عام 2022 وعلى طول الشريط الحدودي السوري-التركي، كانت الخيام تتكاثر، فمزيد من القصف يحصل في البلاد، كما أن سوء الحالة الأمنية يدفع الشباب نحو الخروج من مناطق النظام السوري، يضاف إليها عدم رغبتهم بالانخراط في صفوف الجيش السوري الذي يقاتل في جانب بشار الأسد. في هذا الوقت، لم يكن معظم السوريين يمتلكون القدرة على الوصول إلى الكهرباء إلا لسويعات قليلة في اليوم، مما يجعلهم يستغلونها في تهيئة أمورهم الأكثر أهمية؛ كالغسيل والطبخ على سبيل المثال.
في العام ذاته وفي مكان غير بعيد جغرافيًا عن سوريا، كان كريم عبد العزيز يسجل مشاهد فيلم "بيت الروبي" الذي تم عرضه للمرة الأولى في أواخر 2023، الفيلم الذي حصد ما يزيد عن 125 مليون جنيه إيرادات (2.5 مليون دولار)، وهو ليس الفيلم الوحيد الذي حصد مبلغًا كبيرًا كهذا، بل حصدت معظم أفلام كريم عبد العزيز مبالغ تقترب من 100 مليون جنيه أو تزيد كفيلم الفيل الأزرق، والكيرة والجن، ونادي الرجال السري وغيرها.
وليست أفلام عبد العزيز وحدها من حقق هذه الأرقام، ففي عام 2023 حققت الأفلام المصرية الـ44 التي تم طرحها في السوق ما يزيد عن 650 مليون جنيه (13 مليون دولار تقريبًا)[1]، وفي عام 2019 حققت السينما المصرية 40 مليون دولار أميركي[2]، وبالطبع لا ينتهي الأمر عند العروض الأولى، فعلى الرغم من أن الفيلم عندما يصبح متاحًا للجمهور يتم نسخه أو توزيعه مجانًا من قبل جهات متنوعة تهدف إلى تجاوز الحقوق القانونية المتعلقة بملكية الفيلم، إلا أن هذه الجهات تربح كذلك مبالغ من وراء هذه العملية، كما يبقى الفيلم مادة لتقطيعه وعرضه عبر السوشال ميديا، مما يحرك السوق بالمجمل.
في الدول الغربية تصل مساهمة هذه القطاعات لمليارات الدولارات، ففي الولايات المتحدة ساهم قطاع الثقافة والفنون بـ 4% من الناتج المحلي[3]، وتسعى المملكة العربية السعودية لأن تحقق مساهمة أكبر لهذا القطاع في الناتج المحلي، وفي الواقع الراهن يحقق قطاع الإعلام كاملاً حوالي 16 مليار ريال (4 مليار دولار).
قد يرفض البعض مناقشة الثقافة والفن من وجهة نظر اقتصادية، إلا أنّ أحدًا لا يمكنه نكران بأن هذا القطاع يولّد الكثير من المال، علاوة على أهميته في القضايا الاجتماعية والسياسية ورفع الوعي، وممارسة التعبير عن الرأي بأنواع مختلفة، وقد دخلت فيه شركات كبيرة مملوكة لمستثمرين يهدفون إلى الربح، كما أن العاملين الحرفيين داخل هذا المجال يتقاضون أجورًا مرتفعة نسبيًا.
يهدف هذا المقال لمناقشة قطاع الفن والثقافة في سوريا من وجهة نظر اقتصادية، ومعرفة ما إذا كان الاستثمار فيه مفيدًا في ظل ظروف صعبة كالظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها سوريا بعد أشهر قليلة من سقوط نظام بشار الأسد، وكذلك معرفة ما إذا كان هذا القطاع يستطيع أن يسهم في الناتج المحلي الإجمالي، وكيف يمكن لهذا أن يحدث.
أولاً: الواقع الاقتصادي للقطاع الثقافي والفني السوري
استطاعت المسلسلات والأفلام السورية أن تتقدم بقوة في الوسط العربي، وأن تلقى قبولاً واسعًا على معظم القنوات. ثم مع بدء الثورة السورية في 2011 راحت تتراجع نسبيًا لصالح تقدم ما هو عربي أو ما هو مختلط مع السوري، إلا أن المسلسلات السورية بدأت بالعودة إلى الواجهة في 2023 وما بعدها.
