الأحد 14 أبريل / أبريل 2024

نزاع لبنان وإسرائيل ليس الأول.. ما سر أزمات ترسيم الحدود شرقي المتوسط؟

نزاع لبنان وإسرائيل ليس الأول.. ما سر أزمات ترسيم الحدود شرقي المتوسط؟

Changed

حلقة جديدة من "قضايا" تسلط الضوء على النزاعات حول ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط (الصورة: غيتي)
ازدادت في الآونة الأخيرة أزمات ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، آخرها المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل.

يعيش العالم أزمة في الطاقة وحروبًا اقتصادية بين الدول على النفط والغاز ولاسيما بعد أزمة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.

وتشتعل الخلافات بين الدول للسيطرة على مقدرات الغاز الطبيعية الكامنة في مياه شرق المتوسط. وترتسم هذه الخلافات على ترسيم الحدود، ولعل الحرب على أوكرانيا وارتفاع أسعار الغاز والنفط إلى مستويات قياسية هي ما أيقظ هذه الخلافات في منطقة شرق المتوسط والتي قد تمثل بديلاً للغاز الروسي، الذي يغذي القارة الأوروبية بالطاقة.

"حل دائم ومنصف"

مؤخرًا، تم تكثيف قنوات التواصل ولعب الوسيط الأميركي دورًا محوريًا لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فلبنان في حاجة إلى ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل لكي يتمكن من التنقيب.

كما أن إسرائيل هي الأخرى في حاجة إلى الترسيم مع لبنان لأن الشركات ترفض العمل في مناطق متنازع عليها قد تقود إلى صدام عسكري، لا سيّما وأن إسرائيل تحدثت في أكثر من مناسبة عن مشاريعها لإيصال الغاز إلى أوروبا.

وذكرت وكالة "رويترز" أنّ الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يهدف إلى التوصل لـ"حل دائم ومنصف" للنزاع القائم منذ فترة طويلة.

وازدادت في الآونة الأخيرة أزمات ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، آخرها المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل عبر الوسيط الأميركي. واعتمد المقترح الأميركي الخط "23" لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ومنح بيروت حقل قانا النفطي مع عدم وجود منطقة أمنية بحرية عازلة.

توترات وأزمات

وليس بالبعيد عن هذه الخلافات، دخلت تركيا مياه شرق المتوسط بحثًا عن مصادر الطاقة التي تعاني البلاد من نقصها. وأثارت موارد الغاز الوفيرة في شرق المتوسط توترات بين تركيا واليونان وفرنسا، وليس لدى أيّ من تلك الأطراف استعداد للتخلي عن حلم الوصول إلى هذه الموارد القيّمة.

وفي نهاية 2020، دخلت التوترات الزائدة بين أنقرة وأثينا بشأن جهود تركيا لاستكشاف حقول غاز جديدة في شرق المتوسط مرحلة جديدة.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020 أعلنت تركيا أنّ سفينة التنقيب "أوروك ريس" عادت إلى ميناء أنطاليا بعد انتهاء مهمتها التي بدأت في العاشر من أغسطس/ آب 2020، وذلك بعد توقيع اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية بين حكومة الوفاق الليبية وتركيا، الأمر الذي عمق الخلاف القائم لعقود من الزمن بين اليونان وتركيا، وأزمة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

تقول اليونان إنّ لها الحق في تمديد مياهها الإقليمية لمسافة 12 ميلاً وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وترى أنقرة أنه إذا وسعت اليونان مجال مياهها الإقليمية وفقًا للاتفاقية فستضيق الممرات المائية التركية في أعالي البحار ولا يمكن لتركيا قبول هذا التصرف.

الاتفاق بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية عمق الخلاف القائم لعقود بين اليونان وتركيا - غيتي
الاتفاق بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية عمق الخلاف القائم لعقود بين اليونان وتركيا - غيتي

اتفاقيات وتعاون

ومع نمو الحاجة الأوروبية إلى الغاز، زاد التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص الذي لم يكن مجرد استجابة طارئة لأزمة بدأت خلال الشهور القليلة الماضية، لكنه جاء متسقًا مع توقيع مصر وقبرص اتفاقًا في مايو/ آيار 2018 لمدّ خط أنابيب من حقل "أفروديت" القبرصي الذي تقدر احتياطياته بين 3.6 و6 تريليونات قدم مكعب تقريبًا/ بغرض تسييلها في مصر وإعادة تصديرها إلى أوروبا. وتقدر تكلفته بنحو مليار دولار أميركي.

