غالبًا ما تهاجمنا نوبة من الخمول في فترة ما بعد الظهر، يتلاشى فيها تركيزنا؛ فنهرع لتناول الحلويات أو فنجان من القهوة لعلها تعيدنا إلى وضع اليقظة والنشاط.
وتشير الحكمة التقليدية إلى أن الموجة المفاجئة من التعب بعد الظهر تتعلق بخياراتنا الغذائية في وقت الغداء، لكن العلماء يعتقدون أن هذا الانخفاض في الطاقة متأصل في بيولوجية الإنسان، بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
ونتيجة لذلك، فإن الساعة الداخلية للجسم، والتي تدير دورة النوم والاستيقاظ، تملي أن يتم إطلاق هرمونات النعاس في منتصف فترة ما بعد الظهر وكذلك عند اقتراب الليل.
ووفقًا للساعة البيولوجية للجسم، يميل الإنسان إلى الشعور بالنعاس أكثر بين الساعة الثانية والسابعة صباحًا، وهو وقت مناسب للنوم، لكنه يشعر بالنعاس أيضًا، وإن كان بشكل أقل، بين الساعة الثانية والخامسة بعد الظهر.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن تجاوز الساعة البيولوجية للجسم، فإنه يمكن التكيف معها وتعديل النظام الغذائي والعادات اليومية للحصول على الطاقة والتركيز في فترة ما بعد الظهر.
وتعرض صحيفة "ديلي ميل" عدة توصيات لتفادي فترة الخمول المزعجة، استنادًا لنصائح الباحثة المتخصصة في التغذية إيملي ليمنغ.
لا تتخط وجبة الفطور
بعد تناول وجبة نهارية، يمكن أن نشعر بالخمول بعض الشيء، ولكن عندما يتعلق الأمر بوجبة الفطور، قد يكون العكس هو الصحيح - فتخطيها قد يؤدي إلى تكثيف انخفاض الطاقة بعد الغداء، بحسب دراسة أجريت عام 2018 في مجلة علم وظائف الأعضاء السريرية والتصوير الوظيفي.
استخدم الباحثون التصوير بالموجات فوق الصوتية لقياس تدفق الدم في الدماغ ووجدوا أن الذين تخطوا وجبة الفطور انخفض تدفق الدم لديهم بشكل ملحوظ لمدة ساعة تقريبًا بعد الغداء، في حين أن أولئك الذين تناولوا وجبة الإفطار لم يواجهوا هذا الانخفاض.

ورغم أن سبب ذلك ليس واضحًا تمامًا، فإن أحد الاحتمالات هو أن تخطي وجبة الفطور يعني أن الجسم يعمل بجهد أكبر لهضم وجبة الغداء، مما يتسبب في حدوث تحول أكبر في تدفق الدم إلى الأمعاء.
ويعني ذلك وصول كمية أقل من الأكسجين والمواد المغذية إلى الدماغ. لذا تنصح ليمنغ بتناول شيء ما على الإفطار، حتى لو كان مجرد موزة.
اختر وجبة غداء غنية بالبروتين
كما يساعد تناول وجبة الإفطار على الالتزام بوجبة غداء معتدلة، وبالتالي تحسين مستويات الطاقة بعد الغداء.
ففي دراسة أجريت عام 2012 ونشرت في مجلة علم وظائف الأعضاء والسلوك، اختبر الباحثون قدرة السائقين الشباب على القيادة بعد تناول وجبة غداء خفيفة (300 سعرة حرارية) أو غداء ثقيل (900 سعرة حرارية).
ووجدوا أن أولئك الذين تناولوا وجبة غداء أكبر شعروا بالنعاس بشكل عام - وهو ما أكدته عمليات المسح التي أظهرت نشاط أدمغتهم - وانجرفوا أكثر عبر الممرات، مع ظهور التأثيرات بعد حوالي 30 دقيقة من القيادة.
ويعتقد الباحثون أن الوجبة الكبيرة جعلت السائقين يشعرون بالنعاس لأنها تحتوي على نسبة عالية من الدهون، مما قد يؤدي إلى تحفيز الهرمونات المسؤولة عن الشعور بالنعاس.
ويمكن استبدال وجبة الغداء الكبيرة والغنية بوجبة تحتوي على الكثير من البروتين والألياف للحفاظ على ثبات الطاقة. فوجبة غنية بالبروتين الخالي من الدهون كالدجاج أو الحمص أو الجبنة بالإضافة إلى الكثير من الخضار، قد تكون مثالية. ويمكن إضافة حصة من الفاكهة أو حفنة من المكسرات للحصول على طاقة تدوم لفترة أطول.
ذكر نفسك بضرورة الحركة
إن الجلوس معظم اليوم لا يساعد في علاج الركود بعد الظهر لأنه يبطئ تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ. يمكن أن تؤدي دقائق من الحركة السريعة إلى إيقاظ الفرد وتعزيز تركيزه.
