الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

موقع آشور العراقي.. تاريخ مهم معرض لخطر الزوال

موقع آشور العراقي.. تاريخ مهم معرض لخطر الزوال

Changed

 آشور هي أول عاصمة للإمبراطورية الآشورية
آشور هي أول عاصمة للإمبراطورية الآشورية (موقع smithsonianmag.com)
في العصور القديمة، كان الموقع عبارة عن نحو ستة ملايين طوبة طينية مغطاة بصفائح من الحديد والرصاص، لكنّ الآن، "بدت الكومة العظيمة كما لو أنها تذوب كالشمع".

على الضفة الغربية لنهر دجلة، على بعد أقلّ من ميل من النهر من بلدة الشرقاط في شمال العراق، يبرز نتوء صخري إسفيني الشكل على الشريط الأزرق لنهر دجلة في منحنى حاد باتجاه الجنوب. تتشبث به بعض الحقول الصغيرة من المحاصيل الخضراء بالقرب من الماء، وسط مساحة شاسعة من الصحراء.

وعند قاعدة الصخرة، يوجد مبنى متهالك بنوافذ ذات قضبان حديدية وحارس مسلّح. إنه مكتب سالم عبد الله، المدير الأثري لمدينة آشور القديمة، التي ازدهرت ذات يوم على هذه الصخرة كعاصمة للإمبراطورية الآشورية.

"مثل عائلتي"

نشأ عبد الله في قرية مجاورة، وتربطه صلة طويلة بآشور. كان والده يعمل في الموقع الأثري، حيث توفي بنوبة قلبية بين الأنقاض. ومنذ عام 2001، عمل عبد الله في المكان ايضًا.

وقال لمجلة "سميثونيان" الأميركية المعنية بالآثار: "علاقتي بهذا المكان أهم من الوظيفة. إنه مثل عائلتي. أفكر في هذا المكان كما أفكّر بأجدادي".

معبد آشور

نشأت الإمبراطورية الآشورية في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وكانت أقوى إمبراطورية شهدها الشرق الأدنى على الإطلاق في القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد، وشملت بلاد ما بين النهرين والأناضول وأجزاء من مصر والشام .

ويُعتقد أن آشور، أول عاصمة للإمبراطورية، هي المظهر المادي للإله الذي سُمّيت المدينة باسمه، بينما يُشار إلى المعبد على أنه مقر إقامته الأبدي.

لكنها كانت أيضًا مركزًا ثريًا للتجارة الإقليمية، حيث تقع على طول أحد طرق القوافل الرئيسية، وشكّلت علاقة تجارية مربحة بشكل خاص مع الأناضول، أو تركيا اليوم.

في العصور القديمة، كان الموقع عبارة عن نحو ستة ملايين طوبة طينية مغطاة بصفائح من الحديد والرصاص، لكنّ الآن، "بدت الكومة العظيمة كما لو أنها تذوب كالشمع"، وفقًا للمجلة.

تسعون بالمئة من الموقع لم يُكتشف بعد

وقال عبد الله إنه لم يتم التنقيب إلا عن جزء بسيط من تاريخ هذا الموقع، الذي من المفترض أن يكون قد احتضن 117 ملكًا آشوريًا.

وأضاف: "عندما مات هؤلاء الملوك، دفنوا هنا، لكن حتى الآن لم يتمّ تحديد سوى ثلاثة مقابر ملكية"، ويتساءل: "أين البقية؟ إنهم هنا، تحت أقدامنا".

تمّ التنقيب في آشور لأول مرة في مطلع القرن العشرين، عندما أنشأت بعثة ألمانية حدود المدينة بسلسلة من الخنادق.

واستعاد علماء الآثار آلاف الأختام الأسطوانية وألواح الطين المخبوزة، وبعضها منحوت بنقوش مسمارية مكتوبة في الألفية الثانية قبل الميلاد، والتي تفصّل الطقوس الدينية والمعاملات التجارية ومواضيع أخرى.

لكن في العقود الأخيرة، عمل علماء الآثار في الموقع بشكل متقطع فقط. وقال عبد الله: "بالنسبة للعراقيين، إنها باهظة الثمن. لكنّ الحكومة لا تستطيع تحمل كلفة التنقيب".