وكذلك أعلنت اليونان ومصر عام 2020 توقيع اتفاقية لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بالجرف القاري للبلدين، والتي ترى تركيا أنها تهدف لمحو الحدود البحرية بين تركيا وليبيا.

وكانت مصر واليونان وقبرص في وقت سابق قد أبدت انزعاجًا من عمليات وأنشطة التنقيب التركية في بحر إيجة وشرقي المتوسط، ولذلك تم تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط من سبع دول هي مصر وفلسطين والأردن وقبرص وإسرائيل واليونان وإيطاليا، مستبعدة تركيا.

وفي مارس/ آذار عام 2021 تمت الموافقة على انضمام فرنسا لمنتدى غاز شرق المتوسط بصفة عضو والولايات المتحدة بصفة مراقب.

وسابقًا توصلت جمهورية قبرص إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان عام 2007 ومع إسرائيل عام 2010 لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة.

قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركي في عام 2010 احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون متر مكعب من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط قابل للاستخراج.

وغالبًا ما كان الاتفاق على ترسيم الحدود وتحديد الحقول مع الدول المجاورة معلقًا، لكن ومع الاكتشافات الضخمة أصبحت المسألة مهمة للغاية وباتت موازين القوى أكثر أهمية في المعادلة.

من الرابح والخاسر؟

يرى المؤرخ والأكاديمي عصام خليفة أن إسرائيل هي "الرابح" من اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، لاسيما أن الأخير خسر أكثر من 1430 كلم يمنحها له القانون الدولي.

ويعتبر في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أنّ الاحتلال الإسرائيلي فرض على الدولة اللبنانية التخلي عن جزء من أراضيها والمياه الإقليمية في رأس الناقورة، مؤكدًا أن تلك المنطقة هي "جزء من لبنان الكبير" ضمن ما ينص عليها اتفاق باريس عام 1920 واتفاق الهدنة وغيرها من الاتفاقيات الأخرى.

كما يشير إلى "خسارة" لبنان قضايا أخرى في هذا الملف، على غرار "عدم قدرته على التحرك ضمن سيادة الدولة على امتداد الخط 23"، إضافة إلى أنه في حال حصول خلاف لا يتم العودة إلى القانون الدولي أو الأمم المتحدة كمرجعية، بل إلى الولايات المتحدة.

الاتفاق "جريمة"

وبشأن "موافقة" الحكومة اللبنانية على الاتفاق مع إسرائيل على الرغم من "بخسه" لحقوق لبنان، يرى المؤرخ والأكاديمي عصام خليفة أن هناك "ترويكا فساد" وراء ذلك، مشيرًا إلى وجود "مخالفة للمادة الثانية من الدستور" و"الميثاق الوطني" والقوانين الدولية.

وعلى الرغم من "امتداح" الرؤساء الثلاث في لبنان للاتفاق، يصفه خليفة بـ"الجريمة"، إذ يعتبر أنّ المفاوضات مع إسرائيل "لم تعط لبنان حقه، بل بددت مئات مليارات الدولارات للشعب اللبناني"، ويؤكد أنّ ما جرى هو "تخلٍ عن مصالح لبنان العليا وإخلال بالدستور وبالميثاق والقانون".

ويعتبر أنّ التنصيص على "تبادل المعلومات على امتداد الحقول الموجودة على طول خط 23" بين لبنان وإسرائيل، يدخل في سياق "التطبيع"، على الرغم من "الاختباء" وراء الكلمات ضمن الاتفاق.

ويشير إلى أن إسرائيل تعمل من خلال هذا الملف على فرض الأمر الواقع على الدولة اللبنانية، وتستمر في عمليات "الضخ" من الحقول المكتشفة في تلك المناطق المتنازع عليها.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close