الجمعة 6 ديسمبر / December 2024

هدف إسرائيل المعلن.. هل نجح نتنياهو بتفكيك "وحدة الساحات"؟

طوفان الأقصى
هدف إسرائيل المعلن.. هل نجح نتنياهو بتفكيك "وحدة الساحات"؟
الخميس 28 نوفمبر 2024

شارك القصة

في اجتماع على هامش مهرجان شعبي في مخيم اليرموك قرب دمشق -غيتي
في اجتماع على هامش مهرجان شعبي في مخيم اليرموك قرب دمشق -غيتي
الخط

في خطابه الذي ألقاه مساء الثلاثاء 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأعلن فيه موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن ثلاثة أسباب كانت وراء سعيه لوقف النار، وهي: التركيز على إيران، وتجديد إمدادات الأسلحة مع منح الجيش قسطًا من الراحة، وأخيرًا عزل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس".

ولعلّ النقطة الأخيرة شكّلت "تقاطعًا" بين إسرائيل والولايات المتحدة، راعية الاتفاق على وقف إطلاق النار، فقبل خطاب نتنياهو بساعات قليلة، اعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الاتفاق سيجعل حماس تدرك جيدًا "أنها لا تستطيع أن تعوّل على فتح جبهات أخرى في الحرب"، وذلك خلال ردّه على أسئلة الصحافيين في فيوجي قرب روما. 

إزاء ذلك، يبدو السؤال مشروعًا حول ما إذا كان الاتفاق على وقف إطلاق النار في لبنان، ينطوي على تفكيك لما سُمي على نطاق واسع "وحدة الساحات"، وما إذا كان ذلك يتحقق حصرًا بعزل حماس، أي عمليًا الاستفراد بها وبقطاع غزة الذي تقول التقارير إن عدد الشهداء والجرحى فيه وصل إلى نحو 149 ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء، منذ بدء العدوان الوحشي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. 

عزل حماس أم تفكيك وحدة الساحات؟

تنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قيادي في حماس وصفه لاتفاق وقف النار باعتباره انتصارًا كبيرًا للمقاومة، مع إضافة حاسمة وهي أن حركته "جاهزة" لإبرام اتفاق مع إسرائيل بشأن هدنة في قطاع غزة.

والأمر نفسه ورد في بيان للحركة التي اعتبرت أن قبول إسرائيل بالاتفاق من دون تحقيق شروطها يُعدّ "محطة مهمة في تحطيم أوهام نتنياهو بتغيير خارطة الشرق الأوسط". 

يعني ذلك أنّ هناك شعورًا بالامتنان لدى قادة الحركة لموقف حزب الله وإسناده وتضحياته، إلا أنه يعكس في الوقت نفسه شعورًا بأن العدوان الإسرائيلي توقف في جبهة لكنه سيتواصل بوحشية أكبر في أخرى، ولا سيما أنّ إسرائيل تروّج لتحقيقها انتصارًا على نحو ما، باعتبار أنها حققت وفق ما تقول، أهدافها في لبنان، وضربت البنية العسكرية لحزب الله، وهو ما ينفيه هذا الأخير، وقد واصل عملياته حتى اليوم الأخير من العدوان.

لكنّ إسرائيل، بحسب السردية التي تروّج لها، حقّقت ما هو أهم من ذلك إستراتيجيًا، بتحييدها حزب الله وإخراجه من معادلات الصراع، أو هذا ما تأمل، ما يتيح لها عزل حماس عن بقية ما يسمى محور المقاومة والاستفراد بها، أو بلغة أخرى تفكيك وحدة الساحات بحيث تصبح لإسرائيل اليد الطولى، باستهداف كل طرف على حدة بتكلفة عسكرية أقل عليها مما لو خاضت حربها على جميع أطراف "محور المقاومة" في "الساحات" كلها.

احتفالات في لبنان باتفاق وقف إطلاق النار-غيتي
احتفالات في لبنان باتفاق وقف إطلاق النار-غيتي

مصطلح حديث وغائم الدلالة

يعتبر مصطلح وحدة الساحات حديثًا من حيث التداول في الأدبيات السياسية، ويعيده بعض الباحثين إلى عام 2021، خلال أحداث الشيخ جرّاح والحرب التي أعقبتها بين حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. 

في مايو/ أيار 2021 بدأت أحداث حي الشيخ جراح الذي يقع في البلدة القديمة من مدينة القدس، حين حاول مستوطنون يتمتعون بحماية الجيش الإسرائيلي إجبار عائلات فلسطينية على إخلاء بيوتها للاستيلاء عليها، لكنّ الأمر تحوّل إلى اشتباكات عنيفة امتدت إلى المسجد الأقصى الذي اقتحمته قوات الاحتلال. 