وشهد موسم 2024 إنتاج 20 عملاً بكلفة تقديرية تساوي 310 مليار ليرة سورية[4] ( 20 مليون دولار تقريبًا)، لكن في الحقيقة لا يوجد إحصاءات حول موارد هذه الأعمال، إلا أن متوسط سعر الحلقة للمسلسل قد يصل إلى 30 ألف دولارًا أو ما قد يصل إلى مليون دولار للمسلسل الواحد، والذي قد يباع لأكثر من مؤسسة أو قناة في وقت واحد، أي أن مجمل الحلقات العشرين قد لا تأتي بأكثر من 30 مليون دولار في عام كامل، وهو رقم متواضع في قطاع يمكن أن يدر مئات الملايين.
بالعودة إلى ماهو كلي، بالاستناد إلى الموارد التي تحققها المسلسلات، فإن قطاع الثقافة والفن بالمجمل متراجع في سوريا، ورغم أن الأفلام الوثائقية تنشطت في سوريا خلال فترة الثورة إلا أنها لم تكن ذات موارد كبيرة، فمعظمها كان لأغراض تأدية رسائل سياسية، وأتت في إطار معركة الروايات التي عملت عليها الأطراف، كذلك فإن الأعمال الفنية المختلفة من لوحات ومشغولات يدوية هي أعمال لفنانين معظمهم خرج من سوريا، ولم تعد تساهم نهائيًا في تشغيل عمالة أو مساهمة في الناتج المحلي.
وبالمجمل فالقطاع الثقافي هو جزء من حديث عن الوضع الاقتصادي العام، والنشاط الاجتماعي، الذي تراجع بشكل كبير، حيث أن سوريا تأخرت اقتصاديًا واجتماعيًا منشغلة بحرب داخلية استمرت 15 عامًا.

ثانياً: مؤسسات الأعمال في قطاع الفن والثقافة
لعل تعريف الثقافة بالأساس هو تعريف شائك، وهذا التعقيد ينعكس بشكل ما على تحويل هذا القطاع إلى صناعة أو قطاع ممارسة أعمال (Business)، كما أن القطاع يتشابك مع القطاع الاجتماعي ومع ما يتعلق بالتاريخ والآثار، وكذلك مع السياحة بشكل كبير، ولعل جميع القطاعات الأخرى تستفيد منه بشكل ما، فهو قطاع أساسه الإبداع، وكل عمل إبداعي داخله سيكون رافدًا لبقية القطاعات، خاصة على المستوى الفردي، فالكفاءات المبدعة ما هي إلا نتاج حالة ثقافية تتخرج من الثقافة لتدخل في قطاعات ممارسة أعمال أخرى. ولفك التشابك بين الثقافة والقطاعات الأخرى من الناحية الاقتصادية، يمكننا الحديث عن عدة مجالات تعتبر مكانًا لتحصيل الربح في قطاع الثقافة، وهي:
1- مجال النشر والكتابة
هو أحد أبرز القطاعات التجارية الذي تعمل فيه مؤسسات وأفراد مختلفون، فالكاتب الفرد أو الكاتب "الورشة" كمصطلح ناشئ هما نقطة البدء في مجال النشر والكتابة، ثم تأتي مرحلة الطباعة التي تتمحور حول دور النشر، والمطابع، وقد لا تنتهي بالمكتبة التي تشكل منفذًا لبيع المنتجات النهائية، وكل هذه المؤسسات هي جزء من "سلسلة الإنتاج". ومن الملاحظ أن سلسلة القيمة المضافة في قطاع النشر والكتابة تخضع لتطورات ملحوظة في الآونة الأخيرة، حيث دخل في هذا القطاع التصميم والتنسيق، والبيع والتسويق الإلكتروني، واستخراج الأرقام الدولية.
يوجد في سوريا 260 دار نشر مرخصة رسميًا[5]، كذلك يوجد أسواق كبيرة وعريقة للكتاب في سوريا، ولعلّ أبرزها سوق الحلبوني[6]في دمشق، وخلال فترة الثورة انتقلت أعداد كبيرة من دور النشر إلى الخارج، وتراجع الإنتاج الفكري السوري بشكل ملحوظ. على سبيل المثال نجد أن دار القلم المؤسسة منذ عام 1967 والتي كانت تعد أكبر ناشر سوري لسنوات طويلة؛ تراجع انتاجها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرةز مثلاً خلال الشهرين الأولين من 2025 لم يصدر أي كتاب في الدار، كما نجد أن موقع الدار على الانترنت لم يعد يعمل[7]، ومن حلب نجد أن دار شعاع التي ساهمت بنشر مميز للبرمجة والكتاب المتعلق بالعلوم الحديثة خلال التسعينات ومطلع الألفية، لم تعد تصدر كتب عنها، ورغم أن الموقع لا يزال يعمل، فإن رقم التواصل الموجود على الموقع يبدأ بالرمز التركي[8].