فقد وجد الباحثون أن المشي لمدة 30 دقيقة في الصباح بالإضافة إلى خمس دقائق (مرة واحدة في الساعة) يعزز الطاقة. لكن المشي القصير والمتكرر فقط هو الذي أدى إلى تحسين الحالة المزاجية وتقليل التعب والحد من الرغبة الشديدة في تناول الطعام بحلول نهاية اليوم، وفقًا لتقرير صدر عام 2016 في المجلة الدولية للتغذية السلوكية والنشاط البدني.
ويعتقد الباحثون أن فترات الحركة القصيرة تساعد على تدفق الدم وتحفّز الجسم.
شرب الماء قبل الشعور بالعطش
تتكون أدمغتنا من 75% من الماء وهي حساسة بشكل خاص للتغيرات في مستويات الماء، فحتى انخفاض بنسبة 1-2% يكفي للتأثير على طريقة تفكيرنا وشعورنا، مما يؤدي إلى تباطؤ في نشاط الدماغ وصعوبة في التركيز وحتى إلى انخفاضات في المزاج.
لكن الجزء الصعب هو أنه عادة لا نشعر بالعطش إلا بعد أن نصل إلى هذا المستوى بالفعل، لذلك بحلول الوقت الذي نتناول فيه مشروبًا، يكون الدماغ قد استعاد نشاطه.
وقد وجدت دراسة أجريت عام 2020 في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة أن شرب كوبين من الماء (500 مل) في الصباح بعد 12 ساعة بدون سوائل طوال الليل، يحسن المزاج والطاقة والذاكرة العاملة، بينما يساعد كوب واحد فقط (200 مل) في تحسين المزاج والطاقة.

وبحسب الدراسة، لم يكن نصف كوب من الماء كافيًا، فيما ترك تخطي الماء تمامًا المشاركين متعبين وغاضبين.
لذا من الضروري الحرص على شرب كوبين من الماء مع وجبة الغداء.
وبعكس الاعتقاد السائد، فمن الضروري تجنب المشروبات التي تحتوي على الكافيين بعد منتصف النهار، حيث يبقى الكافيين في الجسم لمدة تتراوح بين ساعتين إلى 12 ساعة ما يؤثر على نوعية النوم خلال الليل وبالتالي يجعل فترة ما بعد الظهيرة أسوأ في اليوم التالي.
حفنة من التوت تعزز الطاقة
قد لا يبدو التوت بمثابة معزز طبيعي للطاقة بعد الظهر، لكن الأبحاث تشير إلى أنه يمكن أن يكون كذلك، حتى لو تم تناوله في وقت مبكر من اليوم.
ففي دراسة أجريت عام 2019 ونشرت في مجلة "نيوترينتس" تم إعطاء المشاركين عصير التوت المجمد بحجم 400 مل (مصنوع من الفراولة والتوت الأزرق والتوت الأسود والتوت) أو مشروب وهمي (يتناسب مع الكربوهيدرات وفيتامين C) في الساعة 9 صباحًا.
بعد ذلك، طُلب من المتطوعين القيام بمهام عقلية، وتكرارها كل ساعتين لمدة ست ساعات حتى الساعة الثالثة بعد الظهر، وهو الوقت الذي عادة ما يحدث فيه الركود.
شهدت مجموعة الدواء الوهمي انخفاضًا في أدائها العقلي مع مرور اليوم؛ فيما حافظ أولئك الذين شربوا عصير التوت على دقتهم واستجابتهم بشكل أسرع.
فالتوت غني بالفلافونويدات، وهي مركبات نباتية يمكنها العبور إلى الدماغ، وهي ميزة تميزها عن العديد من العناصر الغذائية الأخرى. وتدعم هذه المادة التعلم والذاكرة بينما تقلل أيضًا من الالتهاب والإجهاد التأكسدي أي تلف الخلايا، وكلاهما مرتبط بالتدهور المعرفي.
ووفقًا للدراسة لا يمنح التوت تأثيرًا مشابهًا للكافيين، لكن يجب أن يبدأ مفعوله خلال ساعتين.
جرعة من ضوء الشمس
يعزز الضوء الطبيعي اليقظة والتركيز. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2025 أن ضوء النهار الساطع يساعدنا على التركيز ومعالجة المعلومات بشكل أكثر فعالية.
فالأشخاص الذين يؤدون المهام في ضوء النهار الساطع كان أداؤهم أفضل من أولئك الذين يعملون في الضوء الأبيض الدافئ الخافت، مما يشير إلى أنه حتى فترة قصيرة من ضوء النهار تزيد من حدة التفكير.
ويدفع الضوء بالدماغ للبقاء في حالة تأهب، ما يعزز التركيز والوضوح العقلي. فإذا كنت تعاني من الخمول في فترة ما بعد الظهر، فاخرج لبضع دقائق أو اجلس بجوار النافذة.