الشيخ جراح في القدس ومحاولة المستوطنين إخلائه من أصحابه-غيتي
الشيخ جراح في القدس ومحاولة المستوطنين إخلائه من أصحابه- غيتي

ردًا على ذلك خرجت مظاهرات ومسيرات في المدن الفلسطينية داخل مناطق الـ48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، ووجّه متظاهرون من باحة المسجد الأقصى نداءات إلى محمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) بالتدخل.

استجابت حماس آنذاك، عملًا بمبدأ وحدة الساحات الفلسطينية، وأمطرت مدنًا إسرائيلية من بينها تل أبيب وحيفا بالصواريخ، في معركة سمّتها "سيف القدس"، بينما أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية اسم "حارس الأسوار".

هذا يعني أن المقصود بوحدة الساحات آنذاك كان ساحات العمل الفلسطيني ضد الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية، سواء كانت تحت الاحتلال كليًا أو جزئيًا، كما في حالة الضفة الغربية، أو جزء من إسرائيل، كما هو حال ما تسمى مدن الخط الأخضر التي تقع داخل أراضي الـ48، أو قطاع غزة الذي كان يخضع لحصار خانق.

الاختبار العسير لوحدة الساحات

عاد مصطلح "وحدة الساحات" إلى التداول مجددًا مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مكتسبًا هذه المرة معنى جديدًا، يوسّع قوسه دلاليًا ليتجاوز الجغرافيا الفلسطينية إلى الجوار العربي، ويضم لبنان وسوريا والعراق واليمن، ما يفسّر انضمام حزب الله إلى حماس فيما سماها معركة الإسناد، ولاحقًا انضمام جماعة أنصار الله (الحوثيون) وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق الذين نفذوا عمليات عسكرية ضد إسرائيل بالطائرات المسيّرة أو الصواريخ.

نصر الله وإسماعيل هنية في اجتماع يعود إلى عام2020- غيتي
نصر الله وإسماعيل هنية في اجتماع يعود إلى عام2020- غيتي

لكن عودة المصطلح لا تعني تحققه وتحوّله إلى واقع، فرغم أن الجماعات التي سبق ذكرها نفذّت عمليات عسكرية ضد إسرائيل إلا أنها لم تنخرط بثقلها كاملًا في الحرب ضد إسرائيل، وثمة فرق كبير.

فقد ضبط حزب الله إيقاع هجماته العسكرية ضمن ما كان يسمى قواعد الاشتباك، أي الردود المتدرجة التي تؤلم من دون أن تدفع إسرائيل لإعلان الحرب أو الرد العسكري الشامل، وهو ما كان يعني أن مقاربة الحزب لمفهوم وحدة الساحات مرتبطة لديه بفهمه لدور محور المقاومة، وأن الأولوية للمحور وليس للساحات.

حماس تحركت منفردة 

عندما بدأت حماس عمليتها العسكرية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 حرص قادتها على التأكيد أنها ليست منسّقة مع بقية أطراف محور المقاومة، بل ذهب بعضهم إلى التأكيد بأن قادة حماس في الخارج فوجئوا مثل غيرهم بحجم العملية التي تعتبر غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع إسرائيل.

لاحقًا، أكد حزب الله وإيران بأن الحركة لم تضعهما في صورة العملية قبل تنفيذها، ولاحقًا أيضًا قوربت "طوفان الأقصى" باعتبارها وإن كانت عملًا منفردًا إلا أن بقية أطراف المحور لا تملك إلا إسنادها ضمن إمكانيات كل طرف في المحور ورؤيته لدوره في الصراع، وكانت عمليات حزب الله ضمن هذه المقاربة ميدانيًا وإن كانت الأعلى سقفًا والأكثر انخراطًا ومشاركة. 

غالانت كان يؤيد شن هجوم شامل على لبنان في أعقاب 7 أكتوبر-غيتي
غالانت كان يؤيد شن هجوم شامل على لبنان في أعقاب 7 أكتوبر-غيتي

لكن هذا لم يكن شأن إسرائيل في مقاربتها، ففي حين حرصت أطراف في محور المقاومة على عدم التقيّد الفعلي والكامل بوحدة الساحات، كانت مواقف مراكز القوة وصنع القرار في إسرائيل تتراوح ما بين ربط الساحات في الردود العسكرية عليها، أو تفكيكها.