وانتهت آخر أعمال التنقيب عام 2002، ويقدّر عبد الله أن 85 إلى 90% من الموقع لم يكتشف بعد.

آشور

نهب وتدمير

أشارت المجلة إلى أن التحديات عديدة، منها ضرورة تأمين الموقع، حيث يكاد يكون من المستحيل ذلك بمجرد نصب سياج شبكي على طول الطريق. كما أن سكان الشرقاط، المدينة المحيطة، يعاملون هذا الموقع الأثري، وكأنه حديقة محلية، ويتجوّلون فيه للنزهة، وهو ما يزيد من خطورة بقائه شاهدًا على حقبة تاريخية مهمة.

وقال عبدالله: "في الربيع لا يمكنك رؤية الأرض"، في إشارة إلى حجم المتسللين والقمامة التي يخلفونها وراءهم. لكنّه في الوقت نفسه، شدّد على أن السكان المحليين سيكونون أقل ضررًا بالموقع الأثري لو كانوا يعرفون المزيد عن المكان وقيمته، ولكن بالنظر إلى الصراعات وعدم الاستقرار الذي عانى منه العراق في العقود الأخيرة، فإن فرص تثقيفهم كانت ضئيلة جدًا

كما شهد هذا المعلم التارخي الهام عمليات نهب، وعندما تتساقط الأمطار، تنجرف التربة، وتظهر القطع الأثرية، وبينها قطع من الفخار وألواح وتماثيل مسمارية  على سطح الأرض، وبالتالي تكون عرضة للسرقة.

عام 2015، تعرّضت بوابة الموقع لأضرار جسيمة عندما أحدث مقاتلو "تنظيم الدولة"، ثقبًا كبيرًا فيها.

وبعد ثلاث سنوات من تحرير المنطقة، نفّذ مشروع مشترك بين الجامعة الأميركية في العراق ومؤسسة "ألف"، وهي مجموعة تعمل على حماية التراث الثقافي في مناطق الحرب، أعمال إعادة إعمار للبوابة.

آشور

تداعيات سدّ مكحول

ومع ذلك، يُبدي عبد الله قلقه من التهديدات التي يتعرّض لها الموقع، وقلقه الأكبر هو التخطيط لبناء سد على بعد 25 ميلًا جنوبًا، في مكحول.

وتم اقتراح بناء السد لأول مرة في عام 2002، وفي العام التالي، صنّفت "اليونسكو" مدينة آشور على أنها موقع تراث عالمي "في خطر"، محذرة من أن الخزّان قد يغمر العديد من المواقع الأثرية القريبة.

عام 2003، توقّف المشروع بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، ولكن مع مخاوف من نقص المياه في المنطقة، أعادت الحكومة في بغداد إحياء المشروع.

وفي أبريل/ نيسان 2021، وضع العمال حجر الأساس، وظهرت الحفارات وآليات البناء الأخرى في الموقع منذ ذلك الحين.

ويُقدّر خليل خلف الجبوري، وهو رئيس قسم الآثار في جامعة تكريت، في حديث للمجلة، أن أكثر من 200 موقع أثري بالقرب من الشرقاط معرّضة لخطر الفيضانات. بما في ذلك المواقع الآشورية، التي شيّدت بشكل أساسي من الطين "والتي ستضيع إلى الأبد".

وقال الجبوري: "الحكومة لا تستمع للأكاديميين أو الجيولوجيين أو لأي كان"، محذرًا من ما أسماه "كارثة اجتماعية" حيث يواجه عشرات الآلاف من الأشخاص النزوح.

ورغم ذلك، لم يفقد عبد الله الأمل، لكنه وافق على أن مستقبل آشور "رهيب" ما لم يتمّ تغيير الخطط.

يُذكر أن آثار العراق تتعرّض للنهب منذ عقود لا سيما خلال المرحلة التي سيطر خلالها "تنظيم الدولة" على أجزاء واسعة من البلاد عام 2014.

وتشكّل استعادة هذه القطع المنهوبة، واحدة من التحديات الأساسية للحكومة الحالية.

المصادر:
ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close