يمكن أن نضرب مثالاً على الدور التي خرجت من سوريا، تلك الموجودة في حي الفاتح في اسطنبول، حيث نجد بعض دور النشر السورية البارزة قد أعادت فتح أبوابها كدار مكتبة الأسرة، ودار اللاذقية، ودار نون، وغيرهما، وكذلك نجد ناشرين في دول عربية وأوربية مختلفة، إضافة إلى أن أصل القصة وهو المؤلف كان جزءًا ممن هاجر إلى الخارج.
2- الموسيقى والأغنية
الموسيقى والأغنية هي حالة من التعبير لذلك فهي ربما تكون استثناء في قانون التأثر بالحالة العامة التي حصلت في سوريا، فقد كان للأغنية دور كبير في تطور الثورة السورية، ولعلّ الأغنية الثورية لم تكن تدر دخلاً كبيرًا في مجمل الأحيان حيث كانت وسيلة تعبير أكثر من كونها مهنة.
يمكن النظر إلى الموسيقى والأغنية كمجال تجاري في ثلاث نقاط رئيسية، هي: الإنشاد والعراضة الذي يمتلك مؤسسات كثيرة في سوريا ولكن معظمها لا تزال غير احترافية رغم أنها تتقاضى مبالغ مالية جيدة، كما أن الطلب عليها مرتفع، فعلى سبيل المثال فإن فرقة أبو شعر السورية للإنشاد الديني أقامت حفلات عديدة في إطار دعوة عامة كان يحضرها في كل مرة بضعة آلاف، كحفل معرض الاسكندرية للكتاب[9] في 2018 إلا أن موارد هذه الحفلات لاتزال قليلة مقارنة بموارد الحفلات الغنائية التقليدية.
الركن التجاري الثاني هو الأغنية التقليدية التي تمتلك مؤسساتها الفنية المتكاملة، والتي تدر دخلاً معقولاً في هذا الإطار، أما الثالث فهو الموسيقى بوصفها مهنة يمكن عرضها في المسارح أو ارفاقها بالأعمال الفنية الأخرى.
3- مجال الفنون التصويرية والتشكيلية
في مجال الفن التشكيلي نجد عمقًا وقدمًا بدأ مع أعمال الفنان فاتح المدرس، وانتقل لجيل كبير من الفنانين السوريين الذين انتشروا مع مطلع الثورة السورية في عام 2011 في مختلف دول العالم، حيث نلاحظ أن الفنان التشكيلي إبراهيم الدندل كان قد أقام عدة معارض في عام 2024 و2023 في مدينة بازل بسويسرا[10] ومدن فرنسية وألمانية متنوعة، وبالمجمل نستطيع أن نضع مجال الفن التصويري والتشكيلي في سياق الأعمال من خلال مؤسسات مثل: المعارض ودور العرض، محلات بيع اللوحات والورش (L'atelier).
4- الحرف والصناعات اليدوية
تمتلك سوريا صناعات يدوية مهمة، أبرزها في دمشق وحلب وحمص، مثل صناعة السيف الدمشقي والزجاج المعشق والنحاسيات والخشب المشغول يدويًا، إضافة للمطرزات والصوفيات، والعجمي (لوحات هندسية خشبية مدمجة بالخطوط العربية ومفعمة بالألوان يتم تزيين المنازل بها)، إضافة لصناعة العود، وصناعة الخزفيات وغيرها من المهن، وما يمكن تصويره اقتصادياً على أنها ورشات إنتاج لفنون قابلة للبيع بأسعار جيدة، وتباع عبر معارض فيزيائية وإلكترونية.
5- المسرح والسينما والمسلسلات
يمكن تمثيله اقتصادياً بالمدن الفنية، ومؤسسات الإنتاج ومؤسسات التصوير والمونتاج والملابس الخاصة، وكذلك السينما ودورها، والموسيقى التصويرية.