وكان وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت والوزير في الحكومة المصغرة بيني غانتس آنذاك يدفعان باتجاه ربط ساحتي غزة ولبنان معًا، أي شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد حزب الله بالتزامن مع قطاع غزة، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان على الأغلب يريد ما هو أبعد، أي شن حرب على إيران نفسها، ولكنه كان يربط إمكانية تحقيق هدفه هذا بموافقة أميركية، يضمن من خلالها شراكة واشنطن في الحرب لا الضوء الأخضر وحسب.

هل ضلّلت إسرائيل حزب الله؟

هذا وسواه أسهما ربما بتضليل حزب الله الذي بقدر ما كان متوجسًا من التزام إسرائيل بقواعد الاشتباك، قدر ما كان ميالًا إلى الاطمئنان إلى أن هذه هي حدود الرد الإسرائيلي، ما جعله يستبعد فرضية أن نتنياهو كان يعوّل على التدرّج في التصعيد، لدفع حزب الله "لابتلاع" الضربات التي توجّه إليه والتطبيع معها، من دون أن يبادر هو (الحزب) إلى التصعيد الاستباقي، وهي فرضية تجعل العدو أو الطرف الآخر في الصراع رهينة الطرف الأول والحدود التي يرسمها له.

هذا ما فعلته إسرائيل حرفيًا بعد أن عرفت أو حدّدت نمط ومدى رد حزب الله، ففي 3 يناير/ كانون الثاني 2024 اغتالت إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان الاغتيال ربطًا للساحتين اللبنانية وغزة من جهة، واختبارًا لحزب الله من جهة أخرى.

جاء رد الحزب ضمن الحدود التي رسمتها إسرائيل، أعلى قليلًا من حدود قواعد الاشتباك، وأقل كثيرًا من مستوى الاختراق الذي حققته إسرائيل بانتهاك الضاحية الجنوبية وإدخالها في بؤرة الرد العسكري.

أغرى ذلك إسرائيل بالتصعيد أكثر، وبالإقدام على خطوة أكبر لا تنسجم مع قواعد الاشتباك السابقة بل تقطع معها، وتنقل الصراع إلى حدود تفكيك الحزب لا هزيمته أو إضعافه فقط، بل إهانته وضربه في حاضنته الشعبية وحصنها الحصين، ففي 30 يوليو/ تموز 2024 اغتالت فؤاد شكر، القيادي العسكري رفيع المستوى في الحزب، في غارة على الضاحية الجنوبية.

اغتالت إسرائيل فؤاد شكر في يوليو الماضي -غيتي
اغتالت إسرائيل فؤاد شكر في يوليو الماضي -غيتي

رد الحزب في 25 أغسطس/ آب بهجوم بأكثر من 300 صاروخ على مواقع داخل إسرائيل، لكنه في اليوم نفسه أعلن ضمنًا نعي ما تسمى وحدة الساحات أو عدم إمكانية الالتزام بها دائمًا.

حسابات غير متطابقة

ألقى الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، خطابًا في اليوم نفسه ( 25 أغسطس)، شرح فيه أسباب تأخر حزبه في الرد على اغتيال شكر، منها أن محور المقاومة لا الحزب وحده، كان يحتاج إلى بعض الوقت لبحث ما إذا كان يجب الرد بشكل جماعي على إسرائيل، وفي الوقت نفسه، أم لا، لينتهي الأمر بالرد المنفرد، وهو ما قام به الحزب فعليًا من دون أن يكون ذلك كافيًا لردع إسرائيل، بل لعلّه فتح شهيتها على حزب الله أكثر.

عمليًا تم عزل حزب الله آنذاك، وذلك بسبب انفجار التناقضات المكتومة والمسكوت عنها بين "محور المقاومة" و"وحدة الساحات"، فالمحور الذي يضم الحزب بالإضافة إلى الحوثيين والفصائل العراقية وسوريا وبدرجة أقل حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، يتحرك على إيقاع مختلف تضبطه إيران لا حزب الله أو سواه.

ومن هنا قد يعتبر البعض أن المايسترو الإيراني يتحرك ضمن سياق مختلف عن أطراف المحور، فهو كما يقول منتقدوه "يوظّف" هذه الأطراف أو يضبط حركتها على إيقاعه، وإيقاعه أبطأ من إيقاع حزب الله المنخرط بشكل مباشر مع إسرائيل، وبما ينأى عن التورط المباشر واحتمالات الخسارة.

المصادر:
التلفزيون العربي