السبت 14 حزيران / يونيو 2025

من نكبة 1948 وحتى اليوم.. رحلة الغزية غالية أبو مطير مع النزوح المستمر

من نكبة 1948 وحتى اليوم.. رحلة الغزية غالية أبو مطير مع النزوح المستمر

شارك القصة

شهدت غالية أبو مطير جميع الحروب على أرض فلسطين منذ النكبة
شهدت غالية أبو مطير جميع الحروب على أرض فلسطين منذ النكبة - أسوشييتد برس
الخط
كانت أبو مطير تحلم بالعودة إلى قريتها الأصلية وادي حنين، لكنّها باتت الآن تريد العودة إلى رفح التي سُوّي معظمها بالأرض، بما في ذلك منزل عائلتها.

في الرابعة من عمرها، اضطرت غالية أبو مطير للعيش داخل خيمة في خانيونس جنوبي غزة بعد أنّ فرّت عائلتها من منزلها في قضاء الرملة خلال نكبة عام 1948. وبعد 77 عامًا، عادت الآن إلى خيمة تحت نيران الحرب الإسرائيلية على القطاع.

تستذكر أبو مطير في حديث لوكالة "أسوشييتد برس"، رحلة نزوح الفلسطينيين من تلك الحرب إلى حرب الإبادة الجماعية المستمرّة منذ 19 شهرًا وسوّت معظم غزة بالأرض، وأودت بحياة أكثر من 53 ألف شخص، وشرّدت سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وتدفعهم إلى المجاعة.

تعيش أبو مطير (81 عامًا) في خيمة بخانيونس مع أبنائها وبناتها الناجين و45 حفيدًا وتقول: "اليوم نحن في نكبة أكبر من النكبة التي رأيناها من قبل، نعيش حياتنا برعب ليلًا ونهارًا، حيث تُحلّق الصواريخ والطائرات في السماء. الموت أرحم لنا".

من مدينة خيام إلى أخرى

وُلِد قطاع غزة من رحم النكبة. هُجِّر نحو 200 ألف من لاجئي عام 1948 إلى هذه المنطقة الساحلية الصغيرة، ويُشكّل أحفادهم أكثر من 70% من سكان غزة الحاليين.

وحُدِّدت حدود غزة بموجب هدنة بين إسرائيل ومصر عام 1949.

لا تتذكر أبو مطير الكثير عن قريتها وادي حنين، وهي قرية صغيرة تزخر ببساتين الحمضيات في قضاء الرملة. فرّت مع والديها وإخوتها الثلاثة عندما دخلت قوات الاحتلال المنطقة، وقاتلت الفصائل الفلسطينية المحلية وهجّرت بعض القرى.

قالت أبو مطير: "غادرنا بملابسنا فقط، بلا هوية، ولا شيء". وتتذّكر سيرها على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​وسط إطلاق النار، مشيرة إلى أنّ والدها وضع الأطفال خلفه، محاولًا حمايتهم.

ساروا 75 كيلومترًا إلى خانيونس، حيث استقرّوا في مدينة خيام شُيّدت لإيواء آلاف اللاجئين. هناك، وفّرت وكالة "الأونروا" الأممية التي أُنشئت آنذاك لرعايتهم مؤقتًا كما كان الظنّ، الطعام والإمدادات، بينما كان قطاع غزة تحت الحكم المصري.

بعد عامين من العيش في خيمة، انتقلت عائلتها جنوبًا إلى رفح وبنت منزلًا. وتوفي والد أبو مطير في أوائل خمسينيات القرن الماضي.

وعندما اقتحمت القوات الإسرائيلية غزة أثناء غزو سيناء المصرية عام 1956، فرّت العائلة مرة أخرى إلى وسط غزة، قبل أن تعود إلى رفح.