ثالثاً: تجربة قطر في مجال تطوير الثقافة والفن
تأتي التجربة القطرية في إطار أهداف 2030 لقطاع الثقافة والفنون والتي ترتكز على أعمدة رئيسية هي هيئة متاحف قطر والمؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) إضافة لسوق واقف الشعبي، وقد طورت المؤسسات القطرية هذه المعالم بشكل ملحوظ، حيث تم إعادة بناء سوق واقف كليًا مع الحفاظ على طابعه الشعبي، وانتشرت فيه مئات المحال الصغيرة لبيع منتجات تكاد تكون من كل مكان في العالم تقريبًا.
ومن الملاحظ أن السوق مكتظ دائمًا بالزوار، ويمتلك السوق مطاعم ومقاهي متنوعة، وقد طورت الجهة المسؤولة عن السوق مركزاً للفنون داخله إضافة لاستقدامه لفنانين للرسم التقليدي كرسم الوجوه والرسم على الأرز، كما يلاحظ أن السوق يحتوي اليوم على أنشطة متنوعة كتواجد راكبي الدراجات بزيهم الخاص، كما يلاحظ أن الشرطة ترتدي زيًا تقليديًا يتناسب مع الجو العام في السوق، كذلك معظم الباعة من العمال الأجانب يرتدون أزياء وطنية، كما أن مجسم الإبهام، والمساجد المنتشرة في السوق تزيد من التنوع والمفاجأت. وأثناء خروجك من السوق تتوقف أمام تجربة الانتقال من الماضي إلى الحاضر عبر نفق مشيرب الذي ما إن تعبره حتى تصبح في عالم آخر من الأبراج والأضواء والمحال بماركات عالمية، ومنتجات مختلفة كلياً، مع ترام يمر داخل منطقة مشيرب.
تم بناء حي كتارا من الصفر تقريباً وصار مركزاً رئيسياً للحفلات والمهرجانات والمعارض، ويحتوي الحي على مسرح ومطاعم وأبنية تراثية ومسجد مميز، ويتم استضافة فنانيين وشعراء وكتّاب لإقامة معارض ولقاءات داخل الحي؛ مما يجعله مكاناً مميزاً للزوار من داخل وخارج قطر.
وتدير هيئة متاحف قطر مجموعة من المتاحف، والأماكن الأثرية والمساحات الترفيهية، ومن أبرزها متحف قطر الوطني، ومتحف الأطفال والمتحف الإسلامي، إضافة إلى صالات عرض ولقاءات ثقافية وفنية.
الجانب الاقتصادي لهذه المؤسسات يتمثل في بناء القوالب العامة للإنتاج الثقافة أو أوعية الثقافة التي بدأت تصبح عاملاً للجذب لزيارة قطر، حيث يعتمد قطاع السياحة بشكل كبير على هذه المعالم في ترويج نفسه، لقد حقق قطاع السياحة حوالي 90 مليار ريال قطري في عام 2024 (24 مليار دولار) وهو يمثل 10% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي[11]، وهو مابات يطلق عليه اسم طفرة السياحة في قطر خاصة بعد استضافتها لكأس العالم 2022. على جانب أخر بلغت مساهمة قطاع الثقافة والإبداع حوالي 20 مليار ريال قطري (5.5 مليار دولار) وهو مايشمل الأنشطة الثقافية إضافة لقطاع الإعلانات والبرمجة. وفي قطر قرابة 3100 شركة تعمل في مجال الأفلام والتلفزيون والتصوير والموسيقى، إضافة لحوالي 1700 شركة في مجال النشر وحوالي 1300 شركة طباعة[12]، ويتوقع أن هذا الرقم تطور بشكل كبير مع مطلع 2025.
رابعاً: رؤية للاستفادة من الفن والثقافة في سوريا
في الحقيقة، فإن سوريا تمتلك مقومات كبيرة في مجال الثقافة والفنون والتراث، فنحن نتحدث عن بلد عريق ومؤهل منذ مئات السنين، وعلى جانب آخر يحتوي على معالم تاريخية وأسواق شعبية، وساحات أحداث، إضافة إلى مدن قديمة، وأبنية تراثية، والأهم من هذا كله؛ أن كل معلم أو أثر يرتبط برواية مصاحبة، أي أنه ليس حدثاً مجرداً، بل هو قصة متكاملة يمكن روايتها أمام هذا المعلم.
