ في الثمانينيات، حيث كانت منظمة إرهابية مدعومة من الخارج ومنتشرة على الحدود التركية تحاول تقسيم البلاد.

وتمتلك تركيا بعض التقنيات التي طورتها بهدف الدفاع عن نفسها. 

من جهته، لفت مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط أحمد أولصاي إلى أن الصراعات التي يشهدها العالم تجبر أي دولة على أخذ تدابير أمنية.

ومع حرمان تركيا من الحصول على السلاح في سبعينيات القرن الماضي، بدأت تخطو خطواتها في مسيرة التصنيع العسكري.

تطوير الصناعة

وقد رصد "العربي" كيف كانت تلك الخطوات صغيرة ومتعثرة وتركز على تصنيع الذخيرة والأسلحة التقليدية. وبقيت البلاد تستغل الانفتاح النسبي لدعم جيشها باستيراد السلاح، حيث بلغت نسبة مستورداته عام 2002 نحو 80% من إجمالي احتياجاته.

لكن تركيا كانت في ذلك العام تحديدًا على موعد مع تحوّل سيغيّر المشهد كليًا؛ إذ أولت حكومة العدالة والتنمية الصناعات العسكرية خلال الأعوام العشرين التالية اهتمامًا استثنائيًا، فهوت الواردات عام 2022 إلى حوالي 20% من احتياجات القوات المسلحة.

وارتفعت ميزانية الدفاع من 5,5 مليارات دولار أميركي إلى 60 مليار دولار. كما ازداد عدد الشركات المنخرطة في التصنيع العسكري من 65 شركة عام 2002 إلى 1500 شركة اليوم، ووفرت فرصًا لنحو 73 ألف موظف فيها. 

وقد تراجعت مستوردات البلاد من السلاح بنسبة 56% خلال الأعوام الخمسة الماضية وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم للسلام. واحتلت تركيا المركز 12 بين مصدري السلاح في العالم.

الصناعات العسكرية التركية

مشاريع جديدة 

كما ارتفعت المشاريع الدفاعية من 62 عام 2002 إلى 700 مشروع عام 2022، مما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تحويل مؤسسة الصناعات الدفاعية إلى هيئة مستقلة مرتبطة بالرئاسة مباشرة. 

وقد كشف مهندسون عامون في بعض المشاريع لـ"العربي" عن بعض أسرار هذه الصناعات لأول مرة. 

وقال المهندس أمره جيفجي إنه تم تطوير الطائرة القتالية الوطنية من قبل شركة توساش، كما طورت تركيا قدرة الرادار بإمكانات وطنية خالصة. وتأمل أنقرة في أن تقلع الطائرة الوطنية المقاتلة من المدرج في مارس/ آذار 2023.

كما يتم تطوير طائرة "هيرجت" (طائرة الحرية) لتلبية الحاجة لطائرة تدريب كاملة، وستحل محل طائرات "توس 2" التي يستعملها سلاح الجو حاليًا.

 

وشرح المهندس غوكهان أشار سمات طائرة "أكنجي" التي قد تحمل حوالي طن ونصف من الذخيرة المطورة محليًا، وأخرى قيد التطوير. وأكد أن طائرة "أكنجي" هي أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بغيرها، وتؤدي مهامًا أكثر احترافية وهي تمتلك الأقمار الصناعية، الأمر الذي يوسع مهمتها ونطاقها.

طائرة "بيرقدار"

ونجحت البلاد في بناء نموذج عمل بين القطاع العام والخاص تتضافر فيه الجهود نحو تحقيق هدف تركيا الجديد. وكان الشاب سلجوق بيرقدار أطلق عبر شركة عائلته "باي كار" أول نموذج لطائرة "بيرقدار" أمام مسؤولين حكوميين.

وأكد ديمير أن تركيا تتقدم بما صنعه الآخرون من قبل، "وهناك تقنيات تم استخدامها قبل 50 عامًا أو أكثر وهي التي كانت تشتريها تركيا من الخارج"، مؤكدًا أهمية اللحاق ببعض التقنيات التي تخلفت تركيا عنها.

وأشار إلى أن نقص الخبرة في الموارد البشرية هو أحد أكبر المشكلات التي واجهت تركيا، وقد يحل ذلك من خلال أنظمة تعليمية متنوعة.

ولفت كيراتشي إلى أن الكثير من القطع تستورد من الخارج لكن الهندسة والتركيب تتم في تركيا، مؤكدًا أن ما وصلت إليه الصناعة هو نتيجة تراكم جهود متعددة على مدار عقود.

الصناعات العسكرية التركية

الانخراط في الصراعات الخارجية

وساهم تطور التصنيع العسكري في دعم قدرة القوات المسلحة التركية على الانخراط في الصراعات الخارجية لحماية مصالح البلاد ودعم التوجه السياسي لقيادتها؛ إذ نفذ الجيش التركي أربع عمليات كبرى في سوريا وأعاد التوازن للمشهد الليبي المضطرب.

وقد لفت أولصاي إلى دور الأسلحة التركية المؤثرة في ميدان الحرب في ليبيا.

وشعرت تركيا بأنها مضطرة لدخول الميدان عسكريًا في مرحلة معينة مع تزايد التهديدات التي تواجهها، بحسب كيراتشي.

وقال: "الأزمة في سوريا من جانب والعراق من جانب آخر والوضع في جورجيا والبحر الأسود معروف، وهناك بعض التوترات التي لا طائل منها مع اليونان، ويجب أن تكون تركيا مصدر استقرار في المنطقة".

التوتر الروسي الأوكراني

وكانت أوكرانيا في مقدمة زبائن تركيا حيث اشترت 12 طائرة بيرقدار أرعبت الجنود الروس خلال هجومهم على أوكرانيا.

لكن التوتر الروسي الأوكراني يؤثر على تركيا بشكل مباشر لأنها الدولة التي تسيطر على مضائق البحر الأسود، بحسب كيراتشي، الذي لفت إلى ضرورة تغلب تركيا على هذه الأزمات بدبلوماسيتها واقتصادها.

وقال: "تطوير هذه التقنيات ناتج عن هدفنا في حماية أنفسنا من الأزمات الكبرى والعميقة في العالم".

لكن أولصاي اعتبر أن تركيا أخذت موقف الحياد الإيجابي من الأزمة الأوكرانية الروسية.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close