وفي السنوات التي تلت حرب 1967 عندما احتلّت إسرائيل غزة والضفة الغربية، غادرت والدة أبو مطير وإخوتها إلى الأردن، بينما بقيت غالية في رفح مع زوجها وأولادها.

وقالت: "شهدتُ جميع الحروب على أرض فلسطين، ولكنّ أي واحدة منها لا تُضاهي هذه الحرب الحالية".

قبل عام، فرّت عائلتها من رفح مع اجتياح القوات الإسرائيلية للمدينة. وهم يُعيشون الآن في مخيم المواصي خارج خانيونس. استشهد أحد أبنائها في غارة جوية، تاركًا وراءه ثلاث بنات وابنًا وزوجته الحامل آنذاك. كما استشهد ثلاثة من أحفادها.

وارتفعت معدلات الجوع وسوء التغذية في قطاع غزة، مع نفاد مخزونات الغذاء نتيجة دخول جميع المواد الغذائية والوقود والأدوية وغيرها من الإمدادات إلى غزة.

تعيش أبو مطير في خيمة بخانيونس مع أبنائها وبناتها الناجين و45 حفيدًا
تعيش أبو مطير في خيمة بخانيونس مع أبنائها وبناتها الناجين و45 حفيدًا- اسوشييتد برس

وقالت أبو مطير: "هنا في المواصي، لا يوجد طعام ولا ماء. الطائرات تقصفنا. أطفالنا يستشهدون أمام أعيننا".

الدمار يختبر إرادة الفلسطينيين على البقاء

منذ عام 1948، نشأت أجيال في غزة على فكرة الصمود والثبات للدفاع عن أرضهم وحقّهم في العودة إلى ديارهم القديمة بعد أن رفضت إسرائيل السماح للاجئين بالعودة، بزعم أنّ العودة الجماعية ستُنهي وجود الأغلبية اليهودية.

وأكد أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في غزة، لوكالة أسوشييتد برس، أنّه لن يغادر غزة أبدًا.

ورفض الشوا مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ "أي هجرة ستكون طوعية"، مشيرًا إلى أنّ "إسرائيل جعلت غزة غير صالحة للعيش لعقود مقبلة".

بدورها، تُصرّ خلود اللحام (23 عامًا)  التي تُقيم في دير البلح، على البقاء في غزة.

تتذّكر أبو مطير سيرها على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط وسط إطلاق النار
تتذّكر أبو مطير سيرها على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط وسط إطلاق النار- اسوشييتد برس

وقالت: "إنّها أرض آبائنا وأجدادنا منذ آلاف السنين. تعرّضت للغزو والاحتلال على مرّ القرون، فهل من المعقول أن نتركها بهذه السهولة؟".

هل نعود إلى الأنقاض؟

تتذكّر أبو مطير المرات القليلة التي تمكّنت فيها من مغادرة غزة، خلال عقود من الاحتلال الإسرائيلي.

ذات مرة، ذهبت في زيارة جماعية إلى القدس المحتلة. وبينما كانت حافلتهم تمرّ عبر المناطق، نادى السائق بأسماء البلدات الفلسطينية المهجورة التي مرّوا بها: أسدود، والمجدل (عسقلان) حاليًا.

مرّت الحافلة على مقربة من قريتها وادي حنين. وقالت إنّ فلسطينيين عملوا في مستوطنة "نيس زيونا" الإسرائيلية التي بُنيت على أرض وادي حنين، أخبروها أنّه لم يبقَ من البلدة الفلسطينية القديمة سوى منزل أو منزلين ومسجد، حُوّل فيما بعد إلى كنيس يهودي.

كانت أبو مطير تحلم بالعودة إلى وادي حنين، لكنّها الآن باتت تريد العودة إلى رفح التي سُوّي معظمها بالأرض، بما في ذلك منزل عائلتها.

وسألت: "إلى ماذا نعود؟ إلى الأنقاض؟".

تابع القراءة

المصادر

ترجمات
تغطية خاصة