وبالمجمل يمكن الحديث عن الأوعية الآتية كمطرح أو مكان استثمار يولّد مورداً كبيراً:
- الأماكن الأثرية والتراثية: نحن هنا نتحدث عن مئات الأماكن حرفياً، من مدن أثرية كتدمر، وبصرى الشام، والأحياء القديمة في حلب ودمشق وحمص واللاذقية، والقلاع التاريخية مثل قلعة حلب ودمشق والحصن وشيزر، إضافة للأسوار القديمة في الرقة وحمص، وكذلك المتاحف الكثيرة المنتشرة في مختلف أرجاء سوريا. للأسف لا تستثمر معظم هذه الأماكن بشكل تجاري، بما في ذلك أماكن عالية الأهمية مثل تدمر، ويتوقع أن سوريا تمتلك قرابة 250 موقعاً أثرياً[13]، والسؤال عن تحويل هذه الأماكن لمراكز تجارية تتمثل الإجابة عليه ببناء المتاحف، وتنظيم الزيارات، وإقامة المقاهي والمطاعم وطرحها للاستثمار.
- السجون والأماكن المرتبطة بمرحلة الثورة السورية: يمكن أن تشكل السجون مثل سجن صيدنايا وسجن فرع فلسطين أماكن زيارة محتملة للاطلاع على تاريخ شارك فيه بشكل مباشر أو غير مباشر ملايين السوريين، وهذه الأماكن يمكن أن تمثل مكاناً للزيارة مع تنظيم رواية جيدة بعيدة عن تهييج الأحقاد وتحفيز الثأر، وتعد كوسوفو أحد أبرز أماكن السياحة العالمية التي تستند لخلفية مشابهة حيث يقوم السائح بزيارة النفق الذي حفره المحاصرين في المدينة، وأماكن أخرى مماثلة لما هو موجود حالياً في سوريا.
- الأسواق والأحداث الثقافية: كذلك يمكن الاستفادة من الأسواق عبر الترويج لها، وإعادة تأهيل ماهو قديم وتراثي منها، وخاصة تلك الأسواق المتعلقة بالحرف اليدوية، ويمكن أن تدر هذه الأسواق على بساطتها مليارات الدولارات، كما يمكن أن تشغل عدد كبير من القوى العاملة، فالحرف اليدوية والمحال الشعبية تتطلب عدداً كبيراً من العاملين، وعلى جانب أخر يمكن لهذه الأسواق أن تحصل على قيم مضافة ترفع من قيمتها التجارية كون معظمها يعتمد على اليد العاملة، كما أن ورائها حكايات يمكن أن تروى، مما يجعلها تعزز قيمتها بالمرويات.
- الأفراد والجوائز: تمتلك سوريا مجموعة كبيرة من الشعراء، والكتاب والمثقفين، والموسيقين، وهؤلاء يمكن تنشيطهم وتحفيزهم من خلال مكافأتهم وتكريمهم وإقامة المناسبات والأحداث المستفاد منها تجارياً، كالحفلات الموسيقية، والندوات، والمسابقات، وهذا كله عامل محفز على تطوير مؤسسات إنتاج وتنظيم قادرة على توليد دخل.
- المسرح والمسلسلات والسينما: وهو قطاع لديه أرضية لا بأس بها رغم التراجع والوهن الذي أصابه، ويمكن في هذا المجال إقامة مدن فنية خاصة لمثل هذه الأعمال، خاصة وأن الواقع السوري اليوم، المتمثل بدمار قرى ومدن كبيرة، يمكن أن يشكل مكاناً لجذب مؤسسات عالمية للتصوير في مثل هذه الأماكن والاستفادة من الحالة في أفلام الحرب والأكشن، ومسلسلات الخيال العلمي وغيرها من الروايات والقصص. كما يمثل المشهد السوري الأخير في 15 سنة سابقة مجموعة واسعة من القصص التي تعد محلاً لإنشاء القصة.
في الخلاصة، لا شكّ أنّ التعويل على القطاع الثقافي ممكن، حيث أن القطاع يمتلك مقومات لجذب موارد ضخمة إليه، ولكن كل هذا يحتاج إلى تنشيط الركائز التي تحدثنا عنها سابقاً، كما أنه يحتاج إلى بيئة تتصف بالاستقرار أولاً والحرية ثانياً لنحصل على إبداعات حقيقية يمكن أن تجذب المزيد من الشباب والشابات للدخول في هذا القطاع، وتجذب السياح والمهتمين من دول مختلفة لمتابعته.